مع خروج حركة المعارضة الإيرانية إلى الشوارع يبدو واضحا أنها لم تحرز تقدما ملموسا كبيرا رغم ثمانية شهور من المظاهرات، وبات يتحتم عليها الآن الاختيار بين اتباع نهج حذر نسبيا يحدده زعماؤها أو اتخاذ المسار الراديكالي الذي يدعو إليه بعض أعضائها. من ناحيتهما، يقول زعيما المعارضة مير حسين موسوي ومهدي كروبي، اللذين خسرا الانتخابات الرئاسية أمام الرئيس محمود أحمدي نجاد في إطار انتخابات متنازع عليها عقدت في يونيو (حزيران) الماضي، إن المظاهرات ترمي للتمسك بقيم الجمهورية الإسلامية وتنفيذ الدستور الإيراني على النحو الأكمل. إلا أن كثيرا من المتظاهرين، الذين يساورهم الإحباط حيال الموقف المتشدد الذي تتخذه الحكومة واستمرار حملة الإجراءات الصارمة التي تشنها، يدعون إلى الإسقاط الكامل لنظام حكم رجال الدين القائم منذ 31 عاما. ويعتقد أن الانقسامات المتنامية داخل حركة المعارضة ستواجه اختبارا مهما خلال مظاهرات أمس ذلك أن المظاهرات المناهضة للحكومة، التي تنظم في وقت متزامن مع مسيرات موالية للحكومة يشارك فيها ملايين الإيرانيين احتفالا بذكرى قيام الثورة الإسلامية، ربما تكون الفرصة الأخيرة أمام المعارضة للقيام بمظاهرة ضخمة على مدار بضعة شهور على الأقل. ويقول بعض أعضاء حركة المعارضة إن فرصة إحداث تغيير في إيران تضيع من بين أيدي الحركة. ومن المحتمل مشاركة مليوني شخص في المظاهرة المناوئة للحكومة. من جهته، قال أحد المحللين السياسيين، رفض الإفصاح عن هويته خشية إلقاء القبض عليه: «ما الاختلاف الحقيقي الذي يحققه ذلك؟ لقد همشت الحكومة مثل هذه الأحداث في الماضي. إنها تتجاهل جميع المطالب الموجهة إليها. بعد مظاهرة الخميس، سيخلص الكثيرون إلى نتيجة مفادها: ما الجدوى من وراء المخاطرة بالأرواح؟». عشية المظاهرة، أعلنت الحكومة الإيرانية تجميدها خدمة البريد الإلكتروني عبر محرك البحث «غوغل» داخل البلاد بشكل نهائي، حسبما أشارت صحيفة «وول ستريت جورنال»، الأربعاء. ولم تصدر تأكيدات فورية لهذا النبأ من قبل أي من طهران أو «غوغل». كما عجز مسؤولو وزارة الخارجية من التأكيد على صحة الخبر، لكن أحد المسؤولين قال إن هذه الخطوة لا تبدو استجابة للجهود الأميركية الرامية لفرض عقوبات ضد الشركات الإيرانية. وأضاف: «إنما يتعلق برمته بالقلق الإيراني المستمر حيال المظاهرات وعجز الحكومة عن إيقافها». الملاحظ أن مستخدمي خدمة البريد الإلكتروني «جيميل» التابعة لـ«غوغل» جابهوا أعطالا من وقت لآخر في الخدمة خلال الأسابيع الماضية. إلا أن المسؤولين الإيرانيين أوعزوا الأعطال إلى انقطاع خطوط اتصالات، وفي الوقت ذاته دعوا إلى توفير خدمة بريد إلكتروني وطني. من جهتها، قالت جيل هازيلبيكر، المتحدثة الرسمية باسم «غوغل» في بيان لها إنه «ليس بمقدورنا التأكيد على مسألة حدوث انخفاض حاد في الإقبال على الخدمة، وقد تفحصنا شبكاتنا وتوصلنا إلى أنها تعمل بصورة ملائمة». من ناحية أخرى وأثناء استعدادهم للمشاركة في المظاهرات، قال بعض المتظاهرين إن الوقت قد حان لاتباع تكتيكات جديدة. وقالت باريسا، إحدى المتظاهرات ورفضت الكشف عن اسمها الكامل: «نعلم أنه ينبغي عدم التورط في العنف، لكن إلى متى سنسمح بتعرضنا للضرب؟». من جهتهما، ناشدا موسوي وكروبي في بيانات صادرة عنهما ولقاءات عقداها لتنظيم المظاهرة، بالتزام السلوك السلمي ودعوا المتظاهرين بالامتناع عن ترديد هتافات معادية للمرشد الأعلى للثورة الإسلامية، آية الله علي خامنئي. وأكد كروبي في بيان أصدره الأسبوع الماضي أن «ما يجمع هذه الحركة المطالبة بانتخابات حرة وإعلام حر واحترام الحقوق المدنية». وأوضح قادة المعارضة أن الدستور الإيراني يكفل الحقوق المدنية التي ينتهجها حكام البلاد. وأعرب موسوي في مقابلة أجراها عبر موقعه على شبكة الإنترنت الأسبوع الماضي أكد خلالها ضرورة احترام الدستور، عن اعتقاده بأنه حال تجاوز الحركة هذه المطالب، فإنها بذلك «ستتخبط في الظلام». إضافة إلى ذلك، طالب موسوي بإطلاق سراح جميع السجناء السياسيين. واستجابت المحاكم بإصدار عقوبات بالإعدام ضد 10 متظاهرين، بعد شنق رجلين الشهر الماضي لتورطهما المزعوم في صدامات بالشوارع. وذكر مسؤول شرطي بارز أنه ألقي القبض على عدة أفراد، الأربعاء، مستطردا بأنه يجري احتجاز المئات. يذكر أنه في غضون الأسابيع القليلة الماضية فقط، ألقي القبض على 12 صحافيا وعشرات النشطاء. وأبدى عباس عبدي، محلل سياسي ورئيس تحرير سابق لإحدى الصحف، اعتقاده بأن حركة المعارضة «أشبه بسيارة تتحرك في اتجاه الهبوط على طريق جبلي مرتفع. وليست هناك مكابح ولا أدوات للسيطرة». وأضاف أن المتظاهرين يتهمون سياسات موسوي وكروبي بالفشل، وبالتالي فقد الزعيمان السيطرة على حركة المظاهرات. لكن حميد جلايبو، بروفسور علم الاجتماع بجامعة طهران الذي يؤيد المعارضة، قال إن مجموعة صغيرة فقط من المتظاهرين تراودها رغبة إسقاط القيادات الإيرانية الكبرى. وأضاف: «تتميز قيم الثورة الإسلامية بأهمية كبيرة بالنسبة لمعظم أعضاء المعارضة. إن الأمر يدور حول مقاومة الطغيان، وليس إسقاط النظام بأكمله».
*غلين كيسلر شاركت في إعداد هذا التقرير. خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»