التأشيرة.. إجراءات مملة تؤرق الروس الراغبين في زيارة أوروبا

مواطنو روسيا ساخطون على «إهانتهم» من قبل دول صغيرة كانت يوما تحت عباءتهم

TT

انتهى موسم العطلات الشتوية لتوه هنا، ومع ذلك يخطط الكثير من الروس لرحلتهم الأوروبية القادمة، حيث يعكفون على شراء التذاكر وحجز الفنادق، ويعملون كذلك على جمع بيانات مصرفية وإيصالات تأمين ودفع رسوم والتقاط صور شخصية لأنفسهم وتصوير مستندات والانتظار في صفوف طويلة والخضوع لما يشبه الاستجواب من قبل مسؤولي السفارات، كل هذا بهدف الحصول على تأشيرة دخول إلى دولة أوروبية، بحيث يمكن منها التنقل بين باقي دول القارة. وتسلط هذه العملية الطويلة من الإجراءات الضوء على الجدران التي لا تزال تفصل روسيا عن الغرب. وفي الوقت الذي يتمتع أبناء إستونيا وبلغاريا ولاتفيا وبولندا بحرية التجول في أوروبا كيفما شاءوا من دون أن تعوقهم الحدود أو القيود البيروقراطية التي ربطتهم بموسكو في فترة من الفترات، يجب أن يحصل الروس على تأشيرة دخول إلى أوروبا. ويؤكد المسافرون هنا أن مسألة الحصول على تأشيرة تثير الإحباط، وأحيانا تحمل طابعا مهينا، مما يثير في نفوس الكثيرين التساؤل حول السبب وراء هذا الجفاء الشديد إزاء الروس.

وقال ميخائيل بوبونين، 21 عاما، الذي يمتهن التزلج على الجليد: «ربما السبب أن روسيا بالغة الضخامة أو ربما بسبب الصراعات الماضية». وأضاف في أثناء وقوفه في صف في درجات حرارة دون الصفر خارج أبواب السفارة الإستونية للحصول على تأشيرة: «ربما كانوا ينظرون إلى روسيا باعتبارها دولة متخلفة».

في روسيا تلاشت القيود الداخلية على السفر إلى الخارج بانهيار الاتحاد السوفياتي، مما عزز حرية السفر إلى الخارج، خصوصا إلى الدول الـ27 أعضاء الاتحاد الأوروبي. إلا أن الاتحاد الأوروبي أبدى من جانبه تردده إزاء استضافة المسافرين الروس.

والملاحظ أن المسؤولين الروس يمارسون ضغوطا على نظرائهم الأوروبيين منذ سنوات، على الأقل، من أجل تخفيف القيود المفروضة على المسافرين الروس. واجتذبت قضية استصدار التأشيرة اهتماما جديدا في الأسابيع الأخيرة مع صدور إشارات من جانب المسؤولين الأوروبيين توحي باستعدادهم للتفكير في الأمر.

فمثلا، صرح وزير الخارجية الإسباني ميغيل أنغيل موراتينوس، خلال زيارته لموسكو، أن بلاده التي تتولى رئاسة الاتحاد الأوروبي حاليا ستعمل على استغلال مكانتها في الضغط للتخفيف من القيود التي تفرضها سياسة استصدار تأشيرات دخول الاتحاد الأوروبي. وقد أعلن مسؤولون أوروبيون بتعهدات مشابهة في ما مضى، لكن معظمها لم يتحقق على أرض الواقع.

يذكر أن تكلفة تأشيرة دخول الاتحاد الأوروبي منخفضة للغاية وقد تصل إلى 50 دولارا، لكن المشكلة التي تؤرق الكثير من الروس لا تتعلق بالمال، وإنما التلميحات بأن الروس لا طائل من ورائهم. ويتعين على المسافرين الروس تقديم بيانات مصرفية تؤكد قدرتهم على تحمل تكاليف الرحلة، ويتحتم عليهم أيضا تقديم دليل على أن لديهم وظائف وأدلة تثبت حجزهم في فنادق وشرائهم تذاكر طيران مسبقا، الأمر الذي ينطوي على تلميح أن كل مسافر روسي هو مهاجر غير شرعي محتمل.

إلا أنه بعد طلب الاطلاع على كميات هائلة من الأوراق تنتهي الحال بالأوروبيين برفض عدد قليل للغاية من الطلبات المقدمة إليهم للحصول على تأشيرة. ومن المعروف أن الأوروبيين، وكذلك الأميركيين، يتحتم عليهم الحصول على تأشيرة لدخول روسيا، لكنهم غالبا ما يمرون عبر إجراءات أبسط بكثير للحصول على تأشيرة سياحية، ذلك أنهم، على سبيل المثال، غير ملزمين بخوض مقابلة.

وقال أركادي موشيز، وهو باحث في «المعهد الفنلندي للشؤون الدولية»: «يشكل نظام التأشيرة الحالي مثالا واضحا على حقيقة أن روسيا والاتحاد الأوروبي ليسا شريكين فعليا على خلاف ما يعلنان عنه في أغلب الوقت. بالنسبة للمواطن الروسي العادي، ليس هناك ما يمثل بوضوح غياب هذه الشراكة أكثر من عملية استصدار تأشيرة. إن الأمر ليس رمزيا فحسب، وإنما يؤثر على المواطنين بالفعل».

ويضم الاتحاد الأوروبي حاليا دولا كانت في «حلف وارسو» سابقا، مثل بولندا ورومانيا. لكن أكثر ما يثير سخط الكثير من الروس هو الحاجة إلى استصدار تصريح لدخول إستونيا ولاتفيا وليتوانيا، وهي جمهوريات سوفياتية سابقة انضمت الآن إلى عضوية الاتحاد الأوروبي. خلال الحقبة السوفياتية كان الروس يزورون الدول الثلاث بحرية خلال عطلات نهاية الأسبوع ولقضاء عطلات أسرية طويلة.

سافرت ألبينا إل. مارشالكينا، 70 عاما، عن طريق قطارات اقتصادية بطيئة من منزلها في فيليكي نوفغورد إلى موسكو خلال يومين للحصول على تأشيرة من السفارة الإستونية. ويفصل بين مارشالكينا وابنتها وأحفادها في إستونيا الآن رحلة القطار وكومة من الأوراق والمستندات والرسوم والانتظار لأسبوع كامل للحصول على تأشيرة.

يذكر أن توترا سياسيا حل بالعلاقات الإستونية - الروسية، مما جعل مسألة تخفيف صرامة سياسة استصدار التأشيرة على نحو أحادي الجانب غير واردة. وقالت مارشالكينا: «هم هناك ونحن هنا، ومع ذلك نواجه صعوبة بالغة في الوصول إلى هناك ونتكبد مصاريف كبيرة. لا أهتم بما يجري داخل إستونيا، دعوهم يحلون مشكلاتهم بأنفسهم، لكن دعونا نرى أطفالنا وأحفادنا. افتحوا الحدود».

وتتنوع أسباب الإبقاء على سياسة التأشيرة الراهنة، فمن ناحية لا تتوافر إرادة سياسية داخل أوروبا لتغييرها، ومن ناحية أخرى فإنه في الوقت الذي يتعين على مواطني الاتحاد الأوروبي أيضا استصدار تأشيرة لدخول روسيا فإن قليلين منهم يبدون اهتمامهم بالسفر إلى هناك.

كما تراود المخاوف كثيرا من دول الاتحاد الأوروبي حيال السماح لأعداد كبيرة من الروس بالدخول بحرية إلى الكتلة الأوروبية، حسبما أشار فرناندو إم. فالنزويلا، رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي لدى روسيا. وأضاف: «كلنا نعلم أن جميع المسائل المتعلقة بالتأشيرة ترتبط بقضايا الهجرة غير الشرعية، أو الجريمة المنظمة أو الاتجار في المخدرات وما إلى ذلك». واستطرد موضحا أنه بينما تنوي الحكومة الإسبانية إثارة القضية داخل الاتحاد الأوروبي خلال فترة رئاستها، لم تبدأ بعد أي مناقشات فعلية حول الأمر.

بالتأكيد لا تعد أوروبا الوجهة الوحيدة التي يقصدها السياح الروس، حيث يقبل الكثيرون منهم على السفر إلى تركيا ومصر، حيث يمكن للروس الحصول على التأشيرة بسهولة من داخل المطار. وجدير بالذكر أن إسرائيل رفعت جميع القيود المفروضة على حصول الروس على تأشيرة لزيارتها عام 2008. ومع ذلك يبقى الكثير من الروس على استعداد لتحمل مشقة الوصول إلى أوروبا التي بات الكثيرون يضطلعون بنشاطات تجارية بها. وقال فلاديمير دريغانت، 60 عاما، في أثناء وجوده في السفارة الفرنسية لمساعدة حفيده للحصول على تأشيرة سياحية: «إنني بحاجة إلى السفر في رحلة عمل على الفور ولدي التأشيرة بالفعل، لكن مساعدي، الذي أحتاج إليه برفقتي، يتعين عليه الانتظار ستة أيام للحصول على التأشيرة».وفي وقت لاحق، خرج حفيد دريغانت وعلى وجهه علامات الحزن، حيث لم تكن بحوزته صور من جميع الأوراق الـ37 المطلوبة، وطلب منه المسؤولون أن يعاود القدوم إلى السفارة في يوم آخر.

*خدمة «نيويورك تايمز»