خامنئي وخاتمي يزوران بام لمواساة أهالي ضحايا الزلزال ودفن 25 ألف جثة حتى الآن

TT

في مؤشر على حجم الاستياء الشعبي في ايران من معالجة السلطات لكارثة الزلزال الذي ضرب مدينة بام الايرانية يوم الجمعة الماضي توجه امس الى المنطقة المنكوبة المرشد الروحي للجمهورية اية الله علي خامنئي في زيارة مفاجئة وبعده بساعات زارها الرئيس الايراني محمد خاتمي لمواساة اهالي الضحايا والوقوف على المشكلات التي تواجه عمليات الاغاثة، ومع بداية اليوم الرابع للكارثة قال عمال الاغاثة انهم لا يعثرون الان على أحياء وانما رفات أشخاص قتلوا في أكثر الزلازل فتكا في العالم منذ نحو عشرة أعوام. ويأتي ذلك فيما ذكرت المصادر ان عمليات الاغاثة اصبحت تواجه مأزقا كبيرا بسبب الفوضى وانتشار عمليات النهب والسرقة للمساعدات الانسانية. وقررت السلطات منع اهالي الضحايا من التوجه الى بام بحثا عن ذويهم لان تكدس العربات اعاق كثيرا جهود الاغاثة خلال الايام الثلاثة الماضية. بينما اعلن مسؤولون ان بام ستخضع لحجر صحي خلال ساعات منعا لانتشار الاوبئة من الجثث التي ما زالت تحت الانقاض والتي من غير المتوقع انتشالها قبل مرور عدة ايام. ووصل المرشد الاعلى آية الله علي خامنئي صباح امس الى بام في زيارة مفاجئة تمت وسط اجراءات امنية مشددة للاطلاع على حجم الدمار الذي سببه الزلزال الذي ضرب المنطقة. وقال خامنئي للسكان عقب وصوله المدينة التي سويت بالارض «نشارك من فقدوا أبناءهم حزنهم. وسنعيد بناء بام بحيث تكون اكثر صلابة من ذي قبل». وأكد المرشد الروحي ان السلطات ستبذل جهودا اضافية للتخفيف عن المنكوبين. وكان خامنئي الذي استمرت زيارته ثلاث ساعات قد وصل سرا الى بام وتوجه في موكب من حوالي عشرين سيارة وعشرات الحراس الى وسط المدينة حيث تم نشر عناصر من الشرطة والجيش قبيل وصوله. وبعد ذلك، تفقد مرشد الجمهورية موقع قلعة بام المبنية منذ اكثر من الفي عام ودمرها الزلزال بالكامل. كما وصل الرئيس خاتمي الى بام ظهر امس لتفقد حجم الكارثة الناجمة عن الزلزال. وقال خاتمي «ان حجم المأساة هائل. ان كل ما سنقوم به لن يكون كافيا. آمل ان تسمح لي هذه الزيارة بالاطلاع بصورة افضل على عمليات الانقاذ». واستقل خاتمي فورا طائرة هليكوبتر روسية الصنع من طراز «ام آي ـ 8» للتحليق فوق المدينة المدمرة. كما زار احياء المدينة التاريخية في بام. ورافق خاتمي اربعة وزراء وواحد من نوابه. وكان ارسل خمسة وزراء الى مكان وقوع الكارثة منذ اليوم الاول للزلزال لتنسيق عمليات الانقاذ.

ويأتي ذلك فيما نقلت الاذاعة الايرانية الرسمية عن مسؤول في محافظة كرمان انه تم حتى الآن دفن 25 الف جثة انتشلت من تحت انقاض المباني، وقال المسؤول «قامت الفرق التابعة للبلدية بدفن 19500 جثة في بام، فيما قام السكان انفسهم بدفن الجثث الاخرى «5500» في المناطق المجاورة». وذكر مسؤولون ايرانيون أن اكثر من مائة الف شخص أصبحوا بلا مأوى في منطقة بام وذلك بعدما اتى الزلزال على مدينة بام ومحيطها. واضافوا ان بعض القرى المحيطة تضررت حتى اكثر من بام نفسها، اذ دمرت بنسبة 100 في المائة. وحذروا من ان الوضع الانساني في المخيمات التي تضم عشرات الآلاف من المشردين ينبئ بكارثة اذا لم يتم التدخل بسرعة لمساعدتهم. واضافوا ان الآلاف لم يعودوا يستطيعون حتى النوم بسبب الانخفاض الشديد في درجات الحرارة التي وصلت الى 15 تحت الصفر، كما ان مئات الاطفال اصابتهم الامراض بسبب الطقس وعدم توافر المياة النظيفة. ومن ناحيتها، اعلنت السلطات المحلية امس ان عمليات نهب واسعة النطاق تعرقل الجهود الدولية لنقل المساعدات الى ضحايا الزلزال.

وذكرت المصادر ان شاحنات تنقل مساعدات انسانية تعرضت لعمليات نهب لتصل شبه فارغة الى المدينة المنكوبة. وقال السكان ان قرويين في المناطق المحيطة قاموا بعمليات النهب. واضافوا ان جهود الاغاثة المستمرة على مدار اليوم كله عرقلت بسبب اكوام الجثث في الشوارع والجبانات التي امتلأت تماما والبرد الشديد خلال الليل والامطار والهزات الارتجاعية المتكررة والارتباك وبعض حالات النهب. وقال مسؤولون اداريون في محافظة كرمان ان قوات الامن قررت منع كل السيارات الخاصة من دخول المدينة باستثناء الشاحنات والسيارات التي تنقل مساعدات انسانية ومواد اغاثية، واضافوا ان تدفق السيارات التي تقل اشخاصا يبحثون عن افراد اسرهم في بام أدى الى شل حركة السير تماما وعطل نقل المساعدات. فيما اعلن مصدر حكومي في المحافظة ان بام ستخضع لحجر صحي خلال ساعات لان مهمة فرق الانقاذ تحولت الى البحث عن جثث مدفونة تحت الانقاض لتجنب انتشار اوبئة.

ومع بداية اليوم الرابع قال عمال الاغاثة انهم لا يعثرون الآن على أحياء وانما رفات ناس قتلوا في أكثر الزلازل فتكا في العالم منذ نحو عشرة أعوام. وقال الان باش من فريق تنسيق عمليات الاغاثة التابع للأمم المتحدة للصحافيين «ستستمر عمليات الاغاثة حتى منتصف الليل ـ امس ـ وسيجرى تقييم الموقف بعد ذلك لتحديد ما اذا كانت العمليات ستستمر». واضاف «بعد مضي خمسة ايام تكون فرصة العثور على أحياء ضعيفة للغاية». وقد تم انتشال اكثر من الفي شخص احياء من تحت الانقاض حتى الان، واوضح بيجان دفتري المسؤول في جمعية الهلال الاحمر الايراني ان «عمليات البحث عن احياء مستمرة بواسطة رجال الانقاذ الايرانيين والاجانب الذين يستعينون بالكلاب». واضاف انه تم اجلاء اكثر من 12 الف جريح جوا الى اقاليم ايرانية اخرى. وتواصل امس تدفق امدادات الاغاثة وعمال الانقاذ على المدينة الا ان الناجين بدأوا يفقدون الامل في العثور على أحبائهم بعد ليلة أخرى لم يغمض لهم فيها جفن في البرد القارس. وازدحم مطار بام الصغير بنحو 12 طائرة شحن عسكرية ومدنية تقوم بتسليم المساعدات في الساعات الاولى من الصباح وهي تكاد لا تجد مكانا لها على المدرج الذي كان يتعامل مع عدد من الطائرات لا يزيد عن اصابع اليد الواحدة كل اسبوع قبل زلزال يوم الجمعة. وقام جنود بانزال صناديق من المياه المعبأة وامدادات اخرى وامتزج فريق اغاثة دولي بأعداد من المتطوعين من الهلال الاحمر في مبنى المطار. وتحول المكتب المخصص لطلب سيارات الاجرة في المطار الى صيدلية مؤقتة، بينما تحولت صالة الاستقبال بالمطار الى مستشفى مؤقت.

وبالنسبة للناجين الذين يقيمون في خيام او ببساطة ينامون في الشوارع مستعينين بالاغطية فقط للتدفئة فان مشاكلهم الحالية هي ان يتمكنوا من النوم. وتجولت فاطمة مؤمن عبادي، 30 عاما، بين من التفوا في العراء حول النار للتدفئة. ولم تستطع فاطمة النوم بعد ان فقدت اختها وثلاث بنات في الزلزال. وقالت وصوتها يرتعش من شدة التأثر «من المهم ان أعثر على الجثث... ربما وجدوها ودفنوها. لم يعد لي أمل». اما كوبرا عباسي نجد البالغة من العمر 53 عاما ففقدت أربعة من أبنائها الستة البالغين عندما انهار سقف غرفة نوم منزلهم. وقالت وهي تبكي وتقف بجوار زوجها المصاب بعد الحصول على غطاء اضافي من شاحنة تحمل امدادات اغاثة تجوب الشوارع «كنا نتمنى ان نموت نحن وليس هم انهم صغار». وما زال بعض عمال الاغاثة يأملون في العثور على أحياء تحت الانقاض. وقال حسن السعدي من الهلال الاحمر «من الممكن ان نعثر على أحياء بعد يومين او ثلاثة أيام». وفي الوقت الذي اعلن فيه مسؤولون ان عدد القتلى قد يصل الى 40 الفا وحذروا من ان الامراض تشكل الان خطرا كبيرا، قال وزير الداخلية الايراني عبد الواحد موسوي لاري في التلفزيون الحكومي ان انتشار الامراض في المنطقة يشكل تهديدا كبيرا. واضاف «اصدرنا تعليمات للاجهزة المختلفة كي تبدأ في عملية التنظيف على الفور. اذا لم نعد النظافة الى المدينة سنواجه مشكلات ضخمة». وقال ايراج كريمي الطبيب في خيمة للرعاية الصحية بالمدينة ان مساعدات كافية وصلت لكن هناك حاجة لمزيد من التنسيق. وأضاف «انتشر الاسهال خاصة بين الاطفال... المياه ليست جيدة وهناك افتقار للنواحي الصحية». وخيمت رائحة الموت على مدينة بام الاثرية في الوقت الذي توحد فيه العالم في جهود الاغاثة، وعمل ملاحون جويون اميركيون الى جانب عناصر من الحرس الثوري الاسلامي بايران، وصرح مسؤولون اميركيون بان الطيارين الاميركيين وجنود الجيش الايرانيين عملوا جنبا الى جنب من اجل تفريغ حمولة الطائرة وهي اول طائرة اميركية تحط في ايران منذ انتهاء ازمة الرهائن في عام 1981. وقد اعلن الجيش الاميركي في بيان امس ان طائرات اخرى ستصل الى ايران اضافة الى الطائرات الاميركية التي وصلت الى هذا البلد اول من امس. وقال الكولونيل بريت كلاسن المسؤول عن الشؤون اللوجستية في سلاح الجو الاميركي «سوف اقوم بعمليات تقييم اضافية لتحديد الاحتياجات والاطلاع على قدرات الهبوط». واضاف «انها فرصة جيدة لبدء حوار مع ايران لكن ذلك يجري للأسف في ظروف ماسأوية جدا». وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية الاميركية لو فينتور قد اكد اول من امس انه «لا ينبغي البحث عن طابع سياسي» لهذه المساعدة، مضيفا «وقعت كارثة انسانية في ايران ومهمتنا الوحيدة هي التخفيف عن معاناة الناس بعد زلزال الجمعة». وقطعت واشنطن العلاقات مع ايران بعد ان اقتحم طلاب السفارة الاميركية في طهران عام 1979 واحتجزوا 52 رهينة اميركية لمدة 444 يوما.

كما اعلنت بريطانيا امس انها سترسل معدات ايواء وطائرتي نقل الى مدينة بام لمساعدة الناجين. وقالت هيلاري بين وزيرة التنمية الدولية البريطانية ان المعدات من المفترض ان توفر المأوى لما يصل الى 560 أسرة. وذكرت بين في بيان «توفير المأوى للذين يواجهون ليل الصحراء القارس أمر عاجل وحيوي». كما خصصت بريطانيا مبلغ 150 الف جنيه استرليني للاتحاد الدولي للصليب الاحمر لشراء خيام وأغطية ومعدات تدفئة ومعدات لتنقية المياه. وافادت تقارير ان ما يصل الى 600 موظف اغاثة اجنبي يقدمون المساعدة في بام. وقال سكان محليون وبعض موظفي الاغاثة ان جهود الاغاثة تشوبها الفوضى. اذ اقتحم بعض الشبان المسلحين بمسدسات وبنادق كلاشنيكوف بام في عربات فان وسرقوا خيام الصليب الاحمر. وطارد آخرون على دراجات نارية شاحنات الاغاثة واخذوا الاغطية التي القاها الجنود.