استراتيجية المصالحة بين كرزاي وطالبان تثير مخاوف عرقية وحقوقية بالداخل

مخاوف من رد فعل ضد حقوق المرأة.. وضخ ملايين الدولارات سيفيد على نحو غير عادل قرى البشتون

TT

تنامت مؤخرا المعارضة السياسية الداخلية لخطة الرئيس حميد كرزاي التي تهدف إلى إنهاء الحرب من خلال التفاوض مع زعماء حركة طالبان وإعادة دمج مقاتليهم من خلال الوعود بالوظائف والمشروعات التنموية.

وذلك بعدما أسفرت عقود من القتال عن إجماع واسع النطاق على أن القتال لن ينهي الصراع في أفغانستان، ولكن المعارضة المبكرة للمصالحة مع المتمردين تشير إلى صعوبة الطريق الذي تعهد الرئيس كرزاي بأن يقطعه ويجعل منه أولوية لفترة ولايته الثانية. وقد أعرب البعض عن مخاوفهم من أن ضخ الملايين من الدولارات إلى القرى التي تسيطر عليها طالبان في الجنوب سوف يفيد على نحو غير عادل البشتون ويكافئ هؤلاء الذين كانوا يحاربون الحكومة. فيما يخشى آخرون من أن محاولة احتواء قيادات طالبان ربما تتسبب في رِدة فيما يتعلق بحقوق المرأة. في الوقت نفسه، قال مسؤولون سابقون في حركة طالبان إنه من دون حدوث تغير في السياسة الأميركية، فمن المستبعد أن يتفاوض قادتهم مع الحكومة التي تدعمها الولايات المتحدة. من جهة أخرى، يقول عبد السلام ضعيف الذي كان يعمل سفيرا لدى باكستان في حكومة طالبان: «لا توجد استراتيجية واضحة للمفاوضات. فقد خدعت طالبان عدة مرات. وهم لن يقبلوا بالخديعة مرة أخرى. فهم يحتاجون إلى ضمانات واضحة».

وعلى الرغم من أن المسؤولين في الحكومة الأميركية قد أعربوا عن مساندتهم لمبادرة كرزاي، فإن الحكومتين تختلفان حول تفاصيل التطبيق؛ حيث يفضل المسؤولون الأميركيون التركيز على القاعدة الشعبية للمقاتلين على أمل أن يساعد الثلاثون ألف جندي الإضافيين على إضعاف موقف حركة طالبان التفاوضي. لكن حكومة كرزاي أكدت على أهمية التواصل مع قيادات الحركة الإسلامية. يذكر أن كرزاي قضى يوم الأربعاء الماضي في المملكة العربية السعودية محاولا إقناع المملكة بالمساعدة في حث ممثلي حركة طالبان على حضور المؤتمر المزمع عقده في كابل، وفقا لمسؤول أفغاني بارز. من جهة أخرى، يقول المستشار السياسي لكرزاي إن «رغبة الولايات المتحدة في دمج المقاتلين من الدرجات الدنيا في طالبان دون القيادات أمر مثير للشكوك. فذلك هو ما يخشونه ولكننا، من الجانب الأفغاني، نحاول إشراك الجميع في المفاوضات». وعلى الرغم من أن التفاصيل النهائية لاستراتيجية مصالحة الحكومة الأفغانية لم تنته حتى الآن، فإن كرزاي كان قد أعلن عن المبادئ الأساسية لها في مؤتمر دولي في لندن خلال الأسبوع الماضي. ومن بين شروطها للتفاوض، تريد الحكومة الأفغانية أن يعلن أعضاء حركة طالبان تخليهم عن العنف، والروابط القوية بتنظيم القاعدة، وباحترام الدستور. وقد تعهد المجتمع الدولي بإنشاء صندوق بمبلغ 140 مليون دولار للمساعدة على العمليات التنموية الاقتصادية وبرامج مكافحة البطالة وتشجيع المقاتلين على تغيير اتجاههم. وكانت برامج المصالحة السابقة التي كانت تستهدف إعادة دمج القاعدة الشعبية للمقاتلين قد فشلت إثر الفساد وسوء الإدارة. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة لم تشارك في تأسيس الصندوق، فإنها سوف تستغل التمويل العسكري لدعم ما أطلق عليه المسؤولون «إعادة الدمج». وقد أكد مسؤولون أميركيون ودوليون أن ذلك الصندوق لا يستهدف شراء ولاء الأفراد ولكنه مخصص لتمويل المشروعات - بناء الطرق، والمشروعات الزراعية، والتدريب المهني - التي تعمل على تطوير القرى وهو ما يمكن أن يحث المقاتلين على التخلي عن العنف. كما أن تلك الاستراتيجية تستهدف الحد من الادعاءات الزائفة بالانتماء لحركة طالبان بغرض الحصول على مزايا مالية. ولكن في الوقت نفسه، أعربت جماعات من مختلف الأطياف السياسية في أفغانستان عن مخاوفها بشأن التقدم في كلا المسارين؛ إعادة دمج مقاتلي الحركة، ودمج قيادتها في آن واحد.

كما أعربت الأقليات العرقية عن تحفظها على الأموال المخصصة لإعادة دمج مقاتلي طالبان، حيث إنها سوف تعمل على تحسين المناطق البشتونية التي شهدت حركات تمرد قوية دون غيرها. فيقول سيد أغا حسين فاضل سانجاراكي المتحدث الرسمي باسم الجبهة القومية وهو الحزب الذي يقوده طاجيكي من الشمال: «لن يساعد ذلك المال، بل إنه سوف يمنح حركة طالبان المزيد من السلطة. يجب على الأميركيين عدم إهدار أموالهم في توفير فرص عمل لأفراد حركة طالبان، بل يجب أن يعملوا على خلق فرص عمل للأفغان».

وعلى الصعيد نفسه، تقول سيما سامار رئيسة اللجنة الأفغانية المستقلة لحقوق الإنسان إن التوصل إلى حل سلمي للصراع الأفغاني يمثل ضرورة، ولكنها أكدت في الوقت نفسه أن أي جهود للتفاوض مع زعماء حركة طالبان، الذين كان نظامهم يقوم بممارسات قمعية إزاء المرأة، يجب أن تأخذ الجرائم التي اقترفوها في الحسبان. وتضيف: «لا نستطيع تجاهل حقوق الإنسان على نحو دائم من أجل تحقيق مكاسب سياسية».

من جهة أخرى، يقول مسؤولون سابقون في حركة طالبان إن الجهود التي تدعمها الولايات المتحدة لجذب القاعدة الشعبية لمقاتلي حركة طالبان ما هي إلا مضيعة للوقت والمال؛ حيث إن السبيل الوحيد لإنهاء الحرب هو التفاوض مع قيادات الحركة. فيقول ضعيف: «تدرك حركة طالبان أن تلك مؤامرة ضدها، لتفريقهم وزرع الشقاق بينهم. ولن يقبل أي مجاهد يحارب من أجل إرضاء الله بذلك. أبدا». ويختلف ضعيف وغيره من المسؤولين السابقين في حركة طالبان مع المفهوم السائد بين المسؤولين الأميركيين والمسؤولين بحلف شمال الأطلسي حول أن الغالبية العظمى من مقاتلي طالبان انضموا للقتال لأنهم يرغبون في الحصول على المال والحماية والوضع الاجتماعي. فيقول ضعيف: «إنها حرب آيديولوجية. فعندما يأتي أحد الأشخاص إلى كابل ويحارب داخلها فهو على يقين من أنه لن ينجو. فسوف يقتل هنا. فالأمر لا يتعلق أبدا بالمال».

وفي تصريحات رسمية، أكدت حركة طالبان عدم التفاوض على رحيل القوات الأجنبية. وقد وصف بعض الأعضاء السابقين في حركة طالبان ذلك بأنه موقف سياسي، مؤكدا أن اتخاذ خطوات أقل درامية يمكن أن يدفع بزعماء طالبان إلى طاولة المفاوضات. كما يؤكدون أنهم يعتبرون طالبان حركة سياسية شرعية، ومن ثم فهم يطالبون بإزالتهم من قائمة العقوبات الخاصة بالأمم المتحدة التي تم بموجبها إثبات الصلة بين أكثر من 100 شخص وحركة طالبان مما تسبب في تجميد أصولهم ومنعهم من السفر. فيضيف عبد الحكيم مجاهد الذي كان يمثل حركة طالبان لدى الأمم المتحدة والذي ما زال على قائمة العقوبات: «تلك القائمة سخيفة. فكثير من هؤلاء الأشخاص هنا في كابل، وكانوا يعملون مع الحكومة منذ سنوات». ويضيف أرسال الله رحماني الوزير السابق في طالبان: «إنهم يريدون التفاوض. ولكن المشكلة هي أن طالبان لا تثق في الأميركيين». ويقول سانجار إن جهود الحكومة الأفغانية ما زالت في بدايتها ولكن هناك المزيد من الدعم الدولي للمصالحة أكثر مما مضى. مضيفا: «نتمنى أن نتمكن من تعزيز الثقة بين الحكومة وقوات طالبان. فإذا ما نجحنا في ذلك، ستسنح أمامنا الفرصة ومن الذي نستطيع التحدث معه».

* خدمة «واشنطن بوست».

خاص بـ«الشرق الأوسط».