شاطئ الناعمة يتحول إلى ملتقى لمنكوبي الطائرات

لبناني يطالب بجثمان ابنه.. بعد 6 سنوات على كارثة طائرة كوتونو

TT

«أولادنا في القبور.. والجناة طلقاء يتاجرون بهم» هذه العبارة ترد في لافتة صغيرة يحملها صلاح جفال وسط الجموع التي احتشدت على شاطئ رأس الناعمة حيث تتواصل عمليات البحث عن حطام الطائرة الإثيوبية. ولدى سؤاله عن حكايته، يقول لـ«الشرق الأوسط»: «أقف هنا لأطالب باسترجاع جثة ابني خليل».

جثة ابن صلاح ليست في عرض البحر ضمن ضحايا الطائرة الإثيوبية المنكوبة. هي في بنغلاديش منذ أكثر من ستة أعوام. فالراحل هو من ضحايا طائرة كوتونو الشهيرة التي هوت فور إقلاعها من مطار كوتونو، وتم بالخطأ إرسالها مع ست جثث أخرى إلى بنغلاديش. لكن صلاح جفال يقف هنا على الشاطئ مع أهالي ضحايا طائرة أخرى، ويحمل لافتته التي تضم أسماء ضحايا طائرة كوتونو ومناشدة لرؤساء الجمهورية ومجلسي النواب والوزراء لكشف المسؤولين عن هذه الكارثة ومعاقبتهم. وتساند الأب ابنته نادية التي تحمل ملفا عن الكارثة التي أودت بحياة شقيقها مع صور وتقارير تثبت ما تطالب به. وتطلب من بعض الأولاد المتجمعين أن يبتعدوا قبل أن تعرض علينا صورا لشقيقها بعد انتشال جثته تظهر فيها علامات فارقة على إحدى يديه. وتقول إن «كارثة الطائرة الإثيوبية ذكرتني بما حصل لخليل، لذا أبكي عليه وكأن المصيبة حصلت البارحة».

ومعروف أن كارثة طائرة كوتونو كانت حصلت في 25 ديسمبر (كانون الأول) 2003 وأدت إلى مقتل أكثر من 80 لبنانيا كانوا على متنها. وقد وضع رئيس لجنة التحقيق الفرنسية، (رئيس المكتب الفرنسي للتحقيقات) بول لوي ارسلانيان، الذي يحقق أيضا في كارثة الطائرة الإثيوبية، تقريره بأن الحمولة الزائدة وسوء توزيعها في الطائرة، وعدم إبلاغ القبطان بذلك هي السبب الحقيقي للحادثة. وأشار في حينه إلى مسؤولية شركة الطيران «UTA» التي تستثمر الطائرة، ودعا القضاء اللبناني الذي يتولى التحقيق إلى تحديد المسؤوليات الجزائية والمدنية في هذه القضية.

كذلك معروف أن أحد مالكي طائرة كوتونو، درويش الخازم الذي كان على متنها، تم تسهيل تهريبه من لبنان بعد الكارثة على الرغم من القرار القاضي ببقائه على ذمة التحقيق، وذلك عبر نقله من مستشفى «الرسول الأعظم» في الضاحية الجنوبية لبيروت إلى المطار. وحتى تاريخه لم تسفر الدعاوى التي رفعها أهالي الضحايا ضده عن حصولهم على تعويضات أو نيل أصحاب الشركة المشغلة للطائرة أي عقاب.

جفال يعيش في الولايات المتحدة، وتحديدا في ولاية ميشيغين. لكنه يزور بيروت كلما عقدت المحكمة المختصة جلسة تتعلق بقضية طائرة كوتونو. ويوضح أن «المحاكمات تتأجل منذ ستة أعوام. وكنت قبل وقوع كارثة الطائرة الإثيوبية قد حضرت إلى لبنان لأتابع جلسة تأجلت إلى 18 من الشهر المقبل، إلا أنني بقيت لأشارك الأهالي المنكوبين مأساتهم. وأتضامن معهم. ومنذ وقوع هذه الكارثة وأنا أتواصل معهم وأزورهم في منازلهم وأشاركهم معاناتهم وأخفف عنهم، لأن هذه التجربة أليمة ولا يمكن مواجهتها إلا بالمساندة والدعم المعنوي». ويضيف: «الفرق بيني وبين أهالي هذه الكارثة أن ضحاياهم لا يزالون في عرض البحر، أما ابني فجثته في صندوق يحمل الرقم 60. ولدي إثباتات وصور وأوراق وأسماء تبين أن سبع جثث من جثث ضحايا هذه الكارثة لا يزالون في بنغلاديش. والمطلوب من الدولة اللبنانية أن تسترجعهم. أريد أن أحرك قضيتي لاسترجاع جثمان ابني ودفنه في أرض بلاده».

وفي مقارنة بين التصرف الرسمي حيال الكارثتين، يقول جفال: «اليوم تقوم الحكومة بعمل جيد على الرغم من صعوبة الوضع قياسا بما حصل في كوتونو حيث كان العثور على الجثث سهلا لوقوع الطائرة قرب الشاطئ. أيضا الحكومة لم تتركنا آنذاك على الرغم من عدم وجود إمكانات كتلك التي استخدمتها حاليا. لكن لا ننسى أن الرئيس الراحل رفيق الحريري وضع طائرته الخاصة تحت التصرف لخدمة أهالي الضحايا». ويذكر جفال أن رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري أرسل موفدين عنه ليسأل ويستفسر عن قضيته. وتمنى أن يواصل الحريري جهوده ويقوم بالاتصالات اللازمة مع حكومة بنغلاديش لوضع نهاية لجزء من معاناته. ويقول: «زوجتي والدة خليل توفيت قبل عامين من دون أن نتمكن من تحقيق أمنيتها بوداع ابنها ودفنه، ومن دون أن ترى المسؤولين عن هذه الكارثة ينالون عقابهم».

وعندما نسأله عن هؤلاء المسؤولين، يجيب: «المسؤولون معروفون. وأريد محاسبتهم. والله أكبر من جميع القضاة وهو لهم بالمرصاد. الكبار من أهل السلطة يعرفون هؤلاء المسؤولين، لكني أريد أن أعلم لماذا يهملون الموضوع؟».

ويعزو جفال سبب التأجيلات المتكررة إلى «البطء المتعمد حتى تموت القضية مثل كل ما يحصل في لبنان». ويضيف: «32 شخصا من أهالي ضحايا كوتونو فارقوا الحياة. لعلهم ينتظرون موت الجميع لإغلاق القضية».