صربيا: القوميون المتشددون أكبر أحزاب البرلمان بسبب مشاحنات الإصلاحيين وتفشي الفساد الحكومي

TT

أظهرت النتائج الاولية للانتخابات العامة في صربيا فوز القوميين المتشددين، وعليه أصبح الحزب الراديكالي القومي المتشدد بزعامة فويسلاف سيسيلي المحتجز في لاهاي للاشتباه في ارتكابه جرائم حرب أكبر احزاب في البرلمان.

وتمثل النتائج ضربة قوية للسياسيين الذين أطاحوا الرئيس اليوغوسلافي سلوبودان ميلوشيفيتش عام 2000. وقال توميسلاف نيكوليتش زعيم الحزب الراديكالي بالانابة: «حققنا هذا النصر لفويسلاف سيسيلي وللمتهمين الاخرين في لاهاي ولمواطني صربيا الذين أخذوا كفايتهم من الاذلال».

وفاز الراديكاليون بنحو 28 في المائة من الاصوات في الانتخابات التي اجريت اول من أمس في ما يبرز مدى الاحباط الذي يشعر به كثير من الصرب بعد ثلاث سنوات من اجراء تغييرات اقتصادية وسياسية غربية النمط وكذلك احباطهم من كثرة مشاحنات الاصلاحيين ومن مزاعم تفشي الفساد الحكومي.

وقال نيبويسا كوفيتش نائب رئيس الوزراء ان النتائج «تظهر أن الصرب يريدون معاقبة الحكومة على اخفاقها في رفع مستويات المعيشة على نحو أسرع في بلد عانى لسنوات من العزلة الدولية في عهد ميلوشيفيتش». لكن بعض الاصلاحيين ألقوا باللائمة على الاتحاد الاوروبي لعدم تقديمه مزيدا من مساعدات التنمية لمساعدة صربيا على اعادة هيكلة اقتصادها وتوفير فرص العمل.

وتمثل نتيجة الانتخابات انتكاسة للزعماء الغربيين الذين كانوا يأملون أن تدير صربيا ظهرها للقومية المتشددة بعد عقد من الصراعات في البلقان في عهد ميلوشيفيتش الذي يواجه ـ كما يواجه سيسيلي ـ اتهامات بارتكاب جرائم حرب أمام محكمة لاهاي الدولية.

وتشير النتائج الى أن الراديكاليين سيحصلون ـ مع الاشتراكيين الذين يتزعمهم ميلوشيفيتش والذين حكموا الصرب في فترة انقسام يوغوسلافيا السابقة في التسعينات ـ على أكثر من مائة مقعد من مقاعد البرلمان المكون من 250 مقعدا.

وتقدم كل من سيسيلي وميلوشيفيتش قائمة المرشحين لحزبيهما. وقال الحزب الراديكالي انه لن يرشح سيسيلي مبدئيا لمقعد في البرلمان. لكن أحد نواب الحزب سيفسح له المجال في حال الافراج عنه. أما حزب ميلوشيفيتش فلم يقرر بعد ما ان كان سيخصص له مقعدا.

وحصلت الاحزاب الرئيسية المؤيدة للاصلاح مجتمعة على 42 في المائة من الاصوات. وكانت هذه الاحزاب قد انقسمت على نفسها بعد اطاحة ميلوشيفيتش، ورفضت التعاون مع القوميين المتشددين. وقد تشكل حكومة أغلبية مع تحالف ملكي يعتبر نفسه أيضا في معسكر الاصلاح.

* نيكوليتش.. وجه القومية المتشددة الجديد

* يجسد توميسلاف نيكوليتش الوجه الجديد للتيار القومي الصربي المتشدد، وهو يتولى قيادة الحزب الراديكالي بالنيابة في غياب زعيمه سيسيلي الذي سلم نفسه لمحكمة الجزاء الدولية. ونيكوليتش، المولود عام 1952 في كراغوييفاتش الواقعة في وسط صربيا، هادىء بطبعه خلافا لرئيسه المندفع الذي لم يكن يتردد في اشهار مسدسه عندما كان يشعر بأنه مهدد.

درس نيكوليتش الحقوق وعمل في قطاع البناء. وانضم الى حزب سيسيلي في 1991 بعد عام على تأسيسه ليشغل بسرعة منصب نائب الرئيس الذي ما زال يشغله حتى الآن الى جانب منصب الرئيس بالنيابة. وهو يتحدث باستمرار عن الارثوذكسية والكنيسة التي تشكل، مع الجيش، المؤسستين اللتين تلقيان اكبر احترام من جانب الصرب. وهو يختتم خطاباته دائما بعبارة «تحيا صربيا الكبرى». وكان نيكوليتش قد استقال عام 1999 من منصب نائب رئيس الوزراء في صربيا احتجاجا على انتشار قوات حلف شمال الاطلسي في اقليم كوسوفو بعد انتهاء الحرب بين الصرب والالبان (1998 ـ 1999).

وبعد ان رأى ان تدخل الحلف الاطلسي يشكل مساسا بسيادة صربيا، انتقد الرئيس الصربي حينذاك سلوبودان ميلوشيفيتش لأنه قرر سحب القوات الصربية من الاقليم وتنازل عن السيطرة على كوسوفو للامم المتحدة والحلف الاطلسي. وطالب نيكوليتش حينذاك باستقالة ميلوشيفيتش «ليس لأن الغرب يريد ذلك بل لأنه تخلى عن كوسوفو».

وخلال الحملة الانتخابية، عبر نيكوليتش عن مواقف اكثر ليونة حيال الاسرة الدولية لادراكه ان غالبية سكان صربيا يطمحون الى الانضمام الى الاتحاد الاوروبي والابتعاد عن التيار القومي العدواني والمعادي للغرب في عهد ميلوشيفيتش. وقد اعلن خلال حملته انه يريد فعلا التعاون مع الاسرة الدولية «ولكن ليس بتقديم تنازلات لها»، موضحا ان صربيا «ستشكل جسرا بين الشرق والغرب». وشدد على ان الصرب «يحتاجون الى التكنولوجيا الغربية واسواق الشرق ولا يريدون ان يكونوا عبيدا».

واثار نيكوليتش موجة من الاستياء عندما اعلن عبر التلفزيون ان مقتل الصحافي سلافكو تسوروفيتشا، الذي كان من اشد منتقدي نظام ميلوشيفيتش، خلال حملة حلف شمال الاطلسي على صربيا، «لا يدعو للأسف». ووعد بانه اذا وصل الى السلطة «لن يسمح بتسليم اي صربي الى محكمة الجزاء الدولية»، قائلا ان سيسيلي وغيره من الصرب السجناء او المتهمين لم يرتكبوا ذنبا «غير الدفاع عن الشعب الصربي».