صعوبات أمام توفير أصوات كافية في مجلس الأمن لفرض عقوبات جديدة على إيران.. تدفع باريس إلى الحذر

الخارجية تربط التصويت على القرار بما سيتضمنه.. واطمئنان إلى الموقف الروسي

TT

قالت الخارجية الفرنسية أمس إنها «ليست على علم» باجتماع قريب لممثلي الدول الست (الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا)، للتداول بشأن فرض سلة عقوبات إضافية على إيران من خلال قرار جديد في مجلس الأمن الدولي، ردا على قرار طهران البدء بتخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المائة.

جاء كلام الخارجية فيما غادر وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس العاصمة الفرنسية بعد محادثات مكثفة مع كبار المسؤولين الفرنسيين، ونقل الناطق باسمه، قبل مغادرته باريس، أنه يريد القرار الدولي الجديد «خلال الأسابيع القادمة لا خلال الشهور القادمة»، مضيفا أن الوزير الأميركي يعتبر أن مهلة «عدة أسابيع» كافية لاستصدار القرار المذكور الذي تريد باريس وواشنطن أن ينص على «عقوبات مشددة» في حق إيران.

غير أن الرغبة الأميركية والغربية بشكل عام تصطدم حتى الآن بصعوبة تأمين الأصوات اللازمة في مجلس الأمن الدولي للتصويت على مشروع لا تعرف حتى اليوم تفاصيله بشكل كاف. وترى مصادر فرنسية معنية بالموضوع، أن توفير الأصوات اللازمة «يرتبط بما سيتضمنه مشروع القرار من عقوبات ومدى شدتها وإضرارها بمصالح الدول الممانعة أو بمواقفها السياسية والتزاماتها».

وكان وزير الخارجية الفرنسي في لقائه مع الصحافة الدبلوماسية أول من أمس، شديد الصراحة عندما أعلن من غير مواربة أن صدور قرار جديد «يفترض الحصول على موافقة تسعة أعضاء (أي ثلثي المجلس)، ونحن لسنا متأكدين اليوم من توافر هذا العدد». والمعروف أن الأصوات التسعة مطلوبة شرط أن لا تستخدم أي دولة من الدول الخمس دائمة العضوية حق النقض (الفيتو).

وتشكل الصين العائق الأكبر في وجه صدور القرار الجديد إذ تدعو إلى مواصلة الحوار مع طهران، وتؤكد أن البحث في عقوبات إضافية «سيفضي إلى نتائج عكسية، كما أنه سيزيد الأمور تعقيدا». وهذا ما شدد عليه وزير الخارجية الصيني يانغ جي شي الأسبوع الماضي في باريس.

غير أن الصعوبة لا تأتي من الصين وحدها بل من أعضاء غير دائمين في مجلس الأمن الذي يتشكل في الوقت الحاضر من اليابان والمكسيك والنمسا وأوغندا والغابون والبوسنة - الهرسك وتركيا والبرازيل ونيجيريا ولبنان. وبحسب المصادر الفرنسية، فإن الصعوبة تكمن في إقناع البرازيل وتركيا ونيجيريا ولبنان وأوغندا والبوسنة - الهرسك، وتمثل البرازيل التي زارها الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي «رأس حربة» الدول النامية التي تعارض قرارا يتضمن عقوبات جديدة. أما تركيا، فإنها تريد أن تلعب دور الوسيط مع إيران وبالتالي فإن تصويتها إلى جانب العقوبات سيحرمها من هذا الموقع. وتشك باريس في أن يقف لبنان إلى جانب فرض عقوبات بسبب وضعه السياسي الداخلي ومشاركة حزب الله في الحكومة ورغبة القيادة اللبنانية في تحاشي اهتزاز الوضع السياسي الداخلي ما سيحمله على الأرجح على الامتناع عن التصويت. وتحوم شكوك قوية حول موقف دولتين أفريقيتين هما نيجيريا وأوغندا، وخصوصا نيجيريا التي قد تكون «حساسة» إزاء فكرة أن الغرب يفرض عقوبات على دولة مسلمة.

لكن فرنسا التي ترأس مجلس الأمن لشهر فبراير (شباط)، ترى أنه من «المهم» المحافظة على وحدة الموقف داخل مجلس الأمن الدولي من أجل إيصال «رسالة قوية وحازمة» إلى القادة الإيرانيين. لكنها عمليا تعمل على «تحييد» صوت بكين علما أنها تذكر أن الصين صوتت على القرارات الخمس التي صدرت بحق إيران، بينها ثلاثة قرارات تضمنت عقوبات اقتصادية.

وتعمل الدول الغربية، بعد أن اطمأنت إلى موقف روسيا الأخير واستعدادها للسير في العقوبات، على توفير الوسائل التي من شأنها إخراج الصين من موقف المتحفظ، وذلك عن طريق توفير ضمانات لبكين لجهة تزويدها بالكميات التي تريدها من النفط في حال وقف إمدادها بالنفط الإيراني. وبحسب مصادر فرنسية رسمية تحدثت إليها «الشرق الأوسط»، فإن دولا خليجية رئيسية «التزمت» إزاء الصين بمدها بما تريده من النفط، بل إن بعضها بدأ محادثات مع المسؤولين في بكين لدراسة شراء أسلحة ومعدات عسكرية صينية وهو ما كانت الدول عينها قد فعلته مع روسيا.

وتعترف المصادر الفرنسية بالنتائج «السلبية» على بكين للسجال بين واشنطن وبكين حول مبيعات الأسلحة الأميركية إلى تايوان ولقاء الرئيس أوباما بالدالاي لاما قريبا وموضوع حرية الإنترنت (غوغل)، وترى أن من شأنه دفع الصين إلى التصلب.

غير أن المصادر الفرنسة ترى أن الوقت ما زال مبكرا للتنبؤ بما يمكن أن يحصل في مجلس الأمن الدولي علما أن أحدا لم يصغ بعد مشروع قرار يتضمن عقوبات. وحول هذه النقطة بالذات، ثمة «تباينات» في وجهات النظر بين من يريد عقوبات «هادفة» ومن يريد عقوبات «واسعة». وهذا الموضوع يستلزم في حد ذاته الكثير من المناقشات. لكن إذا ما تبين أن الحصول على قرار متشدد صعب التحقيق، فإن المصادر المعنية لا تستبعد أن يتم العمل على استصدار قرار متوسط أو خفيف الوقع على أن تتبعه مساعٍ من خارج مجلس الأمن تقوم بها واشنطن مع عدد من العواصم الأوروبية لفرض عقوبات إضافية من خارج مجلس الأمن.

وسبق لفرنسا أن ناقشت مع شريكاتها في الاتحاد الأوروبي هذا الاحتمال خصوصا أنها تتزعم نادي الدول الأوروبية المتشددة إزاء إيران وترى أن العقوبات هي البديل الوحيد عن خيارين سيئين هما إما حصول إيران على القنبلة النووية وإما اندلاع نزاع عسكري جديد في منطقة الخليج.

وترى باريس أن إيران «تصعّد» في موضوع التبادل النووي (يورانيوم ضعيف التخصيب مقابل وقود نووي صالح للاستخدام لأغراض طبية) رغبة منها في تحقيق هدفين متلازمين: كسب مزيد من الوقت وإنساء الأسرة الدولية الموضوع الأساسي وهو توقفها عن كل النشاطات النووية الحساسة، وأولها وقف تام لتخصيب اليورانيوم بكل درجاته. وتتساءل باريس عن المفارقة التي دفعت إيران إلى الطلب من الوكالة الدولية للطاقة النووية الصيف الماضي مساعدتها على الحصول على الوقود النووي لمفاعلها في طهران لأنها «لا تمتلك الوسائل التقنية» لذلك وفائدة بدء تخصيب اليورانيوم بنسبة عشرين في المائة للحصول على هذا الوقود اليوم في ظل عدم تمكنها من هذه التقنيات.