«لو غراي» في بيروت يضع وسط المدينة في قبضة نزلائه

فندق من فئة «بوتيك» لا يسعى إلى التعددية بل تهمه النوعية ويغريه الموقع

TT

يضع فندق «لو غراي» وسط بيروت في قبضة نزلائه. يشعر نزيله أنه يسيطر على المكان أينما وجه نظره. فالزاوية التي يحتلها تكشف هذا الوسط النابض بألف لون ولون. والأحلى أن مجال الرؤية مفتوح على البحر والجبل، مما يعني أن الأفق مفتوح للنظر والحركة، ليجمع هذا الفندق بين مفهومي السياحة والأعمال بيسر قلما توفره مساحات مدينية.

وعندما يقول الفندقي العريق غوردن كامبل غراي: «بيروت هي إحدى مدن العالم المفضلة لدي. النهضة التي تشهدها هذه المدينة هي ما يضفي عليها سحرا وتألقا»، نفهم فلسفة اختياره العاصمة اللبنانية ليضيف إلى سلسلة فنادقه الخاصة هذا المبنى الذي يجمع بين أسلوبه الخاص وأسلوب الوسط التجاري الطالع من هندسة «المدينة العريقة للمستقبل».

تقول مسؤولة العلاقات العامة في الفندق ريتا سعد لـ«الشرق الأوسط»: «مما لا شك فيه أن موقع الفندق أسهم في الترويج له. فقد تم افتتاحه في نوفمبر (تشرين الثاني) 2009 من دون احتفال رسمي. إلا أن ذلك لم يحل دون الإقبال عليه، بحيث أصبح لدينا نزلاء دائمون، مما يدل على نوعية الخدمة التي نوفرها. وهذا هو هدفنا».

والمعروف أن سلسلة فنادق «كامبل غراي» لا تسعى إلى التمدد العددي، لذا تقتصر على فندقين في لندن هما One Aldwych وDukes، وثالث في إنتيغا، إحدى جزر الكاريبي، هو Carlisle Bay، ويضاف إليها Le Gray في بيروت، على أن تم تشييد فندق خامس في منطقة الدامور على الساحل إلى الجنوب من بيروت.

أما حكاية الفندق اللبناني، فقد بدأت بفكرة استولت على غوردن كامبل غراي عندما زار بيروت، وانتبه إلى أن هذه المدينة تشع بالحياة، فقرر بناء فندق يعكس هذا المفهوم. تقول ريتا سعد: «أراد غراي فندقا على صورة المدينة، لذا باشر المشروع. واختار موقع المبنى على مقربة من أفضل مراكز التسوق والترفيه في المدينة. كما يطل على مناظر خلابة للبحر الأبيض المتوسط ولمرتفعات جبل لبنان، وهو يقع عند نقطة التقاء ساحة الشهداء التاريخية وشارع ويغان الفخم. وهو محاط بالآثار والمساجد والكنائس مما يدل على التعايش والتنوع اللذين ينبض بهما هذا الوسط. المبنى كان قيد الإنشاء كمكاتب لمشروع تجاري آخر. وتم التكتم على الأعمال التي تمت في المكان. وحتى تتم المحافظة على عنصر المفاجأة، تم حجب الأشغال التي كانت تتواصل رغم الأحداث التي شهدها الوسط منذ عام 2004».

ولتحقيق هدفه، تعاون غوردن كامبل غراي مرة جديدة مع مهندسة الديكور الشهيرة ماري فوكس لينتن، التي عملت على إضفاء طابع عصري وحديث على الفندق الذي يضم 87 غرفة وجناحا واسعة، منها 62 جناحا لرجال الأعمال تبلغ مساحة كل منها 60 مترا مربعا، و10 غرف فاخرة بسرير واحد. ويقتصر الطابق الخامس على الأجنحة دون سواها، إذ يضم جناحين ملكيين لكل منهما شرفة فسيحة خاصة.

الطابع العصري للفندق، هندسة خارجية وداخلية، لا يلغي كلاسيكية فلسفته. هذا ما أراده صاحب الفكرة، حيث يولي غوردن اهتماما بالغا، بأدق تفاصيل فنادقه، ابتكارا وتصميما وفلسفة، ويعنى شخصيا بجمع التحف الفنية المعاصرة. انطلاقا من هذه الفلسفة اختار كل ما هو مودرن - كلاسيك للأثاث والتصميم الداخلي. وبذكاء استفاد من المساحات المتوفرة لديه. ولعل اللون الأبيض المشع في مدخله يعطي امتدادا للنظر ويوحي برحابة المكان. كما أن اختيار اللوحات والمنحوتات من الأعمال العالمية يحول هذه المساحات إلى معرض دائم للفن التشكيلي بكل جوانبه، فقاعاته وأروقته وغرفه تضم أكثر من 500 عمل فني، وتضيف لمسة الزهور الخاصة جدا في الفندق بصمة تشع بالحياة. ويطيب لريتا سعد أن تتباهى بهذه البصمة، فتقول: «نحن لا نشتري أزهارنا من المتاجر. لدينا اختصاصي في تنسيق الزهور يستورد كل ما يلزمه ويصمم لكل ركن أو غرفة أو قاعة باقات تتغير بوتيرة يومية. كذلك للفاكهة حكاية، ذلك أنها للنظر والتذوق. وهي تتناغم مع مكانها سواء في الغرف أو في أماكن أخرى حيث ترتب في أطباق لها هندستها وطرازها وتتجدد كل يوم ليشعر النزيل أن الاهتمام الخاص به يصل إلى كل التفاصيل صغيرة أو كبيرة. والجمع بين مفهومي الزهور والفاكهة يعطي نضارة وطراوة للمكان، فيشعر من يرتاده أنه مدلل في بيته».

ولا يقتصر «الدلال» على هذين التفصيلين الجماليين. فالفندق يؤمن لكل نزيل وسائل الراحة العملية. تقول ريتا سعد: «عندما تدخل إلى (لو غراي) يبدو واضحا الطابع الخاص به في الخدمات والموظفين. فالسمة التي لا بد منها للعمل هنا هي الإيجابية. واختيار الموظفين اعتمد على البحث عن الذين تتوافر فيهم هذه الإيجابية غير المصطنعة، كما حرص القيمون على فريق العمل على تأمين كل ما يعزز راحة الموظف وجهازيته ليكون سعيدا وقادرا على العمل مع الجميع». وتضيف «كل التسهيلات موجودة في الفندق إذا كان نزيلنا رجل أعمال. فهو يستطيع الاجتماع بمن يريد لإنجاز مهامه. وقد حرصنا على تجهيز الغرف بكابلات تمكنه من مواصلة عمله بمعزل عن أي عطل قد يطرأ على خطوط الاتصال. ونؤمن لمن يريد الكومبيوتر المحمول، إضافة إلى الفاكس وماكينة التصوير في كل الغرف، بحيث يمكن تحويل كل غرفة إلى Business Center. الغرف مجهزة بكل وسائل الراحة والتسلية والثقافة مع مجموعات كتب من مختلف المدارس الأدبية والاقتصادية والفكرية. كما نؤمن حماية وخصوصية لنزلائنا، بحيث لا يمكن استخدام المصعد إلى الغرف من دون بطاقة الغرفة، مما يقطع الطريق على المتطفلين. ومن يأت للسياحة والتسوق، وبحكم موقع الفندق، يستطيع أن يذهب حيث يشاء. مراكز التزلج لا يحتاج الوصول إليها وقتا طويلا كما هو معروف. ومراكز التسوق والسهر والمسارح والنشاطات الثقافية متوفرة حول المكان. وبالتالي يستفيد نزيلنا من الجبل وحياة المدينة كيفما يريد».

أجمل ما في الفندق مسبحه العائم على سطحه وعند زاوية تكشف الدنيا. المشهد لا يمكن تجاهل غرابته وجماله. نسأل ريتا سعد: «أليس خطرا أن تكون بركة السباحة عند زاوية المبنى؟» فتجيب: «أبدا. فالبركة صممت وفق أرفع مواصفات السلامة والأمان. وذلك يضيف إلى مواصفاتها متعة لا توفرها حتى البرك في المسابح البحرية». ولعل فكرة السباحة فوق وسط مدينة بأسواقه ومكاتبه وحركة شوارعه ليست فكرة يمكن تجاهلها. الإتريوم من أسفل الفندق إلى قمته له جماليته الهندسية أيضا لا سيما عندما تتلألأ الأنوار منه وحوله. كذلك مطعم Indigo on the Roof الذي يقع على سطح المبنى ويطل على مناظر خلابة. ويتميز هذا المطعم بمساحته الفسيحة وأطباقه الشهية التي تجمع بين التقليد والحداثة. كما يتميز بـ«الشفافية» التي يمنحها مطبخه العلني للزبائن. فكل ما يقدم مكشوفة طريقة إعداده للنظر خلف زجاج شفاف. وفي الفندق أيضا حانة Three Sixty الليلية الراقية، وقاعة Cigar Lounge المترفة، ومنتجع The Pure Gray Spa، وقاعة رياضية حديثة، ومقهى Gordon,s Cafe العصري المريح الذي يستقبل الزوار طيلة ساعات النهار ويقدم أطباقا طازجة وصحية. كما يقدم متعة مراقبة المدينة، لأن رصيفا يفصل زجاجه عن الشارع.

والأهم في فندق لو غراي، كما تقول بحماسة ريتا سعد، أن «افتتاحه في بيروت شكل دعوة للسياحة الأوروبية إلى لبنان. وفتح مجالات كبيرة ليفهم هؤلاء روحية المدينة التي لم يتابعوا إلا أحداثها الساخنة. وانطلاقا من لو غراي أصبح بإمكانهم أن يكتشفوا الوجه الجديد الذي بدأت الصحافة الغربية تهتم به، بعد أن كانت عوامل أخرى تواريه خلف سخونة الحدث».