رحيل «نصير المجاهدين الأفغان» في الكونغرس الأميركي

تشارلي ويلسون حذر من ترك أفغانستان للفراغ.. وغيتس: كان علينا الاستماع إليه

تشارلي ويلسون على ظهر جواد في أفغانستان عام 1987 (أ.ب)
TT

غيب الموت مساء أول من أمس أحد أبرز السياسيين الأميركيين المرتبطين بأفغانستان تاريخيا. وأعادت وفاة العضو السابق في مجلس النواب، تشارلي ويلسون، عن عمر يناهز 76 عاما، إلى الأذهان الدور الأميركي في مساعدة المجاهدين الأفغان بالمال، خلال محاربتهم الغزو السوفياتي لبلادهم. واللافت أن هؤلاء كانوا حلفاء للولايات المتحدة قبل أن تنقلب الأمور ويظهر تنظيم طالبان الذي تحاربه الولايات المتحدة اليوم.

توفي ويلسون جراء أزمة قلبية خلال حضوره اجتماعا في تكساس أول من أمس. وكان ويلسون قد عانى من مشاكل قلبية لسنوات عدة وخضع لعملية زرع قلب قبل ثلاث سنوات.

وويلسون، الذي مثل ولاية تكساس في مجلس النواب بين عامي 1973 حتى 1996، كان الداعم الأول للمجاهدين الأفغان، في الكونغرس الأميركي، وسهل تزويدهم بمليارات الدولارات من خلال عضويته في لجنة الاعتمادات التابعة لمجلس النواب. واعتبر دور ويلسون في أفغانستان خلال الثمانينات من القرن الماضي، أساسيا في توثيق العلاقات الأميركية بالمجاهدين الأفغان. وكان ويلسون أيضا من أشد المعارضين للاتحاد السوفياتي السابق، وقد نقل عنه أن تمسكه بالحرب في أفغانستان يعود لسبب أساسي هو أنها «المكان الوحيد الذي نقتل الروس فيه». إلا أن ويسلون حينها كان يصر أيضا على أهمية مساعدة الشعب الأفغاني والتركيز على إعادة الإعمار، وهي الدعوة التي لم يستمع إليها الكونغرس والإدارات الأميركية خلال العقدين الأخيرين من القرن الماضي.

وفي حين اعتبرت جهوده مهمة لتزويد الأفغان بالمال، مما أسهم في تحقيق الانتصار ثم التسريع بانهيار الإمبراطورية السوفياتية، فإن ويلسون لم يتمكن من الإبقاء على تدفق المال بعد مغادرة السوفيات. وربما بسبب ذلك، غرقت أفغانستان لاحقا في الفوضى، مما أدى إلى ملء الفراغ في النهاية من قبل حركة طالبان التي آوت عناصر تنظيم القاعدة. وبعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، التي نفذها عناصر من «القاعدة» تدربوا في أفغانستان، غزت الولايات المتحدة هذا البلد الذي كانت ساعدت على تحريره. وقال ويلسون في مقابلة أجرتها معه وكالة «أسوشييتد برس» في سبتمبر 2001 «أشخاص مثلي لم يتحملوا مسؤولياتهم بعد انتهاء الحرب. سمحنا بحدوث الفراغ في أفغانستان وباكستان، مما أغضب الكثير من الناس. كان ذلك خطأ مني بقدر ما كان خطأ من آخرين كثيرين».

ويعتبر ويلسون من الديمقراطيين الليبراليين اجتماعيا، لكنه أيضا من الداعمين للعمليات العسكرية، اعتقادا منه أن التدخل في شؤون الدول الأخرى يخدم أحيانا مصالح الولايات المتحدة وقيمها. من اللافت أن وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس كان المسؤول الوحيد ضمن إدارة الرئيس باراك أوباما الذي أصدر بيانا حول وفاة ويلسون. فبينما أصدر أوباما بيانا بشأن وفاة النائب الديمقراطي جون مورثا قبل 3 أيام، فإنه لم يصدر بيانا على الفور، حول وفاة ويلسون. كذلك، فإن مسؤولين ديمقراطيين آخرين مثل وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون اهتموا بوفاة مورثا وقبله إدوارد كينيدي، لكنهم لم يعلقوا على وفاة ويلسون.

وقال غيتس في بيانه أمس «كانت لدي التجربة التي لا تنسى لمعرفة عضو الكونغرس ويلسون عندما كنت في وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه). كان (ويلسون) يعمل بجهد لصالح المقاومة الأفغانية التي حاربت الاتحاد السوفياتي». يشار إلى أن غيتس كان حينها رئيسا لوكالة «سي آي إيه». وأضاف غيتس «كما يعرف العالم الآن، ساعدت جهوده في صد غزو، وتحرير شعب، وإنهاء الحرب الباردة»، موضحا أنه «بعد مغادرة السوفيات، بقي تشارلي يحارب من أجل الشعب الأفغاني، وحذر من التخلي عن البلد المتأزم. كان علينا الاستماع لهذا التحذير وعلينا تذكره اليوم». واعتبر غيتس أن الولايات المتحدة «خسرت وطنيا غير اعتيادي، وحياته تظهر مرة أخرى أن شخصا واحدا شجاعا وملتزما يستطيع أن يغير مجرى التاريخ».

وكان غيتس قد أشار إلى ويلسون خلال شهادته أمام الكونغرس في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، مكررا تحذير ويسلون من التخلي عن أفغانستان وأهمية دعم الشعب الأفغاني بدلا من الاهتمام بالجانب العسكري فقط. وقال غيتس حينها «لم يستطع ويلسون الحصول على أقل الأموال لبناء المدارس»، مضيفا «لن نكرر أخطاء عام 1989» عندما أوقفت الولايات المتحدة دعمها المادي والسياسي لأفغانستان بعد انسحاب القوات الروسية.

ولد شارلي ويلسون عام 1933، في ترينيتي، بولاية تكساس. ودخل جامعة الدولة في سام هيوستن، في هانتسفيل. ثم التحق بالأكاديمية البحرية في أنابوليس وتخرج فيها عام 1956. وبعدها، خدم لمدة أربع سنوات في سلاح البحرية، قبل أن يعود إلى تكساس حيث انتخب لعضوية مجلس نواب الولاية ثم مجلس شيوخ الولاية. في عام 1972، ترشح وانتخب لعضوية الكونغرس، لتمثيل تكساس. وخدم في لجنة الاعتمادات وأيضا في اللجنة الفرعية للعمليات الخارجية. خدم ويسلون في سلاح البحرية كملازم أول (لفتنانت) في الفترة بين 1956 - 1960. ثم دخل السياسية عبر تطوعه في حملة الرئيس الراحل جون إف كينيدي.

يشار إلى أن جهود ويسلون لتوفير أسلحة بقيمة 5 مليارات دولار تقريبا، إلى المجاهدين الأفغان، كانت عنوانا لكتاب ثم فيلم بعنوان «حرب شارلي ويلسون». وفي هذا الفيلم الذي أنتج عام 2007، جسد الممثل توم هانكس دور ويلسون، فيما جسدت جوليا روبرتس دور جوان هيرينغ، وهي المرأة التي كانت أول من دفع ويلسون إلى الاهتمام بمساعدة الأفغان. وكان الرئيس الباكستاني الراحل، الجنرال محمد ضياء الحق، قال مرة إن «من الصعب التقليل من دور ويلسون» في هزيمة السوفيات بأفغانستان. وأضاف في حديث مع قناة تلفزيونية أميركية «كل ما أستطيع قوله هو أن شارلي فعلها».

وأشاد كثيرون ممن عملوا مع ويلسون بشجاعته والدور الذي لعبه في حدث كبير غير مجرى التاريخ. ووصف رئيس لجنة المخصصات في مجلس النواب الأميركي ديفيد أوبي زميله السابق ويلسون بأنه «رجل شجاع عمل جاهدا وأحب بلاده وعاش الحياة على أكمل وجه». كذلك، قال تشارلز شنيبل، الذي خدم مع ويلسون في مجلس شيوخ ولاية تكساس «كان شارلي ممتازا كعضو في مجلس النواب، وممتازا كعضو في مجلس نواب الولاية، وممتازا كعضو في مجلس شيوخ الولاية. مثل بامتياز الشعب الذي انتخبه». بدوره، قال مايك فيكرز، الذي عمل مع ويلسون في «سي آي إيه» ويشغل الآن مساعدا لوزير الدفاع لشؤون العمليات الخاصة، إن شارلي «كان مواطنا أميركيا عظيما، لعب دورا محوريا في حدث غير العالم هو هزيمة الجيش الأحمر في أفغانستان، مما أدى إلى انهيار الشيوعية والإمبراطورية السوفياتية». أما صديقه منذ فترة طويلة، بودي تمبل، الذي كان معه عندما توفي مساء أول من أمس، فقال إنه على الرغم من سمعة ويلسون كرجل صاحب علاقات عاطفية كثيرة، فإنه كان جادا بشأن تمثيل تكساس في الكونغرس. وأضاف تمبل في مؤتمر صحافي في المستشفى معلنا وفاة ويلسون «شارلي كان عملاقا. لقد فقدنا عملاقا. لن يكون هناك آخر مثله».

ترك ويلسون السياسة عام 1996، بعد أن فقد أي متعة فيها، ثم عمل لعدد من السنوات ضمن جماعات الضغط، قبل أن يعود إلى تكساس. وفي عام 2007 خضع لعملية زرع قلب بعد أن أكد الأطباء إصابته بمرض يسبب توسع وضعف القلب. وعلى الرغم من ابتعاد ويلسون عن الأضواء في السنوات الأخيرة، فإن اهتمامه بالسياسة لم يتوقف، وكان بين فترة وأخرى يقبل طلبات مقابلات إعلامية تركزت على التطورات في أفغانستان وباكستان. وأعلنت جامعة تكساس قبل بضعة أسابيع تخصيص كرسي خاص في الجامعة «للدراسات الخاصة بباكستان» يحمل اسم تشارلي ويلسون.