قالت الشرطة العراقية أمس إن ما لا يقل عن 15 شخصا بينهم ثلاثة مسؤولين محليين، لقوا حتفهم في هجمات انتحارية منسقة استهدفت رجال الأمن ومباني حكومية في أنحاء العراق، كانت أكبرها في بلدة راوة على بعد 260 كيلومترا شمال غربي بغداد.
وهاجم ثمانية انتحاريين مبنى قائمقامية بلدة راوة في محافظة الأنبار غرب العراق، ومركز الشرطة فيها، مما أدى إلى مقتل ثلاثة مسؤولين محليين وخمسة أشخاص آخرين بينهم ثلاثة من الشرطة. واستهدف انتحاري آخر شارعا مزدحما في سامراء بشمال العراق.
وعلى الرغم من قيام قيادة عمليات الأنبار بفرض حظر شامل للتجول في قضاء الفلوجة (50 كلم غرب بغداد) منذ ليلة أول من أمس على خلفية تدهور الوضع الأمني هناك واحتمال حصول عمليات انتحارية، فإن أهالي مدينة راوة استيقظوا صباح أمس على وقع ثلاثة تفجيرات بأحزمة ناسفة نفذها انتحاريون واستهدفت مبنى قائمقامية القضاء، أسفرت عن مقتل ثلاثة مسؤولين وإصابة أكثر من 20 شخصا بينهم مسؤولون محليون وعناصر أمن.
وفي هجوم آخر، قتل ستة مدنيين وأصيب سبعة أشخاص بجروح في هجوم بسيارة مفخخة وعبوة ناسفة استهدف موكب قائد شرطة الركة على بعد نحو 25 كلم جنوب سامراء (110 كلم شمال بغداد)، وفقا لمصادر أمنية وطبية. كما قتل شخص في هجوم نفذه مسلحون مجهولون على الطريق الرئيس في منطقة المدائن (25 كلم جنوب بغداد) وأصيب ستة بجروح جراء انفجار عبوة ناسفة على الطريق الرئيس في الغزالية غرب بغداد.
وفي تفاصيل هجوم راوة، قال الضابط برتبة نقيب محمد أحمد الراوي لوكالة الصحافة الفرنسية، إن ثلاثة انتحاريين يرتدون أحزمة ناسفة إضافة إلى انتحاري رابع يقود سيارة مفخخة هاجموا مبنى قائمقامية راوة. وأضاف أن انتحاريين اثنين يرتديان حزامين ناسفين وانتحاريا ثالثا يقود سيارة مفخخة هاجموا في وقت متزامن مبنى الشرطة القريب، بينما هاجم انتحاري ثامن يقود سيارة مفخخة حاجزا رئيسا للجيش في مكان قريب.
وأوضح سهيب الراوي، عضو المجلس المحلي لراوة القريبة من الحدود السورية، أن الهجوم وقع أثناء اجتماع المجلس المحلي، وأن «الوضع لا يزال مربكا (مساء أمس)، والطائرات العسكرية تحوم فوق البلدة». وقتل ثلاثة مسؤولين محليين كانوا يشاركون في الاجتماع، إضافة إلى ثلاثة من عناصر الشرطة وطفل ومدني في هذه الهجمات، بينما أصيب قائمقام راوة عثمان تمير و27 آخرون، بحسب ما أفاد النقيب الذي أشار أيضا إلى سقوط عدد آخر غير محدد من الضحايا عند حاجز الجيش. وذكر النقيب الراوي أن حظرا للتجول فرض على منطقة راوة وعنه القريبة.
وأكد الطبيب وائل فوزي حصيلة ضحايا هذا الهجوم الذي وقع بعيد بدء الدوام الرسمي صباحا، عقب انتهاء عطلة عيد الأضحى.
في السياق ذاته، وبالتزامن مع استمرار تدهور الوضع الأمني في محافظة نينوى وامتدادته نحو الساحل الأيسر من محافظة صلاح الدين المجاورة لها، أعلنت شرطة تكريت أن 11 شخصا بينهم عناصر أمن سقطوا بين قتيل وجريح في تفجير سيارة مفخخة استهدفت منزل مدير في الشرطة جنوبي تكريت، (170 كم شمال بغداد). وكانت سيارة مفخخة انفجرت صباح أمس بالقرب من منزل مدير مركز شرطة ناحية الركة المقدم نافع العزاوي مما أسفر عن مقتل أربعة من أبناء عمه واثنين من أفراد حمايته، وإصابة خمسة آخرين بجروح بينهم والده، مبينة أن العزاوي لم يصب «بأي أذى».
وكشف عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي حاكم الزاملي عن إحباط محاولة لاقتحام مرقدي الإمامين العسكريين بسامراء بأحزمة ناسفة، مشيرا إلى أن الأجهزة الأمنية وصلت إلى المراحل النهائية في تحقيقاتها مع المتهمين بالقضية. وقال الزاملي في تصريح صحافي أمس إن «القوات الأمنية ألقت القبض على بعض المتهمين بعد محاولتهم الفاشلة لتفجير مرقدي الإمامين العسكريين في سامراء للمرة الثانية». وبين أن «انتحاريين كانا يرتديان أحزمة ناسفة فجرا نفسيهما على نقطتي تفتيش خاصتين بحماية المرقدين، فيما حاول البعض الآخر دخول المرقدين»، مبينا أن «القوات الأمنية نجحت في القبض على بعض المتورطين في هذه العملية». وأشار الزاملي إلى أن «الأجهزة الأمنية وصلت إلى المراحل النهائية في تحقيقاتها مع المتهمين»، معربا عن أمله في «إجراء تحقيق عادل للوقوف على من يقف وراء هؤلاء والجهة الداعمة والراعية لهم».
وحذر الزاملي من أن «المتطرفين من تنظيم القاعدة ووكالات استخباراتية خارجية يعملون على زعزعة الأمن في العراق وعودة العراق للحرب الطائفية».
وبينما عد مجلس أبناء العراق في محافظة الأنبار أن «خيام وساحات الاعتصام في عدد من المحافظات الغربية باتت تمثل حاضنات رئيسة لتنظيم القاعدة»، فإن لجنة الأمن والدفاع أكدت عزمها على «مناقشة التدهور الأمني وأسبابه في عدد من المحافظات الغربية خلال أولى جلسات البرلمان العراقي هذا الأسبوع».
وقال عضو مجلس أبناء العراق الدكتور فارس إبراهيم في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «تنظيم القاعدة تمكن من الزحف على خيام وساحات الاعتصام خلال الشهور الماضية، وتحولت هذه الساحات إلى حاضنات له». وأضاف إبراهيم أن «هذا يفسر سبب رفض هذه الساحات مبدأ التفاوض مع الحكومة ورفع الخيام لأن السيطرة لم تعد للمتظاهرين الذين كانوا قد تظاهروا من أجل حقوق مشروعة في البداية، لكن العملية اختلفت الآن تماما وباتت تمثل خطرا على الأمن الوطني برمته».
من جهته، أكد عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي حسن جهاد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «مسألة التدهور الأمني في المحافظات الغربية بدءا من محافظة نينوى وصولا إلى الأنبار ليست جديدة؛ بل إنه ومنذ عدة شهور يشهد الأمن هناك تراجعا واضحا إلى الحد الذي يمكن القول معه إن مناطق عديدة سقطت هناك في يد تنظيمات القاعدة».
وأكد جهاد أن «من بين الأسباب المهمة لهذا الأمر هو ما بات يجري في سوريا والتنسيق بين تنظيمي القاعدة في كل من العراق وسوريا، يضاف إليه طبعا الضعف الأمني بشكل عام سواء لجهة الكفاءة أو التنسيق بين مختلف الجهات هناك». وأوضح أن «لجنة الأمن والدفاع سوف تطرح هذا الأمر في أولى جلسات البرلمان هذا الأسبوع، فضلا عن مسألة الاستهداف المتكرر للشبك في الموصل حيث سيصار إلى تشكيل لجنة تحقيقية لمعرفة ملابسات ذلك».
ومنذ بداية أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، قتل في العراق أكثر من 440 شخصا في أعمال العنف المتفرقة، وأكثر من 5150 منذ بداية عام 2013، بحسب حصيلة أعدتها وكالة الصحافة الفرنسية، استنادا إلى مصادر أمنية وطبية.
وكانت دراسة أعدها جامعيون في الولايات المتحدة وكندا بالتعاون مع وزارة الصحة العراقية ونشرت قبل نحو أسبوع، أشارت إلى أن نحو نصف مليون مدني عراقي قتلوا بين عامي 2003 و2011.