باريس: ليبرمان أفضل عميل لسورية.. وليس الرجل المناسب في المكان المناسب

مصادر فرنسية رسمية لـ «الشرق الأوسط»: التصعيد بين سورية وإسرائيل «فقاعات صابون»

TT

«فقاعات صابون»، هكذا وصفت مصادر فرنسية رسمية السجال الجاري بين سورية وإسرائيل، والتهديدات الحربية التي وصلت ذروتها في تبادل الاتهامات والتهديدات بين وزير الخارجية السوري وليد المعلم ووزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان.

وقالت المصادر الفرنسية التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط»، أمس: إن تهديدات ليبرمان «لا تعكس استراتيجية عسكرية أو سياسية إسرائيلية بقدر ما هي انزلاق كلامي»، لوزير الخارجية الإسرائيلي الذي وصفته بأنه «شخص مزاجي وصعب المراس والقيادة»، ونادرا ما يلجأ إلى استخدام اللغة الدبلوماسية. وترى باريس أن ليبرمان الذي تحمله قسما كبيرا من المسؤولية، لا بل كل المسؤولية في التصعيد الكلامي الأخير «ليس الرجل المناسب في المكان المناسب».

وسبق للرئيس ساركوزي لدى استقباله رئيس الوزراء الإسرائيلي الصيف الماضي أن نصح نتنياهو بـ«التخلص» من ليبرمان، مما أثار وقتها حفيظة الأخير وكاد يؤدي إلى أزمة دبلوماسية بين البلدين. غير أن باريس ترى، مع ذلك، أن «تراكم» التصريحات الحربية والمتطرفة «أمر خطير» ولا يمكن حسبان نتائجه والتحكم به بشكل كامل. ولذا فإن الدبلوماسية الفرنسية، وفق ما علمته «الشرق الأوسط» قامت بمساع من أجل التهدئة. وبحسب ما قالته المصادر الفرنسية، فإن «الخاسر» في هذه العملية هو إسرائيل التي تساهم تصريحات كهذه في «عزلتها» السياسية والدبلوماسية.

ووصفت باريس التطورات الأخيرة بأنها «خطوة ناقصة» إسرائيلية على مستويين: الأول، يتناول الجهود التي كانت تبذل لإعادة وصل المفاوضات غير المباشرة بين دمشق وتل أبيب بوساطة تركية أو أميركية أو أي وساطة أخرى، وهو ما يصب في صالح إسرائيل. والأمر الثاني، مفاده أن عودة التوتر بين الجانبين من شأنه أن ينسف الجهود الدبلوماسية الغربية الهادفة إلى الفصل بين سورية وإيران. والحال أن التهديدات الإسرائيلية من شأنها أن توثق علاقاتهما الثنائية، وتجعل دمشق تتقارب مجددا مع طهران وتطوي (مؤقتا) الرغبة في تحقيق «التوازن» في مواقفها بالابتعاد شيئا فشيئا عن طهران والتقرب من الدول العربية المعتدلة، ومن الدول الغربية الرئيسية بما فيها الولايات المتحدة الأميركية.

وتذكر باريس بالتوتر الذي شهدته العلاقات التركية - الإسرائيلية الذي تنسبه بشكل مباشر إلى ليبرمان ونائبه. كما أنها تقارن بين النشاط الدبلوماسي الإسرائيلي أيام حكومة أولمرت، حيث كانت هناك مفاوضات مباشرة مع الفلسطينيين وغير مباشرة مع سورية وعلاقات جيدة مع تركيا. وكل ذلك يتناقض بشكل واضح مع حال الدبلوماسية الإسرائيلية اليوم في ظل نتنياهو و ليبرمان.

وتعتبر باريس أن علاقاتها المستجدة مع دمشق والصداقة القائمة بين ساركوزي ونتنياهو تسمح لفرنسا بأن تبعث بـ«رسائل واضحة» إلى الطرفين. ومضمون ما أوصلته مؤخرا هو ضرورة التهدئة و«امتلاك الأعصاب» فضلا عن «تحاشي كل ما من شأنه أن يوتر الوضع على الجبهة مع لبنان وعلى الجولان، غير أن المصادر الفرنسية «تعترف» بأن الجانب الإسرائيلي «لا يسهل مهمة فرنسا». وتركز باريس عملها على توضيح أن المسار الذي تسلكه إسرائيل في سجالها الحربي مع دمشق «يعطي نتائج عكسية» و«لا يخدم المصلحة الإسرائيلية ولا الهدف الغربي في اجتذاب سورية وإبعادها عن طهران». وبحسب باريس، فإن ليبرمان هو «أفضل عميل لسورية» لأنه يسدي لها خدمات لم تطلبها.

أما عن الرد السوري، فإن باريس ترى أن دمشق «لا يمكن لها إلا أن ترد» على الاستفزازات الإسرائيلية. ومن المقرر أن يقوم رئيس الحكومة الفرنسي فرنسوا فيون بزيارة رسمية إلى دمشق ابتداء من التاسع عشر من الشهر الجاري على أن يزور بعدها العاصمة الأردنية. ومع أن الزيارة ستكون أساسا بهدف اقتصادي، فإنها ستتناول الجوانب السياسية والدبلوماسية والوضع العام في الشرق الأوسط ورغبة باريس في القيام بـ«شيء ما» لإخراج الوضع الشرق أوسطي من الطريق المسدود. وينتظر أن يزور الرئيس الفلسطيني محمود عباس فرنسا في الثاني والعشرين من الشهر الحالي، وسيلتقي الرئيس ساركوزي وكبار المسؤولين الفرنسيين. والخلاصة التي تصل إليها الدبلوماسية الفرنسية هي أنه «لا حرب قادمة» في الوقت الحاضر بين الجانبين لأنه لا أحد يريد أن يحارب ولا مصلحة لأي جهة في الحرب. لكن بالمقابل، يتعين الابتعاد عن الاستفزازات المتكررة لأنها «قد تكون خطيرة» خاصة إذا أساء الطرف الآخر تقديرها وفهمها على غير حقيقتها. وكان الرئيس ساركوزي قد «طمأن» رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري مؤخرا ولدى زيارته الرسمية إلى باريس، بخصوص التخوفات اللبنانية من حرب إسرائيلية جديدة على لبنان. وأبلغ ساركوزي الحريري أنه سيتدخل لدى إسرائيل، لكنه نبهه إلى أن جل ما يستطيع أن يقدمه، وفق عبارة الوزير برنار كوشنير هو «تطمينات». أما الضمانات، فإن إسرائيل وحدها هي التي يمكن أن تعطيها.