عمرو موسى: نعاني من إدارة الأزمات في المنطقة بدلا من حلها

مؤتمر «إنفستكورب للمستثمرين» في برلين يبحث التطورات السياسية.. وأوكرانيا تهيمن على حسابات الأوروبيين

جانب من أبرز الحاضرين في المؤتمر («الشرق الأوسط»)
TT

حذر أمين عام الجامعة العربية السابق عمرو موسى من تداعيات «إدارة الأزمات» حول العالم، وخصوصا في منطقة الشرق الأوسط، بدلا من العمل على حلها جذريا في وقت تزداد فيه عوامل الخطر حول العالم. وجاء ذلك في مؤتمر «إنفستكورب للمستثمرين» الذي انطلق صباح أمس بمشاركة مستثمرين وأعضاء مجلس أمناء البنك الاستثماري، بالإضافة إلى ضيوف سياسيين وإعلاميين لبحث التطورات السياسية والاقتصادية في الولايات المتحدة وأوروبا والعالم العربي. ومن فندق «أدلون» التاريخي وعلى بعد أمتار من بوابة «براندانبورغ» التاريخية والتي فصلت بين برلين الغربية والشرقية، بحث المؤتمر التطورات في أوكرانيا وسوريا، وما يدور فيهما من مشادة بين الغرب وروسيا وإمكانية اتساع رقعتها للتأثير على السياسة والاقتصاد حول العالم.

وقال الرئيس التنفيذي والعضو المنتدب نمير قيردار في مستهل جلسات أمس: «نريد أن نبحث التطورات في العالم العربي وكيف ينظر إلينا من الولايات المتحدة وأوروبا». وأضاف: «أسسنا (إنفستكورب) قبل أكثر من 30 عاما كي تكون أعين وآذان (مستثمري) الدول الخليجية في العالم الصناعي وأن تبحث في الفرص المفيدة». وعلى الرغم من التقلبات السياسية والاقتصادية حول العالم، لفت قيردار إلى أنه «في الأشهر الثمانية عشر الماضية قمنا بسبع عمليات لبيع شركات محققين عوائد بلغت نحو ثلاثة مليارات دولار».

وكان موسى أول المتحدثين, وقال إن العامل الأبرز في العالم العربي اليوم هو «التغيير»، موضحا التغييرات التي يشهدها العالم العربي منذ ثورات 2011 ستعني عالما مختلفا تماما خلال خمسة أعوام». وأوضح أن «طريقة تطور الأحداث في المشرق ستكون العالم الأساسي في تحديد هذه التغييرات»، لافتا إلى «الانقسامات الحادة» التي تعانيها المنطقة مما يصعب الوصول إلى حلول سياسية. وكان موسى شديد الانتقاد لعملية التفاوض بين النظام السوري والمعارضة في جنيف، قائلا: «عملية محادثات (جنيف2) هشيمة، على أقدر تقدير، فهي مبنية على معالجة الأزمة بدلا من حلها». وشدد موسى في تصريح لـ«الشرق الأوسط» على ضرورة حلول الأزمة السورية وغيرها من أزمات في المنطقة، بدلا من العمل فقط على معالجة تداعياتها. وقال: «نحن نعاني من إدارة الأزمات بدلا من حلها.. علينا أن نكف عن إدارة الأزمات ونعمل على الحلول وبسرعة».

وتحدث موسى مطولا عن الأوضاع في مصر، مشددا على أهمية العملية السياسية وخارطة المستقبل لضمان المرحلة المقبلة. وعبر مجددا عن دعمه لوزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي ليترشح للرئاسة، قائلا: «نحن بحاجة إلى رئيس قوي بحسب الدستور، وأنا واثق بأن الجنرال السيسي سيكون الرئيس المقبل وسأصوت له». وأضاف: «إنه وطني حقيقي».

وكان لدى موسى رسالة واضحة للأوروبيين المشاركين في المؤتمر، قائلا إن على أوروبا أن تنظر إلى مصر كشريك، وإنه من الممكن بحث «عضوية افتراضية» لمصر في الاتحاد الأوروبي يساعدها على الإصلاح وبناء الجسور الوثيقة مع أوروبا. وأضاف: «لدى أوروبا دور مهم تلعبه في هذه المرحلة، فالعلاقات مع الشرق الأوسط ليست مبنية فقط على الموارد والمصالح التجارية، بل هناك مصالح مشتركة تاريخية ومتجددة».

إلا أن المتحدثين الأوروبيين ركزوا غالبية مداخلاتهم على التطورات في أوكرانيا. وحذر المستشار السابق للنمسا ولفغانغ شوسل من المرحلة المقبلة في العلاقات مع روسيا. وقال شوسل وهو عضو المجلس الأوروبي الاستشاري لـ«إنفستكورب»: «خسرنا أوكرانيا، ولكن علينا النظر إلى ما يأتي بعد أوكرانيا، هناك مخاوف من توسع هذه الأزمة إلى مناطق أخرى، هذا خطر حقيقي». وأضاف: «نحن بحاجة إلى سياسة خارجية ودفاعية موحدة من الدول الأوروبية»، عادا أن افتقاد أوروبا هذه السياسة الموحدة يعرضها لمخاطر في وقت حرج.

وفي النقاشات التي دارت في جلسات عدة أمس، تطرق المتحدثون إلى الأزمة في أوكرانيا، محذرين من تداعيات «حرب باردة جديدة» بين الولايات المتحدة وروسيا وتبعاتها على الحوكمة العالمية وتداعياتها على أوروبا. وطغت التطورات في جزيرة القرم على جلسة عصر أمس، وكان عنوانها «وجهة النظر الأوروبية»، وجاءت بعد ساعات قليلة من إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضم القرم إلى الفيدرالية الروسية. وكان هناك تحذير من الحديث عن العقوبات ضد روسيا للرد على التطورات في أوكرانيا، إذ إن فرض العقوبات له أثر أكبر بكثير على دولة مثل ألمانيا التي تعتمد على الغاز الروسي لنحو ثلث احتياجاتها من الغاز، مقارنة بالولايات المتحدة.

وشدد وزير الداخلية الألماني السابق أوتو شيلي على ضرورة الاعتراف بمصالح روسيا في أوكرانيا والعمل على تهدئة الأزمة. وأوضح: «كان يجب عدم المطالبة بضم أوكرانيا إلى حلف الشمال الأطلسي (الناتو)، هذا أمر سيزيد من تعقيد الوضع.. كان من المستحيل أن تقبل روسيا بأن يكون ميناء البحر الأسود تحت مظلة الحلف الأطلسي». وأضاف شيلي وهو أيضا عضو في المجلس الأوروبي الاستشاري لـ«إنفستكورب»: «يجب أن تكون أوكرانيا جسرا بين أوروبا وروسيا، لا أن تكون طرفا في التنافس بين الطرفين».

وفيما يخص السياسة الأميركية تجاه المنطقة، شددت مديرة مركز «سابان» لسياسة الشرق الأوسط في معهد «بروكينغز» الأميركي، تمارا كوفمان ويتيس، على أن رفض الرأي العام الأميركي التدخل في الشؤون الخارجية بشكل عام، وخصوصا أي تدخل عسكري يؤثر على قرارات الرئيس الأميركي باراك أوباما. وأوضحت، أن «النقاش حول ضربة أميركية محتملة لسوريا أظهر لأعضاء الكونغرس الرفض الشعبي لاستخدام القوة العسكرية، وهذا يؤثر على التفكير في السياسات في المنطقة، حتى على الملف الإيراني».

ومن جهة أخرى، عدت كوفمان ويتيس، أنه «لم يعد هناك وضع محدد ومعروف سياسيا في المنطقة نريد أن نحميه مثل السابق»، موضحة أن القضايا الجوهرية مثل حماية إمدادات النفط ما زالت قائمة. وتابعت، أن «هناك خلافات حقيقية بين الولايات المتحدة وبعض الحلفاء الأساسيين في المنطقة، ليس فقط على القضايا المحددة مثل البحرين والعراق وغيرهما، وإنما أسئلة أساسية حول الرؤية المشتركة للمستقبل».

وأما الزميل في معهد «بروكينغز» والمختص في الاقتصاد الأميركي دوغ إليوت، فأشار إلى أن التغييرات في سوق النفط والتغيرات التكنولوجية المرتبطة بالغاز والنفط الصخري بدأت بتغيير الاستراتيجية الأميركية في مجالات عدة. وأوضح: «الغاز الصخري أمر حقيقي ولن يختفي، ومن المرجح أن يتوسع خلال الفترة المقبلة». وأضاف: «سنصدر بعض موارد الطاقة، والعزيمة السياسية موجودة لتقليل القيود على التصدير مما سيؤدي إلى تغيير بالنسبة للولايات المتحدة».

وكان إليوت متفائلا فيما يخص الاقتصاد الأميركي، على الرغم من التحديات القائمة مثل البطالة بنسبة 6.7 في المائة والاقتراض المتزايد، قائلا: «إعادة بناء النظام المالي استغرق أعواما، ولكن حققنا ذلك الآن.. البنوك باتت تعمل بشكل جيد ووضعت إطارا للعمل بأمان أكثر مما كنا عليه قبل الأزمة المالية». ويستمر المؤتمر في برلين، اليوم، ليركز على أعمال واستثمارات «إنفستكورب» في المنطقة وأوروبا والولايات المتحدة.