الأساتذة يعتصمون مطالبين بتحسين أجورهم و«دار الأوقاف» تتهم جهات سياسية بتحريكهم

التعليم الديني في طرابلس يدخل على خط معركة «دار الإفتاء»

أحد أساتذة التعليم الديني المعتصمين في طرابلس يحمل، أمس، لافتة تعلن عن «إضراب مفتوح حتى تحقيق المطالب» (رويترز)
TT

وكأنما أزمة دار الإفتاء في بيروت والاتهامات التي وجهت لمفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ محمد رشيد قباني، والكلام عن رغبة سياسية في تعيين مفتى جديد للجمهورية اللبنانية، بدأت تحرك المياه الراكدة في الأوساط السياسية والإسلامية معا، فمنذ صباح أمس تحرك عدد من الأساتذة في التعليم الديني باتجاه دار الإفتاء في طرابلس واعتصموا أمام دائرة الأوقاف، مطالبين بدفع مستحقات لهم تأخر سدادها. وحمل المعتصمون لافتات تعلن الإضراب المفتوح، وذهب البعض إلى الكلام عن «إهمال» التعليم الديني الإسلامي وتهميشه عمدا، عن طريق معاملة أساتذته معاملة غير لائقة بسبب الراتب الضئيل الذي يصرف لهم.

ويتقاضى الأستاذ مبلغا قدره خمسة آلاف ليرة للساعة، أي دون ال3 دولارات أميركية، وفقا للعقد الذي يوقعه مع دار الأوقاف، التي تعين الأساتذة وتتكفل بدفع معاشاتهم لتأمين التعليم الديني في المدارس الرسمية. ويقول الدكتور حسام سباط، مدير الأوقاف الإسلامية بالوكالة في طرابلس: إن المبلغ المتفق عليه مع الأساتذة هو 5 آلاف ليرة، تضاف إليه مكافأة إضافية تصل إلى سبعة آلاف ليرة أو خمسة آلاف تبعا لشهادة الأستاذ. وهذه المكافأة الإضافية تأتينا من دار الإفتاء في بيروت، ومصدرها منحة سعودية تقدمها المملكة. هذه المنحة لم تصل لغاية الآن إلى كل لبنان ونحن متعهدون بدفعها متى وصلت وبأثر رجعي، وهذا ما شرحناه للأساتذة الذين نتضامن معهم، ونعرف أن ما ندفعه لهم، هو في الأصل قليل، لكن هذه هي إمكاناتنا. ودار الأوقاف في طرابلس تمول التعليم الديني من الوقف وتأجير الأملاك، ولا يحق لنا استلام أي مساعدات أو أي تبرعات من أي جهة كانت، ما لم تمر بدار الإفتاء في بيروت وتقرها، ثم ترسلها إلينا. وتبعا لإمكاناتنا ندفع كل التزاماتنا، ووضعنا يبقى أفضل من عكار أو بعلبك الهرمل، حيث لا أملاك أو أوقاف تتغذى منها دار الإفتاء.

ويتحدث سباط عن توقيت «معروفة دوافعه وأهداف غريبة» على التعليم تحرك هذا الاعتصام، ويقول: «الأساتذة الذين اعتصموا عددهم محدود ومعهم عدد أكبر من الإناث، وكان بين المعتصمين، من هم ليسوا أساتذة أصلا. ومن يحرك هذا الاعتصام هم خمسة أشخاص نعرفهم جيدا ونستطيع أن نذكر أسماءهم. لقد اصطدمت دار الإفتاء بأساتذة غير أكفاء فاستبعدتهم، وهذا بعض أسباب التحرك، وأجرت إصلاحات ووسعت التعليم الديني ونظمته وأوصلته إلى مناطق كانت محرومة منه، وقد تحسن الوضع بشكل كبير. ونحن نعرف أن الأساتذة محقون في مطالبهم، لكن سماحة المفتي أخبرهم أن الحل ليس في الاعتصام، بل بتشكيل وفد والذهاب لمقابلة أهل القرار. فالمفتي، مالك الشعار في طرابلس، عرض على دار الإفتاء في بيروت أن يستدين ويدفع المتأخرات للأساتذة، لكن دار الإفتاء رفضت، فماذا بمقدوره أن يفعل؟».

وتهتم دار الإفتاء في طرابلس بالتعليم الديني في كل منطقة الشمال باستثناء عكار، وتوظف نحو 168 أستاذا يغطون المراحل التعليمية كلها من الابتدائي وحتى المرحلة الثانوية. ويقول الأستاذ زكريا الخالدي، الذي يعمل في المرحلة التكميلية: إنه يدرّس 79 ساعة يتقاضى مقابلها 395 ألف ليرة أي نحو 263 دولارا، وهو غير مشمول بضمان صحي يضمن له الدواء والطبابة، وإنما بطاقة تؤمن له الاستشفاء والتحاليل فقط، وهو رب لعائلة، ويعتبر أن ما يتقاضاه غير كاف على الإطلاق.

ويعترف حسام سباط رئيس دارة الأوقاف في طرابلس بالوكالة، أن الرواتب قليلة ولا تليق بالأساتذة، لكن أحوال الأوقاف في لبنان ليست على ما يرام، وقد استطاعت دار الإفتاء في طرابلس أن ترفع وارداتها العام الماضي من مليون ونصف المليون ليرة إلى مليونين ونصف المليون ليرة، لكن تبقى الأوضاع صعبة والمداخيل غير كافية، لسد مختلف الالتزامات التي تشمل مراقبة السجون، وإصلاح العقارات وغيرها.

وعن الإضراب المفتوح الذي يهدد به الأساتذة يقول سباط: «غالبية الأساتذة مارسوا عملهم اليوم (أمس)، وغدا من سيتغيب سنرسل من يحل مكانه.. ونعلم جيدا أن من يحركون الإضراب هم عدد محدود جدا من الناس، وهم للأسف لا يمثلون نخبة الأساتذة ولا أكثرهم كفاءة، مع اعترافنا أن مطالب الأساتذة محقة ونحن ندعمهم، لكن ليس بالاعتصام تحل المشكلات بل بالحوار».

وجدير بالذكر أن الأوساط الإسلامية في طرابلس تتحدث عن شد حبال قوي بين عدة قوى، تدخل على خط اعتصام الأساتذة، حيث التقت المصالح الشخصية للبعض مع مصالح سياسية لبعض الأفرقاء، الذين يريدون وضع العصي في دواليب مفتي طرابلس، الشيخ مالك الشعار الذي تردد اسمه كخلف محتمل لمفتي الجمهورية الحالي الشيخ محمد رشيد قباني. وهو ما يوحي ربما بأن معركة خلافة مفتي الجمهورية الحالي قد بدأت، وأن ما شهدته طرابلس أمس من اعتصام محدود لأساتذة غاضبين أو مسيسين ليس إلا رأس جبل الجليد لمعركة قد يحتدم وطيسها في الأيام المقبلة.