اعتذرت هيئة مواصلات العاصمة البريطانية أمس عن تصرف سائق مسلم من أصل صومالي كان يقود الحافلة رقم 24 بشمال لندن يوم الاثنين الأول من فبراير (شباط) الحالي، لأنه وقف الحافلة فجأة، وخلع حذاءه وبسط سجادته في الممر، ويمم وجهه شطر مكة المكرمة حتى لا يفوته فرض الصلاة، أمام الركاب الذين انتابتهم حالة من الخوف والذعر الشديد.
وقالت هيئة مواصلات لندن إنها تحترم المعتقدات الدينية لموظفيها، ولكن طلبت منهم عدم الصلاة خلال العمل، بل خلال الراحات التي ينالونها، وللعبادة غرف مخصصة في الجراجات. وقالت الهيئة في بيان: «نعتذر للركاب عن أي إزعاج قد يكون حدث لهم. وطلبنا من العاملين المسلمين أداء العبادات خلال فترات الراحة». ووجهت مواصلات لندن إلى السائق الذي لم تعرّفه إلا بأنه من أصل صومالي توبيخا على تصرفه، وقال متحدث باسم الشركة: «أخذنا عليه تعهدا بعدم تكرار ما حدث في المستقبل». كما جرى تعميم على السائقين المسلمين بأن يؤدوا الصلوات في أوقات الراحات بين الرحلات. وقالت مصادر قريبة من الشركة إن هذا التعميم صدر بناء على استشارة بهذا الخصوص أجرتها مع مسجد محلي أفادها بأن الإسلام يسمح للسائقين بأن يؤدوا الصلاة في أوقات أخرى غير أوقات العمل، ولا يجب عليهم أن يؤدوا الصلاة فور دخول وقتها.
من جهتها قالت راكبة في الحافة: «يمم وجهه شطر قبلة المسلمين، وبدأ يؤدي الصلاة بصوت عال، دون أن يقول لنا لماذا أو ماذا يفعل! تشبثنا في مقاعدنا، ودارت كل الظنون في أذهاننا، وفيها أنه يحضّر نفسه لتفجير الحافلة». وتناثرت عبارات خوف على لسان الركاب الغاضبين من قيام سائق الحافلة «خط 24» بوقف الحافلة في وسط الطريق بضاحية جوسبل أوك بشمال لندن دون سابق إنذار أو تنبيه لهم، أو إخبارهم بالسبب، ومضى في التكبير للصلاة وأدائها دون أن ينبس ببنت شفة ليفسر لهم ما هو مقبل عليه، حتى يبدد مخاوفهم، بحسب ما نشرته صحيفة «التلغراف» البريطانية أول من أمس وعدد آخر من صحف التابلويد أمس. ومن هؤلاء الركاب السيدة غريفثس (33 عاما) التي قالت: «فجأة وقف الحافلة، وبسط بذلته على الممر بين المقاعد قبل أن يخلع نعليه ويوجه وجهه باتجاه مكة، ويهمهم بكلمات عربية... غرقنا في صمت مطبق، وألصقَنا الخوف والمفاجأة في مقاعدنا، والهواجس تتنازعنا من أن هذا السائق قد يعد لهجمات إرهابية في الحافلة. ولم يكن شخص واحد قادرا على الخروج أو الدخول من الحافلة طوال الدقائق الخمس التي أدى فيها الصلاة».
من جهته أكد الدكتور كمال الهلباوي، المتحدث السابق باسم التنظيم العالمي للإخوان المسلمين في الغرب، والرئيس المؤسس للرابطة الإسلامية في بريطانيا، في اتصال هاتفي أجرته معه «الشرق الأوسط»، أن علماء الإسلام أجازوا الجمع في الصلاة بين الظهر والعصر في الغرب لتقارب الأوقات في فصل الشتاء فليس له حجة أو مبرر في ما فعل. وأكد إن هذا التصرف قد يسهم في تشويه صورة الفروض والإسلام بشكل عام حين ينظر إليه غير المسلمين على أنه لا يحترم الوقت ولا الآخرين». وأضاف الهلباوي، الباحث المتخصص في الدراسات الإسلامية والاستراتيجية، أن سلوك السائق المسلم غير مشرف للإسلام أو المسلمين بل مسيء لهما. وقال: «قد يبدو التصرف تمسكا بشعيرة الإسلام، إلا أنه غير مقبول لعدة أسباب، أبرزها أن البيئة التي يعمل فيها السائق المسلم لن تفهم ما فعل، وذلك لأن المسلمين في الغرب متهمين بشكل خاص بالتطرف والإرهاب، ويفسر ما قدم عليه على أنه من هذا القبيل أو يؤدي إليه. وأشار الهلباوي إلى أن العامة في بريطانيا مرتبطون بمواعيد محددة سواء في الذهاب إلى العمل أو العودة إلى المنزل، ويجب أن يصلوا في الموعد المحدد، وكان عليه الاعتذار بعد الصلاة أو تقديم تفسير لما أقدم عليه، بإثارته الخوف في نفوس الركاب. إلى ذلك علّق راكب قدم شكوى بهذا الخصوص إلى شركة لندن للنقل: «كل واحد منا كان ينظر حوله بنظرات تمتزج فيها الصدمة مع الدهشة، وعندما انتهى من صلاته عاد إلى مقعد القيادة ليواصل طريقه دون أن يهتم أن يفسر لنا ما فعله، أو حتى يقدم اعتذارا على تسببه في تأخيرنا عن مواعيدنا، كان تصرفا غريبا ومزعجا بشدة».
إلى ذلك قال راكب آخر «شعرت لوهلة أن هذا الشخص يستعد لتفجير الحافلة، فقد سمعت سابقا أن بعض الإرهابيين يؤدون الصلاة قبل قيامهم بعملياتهم الإرهابية ليؤمنوا نفسهم في العالم الآخر بحسب معتقداتهم». فيما أضاف راكب آخر: «نحن نعيش في مجتمع متعدد الديانات والثقافات، ولكن أدرك أيضا أن للصلاة أماكن وأوقاتا خاصة بها. اختيار الحافلة المليئة بالركاب، واختيار وقت الرحلة ليسا المكان والوقت المناسبين».
وقال سائق حافلة آخر إنه سبق أن رأى سائقين مسلمين يقومون بنفس التصرف: «لم يكن يعجبني هذا التصرف ولم أقبله، لأنهم كانوا يتسببون في تأخير الركاب الذين يُضطرون إلى انتظار السائق حتى يفرغ من صلاته... هذا ليس عادلا، فلماذا يجبر الركاب على الانتظار؟ إذا أراد هؤلاء السائقون أداء الصلاة فيجب أن تكون في فترات راحتهم».