بعد قرابة أربعة أشهر من سقوط نظام حكم الرئيس المصري السابق حسني مبارك، الذي عرف بتشدده تجاه الإسلاميين، أصبح للتيار السلفي حزب سياسي رسمي تحت اسم حزب النور. وهو ما اعتبره الشيخ عبد المنعم الشحات المتحدث الرسمي باسم التيار السلفي في مصر نقطة تحول تاريخية في علاقة السلفيين بالمجتمع وبداية حقيقية للتيار السلفي، قائلا لـ«الشرق الأوسط» إن لجنة شؤون الأحزاب بموافقتها على الحزب أثبتت أنها ليست وريثة للنظام السابق.
وذكر بيان رسمي صادر عن لجنة شؤون الأحزاب التي يرأسها المستشار كمال نافع أنه تقرر قبول الإخطار المقدم من عماد الدين عبد الغفور، وكيل مؤسسي حزب النور كأول حزب سلفي يتم تأسيسه في مصر، الذي كان قد تقدم به في 24 من الشهر الماضي لتأسيس الحزب، مشيرا إلى أن حزب النور، وفي ضوء قبول الإخطار بتأسيسه، أصبح يتمتع بالشخصية الاعتبارية، ومن حقه مباشرة نشاطه السياسي اعتبارا من اليوم التالي لصدور القرار في 13 من الشهر الحالي.
وأعرب سامح الجزار مسؤول حزب النور بالقاهرة عن سعادته بالموافقة على الحزب، قائلا لـ«الشرق الأوسط» إن حزب النور سوف يعقد مؤتمرا صحافيا موسعا لعرض خطواته في المرحلة المقبلة، خصوصا في ما يتعلق بالانتخابات البرلمانية والرئاسية.
ولم تكن هذه المرة الأولى التي يتقدم فيها تيار محسوب على الإسلاميين للحصول على رخصة حزبية للعمل السياسي، إذ سبق فوز منتمين سابقين إلى الإخوان، بقيادة أبو العلا ماضي، بحزب رسمي تحت اسم «الوسط»، وحصول جماعة الإخوان المسلمين رسميا على حزب الحرية والعدالة. وهو ما أثار الهواجس من وصول الإسلاميين إلى سدة الحكم، وهي الفزاعة التي استخدمها كثيرا النظام السابق سواء لدى القوى الدولية في الخارج أو تجاه بعض مكونات المجتمع المصري في الداخل، خصوصا المسيحيين والقوى العلمانية واليسارية، وهو ما حدا بالإسلاميين إلى الإعلان في كثير من مواقفهم عن شكل الدولة الذي ينشدونه في مصر المستقبل وحقيقة مواقفهم من الهيمنة على صناعة القرار في البلاد.
ويشار إلى أنه يوجد في مصر نحو 24 حزبا صغيرا لم يمثل أي منها تهديدا يذكر للحزب الوطني الديمقراطي الحاكم سابقا، والذي قررت السلطات حله قبل نحو شهر، بعد أن كان يرأسه مبارك طيلة نحو 30 عاما ومنذ الإطاحة بحكم مبارك في 11 فبراير (شباط) الماضي.
فمن جهتهم يؤكد أعضاء التيار السلفي دوما أن الدولة التي يتطلعون إليها إنما هي «دولة مدنية ديمقراطية ذات مرجعية إسلامية»، وأنهم لا يتطلعون إلى السلطة ولا يريدون الرئاسة ولا المناصب، ولا يسعون لكسب الأغلبية في البرلمان، بل يتطلعون إلى الإصلاح الشامل في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والتعليمية والإعلامية وسائر جوانب الحياة.
وكان التيار السلفي قد أسهم في استمرار الاحتجاجات في البلاد، وحصلت تيارات إسلامية كجماعة الإخوان والجهاد والجماعة الإسلامية، إلى جانب السلفيين، على مساحة من العمل في الشارع لم تكن متاحة في ظل حكم مبارك. كما أعلنت تيارات كثيرة من تلك التيارات عن عزمها تأسيس أحزاب ذات مرجعية دينية، وهو أمر أصاب قطاعا واسعا من المصريين المسيحيين بالقلق، خصوصا بعد أن تزامن معها دعوات لتطبيق الشريعة الإسلامية واعتداءات على كنائس. وهو الأمر الذي نفاه عماد عبد الغفار وكيل مؤسسي حزب النور السلفي، مؤكدا على تأمين الحرية الدينية للمسيحيين وإثبات حقهم في الاحتكام إلى ديانتهم في أمور العقيدة والأحكام التي يوجد فيها اختلاف عن أحكام الشريعة الإسلامية وإقامة دولة عصرية على الأسس الحديثة ورفض نموذج الدولة الدينية.
وفي السياق قال الشيخ الشحات لـ«الشرق الأوسط»: «إنه على الرغم من أن حزب النور ذو خلفية سلفية، فإن وكيل مؤسسي الحزب لا يحب هذا الوصف، ويميل إلى أن يقدم حزب النور كونه حزبا مصريا لكل المصريين، وأن يكون الحزب نقطة تحول أخرى في علاقة السلفيين بالمجتمع وفي شعور المجتمع بأن السلفيين يقدمون حلولا مجتمعية شاملة من خلال مجموعة من المتخصصين، كل في مجاله، مع الالتزام بالهوية الإسلامية»، مؤكدا على أن يوم أمس يمثل بداية حقيقية.
وعن التحول في سياسة التيار السلفي في إقرار تكوين أحزاب سياسية، علق المتحدث باسم التيار السلفي في مصر، قائلا: «سبق وأعلنّا أننا لن ننشئ أحزابا سياسية، وإنما وجهنا الدعوة إلى المعنيين بالسياسة من الذين يقتنعون بالفكر السلفي بإنشاء أحزاب، وعرفنا من عدد كبير جدا يفكر في تكوين أحزاب كان في مقدمتهم حزب النور، وما زلنا ننتظر هل ستنضم الأحزاب الباقية إليه أم ستصدر أحزابا أخرى، وهذه قضية نكتفي فيها بالمراقبة».
وأضاف الشحات: «قبل توجيه الدعوة بإنشاء أحزاب قلنا إن الواقع قد تغير، وإن الفتوى الآن المشاركة، وإلا لما وجهنا الدعوة لإنشاء أحزاب».
وعن مشاركة التيار السلفي في الانتخابات البرلمانية والرئاسية، أشار الشحات إلى أن أبجديات وجود حزب تعني أن يشارك في العملية الانتخابية، لكن أن يكون له مرشح أم لا، هذه مسألة أخرى، لافتا إلى أن هناك التزاما من التيار الإسلامي، على الأقل التيارات الكبرى، أنها لن تقدم مرشحا للرئاسة، «أما عن الانتخابات البرلمانية فسوف نشارك فيها».
وعن انضمام مسيحيين في حزب النور السلفي، قال الشحات: «إن وجود بعض المسيحيين الذين يحترمون عهودهم مع المسلمين ويرون أن من حق المسلمين أن تكون شريعتهم هي الحاكمة وهويتهم هي السائدة، بلا شك أمر يثير الفرح والترحيب بهم لا العكس»، لافتا إلى أن انضمام مسيحيين إلى حزب إسلامي هو نوع من هذا الاعتراف.