«القاعدة» تضررت لكنها لا تزال عدوا خطرا

خبراء: ستركز على عمليات محدودة النطاق يصعب تعقبها وإحباطها.. وضربات «بريداتور» تكتيك وليست بديلا للاستراتيجية

TT

خلال الأسابيع الست الماضية شهد الأميركيون مشهدين متناقضتين تماما لشبكة «القاعدة»، الأولى كانت لقادة إرهابيين قتلوا عبر طائرات من دون طيار يتم التحكم بها عبر الأقمار الصناعية، والثانية كانت لعدو ذكي اخترق الدفاعات الأميركية وحاول تنفيذ هجمة إرهابية داخل الولايات المتحدة.

وقد قدمت التقييمات الجديدة لـ«القاعدة» التي أجراها كبار خبراء مكافحة الإرهاب ومسؤولون في الإدارة الأميركية دوافع للتفاؤل والقلق في آن واحد، بعد عام من تولي الرئيس أوباما رئاسة الولايات المتحدة، فأوضح المسؤولون أن قدرة «القاعدة» على شن هجمات إرهابية قادرة على إصابة عدد كبير من الضحايا قد انخفضت نتيجة للهجمات الأميركية التي لا هوادة فيها على قيادة الشبكة وتمويلها ومعسكرات التدريب التابعة لها، لكن المحللين أشاروا إلى أنه على الرغم من ضعف «القاعدة» فإنها حولت أساليبها إلى التركيز على العمليات محدودة النطاق التي يصعب تعقبها وإحباطها.

وقد رفعت حادثة إطلاق النار العشوائي في قاعدة «فورت هود» بولاية تكساس، ومحاولة تفجير الطائرة الفاشلة عشية عيد الميلاد - وهما مثالان على العمليات ذات التقنية البسيطة - من مستوى المخاوف في واشنطن والولايات المتحدة ككل، ويقول بعض خبراء الإرهاب، إن الغرب لا يزال معرضا لخطر الحركة الجهادية الجريحة التي تسعى إلى تحقيق انتصار. ويقول آندي جونسون المدير الأسبق للعاملين في لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ، الذي يشغل الآن مدير الأمن القومي في مؤسسة «ثيرد واي» البحثية: «نظرا لكون الخناق يضيق حولها، تحاول قيادة (القاعدة) المسارعة في جهودها التي كانت ماضية فيها على أي حال».

وقال جونسون في تصريح له العام الماضي: «الأشخاص الطيبون يحرزن انتصارات عبر قتل قيادات (القاعدة) وعرقلة الكثير من المخططات، لكن الضغوط على (القاعدة) في العراق وباكستان أجبرت ناشطيها على الهرب إلى ملاذات جديدة مثل اليمن، وشرعوا في البحث عن نقاط ضعف في الدفاعات الأوروبية، وعلى الرغم من الضربات التي تعرضت لها فإنها لا تزال عازمة على تنفيذ هجمات».

وقد برزت قدرة الولايات المتحدة على ضرب المزيد من المراكز الحساسة في «القاعدة» مؤخرا، في الأنباء بشأن مقتل قائد طالبان باكستان والحليف المقرب من «القاعدة» في منطقة الحدود القبلية الأفغانية الباكستانية، ويعتبر حكيم الله محسود، الذي أصيب بإصابات خطيرة في الهجوم الصاروخي الذي شنته طائرة «بريداتور» في منتصف شهر يناير (كانون الثاني)، القائد الثاني لطالبان باكستان الذي يلقى حتفه في هجمات طائرات «بريداتور» التي تديرها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية خلال الشهور الستة الماضية، والذي كان مقربا أيضا من الانتحاري الذي فجر نفسه في «القاعدة» الأميركية شرق إقليم خوست في 30 ديسمبر (كانون الأول).

وبلغ عدد الهجمات التي شنتها الطائرات من دون طيار على أهداف لـ«القاعدة» وطالبان داخل باكستان 12 مرة هذا العام، ما وضع إدارة أوباما على الطريق لتجاوز عدد الهجمات الذي سجل عام 2009 ووصل إلى 53 هجمة، بحسب الرقم الذي ذكره موقع «لونغ وور جورنال».

وفي شهادتهم أمام لجنتين عسكريتين في الكونغرس الأسبوع الماضي، قال مسؤولون كبار في الاستخبارات الأميركية، إن الحملة هزت قيادة «القاعدة»، المكونة من عدة أفراد يقودهم أسامة بن لادن، وإن الهجمات الممتزجة بالضغط الناجح على إمدادات تنظيم القاعدة قد حدت من قدرة الجماعة على شن علميات إرهابية متطورة وقوية على نطاق هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول).

وقال مدير وكالة الاستخبارات المركزية ليون بانيتا في شهادته أمام مجلس الشيوخ: «تؤكد المعلومات الاستخبارية أنهم يواجهون صعوبة في القدرة على التخطيط وقيادة العمليات لشن هجمات ضخمة».

لكن مسؤولي الاستخبارات حذروا المشرعين من الأدلة الجديدة المقلقة حول قدرة «القاعدة» على التكيف، وفي تقريرها السنوي، لتقييم التهديد الذي قدم إلى الكونغرس، وصفت وكالات التجسس التهديدات الجديدة بأنها أكثر تشتتا جغرافيا وأقل تقنية يقوم بها أفراد يستخدمون متفجرات تقليدية.

في السياق ذاته، قال مدير الاستخبارات الوطنية دنيس بلير الذي قدم التقييم للجنتي مجلس النواب ومجلس الشيوخ، إن المحاولة الفاشلة لتفجير رحلة «نورث ويست إيرلاينز» فوق ديترويت دليل على ذلك النوع من العمليات التي تعتمد على عدد بسيط من الإرهابيين الذين تم تجنيدهم وتدريبهم على تنفيذ المخططات قصيرة المدى، وإن التكتيكات الجديدة أصغر نطاقا لكن أكثر صعوبة في التعرف عليها وتعطيلها. وأشار التقييم إلى أن المشتبه فيه عمر الفاروق عبد المطلب الذي تعلم في الغرب تم تجنيده على الأرجح، لأن لديه تأشيرة ولا توجد سجلات حول صلاته بمنظمات إرهابية، ويقول المسؤولون إنه تلقى تدريبات وتم تسليحه عبر جماعة «القاعدة» في شبة الجزيرة العربية المرتبطة بـ«القاعدة»، وإن القنبلة التي كانت بحوزته، وهي من النوع الذي يستعمله الجيش، تمت حياكتها في ملابسه الداخلية بهدف التحايل على الاحتياطات والإجراءات الأمنية التي وضعت في أعقاب هجمات سبتمبر.

وقد جاءت المحاولة الفاشلة في أعقاب حادثة إطلاق النار في قاعدة «فورت هود»، وقد سحق ذلك الهجوم والقبض على الميجور الذي استلهم أفكاره من «القاعدة» الاعتقاد الشائع أن الأميركيين في مأمن من هجمات من قبل متطرفين تربوا على الأراضي الأميركية مشابهة لتلك التي يمارسها متطرفون مسلمون في أوروبا الغربية، وقد اعترف بلير أن وكالات الاستخبارات قلقة بشكل خاص من أن بعض الأميركيين يسافرون إلى الخارج للتدريب والعودة إلى الولايات المتحدة لتنفيذ علميات إرهابية.

وقال بلير: «ستسعى مجموعة من الأفراد ومجموعات صغيرة غير مترابطة من الخلايا إلى شن هجمات كل عام مع توجيه جزء من هذا النشاط إلى عنف ضد الأراضي الأميركية». وأكد بلير أنه اعتقد أن وقوع هجمة إرهابية أخرى كانت أمرا «مؤكدا» خلال الشهور الستة التالية، وقد كان ذلك التأكيد ردا على سؤال طرحته رئيسة لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ ديان فينستين بشأن احتمالية محاولة «القاعدة» شن هجمة رئيسية على الأميركيين في المستقبل القريب، لكن بلير أشار أيضا إلى أن العجلة في الكشف عن المخططات الإرهابية في الأسابيع الأخيرة خلقت انطباعا زائفا بأن التهديد جديد.

وقال: «نحن نحذر منذ سبتمبر 2001 من أن المتطرفين الذين يعتنقون أفكار (القاعدة) لا يزالون مصممين على ضرب الولايات المتحدة».

ووصف خبراء الإرهاب ومسؤولو الإدارة محاولة تفجير طائرة عيد الميلاد بأنها نداء استيقاظ ساعد على توضيح الثغرات في الأمن التي يتم التعامل معها الآن، لكن بعض المحللين يقولون إن النجاحات الكبيرة ضد «القاعدة» في باكستان ربما تكون قد أدت بالمسؤولين الأميركيين إلى تجاهل الإشارات للتهديدات الإرهابية التي كانت ترتاد طرقا جديدة، ويقول بروس هوفمان، خبير الإرهاب في جامعة جورج تاون والأستاذ في مركز «ويلسون وود ورد»، إن الإدارة تحاول الآن التعاطي مع هذين التهديدين بصورة عاجلة.

وقال هوفمان: «حتى محاولة تفجير رحلة «نورث ويست 253» الفاشلة كان الاعتقاد السائد أننا قادرون على القتال والفوز عبر الطائرات من دون طيار، لكن التهديدات باتت الآن متنوعة ومنتشرة، وكان لدى الإدارتين - بوش وأوباما - توجه للتركيز على تهديد واحد وعدو واحد يخرج من مكان واحد، ربما يكون استخدام طائرات «بريداتور» في أفغانستان وباكستان وسيلة فعالة لكنها تكتيك وليست بديلا للاستراتيجية».

* شاركت جولي تات في إعداد هذا التقرير.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»