«متحف دمشق التاريخي».. مرآة لعراقة العاصمة السورية

تعرف إلى دمشق القديمة في 4 ساعات

تفاصيل العمارة السورية القديمة في كل زوايا المتحف («الشرق الأوسط»)
TT

السائح والزائر لدمشق ربما توقف في أسواقها القديمة لدقائق مندهشا بمنتجاتها المصنعة يدويا ومنتجات حرفييها، وربما وهو في فندق أو نزل تراثي شاهد الأرائك (الكنبات) المصدفة والفسقيات والبحرة وشجرة النارنج والكباد والياسمين وغيرها من مفردات المنزل الدمشقي التقليدي، وربما وهو يسير في أزقتها القديمة الضيقة شاهد أبواب منازلها الحانية المسماة الخوخة بدرفتيها الكبرى والوسطى بينها وبسقاطاتها الجميلة المصنعة يدويا وبأشكال غريبة لتشكل جرس الباب اليدوي أيام زمان، وربما وهو في حمام السوق وفي مطاعم ومقاهي القيمرية والقشلة وباب توما - أدهشته تلك المفردات المعمارية والتراثية، وقد ينظر هذا السائح والزائر إلى ساعته ليحدث نفسه: أحتاج لأيام وأيام حتى أرى جميع هذه المفردات، فماذا أفعل وأنا المحتاج لأرى معالم دمشق القديمة وليس لدي الوقت الكافي؟! جواب وبكلمات قليلة سيسمعها هذا الزائر العاشق لدمشق القديمة: ما عليك إلا زيارة متحف دمشق التاريخي، فخلال أربع ساعات سترى وبشكل بانورامي ومنذ دخولك عتبات القصر الدمشقي الذي كان يسكنه رئيس وزراء سورية في منتصف القرن الماضي خالد بك العظم، سترى كل ما ترغب في مشاهدته عن مفردات دمشق القديمة، دمشق خلال القرنين التاسع عشر والعشرين ماثلة أمامك.

الوصول للمتحف والتجول في أقسامه لعله كان صائبا من اختار هذا البيت الدمشقي بل القصر الكبير ليكون معبرا عن دمشق القديمة من خلال تحويله إلى متحف لتاريخ المدينة العريق، وكان موفقا أيضا في الاختيار الجغرافي والمكاني له، حيث يتوضع القصر المتحف في حي ساروجة الذي بني في العصر المملوكي على أطراف أسوار المدينة القديمة فجاء متوسطا ما بين المدينة داخل السور وتلك خارجه، وقريبا من المدينة الأحدث من دمشق القرن العشرين بشارع وجسر الثورة الشهير، وبالقرب من شارع بغداد وعلى أطراف منطقة العمارة وبالقرب من سوق الحميدية والأسواق القديمة الأخرى ومن قلعة المدينة، ولذلك، الوصول للمتحف التاريخي سهل جدا وعبر العديد من مداخله التي توصل إليه، ولكن مدخل وحيد هو ذلك القريب من نفق سوق الخجا الذي لا بد أن تعبره حتى يتسنى لك التجول بقاعات المتحف الرائعة، في حين أن المداخل الأخرى توصلك لمركز الوثائق التاريخية الذي يتوضع في قسم من المبنى، ومدخل آخر يوصلك لمقر مديرية المباني التاريخية التابعة لمديرية الآثار السورية، فما عليك إذن عزيزي الزائر والسائح إلا أن تدخل المتحف القصر من مدخله الرئيسي الشمالي بعد أن تصعد بضع درجات وتمشي على رصيف يرتفع نحو المتر عن الشارع، ستدخل المتحف بعد أن تدفع رسوم الدخول في غرفة الاستعلامات لترى على يسارك الكافتيريا الجديدة التي افتتحت مؤخرا لخدمة السياح والزوار للمتحف، حيث تقدم جميع أنواع المشروبات مع الآراكيل في طقس شعبي تاريخي جميل، وكيف لا وأنت في قلب المشهد وبين زخم وثراء في العمارة والمعروضات تشعر معها كأنك تعيش دمشق قبل مائتي عام، لا بأس فإنك ستعيشها حقا وأنت تتجول في أقسام وقاعات المتحف برفقة مديرته الآثارية السورية (إلهام محفوض) التي تسلمت إدارته للتو وهي تنتمي إلى جيل الآثاريين السوريين الشباب: لنبدأ من المبنى يعلمك الدليل، فالمبنى القصر عمره مائتا عام ويعود لفنون العمارة العثمانية للقرن الثامن عشر، ويتوضع على مساحة على مساحة 3136 مترا مربعا (إنه قصر ليس بيتا كما يتداول من قبل الكثيرين، يقولون بيت خالد العظم لماذا؟!.. إنه قصر يا صديقي - يعلق مرافقي المصور مندهشا عندما سمع بمساحته الكبيرة) تنتبه المديرة لما قاله المصور فتبتسم: انتظر قليلا حتى تشاهد ما هو أجمل داخل القاعات، حيث ستزداد دهشتك أكثر وأكثر! ندخل بالفعل لقاعات المتحف الست فنرى الأجمل والأروع ، توضح إلهام: هناك أيضا المطبخ والحمام التقليديان، وهي موزعة على جوانب الباحة الرئيسية، هناك القاعة ذات المصعدين والإيوان والقاعة ذات الطزرين - تتنهد إلهام - هذه من أجمل قاعات المتحف، فهي تتألف من طزرين وعتبة يفصل بينهما قسمان من الحجر المزخرف. هنا في هذه القاعة ترى الخشب العجمي المدهون بزخارف نباتية وهندسية جميلة يتدلى من سقف الطزر الأيمن والزخارف المقرنصة والجدران الأبلق والأرضية ذات الرخام المشقف، وفي وسط العتبة فسقية الماء مثمنة الشكل. القاعة الثالثة تسمى ذات الثلاثة طرز، تضم زخارف جميلة وبركة رخامية، ويحيط بها حصيرة جميلة جدا من الرخام المشقف، ننتقل للقاعة الأخرى الشمالية الغربية إنها القاعة الأهم في القصر من حيث القدم وأسلوب الزخرفة - توضح إلهام - خاصة فسقيتها الرخامية الفريدة من نوعها ونوافذها العليا التي يطل منها إطار حجر خارجي مزين بزخارف محفورة جميلة، حيث تعد هذه الطرز فريدة من نوعها في دمشق!.. ندخل المطبخ الذي يقع في الجهة الجنوبية الشرقية من القصر المتحف.. إنه المعبر الحقيقي عن مطابخ الجدات، حيث تنور الخبز العربي والمدخنة وبيت المونة وقدرة (جرة) الفول والفانوس النحاسي القديم والصحون والصدور النحاسية وأجران الكبة وشبك الحديد (الكبك) لحفظ الطعام (ثلاجات أيام زمان) وقربة عرث شراب السوس، وغيرها الكثير والكثير من مفردات المطبخ الشامي التقليدي... كل شيء هنا يعيدك عشرات بل مئات السنين، وهذا ما ستراه أيضا في حمام القصر الذي يتوضع ما بين المطبخ والقاعة ذات المصعدين، ويتألف من ثلاثة أقسام: الجواني حيث توجد حلة الماء وله قبة فيها عدة قمريات من الزجاج للإضاءة، والقسم الوسطاني والبراني، وهو القسم البارد من الحمام، وعلى المستحم ألا يخرج مباشرة إلى الهواء الطلق، لذا عليه أن يجتاز الحمام بأقسامه الثلاثة.. إنها تقاليد الحمام العربي التقليدية الصحية، تبتسم مديرة المتحف. وماذا بعد؟ لدينا خطط مستقبلية قادمة لتطوير هذا المتحف النادر - توضح مديرته الشابة النشيطة - ومن أهمها: يعتبر متحفنا من أهم المتاحف الموجودة خارج سور المدينة القديمة، وكونه يمثل زخارف ورونق البيت الدمشقي التقليدي فلدى الجهات الأثرية المسؤولة مشروع قادم لترميم وإحياء هذا القصر، خاصة الزخارف الخشبية النادرة والكتابات الشعرية الموجودة في قاعات المتحف والفرش الخشبي الأثري فيه، والرخام المعرق الموجود في أرضيات المتحف، والحجر الأبلق في الجدران، والزخارف اللونية. كذلك هناك مشروع تطويري يتعلق باللوحات الموجودة في المتحف ستعرض في زوايا قاعاته الست، وهذه اللوحات نادرة تعود للقرن الثامن عشر للمصور بونفيس وتصور أهم المعالم التاريخية والأثرية في دمشق في ذلك القرن، كما سيتم ترميم بعض النماذج (الماكيتات) الموجودة التي تمثل بعض حارات دمشق القديمة، مثل الصالحية والقنوات والميدان، وهي ثمرة نتاج عمل بعض مهندسي القرن التاسع عشر، وسيتم عرضها أمام الزوار والسياح بعد إنجاز عمليات ترميمها.

* معلومات تهم السائح

* متحف دمشق التاريخي مفتوح أمام الزوار طيلة أيام الأسبوع من الساعة الثامنة صباحا وحتى الثالثة والنصف عصرا باستثناء يوم الجمعة، وعلى السائح الأجنبي أن يدفع رسم دخول وهو مبلغ رمزي (75 ليرة سورية)، أي ما يعادل دولارا ونصف دولار أميركي. وهناك خدمات تقدم للسائح لجذبه باستمرار ومنها تقديم كل وسائل الراحة له أثناء تجواله في قاعات المتحف وباحاته، خاصة أن السياح الغربيين بشكل خاص - تقول محفوض - يرغبون في الجلوس في أروقة المتحف لساعات وساعات مستمعين بعبق عمارته التقليدية وبحراته الجميلة وأشجاره الوارفة الظلال، فهم يشعرون بالراحة والطمأنينة عندما يجلسون في الباحة وبجانب الزخارف وعلى حواف البحرة الحجرية، ولزيادة استمتاع السائح بزيارته للمتحف تم افتتاح كافتيريا في المساحة الخارجية لم تكن مستثمرة من قبل، حيث يمكن للسائح أن يطل من داخلها على عمارة المتحف مع احتساء فنجان القهوة وكأس الشاي.