المعارضة السورية تتوحد.. وترفع شعار «الحماية الدولية والاعتراف»

شكلت مجلسا وطنيا وتتجه للمطالبة بنزع عضوية سورية في الجامعة العربية والأمم المتحدة * شقفة لـ«الشرق الأوسط»: نعم للحماية الدولية ولا للاحتلال

مظاهرة في درعا أثناء تشييع أحد قتلى الاحتجاجات حسب موقع «شام» السوري المعارض أمس
TT

نجحت المعارضة السورية أمس في الوصول إلى صيغة حل سمحت لها بالتوحد تحت سقف «المجلس الوطني السوري» الذي قضت التسوية بإلغاء منصب الرئيس فيه، لصالح هيئة رئاسة جماعية يعتمد فيها مبدأ «المداورة». لكن هذه الصيغة سمحت للمعارضة السورية بالتوحد للمرة الأولى منذ اندلاع الاحتجاجات بسوريا في مارس (آذار) الماضي، بما يمكنها من السعي إلى الاعتراف الدولي بالتزامن مع طلب «الحماية الدولية» الذي رفعه المعارضون السوريون شعارا «غير قابل للمناقشة».

وأكد المراقب العام للإخوان المسلمين رياض شقفة، لـ«الشرق الأوسط»، أن المعارضة تريد الحماية الدولية «لأنه لم يعد مسموحا استمرار النظام بما يقوم به من قتل وسفك لدماء الشعب السوري»، لكنه حرص على التوضيح أن الحماية «لا تعني التدخل العسكري لأن الشعب السوري يرفض الاحتلالات». وقال شقفة بعيد انتهاء المؤتمر الصحافي للمعارضة: «لقد قطعنا الخطوة الرئيسية والأهم في عملية الإطاحة بالنظام عبر توحد قوى المعارضة، باعتبار أن العقبة الأساسية كانت تفرق المعارضة، وبدءا من اليوم سوف نبدأ في وضع برنامج الحراك المستقبلي ودينامية العمل المقبلة للمعارضة السورية». ووعد الشعب السوري بأن «نبذل كل جهدنا من أجل دعم الثورة وسنقدم كل ما نملك وأغلى ما لدينا من أجل تخليص شعبنا من الظلم الواقع عليه والذي لم يشهد التاريخ المعاصر مثله. وسوف نبدأ الاتصالات مع الدول والمنظمات لهذه الغاية».

وشدد شقفة على أن «المجلس يمثل معظم الشعب السوري، سواء على مستوى الحراك الداخلي، أو المعارضة في خارج الوطن»، قائلا إن «(الإخوان)، ومنذ بداية الثورة، يسعون لوحدة المعارضة، لكن توزع المعارضة في أنحاء العالم وتفرقها ساهم في تصعيب تحقيق هذا الموضوع الذي تحقق الآن بإذن الله».

وقال: «لقد استعملنا النظام كفزاعة لتخويف الآخرين من أبناء الطوائف الأخرى في هذا الوطن، لكن هذه الفئات تثق بنا الآن، وهذه الفزاعة التي اخترعها النظام ورفعها شعارا تبين للجميع أنها غير حقيقية. الإخوان المسلمون ليسوا إسرائيل، وهذا يثبت مدى تفاهة الشعارات التي يرفعها النظام ومدى استخفافه بمكونات الوطن». وإذ أكد شقفة أنه لا يوجد برنامج منفصل لـ«الإخوان»، علنيا أو سريا، قال إن الحركة تلتزم برنامج المعارضة والثوابت التي اجتمعت حولها وتسعى لتحقيق نفس الأهداف.

وقال شقفة إن الحماية الدولية باتت مطلبا ملحا بعدما تجاوز النظام كل الخطوط الحمراء وداس كل المحرمات، فلم يترك شيئا إلا فعله. وأضاف: «الشعب مصر على سلمية الثورة والنظام مصر من جهة أخرى على القتل وسفك الدماء وترويع الآمنين»، مشيرا إلى أن هذه الحماية يمكن أن تتضمن حظرا للطيران الذي يستعمل في قتل المدنيين، كما يمكن أن تكون قرارات دولية تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، مشددا على أن هذا الأمر أصبح ضرورة ولم يعد خيارا، فلا يمكن السماح للنظام بالاستمرار في قتل شعبه. لكن شقفة حرص على «التوضيح» بأن الحماية الدولية يجب أن تكون من دون تدخل عسكري على الأرض، فـ«الشعب السوري لا يريد احتلالات وهو يرفضها».

وأوضح ممثل القوى الشبابية في الداخل حسان شلبي، أن الدراسات والمشاريع التي جرى العمل عليها في الوقت السابق، سوف تعرض الآن على المجلس الجديد، آملا بأن تحصل هذه المشاريع بشكل سريع، مشيرا إلى أن أسماء في المجلس من الداخل لم تعلن، كاشفا لـ«الشرق الأوسط» عن أن من بينها شخصيات علوية وأخرى درزية بدأت التنسيق مع بقية أطراف المعارضة «لإيمان الشباب بأن هذا النظام لم يعد يمثل أحدا»، معتبرا أن اجتماع المعارضة الآن وتوحدها بات بمثابة «ضمانة للجميع بأن الاختلافات الفكرية والمذهبية لن تعني شيئا في سوريا الجديدة».

وأوضح شلبي أن الخطوة التالية للمعارضة السورية، ستكون في اتجاهين، الأول هو الاعتراف الدولي الذي توقع الحصول عليه بسهولة بعد «التوحد الإعجازي الذي حصل»، والخط الثاني هو الحماية الدولية التي لا نستطيع التراخي في طلبها، مشيرا إلى اتجاه المعارضة إلى طلب نزع الشرعية عن النظام في جامعة الدول العربية ومن ثم في الأمم المتحدة. وأشار شلبي إلى أن سيناريو «قوة الردع العربية أو الإسلامية» مطروح بقوة، مشيرا إلى أن المعارضة سوف تلحق بالشعب في هذا المجال، فكما تبنينا الآن مطلبها بالحماية الدولية سنتبنى أي مطلب ترفعه الثورة في الداخل ونسعى لتحقيقه، مشيرا إلى أن التدخل العسكري الخارجي يجب أن يكون آخر الحلول، لكنه ليس خيارا ساقطا من حساباتنا، بل لا بد من استنفاد كل الأوراق قبل ذلك. وأعرب عن تفاؤله بالحصول سريعا على اعتراف عربي ودولي بهذا المجلس، معتبرا أن هذه المهمة «ستكون سهلة».

وبعد أيام عدة من الاجتماعات في إسطنبول ضمت أطرافا متنوعة من المعارضة السورية لنظام الرئيس بشار الأسد أعلن المفكر السوري المستقل المعارض برهان غليون البيان التأسيسي للمجلس الوطني السوري. وقال غليون في مؤتمر صحافي إن «القوى الموقعة على هذا البيان تعلن عن تشكيل المجلس الوطني إطارا لوحدة قوى المعارضة والثورة السلمية». وأضاف غليون أن هذا المجلس هو «العنوان الرئيسي للثورة السورية ويمثلها في الداخل والخارج، ويعمل على تعبئة فئات الشعب السوري وتوفير الدعم اللازم من أجل تقدم الثورة وتحقيق تطلعات شعبنا بإسقاط النظام القائم بكل أركانه بما فيه رأس النظام، وإقامة دولة مدنية دون تمييز على أساس القومية أو الجنس أو المعتقد الديني أو السياسي.. وهو مجلس منفتح على جميع السوريين الملتزمين بمبادئ الثورة السلمية وأهدافها».

والشخصيات التي وقعت على البيان بحسب ما أعلن في المؤتمر الصحافي هي سمير نشار رئيس الأمانة العامة لإعلان دمشق، وبسمة قضماني الناطقة الإعلامية عضو الهيئة الإدارية للمجلس الوطني السوري، والمفكر برهان غليون، ومحمد رياض شقفة المراقب العام للإخوان المسلمين، وعبد الباسط سيدا ممثل القوى والأحزاب الكردية، وعبد الأحد صطيفو عن المنظمة الآشورية الديمقراطية.

وإضافة إلى هذه الشخصيات يشارك أيضا في هذا المجلس ممثلون للناشطين في الداخل السوري مثل لجان التنسيق المحلية والمجلس الأعلى لقيادة الثورة السورية و«بدعم من الهيئة العامة للثورة السورية». وكانت الهيئة الأخيرة أعربت في بيان قبل نحو شهر عن تحفظها عن إعلان مجلس وطني يضم المعارضة، معتبرة أنه «لا يزال من المبكر» تشكيله.

وأعلن غليون ردا على سؤال حول ما إذا كان هذا المجلس اختار رئيسا له، قال «نحن لم ننه المشاورات حول هذا الموضوع وسنعلن عنه عندما ينتهي البحث فيه»، مشيرا إلى أنه سيكون هناك رئيس للمجلس وأمانة عامة وهيئة تنفيذية. وأضاف غليون أن هذا المجلس هو «هيئة مستقلة ذات سيادة تجسد استقلال المعارضة السورية وسيادة الشعب السوري الذي تمثله في سعيه لتحقيق حريته المنشودة».

وحول النقطة المثيرة للجدل المتعلقة بالتدخل الخارجي أو الدعم الخارجي الذي يمكن أن تحصل عليه المعارضة السورية، قال البيان «يعمل المجلس الوطني مع جميع الهيئات والحكومات العربية والإقليمية والدولية وفق مبدأ الاحترام المتبادل وصون المصالح الوطنية العليا، ويرفض أي تدخل خارجي يمس بالسيادة الوطنية». إلا أن البيان أضاف مميزا بين «التدخل» و«الحماية»، «واستجابة لنداء الثورة يطالب المجلس الوطني المنظمات والهيئات الدولية المعنية بتحمل مسؤولياتها تجاه الشعب السوري والعمل على حمايته من الحرب المعلنة عليه ووقف الجرائم والانتهاكات لحقوق الإنسان التي يرتكبها النظام بجميع الوسائل عبر تفعيل المواد القانونية في القانون الدولي».

وردا على سؤال أوضح غليون هذه النقطة قائلا «عندما نطالب بالحماية الدولية أي حماية شعبنا الأعزل أمام آلة الحرب التي لا تزال تعمل منذ أشهر عديدة، إنما نطالب بتطبيق شرعة الأمم المتحدة خاصة البند المتعلق بحماية المدنيين والذي ينطبق على جميع الدول ولا يعد خرقا لسيادة دولة، لأن قوانين حقوق الإنسان فوق سيادات الدول». وأضاف غليون أن «أي تدخل سيحصل مهما كان نوعه وشكله ينبغي أن يكون بالاتفاق مع المجلس الوطني الذي يمثل الشعب السوري ويكون بالتعاون مع القوى الدولية، ولا نقبل أي تدخل خارج إطار الاتفاق مع المجلس الوطني».

وردا على سؤال حول السعي إلى الاعتراف الدولي بالمجلس قال غليون إن «الأصعب كان تشكيل هذا المجلس في حين أن الاعتراف به هو الخطوة الأسهل»، مضيفا أن «الجميع ينتظرون ولادة إطار موحد للمعارضة لتأييده والاعتراف به بعد أن فقد النظام (السوري) ثقة العالم».

وأدان البيان «سياسة التجييش الطائفي الذي يمارسه النظام والذي يهدد الوحدة الوطنية ويدفع البلاد نحو الحرب الأهلية والتدخل الأجنبي»، معتبرا أن «سوريا الجديدة والحل الديمقراطي يشكلان أفضل ضمانة لجميع مكونات الشعب ضمن الوحدة». كما أعلن البيان تمسكه بـ«الحفاظ على مؤسسات الدولة ولا سيما مؤسسة الجيش التي حاد بها النظام عن وظائفها الحقيقية»، قبل أن يعلن «إيمانه بالانتصار الحتمي للشعب».

وسيعقد المجلس اجتماعه الموسع الأول في مطلع نوفمبر (تشرين الثاني)، «ولن يكون في تركيا على الأرجح».

وقال حسن الهاشمي عضو المجلس الوطني، إن الأمانة العامة ستتشكل من 29 عضوا يمثلون سبع مجموعات تتوزع على الشكل الآتي: ستة ممثلين للجان التنسيق المحلية، وخمسة للإخوان المسلمين والعشائر، وأربعة عن إعلان دمشق، وأربعة عن التيار الليبرالي برئاسة غليون، وأربعة أكراد، ومسيحي، وخمسة مستقلين. كما أوضح أن هذه المجموعات السبع ستتمثل داخل هيئة تنفيذية من سبعة أعضاء يشكلون الهيئة الرئاسية للمجلس الوطني.