داخل بلاد ترزح تحت وطأة حرب وتفجيرات انتحارية، يعد الطريق السريع المار عبر كابل الأكثر إثارة للرعب على الإطلاق. يمتد الطريق على مسافة 64 كيلومترا عبر مناطق جبلية ومنحدرات صخرية شاهقة، ويربط بين كابل وجلال آباد. يحصد الطريق بانتظام أعدادا كبيرة من الأرواح، لدرجة أن معظم الناس توقفوا عن إحصاء ضحاياه منذ أمد بعيد. على الطريق، كثيرا ما تنقلب السيارات وتتحطم وتنهار، وتهوي الشاحنات إلى قاع الوادي، وتتصادم الحافلات.
تقع هذه الحوادث على أحد أكثر المشاهد الطبيعية سحرا على مستوى العالم بأسره. في بعض مناطقه، لا يتسع الممر الضيق، الذي يمر من خلاله الطريق، لبضعة أمتار وتحيط به منحدرات صخرية رأسية ترتفع لأكثر من 600 متر فوق مستوى نهر كابل. يلقى معظم الأفراد مصرعهم، وتتحطم السيارات أثناء محاولتها الالتفاف حول واحد من أصعب المنعطفات، يطل على صدوع عميقة وهضاب شديدة التحدر.
في الواقع، تعد القيادة على ممر كابل تجربة أفغانية فريدة بمثابة رقصة معقدة بين الجَمال والموت. وقال محمد نبي، الذي يقوم بشيّ أسماك طازجة في كشك على جانب الطرق: «أجلس هنا، وأشاهد الناس يسقطون في حوادث يوميا. لقد أثبت التاريخ أن الشعب الأفغاني يتسم بالغلظة، لذا نعجز عن القيادة على نحو آمن».
في أحد أيام الأسبوع الماضي، شهد الطريق وقوع 13 حادثة في غضون ساعتين فقط، كانت جميعها كارثية، وأسفرت جميعها تقريبا عن سقوط قتلى. الواضح أن الرذاذ الذي تساقط طوال فترة النهار زاد من معدلات كوارث هذا اليوم على وجه الخصوص. في أحد مشاهد هذا اليوم، وقف أفراد أسرة ينتحبون على قريب لهم حوصر داخل سيارة مهشمة. وفي مشهد ثان، تكوم حطام حافلة صغيرة أسفل شاحنة كبيرة، وفي مشهد ثالث، امتلأ قاع واد صغير بحطام سيارة.
وحتى في الوقت الذي ينتشر حطام مثل هذه الحوادث على طول الطريق، ظلت السيارات منطلقة على الطريق دونما اكتراث. وتنطلق على الطريق سيارات أجرة وحافلات بسرعات جنونية، لا يفصل بينها وبين كوارث دموية سوى بضعة مليمترات.
وأوضح جوما غول، الذي يملك متجرا في ساروبي يطل على الطريق السريع مباشرة، أن «القتال مع طالبان يدوم يوما أو اثنين فحسب، أما الحوادث هنا فتقع يوميا. إن المكان أشبه بمسرح. في بعض الأحيان، نرى سيارة تطير في الهواء».
الواضح أن الطابع الدموي للطريق ينبع من مزيج فريد من عوامل جغرافية والطريق ذاته، وعدم اكتراث السائقين بقوانين السير.
يتسم الطريق السريع، المؤلف من حارتين، باتساع يكفي بالكاد لمرور سيارتين. في الحارة الداخلية البعيدة عن الحافة، تفصل بين نافذة السيارة وجدار صخري ضخم أقل من ياردة واحدة، يعلو على نحو شبه عمودي. ويحمي الحارة الخارجية حاجز معدني، لا يتجاوز 30 سنتيمترا في ارتفاعه، وفيما وراءه يوجد قاع واد على مسافة 300 متر إلى الأسفل.
بطبيعة الحال، يعني هذا الوضع بالنسبة إلى السائقين أنه لا مجال لاقتراف أخطاء، فليس هناك من بدائل سوى الاصطدام بالجدار الصخري، أو السقوط من أعلى حافة الوادي أو اصطدام السيارات بعضها ببعض.
أما أنماط السلوك الحذر، فتصدر عن الأطفال الذين يعيشون في قرى فقيرة في الجوار، حيث يقف أطفال، قد تصل أعمارهم إلى 4 أو 5 سنوات، عند المنعطفات ملوحين بأيديهم بزجاجات «سبرايت» خضراء اللون كأعلام، في إشارة إلى السائقين على أن الطريق خال.
في ظل مثل هذه الظروف، من الطبيعي أن يتخيل المرء أن السائقين على الطريق سيعمدون إلى السير ببطء، وترقب حركة المرور القادمة في الاتجاه المقابل عند المنعطفات. في الواقع، خلال أغلب فترات التاريخ، كان هذا هو نهج السائقين بالفعل.
على امتداد قرون عدة، مرت عبر هذا الطريق قوات غازية لا حصر لها تجاه ممر خيبر، من بينها مجموعة مؤلفة من 17.000 جندي بريطاني، ومدنيون تعرضوا لمذبحة جماعية أثناء انسحابهم من كابل في نهاية الحرب الأنغلوأفغانية الأولى عام 1842. وكان الدكتور وليام بريدون، الذي سافر إلى جلال آباد على متن جواد، الأوروبي الوحيد الناجي من المذبحة.
يشار إلى الطريق من كابل إلى جلال آباد جرى تمهيده للمرة الأولى عام 1960 من قبل الحكومة الألمانية الغربية. وفي الثمانينات، مُحي الطريق بصورة شبه كاملة أثناء حركة المقاومة ضد الغزو السوفياتي. وخلال العقد التالي، عندما خاضت طالبان وجماعات أخرى قتالا للسيطرة على البلاد، بدا الطريق في حالة يرثى لها. وكانت في الطريق حفر ضخمة للغاية، لدرجة أن سيارات الأجرة كانت تختفي لبعض الوقت داخلها، قبل أن تعاود الظهور وهي تناضل لتسلق الجانب الآخر من الحفرة.
بوجه عام، كان طريقا وعرا، وانطوى على أخطار كثيرة بينها، فغالبا ما كانت أجزاء منه تنهار. ومع ذلك، لم تكن السرعة واحدة من تلك الأخطار. إلا أنه في عام 2006، تبدل الأمر، عندما نجح مشروع مدعوم من الاتحاد الأوروبي في تمهيد الطريق بأكمله أخيرا. وبذلك أصبح في مقدور الأفغان القيادة بالسرعة التي يشاءون، وهو ما يقومون به بالفعل.
حاليا، تنطلق السيارات على الطريق بسرعة مذهلة تتجاوز بكثير ما يسمح به على الطرق المشابهة في الدول الغربية.
ومثلما الحال مع سائقي سباق «فورميولا وان»، ينطلق الأفغان بسرعة شديدة في أكثر المنعطفات حدة، دافعين سياراتهم سريعا إلى داخل حارة الطريق مع ظهور أول ومضة من الكارثة الوشيكة. وفي أغلب الوقت، ينجحون في ذلك.
إضافة إلى ذلك، هناك عوامل أخرى تزيد من تفاقم خطر القيادة على الطريق. فمثلا، تلزم الحكومة الأفغانية السائقين باجتياز اختبار للحصول على رخصة قيادة، لكن في واقع الأمر يبدو أن قليلين فقط خضعوا بالفعل للاختبار.
كما أن السيارات ذاتها تنتمي في أغلبها إلى «تويوتا» متهالكة، أو حتى «لادا» تنتمي إلى فترة الاحتلال السوفياتي. تتسم معظم السيارات داخل أفغانستان بأطر ومكابح متهالكة لا تصلح للسير المتعرج عبر الطرق الجبلية.
لكن، ربما يتمثل الخطر الأكبر، بخلاف سرعة السيارات، في بطء الشاحنات. غالبا ما تكون الشاحنات الضخمة المتجهة إلى باكستان والقادمة منها محملة بآلاف الأرطال، وبالتالي، تعجز عن التحرك بسرعة. وعندما تحاول هذه الشاحنات صعود التلال، التي يقع عليها الطريق، والتي يصل ارتفاعها إلى آلاف الأقدام، تجد نفسها مجبرة على التوقف كليا، وكثيرا ما تتراجع هذه السيارات وتسقط.
في الوقت ذاته، ينتاب الغضب السيارات المتعطلة خلف الشاحنات، ويحاول سائقوها المناورة والالتفاف حول الشاحنات البطيئة عند أول فرصة تسنح لهم. ومن هنا، تقع الحوادث والتصادمات واحدا بعد الآخر. كل يوم، يفد أفراد يعانون جروحا دامية، وعظاما محطمة إلى مستشفى ساروبي الصغير.
وقال روس محمد جبار خيل، كبير الجراحين في المستشفى: «ينتمي غالبية مرضانا إلى أفراد تعرضوا لإصابات في حوادث». وضع الدكتور جبار خيل خطة لشراء أسطول من سيارات الإسعاف ونشرها عند نقاط مختلفة من الطريق، ويعتقد أنه من خلال ذلك يمكن إنقاذ الكثير من الأرواح. وأشار إلى أنه في انتظار وصول أموال من حكومة كابل. يذكر أن الدكتور جبار خيل نفسه يقود مرات عدة على ذلك الطريق أسبوعيا، واعترف أنه في كل مرة يتملكه خوف شديد.
*خدمة «نيويورك تايمز»