العود.. مقبرة الأئمة والملوك والأمراء وأعيان الرياض على مدى عقود

ووري في ثراها أمس ولي العهد السعودي مع جده ووالده وإخوته ملوك الدولة السعودية

مقبرة العود دفن فيها الأئمة والملوك والأمراء منذ الدولة السعودية الثانية
TT

تعد مقبرة العود التي ووري في ثراها عصر أمس الثلاثاء جثمان ولي العهد الأمير الراحل سلطان بن عبد العزيز من أشهر وأكبر وأقدم المقابر في العاصمة السعودية الرياض، وذلك لضمها قبور عدد من أئمة وملوك وأمراء الدولة السعودية طوال تاريخها، كما تضم قبورا لعدد من أعيان مدينة الرياض على مر عشرات العقود.

وفي حين يشير الباحث السعودي راشد بن عساكر إلى أن مقبرة العود حملت هذا الاسم نسبة إلى المكان الذي أقيمت فيه، موضحا أن الأسماء في كثير من الأحيان لا تعلل، لكن ربما أن اسم المقبرة جاء من جغرافية المكان الذي اشتهر في الأصل بالأراضي الزراعية، وكان ينبت فيه شجر العود، يرى البعض أنها سميت نسبة إلى الأب كبير السن، حيث إن مسمى العود في اللهجة السعودية يشير دائما إلى الأب كبير السن وبالتحديد إلى والد البلاد ومؤسسها الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، كونه رجل التاريخ الذي لا ينساه العالم، فإن موقع دفنه لا بد أن يدخل التاريخ من أوسع أبوابه، هكذا تحولت المقبرة التي ضمت جثمانه إلى هذا الاسم. مقبرة العود التي تبرع بها لأهالي الرياض المواطن سعد بن عبد العزيز بن حيا بن نحيث، يتم فيها الدفن للجميع حكاما ومحكومين دون تفرقة تذكر، مكانة تاريخية لا تنساها الأجيال السعودية، في ذكرياتها وماضيها.

وشهدت المقبرة قبل 146 عاما مراسم دفن الإمام فيصل بن تركي ثاني ملوك الدولة السعودية الثانية الذي يعد من أوائل من قُبر في العود من أئمة آل سعود. ودفن فيها قبل هذا التاريخ عدد من أعيان الأسر في الرياض. وتذكر بعض المصادر التاريخية أن فاطمة بنت الشيخ محمد بن عبد الوهاب دفنت في هذه المقبرة في الستينات من القرن الثالث عشر الهجري، كما دفن فيها قبل 162 عاما حمد بن راشد بن عساكر جد أسرة آل عساكر المعروفة في الرياض إضافة إلى موسى بن مرشد أحد أعيان مدينة الرياض وكان ذلك عام 1266 هجرية.

هذا وفقا لوثائق ووصايا يحتفظ بها بن عساكر الباحث المتخصص في تاريخ وجغرافية المنطقة، الذي أضاف في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن الاتجاه إلى دفن الموتى في مقبرة العود تم بعد أن امتلأت مقبرة شلقا في الجهة الشمالية من الرياض القديمة، وتوقف الدفن فيها وذلك قبل نحو 70 عاما على وجه التقريب، لافتا إلى أن الإمام تركي بن عبد الله مؤسس الدولة السعودية الثانية دفن في مقبرة شلقا. ومما يؤكد ذلك أن عبد الله فلبي أورد في مذكراته أن الملك عبد العزيز أثناء زيارته للمقبرة تمنى أن يكون جده الإمام تركي بن عبد الله مدفونا في مقبرة العود بجانب ابنه فيصل.

كما تضم المقبرة قبور الملوك من آل سعود الكبار، وعلى رأسهم الملك عبد العزيز موحد المملكة ومؤسسها، وأبناؤه الملوك سعود وفيصل وخالد وفهد، كما تضم أسماء مشهورة من الأسرة المالكة، على رأسهم عم الملك فهد بن عبد العزيز الأمير عبد الله بن عبد الرحمن والأمير محمد بن سعود الكبير، والعديد من أبناء الأسرة. وتعتبر مقبرة العود حاضنة لأسماء أخرى من عائلات وأسر سكنت الرياض على مدى عقود من الزمن، كما يرى الزائر للمقبرة أسبوعيا، وغالبا بعد صلاة يوم الجمعة، العديد من الزوار، ممن يأتون للسلام على موتاهم من الرجال، مصطحبين معهم بعض صغارهم، في حين تغيب عن زيارة المقبرة النساء لأسباب دينية حيث نصت الأحاديث على تحريم ذلك. وكانت أمانة مدينة الرياض قد فطنت لأهمية هذه المقبرة والمقابر الأخرى، فطورت المباني الخاصة بها من أسوار وتجهيزات وعاملين فيها. وتصل مساحة المقبرة إلى مائة ألف متر مربع، وتعتبر من أكبر المقابر في السعودية، وظلت تستقبل غالبية الأموات خلال العقد الماضي.

وعلى ضوء ذلك قامت أمانة مدينة الرياض بتخصيص أكثر من ست مقابر في كافة أنحاء الرياض، إضافة إلى تعزيز مقابر أخرى قديمة لتستقبل من جديد الموتى.

وتقع مقبرة العود في جنوب الرياض وعلى شارع البطحاء أحد أعرق شوارع العاصمة وتنتشر على رصيفها الغربي مجموعة من الفقراء الذين ينشدون ذوي المتوفين للحصول على صدقاتهم.

وتصل مساحة المقبرة إلى مائة ألف متر مربع، وتعتبر من أكبر المقابر في السعودية، حيث ظلت تستقبل غالبية الأموات خلال السنوات الثماني الماضية، وتصنف بكونها أشهر المدافن في العاصمة السعودية الرياض، وتأتي في الشهرة بعد مقبرة البقيع في المدينة المنورة وكذلك بعد مقبرة المعلاة في مكة المكرمة، وتضم مقبرة العود خمسة من ملوك السعودية وتتوسط العاصمة الرياض. وحاليا يدفن فيها أغلب أفراد العائلة المالكة في السعودية. ونظرا لكون موقع المقبرة في حي العود ووسط أحياء يصنف سكانها بالبسطاء أو محدودي الدخل، فقد شهد كثير منهم وداع الملوك والأمراء لقربهم من المقبرة، وكان لسكانها مشاركة فاعلة في مراسم العزاء والدفن، عايشوها على مدى أعوام عدة مضت. يقول أحد سكان حي العود: إن المقبرة تعتبر واحدة من المقابر التاريخية في الرياض، حيث دفن فيها الإمام عبد الرحمن بن تركي، والملك عبد العزيز، وأبناؤه الملك سعود والملك فيصل والملك خالد والملك فهد، كما أن هناك موقعا خاصا في الجهة الجنوبية من المقبرة للأسرة المالكة. وقد عادت المقبرة مجددا لتكون محط أنظار السعوديين خصوصا والعالم بأسره، حيث ووري أمس الثلاثاء جثمان ولي العهد السعودي الأمير سلطان بن عبد العزيز في ثراها. ولما للأمير سلطان بن عبد العزيز من أيادي عطاء وبذل للمحتاجين في كثير من مواقفه المشهودة سواء من خلال الجمعيات الخيرية أو متابعة المحتاجين في وسائل الإعلام المختلفة وقضاء حوائجهم بكتمان وإغداق، فقد امتلأت المقبرة بالمشيعين لوداعه الأخير، يبكون من كان معينا لهم بعد الله - عز وجل -، ومن كان يرسم البسمة على شفاههم. وتعد مقبرة العود مكانا لدفن كثير من مسؤولي الدولة ووزرائها، حيث دفن فيها الدكتور غازي القصيبي وزير العمل السابق الذي يعد من رجالات الدولة الذين خدموا دينهم ومليكهم وبلادهم بكل تفانٍ وإخلاص وتقلّد عدة مناصب كان آخرها وزيرا للعمل.

ونظرا للمكانة التاريخية التي تشكلها هذه المقبرة فقد قامت أمانة منطقة الرياض في وقت سابق بنزع ملكية الأرض المحاذية لمقبرة العود من الجهة الشمالية أخيرا بمساحة إجمالية قدرها 42.257.141 مترا مربعا لتوسعة المقبرة، وستقوم الأمانة قريبا بالشروع في تنفيذ ما يلزم تلك التوسعة من أعمال تسوير ومرافق وخدمات، حيث تبلغ أطوال تلك التوسعة نحو 1792 م. وهي من الشمال 33.808 م، ومن الجنوب 62.723 م، ومن الشرق 92.113 م، ومن الغرب 35.147 م. وتم الانتهاء من تجديد الأسوار الخارجية لمقبرة العود الحالية، حيث قامت الأمانة بإزالة الأسوار القديمة وإنشاء سور جديد بمواصفات معمارية حديثة، وتم تعميمه كتصميم موحد لجميع المقابر داخل مدينة الرياض. كما أن مساحة مقبرة العود قبل التوسعة قدرها 90.355.501 م مربع ومجموع ما تم تسويره لمقبرة العود القائمة في حدود 4500 م. حيث تم تطوير الأرصفة الخارجية وتشجير الواجهات الرئيسية للمقبرة وخاصة الواجهة الغربية والجنوبية إضافة إلى إنشاء بوابة بتصميم مميز بعرض 13 مترا وارتفاع 5.7 متر تقريبا على المدخل الغربي للمقبرة الواقع على شارع البطحاء.. وكتب عليها اسم المقبرة ومعلومات عن بدايتها. وتم تطوير وتجديد المدخل الغربي للمقبرة.. حيث تم تجديد الأسوار على الجانبين وتجديد الأرصفة والإسفلت وتشجيرها من الجهتين مع تركيب بوابات حديدية جديدة كذلك تم فصل مباني الخدمات في المقبرة مثل المصلى والسكن والمرافق الأخرى عن مواقع الدفن بأسوار مرتفعة بطول ثلاثة أمتار تقريبا وتهيئة الطرقات الداخلية وأعمدة الإنارة.