باحث اقتصادي أميركي ينتقد أفكار الاقتصاديين الغربيين حول أن الإسلام معرقل للنمو الاقتصادي

الباحث نولاند: الإسلام يروج للنمو والغرب لم يلحق بالتقدم الإسلامي إلا في القرن الـ17

TT

هل الاسلام معرقل للنمو الاقتصادي؟ ناقش اقتصاديون تأثير الدين على الأداء الاقتصادي لسنوات كثيرة. وارجع عدد من الأكاديميين الفقر النسبي الذي يعيشه المسلمون اليوم الى قناعاتهم الدينية. لكن الاقتصادي ماركوس نولاند يؤكد خطأ هذه القناعة.

وقال نولاند الاقتصادي في معهد الاقتصاد الدولي في واشنطن: «ليس هناك شيء متأصل في كيانات المجتمعات الاسلامية يجعلها ذات أداء اقتصادي فقير، واذا كان هناك شيء يروج له الاسلام فهو النمو... وقد يكون هناك تشاؤم غير مبرر له حول آفاق المستقبل لهذه المجتمعات».

وأصبح هذا السؤال مطروحا الآن مع تكفل الولايات المتحدة ادارة العراق حاليا وراحت تنفق مليارات الدولارات لاعادة اعمار البلد الذي دمرته حروب الديكتاتور السابق. ولا بد ان ادارة بوش تأمل ان يكون نولاند على حق.

لكن هناك الكثير من المعارضين لفرضية نولاند. وكان هذا الاقتصادي قد نشر بحثا باسم «الدين والثقافة والأداء الاقتصادي» وجذب هذا البحث الذي نُشر على الانترنت عددا كبيرا من الردود التي ملأت صندوق بريده الالكتروني. والكثير من هذه الردود كانت منتقدة لرأيه وبعضها يتضمن تعابير دينية معادية.

* رأي المتشككين

* بعض الاقتصاديين متشككون أيضا لكن لأسباب تحليلية أخرى، اذ قال بحث للمركز الوطني للابحاث الاقتصادية ان المسيحية والأديان الكبيرة الأخرى تدعم السياسات الاقتصادية «الجيدة» التي تصب باتجاه رفع دخل الفرد والنمو، لكن المسلمين يميلون لأن يكونوا «معادين للسوق» ومرتبطين بشكل سلبي مع «التصرفات التي تحفز على النمو» حسبما استنتجت الدراسة. ويقول بعض الاقتصاديين ان بعض التفسيرات الاسلامية تحرم الفوائد وتضع قيودا مشددة على التوريث وعلى دور المرأة في بعض القطاعات.

ولاحظ بعض اقتصاديي البنك الدولي ان مستوى تعليم الاناث هو مؤشر رئيسي عن مدى التقدم الاقتصادي في البلدان النامية والبلدان ذات المستويات المرتفعة من التعليم للبنات تميل الى ان تكون قادرة على التطور أسرع من غيرها.

* الروح التقليدية الأفغانية

* لكن هذه المعرفة لم تغير شيئا من التقاليد السائدة في العديد من المجتمعات الاسلامية، فقبل أسبوع واحد تقريبا شعرت النساء المشاركات في الـ«لويا جيرغا» (المعادلة للبرلمان) والبالغ عددهن في حدود المائة بالاحباط لعدم اختيار أي امرأة كنائبة.

لكن العراق في هذا الجانب أفضل من أفغانستان لأن تعليم النساء ومعاملتهن أفضل مما هو قائم هناك. ويجد نولاند ان هذا التصرف يعود لأسباب أخرى، غير الدين، ربما بسبب عدم الاستقرار السياسي أو بعض تصرفات الحكومة التي تقف عائقا أمام تطور البلدان الاسلامية.

وعند العودة الى التاريخ لاحظ نولاند ان العالم الاسلامي كان أكثر تقدما من أوروبا الغربية في القرن العاشر على سبيل المثال. ولم يتمكن الغرب من اللحاق بالعالم الاسلامي حتى القرنين السابع عشر والثامن عشر ثم تقدم متجاوزا اياه. وكتب نولاند في دراسته ان «ذلك يعني ان الاسلام متناغم مع التطور السريع والبطيء نسبيا».

كذلك ليس من الصحيح ان تلوم البلدان الاسلامية الامبريالية الغربية كسبب لتباطؤ نموها لأن الاسلام تطور بسرعة أبطأ اقتصاديا من تطور الغرب خلال فترة الفتوحات الاسلامية والتوسع الجغرافي في أوروبا خلال القرون الوسطى.

وللوصول الى استنتاجه، بأن أفكار الاسلام ليست مؤذية اقتصاديا، قارن نولاند الأداء الاقتصادي للبلدان الاسلامية مع بلدان أخرى بين عامي 1950 و1972، وهي فترة كانت سابقة للثورة النفطية بمعدل ثلاثة أضعاف وشهدت فيها العديد من بلدان الشرق الأوسط دفعا اقتصاديا كبيرا. وقارن نولاند ما بين المناطق أو السكان الذين يعتنقون ديانات مختلفة. والنتيجة التي توصل اليها هي انه «لا يوجد أي دليل يثبت ان الاسلام هو عائق أمام النمو الاقتصادي».

ففي الهند على سبيل المثال، والتي يحتل عدد المسلمين فيها المرتبة الثالثة على المستوى العالمي، لم يجد نولاند أي دليل يشير الى ان عدد المسلمين في أي ولاية له تأثير على النمو الاقتصادي اذا أخِذت العوامل الاقتصادية الأخرى بنظر الاعتبار. ومن هذه العوامل التي يجب اتخاذها على سبيل المثال الكثافة السكانية وكثافة الشوارع ونسبة استخدام الكهرباء في القرى ونسبة تساقط المطر سنويا. كذلك ليس للاسلام أي تأثير على ماليزيا التي تتقاسمها ثلاث طوائف هي الماليزية والصينية والهندية، وهذا الحال ينطبق على غانا التي فيها عدد كبير من المسلمين.

واذا كان الاسلام لا يشكل عائقا أمام النمو الاقتصادي فعند ذلك تكون ادارة بوش قادرة على التركيز على المسائل الاقتصادية في العراق، فبوضع القضايا الأمنية جانبا والتي تعتبر العائق الأكبر في العراق الى جانب ديونها الكبيرة للعالم الخارجي، وهذه تصل الى 130 مليار دولار حسبما اعترفت به لجنة العلاقات الخارجية التابعة للكونغرس، وبدون تقليص الديون فان أغلب عوائد البترول ستغطي فقط هذه الديون مع أرباحها بدلا من ان تخدم عملية التطور.

لهذا السبب تحاول الادارة الأميركية ان تتخلص من 90% من ديون العراق ولهذا السبب ايضا شعرت بالابتهاج الشديد حينما حصل يوم الثلاثاء الماضي جيمس بيكر مبعوث بوش الى البلدان الدائنة وعداً في باريس من فرنسا وألمانيا بتقليص الديون العراقية الى «درجة كبيرة».

* خدمة «كريستيان ساينس مونيتور» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»