إيران تكافئ «الباسيج» بمنحهم نفوذا سياسيا

منح تمويل أكبر ودور في مراقبة المعارضين

TT

دبي - أسوشييتد برس: خلال اجتماع للحكومة الإيرانية نهاية الشهر الماضي، طرح مستشار بارز للرئيس محمود أحمدي نجاد مقترحا لزيادة النفوذ السياسي الذي تحظى به جماعة تشتهر بنفوذها داخل الشارع الإيراني، وهي ميليشيا «الباسيج». وطبقا لمواقع على شبكة الإنترنت موالية للحكومة، جرى تمرير المقترح بيسر. إضافة إلى ذلك، اتخذت السلطات الإيرانية خطوة أخرى باتجاه إعادة هيكلة الدولة بغية مكافأة الميليشيا التي تساعدها على البقاء في السلطة، حيث أسندوا إلى الحرس الثوري أدوارا أوسع نطاقا بمجال صنع القرار، وكذلك شبكة القوات شبه العسكرية واسعة النطاق التي تتبعه والتي شنت حملات صارمة ضد المتظاهرين المعارضين. المعروف أن الحرس الثوري شكّل دوما عنصرا محوريا في المؤسسة الإيرانية الإسلامية، لكن الباب الذي فُتح أخيرا أمام الميليشيا التابعة له يوحي بأنه سيوكل إليه دورا أعمق في سرد السياسات الداخلية باعتباره أكثر الجماعات الإيرانية تشددا في مواجهة قوات معارضة تزداد جرأة في مطالبها ودول غربية تدرس فرض عقوبات أكثر صرامة على إيران بسبب برنامجها النووي.

ومن المتوقع أن يخرج «الباسيج» بقواتهم إلى الشوارع مجددا اليوم، حيث ينتظر تنظيم مسيرات معارضة تتزامن مع ذكرى قيام الثورة الإسلامية عام 1979. وقد سبق لـ«الباسيج» بذل محاولات لسحق الحركة المناهضة للحكومة منذ الانتخابات المثيرة للجدال التي تمخضت عن فوز أحمدي نجاد في يونيو (حزيران) الماضي. أما التطور الأقل لفتا للأنظار، رغم ما ينطوي عليه من أهمية أكبر، فيتمثل في تطور دور «الباسيج» من قوة غير محكمة التنظيم من الحرس الإسلامي إلى قوة أكثر تناغما تتميز بقنوات اتصال متزايدة مع القيادة والمؤسسة الأمنية في إيران.

وفي هذا الصدد، أعرب بارتيك كلاوسون نائب مدير «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»، عن اعتقاده أن «من الواضح أن الحرس الثوري يجري إدماجه على نحو متزايد في معادلة صنع القرار الإيرانية خلال الأزمة. ويأتي توسيع نطاق دور (الباسيج) بمثابة امتداد طبيعي لهذه السياسة».

من المعروف أن الشقيق الأكبر لـ«الباسيج»، الحرس الثوري، يشكل منذ فترة بعيدة أحد أعمدة النظام الإيراني باعتباره قوة منفصلة عن القوات المسلحة التقليدية. يحظى الحرس الثوري حاليا بدور في جميع المجالات الحيوية، بما في ذلك تطوير الصواريخ والتعامل مع الموارد النفطية وبناء السدود وبناء الطرق ومشروعات الاتصالات عن بعد وتطوير التقنيات النووية.

علاوة على ذلك، استوعب الحرس الثوري قوات «الباسيج» كجزء كامل من هيكله القيادي، ومنح الميليشيا تمويل أكبر ووجود أقوى على الصعيد السياسي الداخلي في إيران. وكثيرا ما يتهم رئيس الحرس الثوري، الجنرال محمد علي جعفري، المعارضين بإشعال «ثورة ناعمة» ضد النظام الإسلامي، ويشدد على أن هناك حاجة أكثر من أي وقت مضى إلى قوات مثل «الباسيج» للقضاء على التهديدات الداخلية.

وتعود جذور «الباسيج» كقوة مؤلفة من مقاتلين متطوعين إلى فترة الحرب مع العراق (1980 - 1988). وبعد ذلك، تطور دور القوة لتتولى الدفاع عن النظام، وتكفلت أدوارا مثل تنفيذ مهام الشرطة الأخلاقية في نقاط التفتيش والمتنزهات أو كقوات تهاجم على حين غرة التجمعات أو المنشورات الموالية للإصلاح. وشهدت الأزمة التي تعتمل في إيران منذ يونيو (حزيران) تقدم «الباسيج» إلى مقدمة الصفوف المتصدية للمعارضة.

ولجأت القوات الأمنية إلى «الباسيج» باعتبارها مصدرا للمعلومات بما تحظى به من آلاف الأعين والآذان داخل كل جزء في البلاد. وباتت الميليشيا أول قوة يلجأ إليها النظام لمهاجمة المظاهرات، وكثيرا ما يخوض «الباسيج» معاركهم ضد المتظاهرين مستخدمين دراجات بخارية ومدججين بالهراوات. جدير بالذكر أن ثمانية أشخاص على الأقل لقوا مصرعهم في الصدامات بين قوات الأمن والمتظاهرين خلال المسيرات الاعتراضية الضخمة التي شهدتها البلاد في ديسمبر (كانون الأول) الماضي. من ناحية أخرى، تَعهّد آية الله علي خامنئي، المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، الاثنين، بـ«توجيه لكمة في وجه» جماعات المعارضة إذا ما انساقت وراء دعوات تنظيم مسيرات اليوم، في أثناء الاحتفالات التي تنظمها الدولة بمناسبة ذكرى قيام الثورة الإسلامية. وقال إن «الباسيج» سيجري نشرهم لتوفير «النظام والأمن». ويعد ذلك أحدث إشارة تصدر عن طبقة رجال الدين الحاكمة توحي بأن «الباسيج» يندمجون على نحو أعمق في المؤسسة الحاكمة. وفي أثناء اجتماع مجلس الوزراء الذي انعقد يناير (كانون الثاني) الماضي، ألقى أحد كبار مستشاري أحمدي نجاد، محمد رضا رحيمي، بخطاب أشاد خلاله بـ«الباسيج»، قبل إجراء تصويت حول منحها مزيدا من القوة في دعوة مفتوحة للمشاركة في صنع القرارات ووضع السياسات داخل كل وزارة، طبقا لما أورده موقع «Rajanews.com» الموالي لأحمدي نجاد. كما ظهر التقرير ذاته في مواقع أخرى على شبكة الإنترنت موالية للحكومة، وكذلك بالمدونات المعارضة.

إلى جانب ذلك، تشير تقارير إلى أن قادة «الباسيج» يطالبون بزيادة أخرى في الميزانية المخصصة للميليشيا في السنة الإيرانية القادمة التي تبدأ من مارس (آذار). وفي العام الماضي، زاد التمويل المخصص لـ«الباسيج» بنسبة 200% ليتجاوز 500 مليون دولار، طبقا لما ورد في «الصبح الصادق»، وهو إصدار يسيطر عليه الحرس الثوري.

والملاحظ أن هذه الخطوة تأت رغم الأزمة المالية الحادة، التي تسببت في اتخاذ إجراءات افتقرت إلى التأييد الشعبي مثل خطط لإنهاء الدعم الحكومي الموجه لأسعار الغازولين. والواضح أنه ليس هناك من بين أعضاء الحكومة من لديه رغبة في المخاطرة بإثارة ضيق جماعات مثل «الباسيج»، التي لا تزال واحدة من أقوى أنصار أحمدي نجاد.

من ناحيته، قال ويليام أُو بيمان، البروفسور بجامعة مينيسوتا والذي يُعنى بالشؤون الإيرانية: «يمكن أن يعملوا بمثابة جيش خاص لأحمدي نجاد». ويبدو النفوذ المتنامي لـ«الباسيج» متوافقا مع الجهود الرامية لتوسيع نطاق إشراف القوى المتشددة على المدارس والجامعات. وقد زاد نشاط «الباسيج» على صعيد التجنيد مع تفاقم التوترات السياسية. بصورة عامة، لا تنشر إحصاءات رسمية حول أعداد أفراد «الباسيج»، لكن بعض التقديرات تضعهم عند مستوى يفوق مليون فرد.