اختراق علمي كبير: مريض في غيبوبة «يتحادث» بأفكاره

باحثة بلجيكية لـ «الشرق الأوسط»: مرضى الغيبوبة يكيفون نشاطات أدمغتهم للإشعار بأنهم واعون

TT

نجح علماء بريطانيون وبلجيكيون في «التحادث» مع شخص كان يعتقد أنه واقع في غيبوبة تامة لا يمكنه فيها التواصل مع العالم الخارجي، بعد أن تعرض لإصابات وأضرار في الدماغ.. وذلك بالتواصل معه بواسطة الأفكار المتولدة في دماغه! وقالت أودري فاندهاديوز، الباحثة في مجموعة «كوما» (الغيبوية) لأبحاث العلوم العصبية بجامعة لياج البلجيكية، التي شاركت ضمن ثمانية باحثين في الدراسة، في حديث هاتفي مع «الشرق الأوسط»، إن الباحثين اكتشفوا أن عددا محدودا من المرضى ضمن مجموعة المصابين بالغيبوبة، أمكنهم «تكييف النشاطات في أدمغتهم للإشعار بأنهم واعون حقا». وأضافت أن الباحثين في الجامعة تمكنوا معا بالتعاون مع باحثي جامعة كمبردج البريطانية من ملاحظة حالة مريض مصاب بالغيبوبة، رصدوا لديه علامات اليقظة بعد إجراء دراسات متعددة له، ثم نجحوا في «الاتصال» به بعد أن عرفوا أن بإمكانه الاستماع إلى أسئلتهم، ثم أجروا الدراسة عليه.

وتركزت مهمة البحث الذي أجراه العلماء على توظيف تقنيات المسح والتصوير بجهاز الرنين المغناطيسي الوظيفي، لرصد زيادة تدفق الدم في بعض مناطق الدماغ أثناء ازدياد نشاطها. وأظهرت نتائج مسح الدماغ أن بالإمكان رصد مؤشرات على وجود الوعي لدى أشخاص كان الأطباء يرون أن لديهم درجة من اليقظة، لكنهم ظلوا في حالة غيبوبة تامة.

واختبر العلماء عددا من المتطوعين عندما طلبوا منهم التفكير في أنهم يمارسون لعبة كرة المضرب (التنس)، ولاحظوا تدفق الدم في منطقة الدماغ المسؤولة عن الحركة.

وسأل العلماء في الدراسة الجديدة التي استمرت ثلاث سنوات عددا من المرضى الواقعين في الغيبوبة رغم انقطاعهم عن العالم، ممارسة لعبة كرة المضرب، ثم نجحوا في رصد حالة اليقظة لدى 4 من 23 مريضا منهم، بعد رصد تدفق الدم في منطقة الدماغ المسؤولة عن الحركة، والتي ظهر أنها لم تتضرر مثلما تضررت المناطق الأخرى منه.

وقالت الباحثة فاندهاديوز إن الباحثين طوروا في الدراسة الجديدة التي نشرت في مجلة «نيو إنغلاند جورنال أوف ميديسن» تقنيات مسح الدماغ للاتصال بمريض عمره 27 سنة كان في غيبوبة تامة منذ تعرضه لحادث اصطدام سيارة قبل 5 سنوات، وطلبوا منه الإجابة عن عدة أسئلة بالإيجاب (نعم) أو النفي (لا) بواسطة أفكاره! وطلب من المريض أن يكون جوابه «نعم» إذا أخذ في التفكير بأنه يمارس لعبة المضرب، وأن يجيب بـ«لا» إذا أخذ في التفكير بأنه يدور متجولا في غرف منزله. ورصد العلماء مدى تدفق الدم أثناء إجابة المريض في منطقتي الدماغ المسؤولة عن الحركة (نعم) والأخرى المسؤولة عن الملاحة والتجوال (لا). وكانت تلك المنطقتان سليمتين لدى المريض المصاب بأضرار في مناطق أخرى من دماغه.

وقال العلماء إن المريض أجاب عن خمسة من أصل ستة أسئلة، ربما لأنه غفا في السؤال السادس. وقد أجاب بالإيجاب عندما سأله الأطباء أن اسم أبيه هو الكسندر.

وشارك في الدراسة باحثون في مركز ولفسون لتصوير الدماغ في كمبردج ببريطانيا وفي مجلس الأبحاث الطبية البريطانية. وقال الدكتور أدريان أوين، الذي شارك في الدراسة في بيان صحافي نشره المجلس على موقعه الإلكتروني «لقد دهشنا لهذه النتائج الجديدة، خصوصا إجاباته عن الأسئلة بواسطة أفكاره». وأضاف أن ذلك سيساعد الأطباء على التعرف على حالة المريض المعنوية وراحته وسؤاله عن آلامه وعما إذا كانت أدوية تخفيف الألم تساعده أم لا. وعلق الدكتور مارتن لوريس، الباحث في جامعة لياج المشارك في الدراسة، بأن «تقنيات المسح والتصوير هذه أثبتت أنها الوسائل الوحيدة حتى الآن التي يمكن للمريض التواصل بها. وإننا نأمل تطوير وسائل في المستقبل تتيح للمرضى التعبير عن مشاعرهم وأفكارهم، والتحكم بما يحيطهم وتحسين نوعية الحياة لديهم».