حتى مع القوانين الباكستانية.. طالبان قادرة على عبور الحدود بسهولة

عبر رشوة الحراس على كلا الجانبين * شاحنات من الحشيش والأفيون والهيروين تهرب بانتظام بعيدا عن مسؤولي أمن الحدود وتدخل باكستان

نقطة الحدود بين شامان وكويتا مزدحمة بعبور الشاحنات بشكل يومي تسمح ايضا بتسلل عناصر طالبان بين الجانبين بسهولة («نيويورك تايمز»)
TT

ربما يحوي هذا الكيس البني السميك الذي يحمله ذلك الرجل المدعو عبد الملك على كتفه أي شيء من أسلحة أو مخدرات أو متفجرات أو غيرها. لكن عبور الحدود الباكستانية الأفغانية ذهابا وإيابا لا يمثل مشكلة له على الإطلاق. لم يقم حرس الحدود الباكستانيون أبدا بتفتيشه على الرغم من مروره من هذا المعبر الذي يعج بالحركة أربع أو خمس مرات في الأسبوع. وقال عبد الملك، البالغ من العمر 34 عاما صاحب متجر ملابس الذي يحمل اسما واحدا مثل كثير من الأفغان: «ماذا يفتشون؟ ليس هناك ما يفتشونه». أما الأفغان الآخرون فيقولون إنهم قادرون على عبور الحدود مع باكستان عبر رشوة الحراس على كلا الجانبين من الحدود بما يوازي دولارا وربما أقل من ذلك، أو عبر رشوة سائقي التاكسي الذين يتقاضون مبلغا مماثلا لعبور الحدود، حيث لا يسأل الحراس مستقلي التاكسي عن هوياتهم أو تفتش الشاحنات. الطريقة التي يستخدم بها مقاتلو طالبان مناطق الحدود القبلية الباكستانية لشن هجماتهم داخل أفغانستان ربما تكون القضية الأكثر نقاشا بين باكستان والولايات المتحدة. لكن هذه المشكلة يصعب احتواؤها في منطقة القبائل غير الخاضعة للقوانين. لا تزال هناك ثغرات في نقاط التفتيش الأمنية في المعابر المستخدمة للتجارة كمعبر شامان الموجود في إقليم بلوشستان، الذي يقول المسؤولون الأميركيون إن قادة طالبان يتخذونه ملاذا بعيدا عن أعين القوات الأميركية وقوات «الناتو». معبر شامان - الذي تميزه على الجانب الباكستاني «بوابة الصداقة»، المؤلف من ثلاثة طوابق - يفترض أن يكون من بين المناطق الأكثر أمنا في البلد؛ فهو المعبر الوحيد بين قندهار مهد حركة طالبان الأفغانية، وبلوشستان، التي تعتبر، بحسب مسؤولين أميركيين، موطنا لقادة طالبان الذين يسيطرون على كثير من المقاتلين الأفغان. لكن مقاتلي طالبان - أو أي شخص - قادرون على عبور وتهريب الأسلحة والمخدرات عبر المعبر، الأمر الذي يبرز التحدي الذي تواجهه جهود الحرب الأميركية في أفغانستان، التي تشكل الحدود بالنسبة لها عائقا أكثر مناعة، إذ لا تسمح باكستان لحلف «الناتو» أو القوات الأميركية بعبوره.

والنتيجة هي أن مقاتلي طالبان والمهربين يسيطرون على أجزاء كبيرة من الحدود الوعرة بين أفغانستان وباكستان التي تمتد على مسافة 1.500 ميل، ما يشكل فضاء معركة أكثر رحابة بالنسبة للمتمردين، حيث تقوم حركة طالبان بشن هجمات منسقة على نحو متزايد في كلا البلدين. يتبادل المسؤولون الباكستانيون والأفغان الاتهامات بانعدام الأمن على الحدود والتهديدات التي يشكلها، كدليل على الريبة وانعدام التنسيق بين الحكومات.

وقال أحد كبار مسؤولي الاستخبارات الغربية إن القوات الأميركية وقوات حلف شمال الأطلسي ملومة أيضا؛ «فالقوات الأفغانية تقف دون مساعدة حقيقية هناك، حيث لا وجود للقوات الأميركية أو الناتو». ويشكو القادة الباكستانيون من أن الولايات المتحدة وحكومات دول حلف شمال الأطلسي الأخرى لم تقدم لهم أي شيء تقريبا من المعدات اللازمة لتحسين الأمن أو لمنع مقاتلي طالبان من عبور الحدود بسهولة. وقال الميجور جنرال سليم نواز قائد قوات حرس الحدود الباكستانية، القوة شبه العسكرية المسؤولة عن تأمين الحدود هنا، في إشارة إلى حركة طالبان: «ربما يعبرون من خلال معبر شامان»، وأشار إلى أن القوات الباكستانية اعتقلت متشددين في مكان آخر في المقاطعة، لكنه أضاف: «إنهم لا يعبرون بأسلحة، فكيف سيتم تمييزهم عن الأفراد العاديين؟».

لم يشكك مسؤول عسكري يتابع قضايا الحدود في وجهات نظر الباكستانيين بشأن المشكلات الحدودية، وقال إن مزيدا من المعدات سيتم إرسالها. لكن المسؤول أضاف أن هناك قصورا لدى الجانب الباكستاني كذلك. وقال: «هناك على الأرجح ما يكفي من المشكلات على كلا الجانبين». وتبدو الصورة أكثر وضوحا في المناطق الريفية الواقعة على طول 700 ميل من الحدود بين أفغانستان وبلوشستان، التي توجد بها 276 نقطة أمنية في الجانب الباكستاني. في واحدة من هذه النقاط الأمنية القريبة من مدينة نوشكي، اعترف قائد القوات الحدودية الباكستانية العقيد جاويد ناصر بأن شاحنات كاملة من الحشيش والأفيون والهيروين تهرب بانتظام بعيدا عن مسؤولي أمن الحدود وتدخل باكستان، حيث يباع كثير من هذه الشحنات فيما بعد بملايين الدولارات التي تدفع في نهاية المطاف لتسليح طالبان ودفع رواتبهم. وقال العقيد ناصر: «هناك كثير من تهريب المخدرات. لكن ما يقلقنا هي الأسلحة التي تأتي من أفغانستان».

وأشار العقيد ناصر إلى أنه خلال فترة عمله التي استمرت على مدار عام كامل على الحدود، لم ير أي جندي سواء من القوات الأميركية أو قوات حلف شمال الأطلسي على الجانب الأفغاني، وأن المراقبة عبر الحدود في النقاط الأمنية الأفغانية - نقطة مراقبة من اثنتين فقط لحراسة 120 ميلا من الحدود - يقوم بها مجموعة من الجنود الأفغان الذين لا يكترثون لأمر الدوريات. في الوقت الحالي يمثل عبور الحدود بالنسبة للقوات الأميركية مشكلة أخرى، فمع وصول 30.000 جندي إضافي إلى جنوب أفغانستان في إطار خطة الرئيس باراك أوباما لزيادة عدد القوات الأميركية يرغب القادة العسكريون الأميركيون في زيادة مرور الإمدادات عبر معبر شامان الحدودي بنسبة 30%. حيث تمر خلال الأيام العادية ما بين 60 إلى 100 شاحنة إمدادات أميركية من خلال المعبر. لكن تلك الجهود تعثرت بشدة جراء تحول حركة مرور السيارات إلى أحد الطرق الترابية عبر الحدود التي لا يمكنها سوى استيعاب شاحنة واحدة في أي من الاتجاهين. وقد أغلقت البوابة الرئيسية أمام المركبات - وليس للأفراد - بسبب مشكلات في البنية التحتية. ويبدي المسؤولون الأميركيون رغبتهم في تحسين هذه المسارات البديلة، ولكن تلك الجهود تعرضت للتأجيل. ويخشى المسؤولون العسكريون الأميركيون أيضا من مرور شاحنات الإمداد عبر المعبر الضيق، مما يجعلها عرضة للهجوم.

وقال مسؤول عسكري أميركي، مشيرا إلى أن المعبر يحتاج إلى عملية تطوير ضرورية على كلا الجانبين: «أخشى من أن لدينا طريقا سريعا يتكون من أربع حارات ينتهي إلى طريق ترابي». ويشير مسؤولون باكستانيون وغربيون إلى أن المشكلات تزداد تعقيدا على الجانب الأفغاني بسبب الكولونيل عبد الرازق. ويقولون إن عبد الرازق، الحليف السياسي لحكومة الرئيس حميد كرزاي، يستخدم سيطرته على المنطقة الحدودية حول مدينة سبين بالداك لجني الملايين من الدولارات عبر التهريب. ويقول مسؤولون باكستانيون إنه في مقابل تأمين الطريق المؤدي من سبين بالداك إلى قندهار وقتال حركة طالبان يسمح للكولونيل عبد الرازق بالعمل متمتعا بالحصانة واستغلال الحدود في عمليات التهريب. فأحيانا كان يغلق الحدود لتقاضي رشى من المهربين للعبور.

وقد نفى عبد الرازق الاتهامات الموجهة إليه قائلا: «لم أغلق الحدود على الإطلاق ولن أفعل، وأنا أتعامل بصرامة مع المهربين».

* خدمة «نيويورك تايمز»