تعرف إلى فنون السياحة على ساحل البحر الأحمر في مصر

سحر الصحراء وأسرارها في عاداتها وتقاليدها

TT

تتعدد أشكال السياحة وفنونها على ساحل البحر الأحمر في مصر، لكن يظل للصحراء المترامية خلف هذا الساحل سحرها وطقوسها الجذابة، بما تحتويه من عادات وتقاليد، ورقصات وأغان خاصة، ناهيك عن رحلات السفاري، التي تمنح الروح والجسد مغامرة شائقة، تتلاقى فيها الحدود بين المجهول الغامض، والواقع المادي المترامي الأفق. وهو ما منح الصحراء البطولة المطلقة في الكثير من الأفلام السينمائية والكتب الروائية، ومن أحدثها مجلد أصدرته أخيرا الجامعة الأميركية بالقاهرة باللغتين العربية والإنجليزية، الأول يتناول « أغاني الصحراء» و«حياة الصحراء» و« 40 يوما في الصحراء»، ومؤلفته الكاتبة والمصورة «إرينا بايجن»، التي طافت صحاري مصر والسودان على هودج صغير، محمل، على جمل، قد شبهت مفردات الصحراء الكثيرة المتناثرة وحبات رمالها الذهبية بأنها تشعر من يتأملها بأنه كـ«أليس في بلاد العجائب». وسجلت الكاتبة بالصورة إعجابها بالتراث البدوي وسر غناه وتجدده، كما حكت رحلتها في الصحراء ومعايشتها لقبائلها بأسلوب سردي سلس، وكأنه «حدوتة» من حواديت الطفولة لا تنتهي فصولها وأسرارها.

ومن أشهر قبائل صحراء مصر الشرقية قبيلة البشارية، التي طافت صحراء مصر والسودان، حتى ذاع صيتها بين القبائل بل في العالم كله، لأنهم ينحدرون من أصول عربية، ويتحدثون لغتها، على الرغم من احتفاظهم بلهجة بدوية خاصة بهم، تعرف بلغة « تي بدوي».

سكن البشارية حدود الصحاري المصرية الجنوبية، وتوزعوا بمعرفة كبير القبيلة في مستوطنات، أو محطات مهمة في خريطة هذه الحدود، واعتبروا أنفسهم منذ أكثر من 400 عام مدافعين عن حدود مصر الجنوبية، مما جعل أعين العالم تتجه إليهم، وبخاصة الباحثون في أمور البادية. واللافت أن الكثير منهم ما زال حتى اليوم يعيش حياة البادية الخشنة، من دون التأثر بمفردات الحياة الحديثة ومغرياتها، وذلك من منطلق الحرص على ثقافتهم وخصوصيتها.

يعتبر البشارية من أمهر مدربي الجمال وراكبيها، فهم يتميزون بأنهم الصفوة في عالم الصحراء العربية من دون منازع، لكن شهرتهم الأكبر ترتبط بعالم القهوة، حيث يتميزون بطريقة رائعة وفريدة في إعدادها دون غيرهم. والقهوة تعرف عندهم بـ«الجَبَنَة»، وتقدم في فناجين صغيرة، وتشرب على شكل رشفات صغيرة مثل «الاسبرسو»، الذي يفضله عشاق مذاق القهوة القوية، ولكن هناك فارقا كبيرا بين المذاقين، فكل من أتيحت له الفرصة لتناول «الجَبَنَة»، يشهد بأنها الألذ رشفات على الإطلاق.

يقول عمران شريف، أحد شباب قبيلة البشارية بأن «(قهوة الجبنة) بالنسبة إلى الفرد منا هي رفيق النهار وسامر الليل، وهي سفير الكرم والترحاب بالضيوف في كل بيت، وتتكون من: منقد نحاس، قلاية، هون، كيس صغير من حبوب البن الأخضر، مسحوق الجنزبيل، أعواد من قش النخيل توضع في فوهة (الجبنة) حتى تصفيها من ذرات القهوة والزنجبيل، ثم (الجبنة) وهي الإبريق الذي تعد فيه القهوة، والتي سميت باسمه، وذاع صيتها بهذا الاسم منه». يضيف عمران: «عند بزوغ أول خيط لشمس يوم جديد، يستيقظ المسؤول عن إعداد (الجبنة) في كل أسرة، لكي يقوم بعمله اليومي الذي يمارسه بكل سعادة، حيث إن لصناعة (الجبنة) فن ومهارة، تتمثل في تحميص حبوب البن الأخضر على المنقد الساخن، حتى يتحول لونها إلى البني الداكن، فتفوح رائحتها الزكية في المكان، معلنة ابتداء يوم جديد. ثم تطحن يدويا في وعاء خشبي بواسطة الهون قبل مزجها بالزنجبيل، ثم تترك لتخمر وتحلى حسب الرغبة، (فقهوة الجبنة) تمد الجسم بالنشاط والحيوية طوال النهار، فهي بمثابة محرك لذبذبات الروح بمرح ونشاط، للعمل والعيش تحت أشعة الشمس الحارقة، كما تمنعك أن تسلم جفونك للنوم مبكرا، فتستمتع بجلسة مسامرة تحت سماء مخملية مرصعة بحبات من النجوم الماسية. ويمكن أن يُشرب من (قهوة الجبنة) عدد لا نهائي من الفناجين صغيرة الحجم على مدار اليوم، ونحن نحث الضيف في الجلسة على شرب المزيد، والتمتع بطعم القهوة ورائحتها الزكية والذي لا يتحقق بشرب أقل من ثلاثة فناجين، فكلما شرب أكثر، كان ذلك دليلا منه على أن الجلسة معنا جميلة، وهو مستمتع بها».

ويذكر عمران في نهاية حديثه أن «هناك الكثير من الباحثين ورواد الصحراء عندما يأتون إلينا لاكتشاف عالمنا البسيط، نرحب بهم ونكون سعداء بمجيئهم إلينا، ويكونون حاملين معهم الكثير من الأدوات التي يستخدموها، ومنها أدوات خاصة بإعداد الأكل والشرب، وخلال أيام إقامتهم بيننا لا نعرف عن هذه الأدوات شيئا، لكن بعد أن يتذوقوا طعم (قهوة الجبنة) ويستمتعون بمذاقها الرائع، يعرضون علينا مقايضة أدواتهم بأدوات صناعة (الجبنة)، حتى يستطيعوا شربها في كل وقت. وهناك بالفعل من تعلموها وتدربوا على صنعها فترة إقامتهم معنا. ومع كل وفد من هؤلاء الباحثين سواء من العرب، أو الأجانب، وكذلك أفواج السياح من عشاق الصحراء، هناك إجماع يتجدد على أن لـ(قهوة الجبنة) مذاقا خاصا، لا يقاوم، وليس له مثيل، وبخاصة عند تناول رشفاتها فوق رمال البادية وبين أحضان الجبال، وصفاء السماء».