المهندسون يكتسحون الوظائف الحكومية في المغرب

تراجع حظوظ رجال القانون بعد أن هيمنوا خلال عهد الملك الراحل الحسن الثاني

TT

أعاد تعيين المهندس عبد الوافي لفتيت، رئيسا لمجلس إدارة شركة حكومية، الحديث عن الحضور البارز للتكنوقراط في المناصب الرفيعة في الدولة، إذ ينتمي لفتيت بدوره إلى شريحة التكنوقراط المغاربة خريجي المعاهد العليا للقناطر (الجسور) والطرق الفرنسية، الذين اكتسحوا مناصب رفيعة داخل الدولة في السنوات الأخيرة.

والحديث عن الحضور البارز للتكنوقراط سواء كانوا وزراء أو موظفين سامين داخل دواليب الدولة المغربية، أثير بعد تعيين العاهل المغربي الملك محمد السادس لوزراء مستقلين خلال التعديل الحكومي الجزئي الأخير في يناير (كانون الثاني) الماضي، ليتساوى عدد مناصبهم الوزارية في الحكومة التي يترأسها أمين عام حزب الاستقلال، عباس الفاسي، مع عدد مناصب حزب الاستقلال الذي احتل المرتبة الأولى خلال الانتخابات البرلمانية سنة 2007، بتسع حقائب وزارية.

والاعتماد على المستقلين في مناصب حكومية، ليست سنة جديدة في تاريخ المغرب، بل نهجها العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني، مع استثناء، هو أن كل الحظوظ والغلبة كانت لخريجي كليات الحقوق والقانون، إذ راهن الراحل الحسن الثاني في تدبير شؤون دولته، على كوادر ذات تكوين قانوني صرف، سواء كانوا وزراء أو مستشارين. ومالت الكفة في عهد العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى كوادر تخرجت من مدارس ومعاهد عريقة للمهندسين سواء في المغرب أو أوروبا، إذ إن أغلب الوزراء المستقلين أو من اختيروا بعد تقلدهم لمناصب وزارية غطاء حزبيا، هم مهندسون، يحظى خريجو معهد الطرق والقناطر في باريس منهم بالنصيب الأوفر في تحمل المسؤوليات الكبرى.

وحسب محللين سياسيين، فإن سر الاهتمام بمهندسي القناطر والطرق في المناصب العليا داخل أجهزة الدولة المغربية، يعود إلى الحضور القوي لمستشار العاهل المغربي عبد العزيز مزيان بلفقيه، الذي تخرج بدوره من هذه المدرسة، إذ استطاع هذا الأخير أن يلعب دورا بارزا في التعيينات التي همت الإدارة المركزية والترابية لوزارة الداخلية عام 2005، التي اعتبرت الأكبر من نوعها منذ تولي الملك محمد السادس الحكم، كما أنه صاحب الفضل في حصول بعض المستقلين على مناصب وزارية، خلال تعيين حكومة إدريس جطو عام 2002، بعد أن وفر لهم غطاء حزبيا، أمثال كريم غلاب وعادل الدويري ومحمد بوسعيد.

لكن خلال الفترة الأخيرة، شهد نفوذ خريجي المدرسة الوطنية للقناطر في باريس تراجعا ملحوظا، فبعد التعديل الجزئي الذي أجراه الملك محمد السادس على حكومته، سقط وزيران محسوبان على هذه المدرسة، هما وزير الداخلية شكيب بن موسى ووزير السياحة محمد بوسعيد، كما أنه في السنة الماضية، وبالضبط يوم 22 يناير (كانون الثاني) أجرى العاهل المغربي تعيينات لبعض العمال والولاة بكل من الإدارة المركزية والترابية لوزارة الداخلية، أسقطت بعض المحسوبين على هذا المعهد كانوا قد عينوا في هذه المناصب خلال سنة 2005.

ويقول محمد ظريف، وهو دكتور في العلوم السياسية، لـ«الشرق الأوسط» إن العاهل الراحل الحسن الثاني اعتمد في تدبير شؤون الدولة على رجال دولة ووزراء لهم تكوين قانوني، ويرجع ظريف ذلك إلى أن أهم زعماء الأحزاب السياسية التي كان لها حضور قوي في المشهد السياسي المغربي في تلك الفترة، كانوا من رجال القانون، منهم زعيم حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الراحل عبد الرحيم بوعبيد، والراحل المعطي بوعبيد، الذي أسس حزب الاتحاد الدستوري وتقلد رئاسة الحكومة في بداية الثمانينات من القرن الماضي، بالإضافة إلى المستشار الراحل عبد الهادي بوطالب، كما كشف ظريف أن وزير الداخلية الراحل إدريس البصري وجد نفسه مضطرا لمتابعة دراسته القانونية، ويصبح رجل قانون، بعد أن كان محسوبا على سلك الشرطة. وأضاف ظريف أن اعتماد العاهل الراحل الحسن الثاني على رجال القانون، راجع إلى اعتبارات آمن بها الحسن الثاني وهي أن تسيير الدولة وتدبير ملفاتها الكبرى رهن بتكوين قانوني، على الرغم من أن الحسن الثاني اعترف، حسب ظريف، بأنه كان ميالا إلى دراسة التاريخ، لكنه فضل التكوين القانوني من منطلق أن تدبير الدولة يقتضي ذلك.

أما في عهد الملك محمد السادس، فأصبحت هناك توجهات وسياسات أخرى في بداية حكمه، لكن ظريف يشير إلى أن التحول نحو الاعتماد على المستقلين، خاصة خريجي معهد الطرق والقناطر بدأ في أواخر حكم الحسن الثاني، بعد أن وجدوا دعما قويا من المستشار بلفقيه خريج هذه المدرسة أيضا، إذ لعب هذا الأخير دورا بارزا في الدفع بهؤلاء المستقلين إلى تحمل مسؤوليات كبرى داخل الدولة المغربية.

كما أوضح ظريف أن اعتماد الملك محمد السادس على هذه النخبة يرجع إلى كون العاهل المغربي يسعى إلى الفعالية في إنجاز الإصلاحات الكبرى التي دشنها المغرب في عهده، إذ يرى ظريف أن هذه الفعالية ربطها العاهل المغربي بالمستقلين، لهذا يوضح ظريف أننا أصبحنا أمام نخب من المهندسين تتحمل مسؤوليات كبيرة داخل الدولة وتكونت في معهد الطرق والقناطر في العاصمة الفرنسية باريس. لكن على الرغم من هذا الاهتمام بمهندسي معهد الطرق والقناطر، فإن ظريف أبرز أنه في الآونة الأخيرة بدأت العودة إلى الاهتمام برجال القانون، ورد الاعتبار إليهم، خاصة بعد التعديل الجزئي الذي عرفته الحكومة المغربية مؤخرا.

من جهته، قال محمد أبيض الأمين العام لحزب الاتحاد الدستوري المعارض، إنه، حسب الواقع، على كل من يتحمل مسؤولية سياسية يحب أن يكون ممارسا للسياسية، لكن يضيف الأبيض أن الدستور المغربي حاول التخفيف من هذه المعادلة، إذ إنه ضمن للمستقلين حق الترشح في الانتخابات البرلمانية أو البلدية، على الرغم من تحديد القانون لبعض الشروط، وبالتالي اعتبره أبيض إعلانا صريحا عن قبول هذه الفئة بممارسة السياسة، عبر تحمل مسؤوليات حكومية وازنة.

كما خفف أبيض من أمر هيمنة مهندسي معهد الطرق والقناطر على مناصب حكومية عليا، من منطلق أن في أي منصب حكومي، يفضل المسؤول العمل مع الأطر (الكوادر) التي تنسجم معه، مضيفا أن هذه العادة متبعة حتى في فرنسا التي لا تقبل إلا بأطر سياسية متخرجة من المدرسة الوطنية للإدارة الفرنسية، موضحا أن هذا القرار ليس بإجراء قانوني أو عرف متبع.

وبعيدا عن رأي المحللين والسياسيين، دافعت نادية العراقي، رئيسة ودادية مهندسي القناطر والطرق عن زملائها، من منطلق أن الكوادر خريجة هذا المعهد ساهمت وما زالت تساهم في بناء الدولة المغربية وتقدمها عبر إشرافها المباشر على كثير من الإصلاحات الكبرى التي دشنها المغرب مؤخرا.

ونفت العراقي ما روجه البعض عن وجود لوبي أو مافيا محسوبة على هذا المعهد للهيمنة على المناصب السامية في الدولة، مؤكدة أن الأمر يتعلق بمعيار وحيد هو كفاءة هذه الكوادر، التي خولتهم الوصول إلى هذه المناصب، مشيرة إلى أن كثيرا من المناصب العليا في الدولة يشرف عليها كوادر أخرى تخرجت من معاهد أخرى، مثل «المدرسة الحسنية للأشغال الحكومية» و«المدرسة المحمدية للمهندسين».