عودة العمالة الهندية من الخليج.. تحد جديد للهند

بعضهم مصدومون.. وآخرون يريدون الاستمتاع بحياتهم الجديدة

TT

عندما حطت الطائرة التي كان يستقلها، خرج عبد الوهاب من مطار كوتشي الذي تنتشر على أطرافه أشجار النخيل ليستقبل عائلته بالعناق، بعد 24 عاما من العمل في دولة الإمارات العربية المتحدة. عاد عبد الوهاب إلى الوطن حاملا حقيبته وإشعار تسريح بأن وظيفته، كسائق رافعة في ميناء دبي الذي كان يعج من قبل بالحركة التجارية، التي كانت تدر عليه دخلا جيدا، قد انتهت. غصت الطائرة التي حملت عبد الوهاب بالكثير من العمال الهنود الذين عادوا، فيما كان العشرات منهم لم يسددوا ديون سفرهم. وقال عبد الوهاب، 48 عاما، الذي ادخر ما يكفي لشراء منزل مكون من ثلاث غرف في قرية هادئة تنتشر بها أشجار جوز الهند والموز في ولاية كيرالا الجنوبية: «كانت الرحلة مليئة بالرجال المصدومين والحزانى. لم أستطع أن أفكر سوى في زوجتي وولديّ في الهند. لم أود أن أخيب آمالهم. وقد أصبحت الهند دولة قوية والأموال التي تسري في بنوكنا وقرانا هي أموال المهاجرين. وآمل أن أجد عملا جيدا في بلادي». يشار إلى أن حركة الهجرة الكبيرة للعمال الهنود إلى الخليج تباطأت بدرجة قليلة، إذ كان حوالي 4 ملايين هندي قد سافروا إلى المنطقة منذ عام 2003، إلا أن تلك المعدلات تراجعت قليلا خلال الأزمة الاقتصادية عام 2008. والآن دفع اكتمال «برج خليفة» أعلى مبنى في العالم، وأزمة دبي العالمية، إلى هذه الهجرة العكسية. ويمكن الشعور بتأثيرات الركود الاقتصادي في دول الشرق الأوسط، في أماكن بعيدة مثل بنغلاديش والفيلبين والهند، حيث ترك الملايين من المهاجرين بلادهم بحثا عن الثروة. تمثل عودة عبد الوهاب والآلاف من أمثاله، واحدا من أكبر التحديات التي تواجه الهند في نهضتها المأمولة كقوة عظمى. وأبرز تلك التحديات كيفية توفير فرص عمل جيدة الدخل لثاني أكبر بلد في العالم من حيث تعداد السكان. فأكثر من 75% من سكان الهند البالغ عددهم 1.2 مليار نسمة تقل أعمارهم عن 35 عاما.

وقال بينود خادريا، من مركز دراسات الشتات والهجرة الدولية في جامعة جواهرلال نهرو في نيودلهي: «بدأ العصر الذهبي لدول الخليج في الأفول. وعلى المدى القريب فإن فقدان الوظائف أمر سيئ بالنسبة للعائلات، حيث ستضطر إلى وقف مشاريعها. لكن على المدى البعيد أمام الهند بعض الدروس لتتعلمها. يجب علينا إصلاح نظامنا التعليمي وتوفير وظائف جيدة الدخل. لقد بنى الهنود ناطحات سحاب جميلة في دبي وربما يكون بمقدورهم الآن بناء ناطحات سحاب في الهند أيضا». بدأت هجرة العمال الهنود إلى منطقة الخليج خلال الطفرة النفطية في السبعينات، عندما كان الملايين من العمال غير المهرة في جنوب آسيا يركبون الطائرات إلى مدن مثل دبي، آملين أن يسهم العمل في الخارج في توفير الأموال التي يمكن أن تحسن من أحوالهم المعيشية. وقد حولت هذه الهجرة حياة الملايين بالفعل، الذين عملوا ليل نهار يبنون الأبراج الحديثة، لكنهم عاشوا في أكواخ ضيقة هامشية، بيد أنهم مع ذلك يتقاضون ثلاثة أضعاف ما قد يتقاضونه نظير هذا العمل في الهند.

وقد سافر العمال المهرة أيضا، إذ إن 30% تقريبا من الهنود العاملين في الخليج أطباء ومستشارون تنفيذيون ومهندسون. وقال محمد ساجيل، 34 عاما، وهو مدير تسويق فقد عمله في المملكة العربية السعودية العام الماضي ويعمل سكرتيرا في مؤسسة كيرالا للهجرة: «حال الهنود في الخليج يتمثل في الآتي: اعمل ثم كل ثم نم، وهكذا في اليوم التالي. لكن في الهند هناك الكثير من الأفراد وهناك الكثير من المنافسة، إضافة إلى ذلك كنت أجني ثلاثة أضعاف ما أتقاضاه هنا. وقد خاب أمل زوجتي الآن أما أولادي فسيضطرون إلى الذهاب إلى مدارس أرخص».

تنبع الضغوط المالية على العمالة العائدة من ثقافة الحوالات، طوق النجاة المالي الذي يرسله العمال إلى البلاد. وتلك التمويلات تقل بدءا من أميركا اللاتينية وانتهاء بوسط آسيا لأن الاقتصادات التي يعتمدون عليها تباطأ نموها. والموقف أكثر وضوحا في الهند حيث يرسل المهاجرون المزيد من الأموال إلى البلاد أكثر من أي مجموعة مهاجرة أخرى في العالم. وقال الرئيس الهندي براتيبها باتيل إن الحوالات النقدية التي بعث بها العاملون الهنود في الخارج العام الماضي تقدر بأكثر من 50 مليار دولار، مضيفا أن 20 مليارا من هذا المبلغ كان يأتي من العمال في دول الخليج. في بلدة موفاتابيوزها في أقصى الجنوب من ولاية كيرالا بالهند، مثلت الأموال التي أرسلت من الخارج نحو 22% من اقتصاد الولاية، حسبما قال وزير المالية في الولاية توماس إسحق.

وقد أعلنت حكومة الهند في الآونة الأخيرة أنها ستساعد العمال العائدين. وفي قرية الأرض الحمراء هنا يقوم عمال البنوك الحكومية بالتجوال في المنازل وتقديم قروض منخفضة الفائدة للعمال العائدين. مصير هؤلاء العمال لا يكون حزينا على الدوام. فبعض العمال المهرة الذين غادروا لدبي منذ عقود يقولون إنهم عادوا إلى هند جديدة، بها الكثير من الوظائف الجيدة. ويقول مانوج كومار، الذي يعمل في برنامج «ميغرانت وورلد» التلفزيوني الشهير في كيرالا، والذي فقد عمله أخيرا في دبي: «بالنسبة للحاصلين على الدرجات الجامعية فإن الهند هي أرض الفرص. أنا أقول لكل العائدين المهرة يمكنكم الآن التمتع بالحياة الزوجية، وتناول الطعام في مطاعم كنتاكي الهندية. لذا لماذا نتهافت على الذهاب إلى الخليج؟».

قبل فترة قصيرة كانت الزوجات الشابات في كيرالا يرين في عمل أزواجهن، علامة على الاستقرار المالي، أما الأجيال الجديدة الآن من النساء الهنديات فيعشن واقع انفصال العائلة: من الوحدة والخيانة الزوجية والامتعاض عندما يعود الزوج دون عمل. ويشير كومار إلى أنه خلال السنوات الأخيرة كان هناك عدد من الأفلام الإقليمية التي صُورت حول عائلات تشتتت نتيجة لسفر الأزواج للعمل في الخليج، فيما كانت الأفلام في الماضي تدور حول أحلام العمل بالخارج. بالنسبة للعديد من العائدين الهنود أصبحت العودة إلى الديار أشبه بالعسل المر. وقد أعاد الركود الاقتصادي توحيد أسرة عبد الوهاب فيما كان يقوم بزيارة عائلته مرة واحدة كل عامين. والآن تبدي نيزا عبدول زوجة عبد الوهاب والبالغة من العمر 36 عاما والتي تعمل في وظيفة حكومية براتب جيد، سعادتها بعودة زوجها إلى منزله. شاهد عبد الوهاب أولاده، هامنا، 13 عاما، الطالبة المتميزة التي تعشق الرياضيات والتي تدرس في مدرسة خاصة، وربت عبد الوهاب على رأس ابنه وسيم، 8 أعوام، وقال: «أوده أن يلتحق بالجامعة وأن يحاول أن يقيم في الهند، أنا لا أوده أن يتركنا ليعمل في دبي».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»