اقتراع مارس ينذر بمزيد من الانقسام العربي - الكردي في نينوى

مسؤول محلي مسيحي: نعيش كالحمام بين الذئاب.. ومواطن من الشبك: هذه هي الديمقراطية التي جلبتها أميركا

TT

كان هناك حتى وقت قريب أمل في أن تجلب الديمقراطية السلام والاستقرار إلى نينوى، وهي المكان الذي كانت تصدم فيه الثقافات بالجيوش منذ الأزمنة التوراتية. ولكن بدلا من ذلك عملت الديمقراطية على تعزيز الانقسامات - بين الناس، والموارد، والأرض - إلى الحد الذي أصبح يهدد مستقبل العراق نفسه.

فقد أسفرت الانتخابات التي أجريت العام الماضي لانتخاب محافظ ومجلس محافظة جديدين عن حالة جمود سياسي زاد من تأججه التوتر العرقي. وعطلت المقاطعة التي قام بها ثلث أعضاء المجلس الجديد منذ الصيف الماضي عمل الحكومة في الوقت الذي كان العراقيون قد تلقوا فيه وعودا بأن تعمل الانتخابات على تحسين الأوضاع.

من جهة أخرى، ما زالت الخدمات الأساسية غير متوافرة، والاقتصاد غير فعال. وعلى الرغم من أن تضاؤل وتيرة أعمال العنف فإنه ما زال يعكر صفو الناس والعقائد في منطقة السهول التي يلتقي فيها العراق العربي الجبال الكردية.

يقول حسين محمد أحمد، من طائفة من الشبك وهي إحدى الأقليات الصغيرة التي تعيش في منطقة السهول: «هذه هي الديمقراطية التي جلبتها أميركا». وتعكس كلماته ذلك الشعور المتنامي في جميع أنحاء العراق في الوقت الذي تستعد فيه البلاد لانتخاب برلمان جديد في 7 مارس (آذار). وعلى الرغم من أهمية تلك العملية الانتخابية - وهي العملية الثالثة فقط في البلاد منذ الغزو الأميركي في 2003 - في تشكيل دولة ديمقراطية موحدة وفعالة، تبرز هنا في محافظة نينوى، كما في الأماكن كافة، حالة التشظي المنذرة بالخطر في العراق. عندما بدأت الحكومة الفيدرالية بناء مصنع نسيج في قرية برطله التي ينحدر منها أحمد والتي تقع في جزء من نينوى يسيطر عليه الأكراد، قامت حكومة إقليم كردستان بوقف المشروع لأن من المحتمل أن يوفر الوظائف للعمال الموالين لسلطات الموصل.

وفي قره قوش تحمل ملكية الأراضي دلالات سياسية مشحونة بالتوتر حتى إن المجلس المحلي وضع «قائمة سوداء» لتسجيل أسماء المسيحيين الذين باعوا ممتلكاتهم إلى «الغرباء». ويقول سطيفو جميل رئيس المجلس المحلي في البلدة المسيحية التي تعيش في حالة من الخوف حتى إنها أسست ميليشيا خاصة بها لحمايتها: «إننا نعيش كالحمام بين الذئاب».

وما زالت الديمقراطية العراقية في مهدها، ومقارنة بهذه الديمقراطيات الموجودة في المنطقة تظل ديمقراطية قادرة على المنافسة، إن لم تكن ما زالت غير قوية. ولكن لفتور المقترعين وخيبة أملهم جذورا ممتدة، فقد أصبحت الانتخابات التي تم تأخيرها لعدة أشهر نظرا إلى التشاحن في بغداد، سباقا للأفكار أكثر من كونها سباقا للأفضلية التي سوف يتم بها إدارة الاقتراع نفسه وتوزيع المقاعد البرلمانية. كما أن العملية الغائمة لاستبعاد المرشحين الذين تربطهم صلات بحزب البعث التابع للرئيس الأسبق صدام حسين أطاحت على الأقل بعشر مرشحين متحالفين مع محافظ نينوى أثيل النجيفي وهو العربي السني الذي كان يسعى لاستعادة الهيمنة العربية على المحافظة التي ما زالت ترزح تحت وطأة الانقسام، بالإضافة إلى رئيس مجلس المحافظة زهير الأعرجي الذي كان تربطه علاقات عمل وثيقة بالجيش الأميركي.

وما زالت نينوى تشهد انقساما، كما كانت منذ عام 2003، بين المناطق العربية والمناطق التي يهيمن عليها الأكراد. وكانت تلك التوترات قوية للغاية حتى قام الجيش الأميركي خلال الشهر الحالي بجمع قوات من كلا الطرفين لفرض النظام في المناطق الفاصلة، بالإضافة إلى إنشاء عدة نقاط تفتيش جديدة. ويشتكي السياسيون من كلا الجانبين من القيود التي يواجهونها عندما يقومون بحملات انتخابية في الجانب الآخر: التحرش بالمرشحين، والضغوط على الأحزاب، والعنف. وعندما عبر النجيفي مؤخرا الحدود غير الرسمية بين المنطقتين في طريقه إلى «تلكيف» تَعرّض مبعوثه للقذف بالحجارة والطماطم ثم أمسكت به القوات الكردية (البيشمركة). ومساء الأحد الماضي، قُتلت إحدى المرشحات التي كانت بأحد التحالفات العلمانية الذي يشمل النجيفي، ورئيس الوزراء السابق إياد العلاوي خارج منزلها بالموصل.

وكان انتخاب النجيفي خلال العام الماضي قد بث الأمل في وضع نهاية لاستبعاد تصويت السنة في نينوى والذي بدأ بعد عام 2003 نظرا إلى أعمال العنف مما قد يسفر عن شكل من أشكال المصالحة. ولأن ذلك لم يحدث، فلم يعرب سوى عدد قليل من الأشخاص الذين التقيناهم عن أملهم في أن تأتي الانتخابات القادمة بنتائج أفضل. فيقول صالح حسن علي الجبوري، وهو رئيس مجلس محلي في الجانب العربي من نهر دجلة: «لن يحدث أي شيء». وأضاف عندما سئل عن كيفية تأثير نتائج مارس (آذار) على النزاع على الأرض الذي أثار الشقاق في المنطقة: «نحن نعرف المنطقة التي تخص الأكراد والمنطقة التي تخص نينوى». ثم كرر بازدراء: «لن يحدث أي شيء».

والمدهش هو كيف من المتوقع أن يقوم العراقيون بالاقتراع من خلال هوياتهم رغما عن الحملة التي تدعو إلى الوحدة الوطنية. يبدو أن معظم القضايا (الخدمات الأساسية والنمو الاقتصادي والأمن) تتعلق بالقضايا المتعلقة بالهوية كما تتعلق بالسياسة تماما. «الانتماء العرقي أولا يليه الحزب السياسي»، هذه هي العبارة التي شرح بها خسرو كوران، المسؤول الكردي البارز، الأمر.

وسوف يشمل البرلمان الجديد 31 عضوا من نينوى، ويتوقع كوران أن يفوز التحالف الكردي الرئيسي بـ10 مقاعد، لا بناء على الاستطلاعات ولكن على النسبة التقديرية للأكراد في المنطقة. كما تم تخصيص بعض المقاعد للأقليات الأخرى الموجودة في نينوى مثل اليزيديين والشبك والمسيحيين.

ويلقى كوران الذي قاد مقاطعة المجلس المحلي باللوم على المحافظ وحزبه في التدهور المتزايد، قائلا إن الاستقرار في العراق لن يتأتى إلا عبر احترام أحزاب الأقليات مثل حزبه.

كما أقر بأن الحدود بين نينوى والمحافظات الكردية الشمالية الثلاث المعترف بها رسميا وقعت في شرك المأزق بين حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي ورئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني حول مدى فيدرالية العراق، وهو ما أدى بالإضافة إلى النزاعات المحلية إلى استمرار مقاطعة كوران. ويقول كوران: «بعض هذه المشكلات محلي بينما بعضها عراقي. وعلينا أن ندفع ثمن ذلك».

من جهته، قال خالص إيشو المرشح من قره قوش للفوز بأحد المقاعد المسيحية في البرلمان إن قادة الدولة السياسيين أخفقوا في الالتزام بالقيم الديمقراطية المتمثلة، الحقوق والحكومة التمثيلية، كما فشلوا في تعلم أن الانتخابات ما هي إلا جزء من العملية الديمقراطية. ويقول: «لا أعتقد أننا سوف نحد من أنشطة الإرهابيين حتى تتطور الطريقة التي ننظر بها إلى العراق بشكل عام وإلى الموصل على نحو خاص. وحتى يفهموا أن السلام في الموصل يعني التعايش السلمي».

* خدمة «نيويورك تايمز»