العميد الجداوي: ميزانية كارثة جدة «مفتوحة».. ولا مصلحة لنا في إخفاء أعداد ضحاياها

مدير الدفاع المدني بجدة يرفض في حوار لـ «الشرق الأوسط» التعليق على استدعاء جهازه لاستجوابه من قبل «تقصي الحقائق»

العميد عبد الله الجداوي مدير الدفاع المدني بجدة خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» (تصوير: مروان الجهني)
TT

عكست العبارة التي نطق بها المسؤول الأول عن أعمال الدفاع المدني في جدة، هول الصدمة التي تشكلت لدى العاملين في هذا الجهاز خلال مباشرتهم أعمال الإنقاذ والبحث عن المفقودين جراء كارثة السيول، حيث قال: «لقد رأينا في كارثة جدة ما لم نره من قبل».

في أول ظهور له، بعد الهدوء الذي خيم على الأماكن المنكوبة، الذي تقطعه بين الحين والآخر، أنباء غير مؤكدة عن العثور على جثة هنا أو هناك، قال العميد عبد الله الجداوي مدير الدفاع المدني بجدة، في حوار خاص لـ«الشرق الأوسط»، إنه لا مصلحة لجهازه من إخفاء عدد ضحايا السيول، وذلك في رده على من شكك في صدقية الأرقام التي كشف عنها الدفاع المدني بعد أيام من الكارثة.

وأكد الجداوي، أن كارثة جدة، كشفت لجهازه حاجته لبعض التجهيزات التي من الممكن أن تفيد في مثل هذه الكوارث، كما وضح للجميع أن الآليات التي كان يعتقد أن الدفاع المدني غير محتاج إليها، وأن استقطابه لها يأتي من باب الترف، تم الاستفادة منها في الكارثة الأخيرة.

وأوضح مدير الدفاع المدني في محافظة جدة أنهم بصدد إنشاء نظام «رموز الألوان» الذي سيتم التعامل به مع جميع الجهات الحكومية التي تعمل تحت مظلة الدفاع المدني، وذلك وفق ما أصدره الأمير مشعل بن ماجد محافظ محافظة جدة من توجيهات.

وقال إن «ذلك النظام من شأنه أن يسهل علينا شرح تفاصيل العمل في كل مرحلة، إذ يجب أن تكون هناك رموز مصممة خصيصا لمدينة جدة»، لافتا إلى أنه سيتم البدء في العمل عليه فور تهدئة الوضع بعد كارثة جدة من خلال عقد ورش عمل بمشاركة الجهات الحكومية المعنية.

وأكد أن الميزانية التي تم تخصيصها لكارثة جدة تعد مفتوحة، ولم يتم حصرها حتى الآن، لا سيما أن العمل على تداعيات الكارثة لا يزال مستمرا، مشيرا في الوقت ذاته إلى أنه يتم التعامل مع الموقف مهما كانت تكلفته. وفيما يلي نص الحوار:

* ما الذي استفاده رجال الدفاع المدني من كارثة جدة؟

- حقيقة استفدنا أشياء كثيرة، من ضمنها اختبار إمكانياتنا وقدراتنا، التي وجدنا من خلالها أننا بوضع جيد فيما يتعلق بحماسة العاملين والكوادر التي تفاعلت مع الحدث منذ بدايته، إلى جانب امتلاكنا لقدرات كبيرة من الكوادر البشرية والآلية التي استطعنا التعامل بها مع الحدث فور وقوعه، ولكننا في المقابل استخلصنا الكثير من الدروس المستفادة بهدف تطوير خططنا وتغيير استراتيجياتنا وخلق تنظيم جديد لمواجهة الأحداث، ولا بد من فعل ذلك، سواء فيما يتعلق بالدفاع المدني نفسه أو الجهات التي تعمل تحت مظلته ككل، خاصة أن هناك توجيها من الأمير مشعل بن ماجد محافظ محافظة جدة بالعمل على نظام رموز الألوان، الذي يوفر علينا شرح تفاصيل العمل في كل مرحلة، إذ يجب أن تكون هناك رموز مصممة خصيصا لمدينة جدة، وهو ما سيتم العمل عليه من خلال ورش عمل ستعقد بعد أن تهدأ الأوضاع للوصول إلى استحداث ذلك النظام.

* استهلكت وزارة الداخلية بشكل عام آليات ومعدات كثيرة في كارثة جدة، فهل سيتم إدخال آليات حديثة لجهاز الدفاع المدني؟

- لا تنظر الدولة إلى ما استهلكته، بقدر ما يهمها تقديم خدمة يحتاجها المواطن فعلا مهما تكلفت، إلا أن الأحداث جعلتنا نفكر في نوعيات أخرى من التجهيزات التي يجب أن تكون موجودة لدى جهاز الدفاع المدني.

وعندما واجهنا المشكلة وجدنا أن لدينا كمّا كبيرا من الآليات التي كان البعض يستغرب من جلب الدفاع المدني لها كونهم ينظرون إليها على أنها ليست أساسية، غير أننا تأكدنا من مدى حاجتنا لها وأنها لم تأت عبثا أو من فراغ أو بهدف استهلاك أموال فقط، وذلك من خلال استخدامها أثناء الكارثة.

* ما حجم الميزانية التي تم استهلاكها في كارثة جدة؟

- ميزانية الكارثة تعتبر مفتوحة، ولم يتم حصرها حتى الآن، لا سيما أن الدولة لا تحدد مبالغ معينة في مثل تلك الأحداث، وإنما يتم التعامل مع الموقف مهما كانت تكلفته.

* ما مدى مصداقية إحصاءات ضحايا سيول جدة، في ظل وفاة أسر كاملة يصل عدد أفراد الواحدة منها إلى أكثر من 9 أشخاص؟

- للأسف هناك من يتوقع وجود أعداد أكبر من الوفيات والمصابين في كارثة بهذا الحجم، التي تحفظ الدفاع المدني عن الإعلان عنها، ولكن ما المصلحة في إخفائنا للحقيقة، وهل هناك من لديهم مفقودون أو متوفون لم تدرج أسماؤهم ضمن القائمة الأساسية؟

لذلك أتحدى وجود أرقام خلاف التي ذكرها الدفاع المدني، خصوصا أننا نتعامل مع أرواح وبشر.

* شهدت كارثة جدة نحو 88 حالة تزوير من أجل الحصول على إعاشات وإسكان من دون وجه حق، فما الخطط التي وضعتموها لمنع تكرار هذه الحالات في ظروف مماثلة؟

- تعد تلك الأمور طبيعية في ظل وجود أعداد كبيرة من المتضررين، غير أن الأمير مشعل بن ماجد محافظ محافظة جدة أصدر توجيها بضرورة إعادة النظر في الأوراق وتدقيقها بشكل تام، إذ ليس من السهل اتهام أشخاص بغير حق لا سيما أن الاعتذار لن يكون سهلا أو حتى كافيا.

في المقابل، فإن الحالات التي تم اكتشافها هي فعلا حقيقية، الأمر الذي استدعى تشكيل لجنة للتأكد من جميع المعلومات التي يتم إدخالها في الحاسب الآلي والمتعلقة بالتسكين والإعاشة وصرف التعويضات، بهدف تدقيقها وعدم أخذها عشوائيا.

* هل أثرت كارثة جدة على أعمال الدفاع المدني في النواحي الأخرى؟

- إطلاقا، وذلك عائد إلى وجود تقدير للموقف منذ اللحظات الأولى من الكارثة، وكان الفريق سعد التويجري مدير عام الدفاع المدني في السعودية أول من قدر الموقف وحدد شكل الكارثة وما يجب أن تكون عليه الأعمال في جدة، عدا الذي وصل منذ الساعتين الأوليين للحدث، المتضمن كما كبيرا جدا من الآليات وأعداد كبيرة من الضباط والأفراد الذي بلغ أربعة أضعاف الأعداد المشغلة لجدة.

ومن حسن الحظ فإن وصول الدعم كان سريعا نتيجة وجود الفرق الخارجية في الحج، إلى جانب أن تسلسل الحدث لم يستدع أخذ جميع فرق الدفاع المدني، إذ لم تؤد الكارثة إلى نشوب حرائق أو غيرها، الأمر الذي سهل لجميع الموجودين في الميدان العمل على البحث والإنقاذ.

وأكبر دليل على عدم تأثر أعمال الدفاع المدني جرّاء كارثة جدة هو مباشرتنا بعد ذلك لحوادث حرائق كبيرة بإمكانيات عالية، ما يدل على أن الوضع في مجمله لم يؤثر على نوعية الخدمة المقدمة أو حتى سرعة الاستجابة.

* وماذا عن الانتقادات التي عادة تطال الدفاع المدني فيما يتعلق ببطء استجابته لبلاغات الحوادث؟

- لطالما وجهنا دعوات للإعلاميين من أجل زيارة أكثر المراكز المتحركة في الحوادث ومتابعة سير العمل به وتقييم الموقف، إلا أنهم لم يأتوا، ونحن منذ تلقينا لأي بلاغ فإن الفرقة تخرج إلى الموقع في غضون 60 ثانية كحد أقصى.

في الوقت نفسه نحن لا نبرّئ أنفسنا، إلا أن ما يعترض الفرق أثناء توجهها لمباشرة الحادث قد يتسبب في تأخيرها، مثل ازدحام الحركة المرورية وعدم وضوح العنوان والمشروعات والحفريات في الطرق التي تضطرهم لقطع مسافات أكبر، إضافة إلى بعض الصعوبة من مستخدمي الطريق في عدم إفساحهم المجال للمرور، والتجمهر في مواقع الحدث.

* ما أبرز السلبيات التي تم رصدها خلال الكارثة وأدت إلى عرقلة عمل الدفاع المدني في الميدان؟

- أي عمل لا بد أن تكون له سلبيات، والدفاع المدني يعي أن الإيجابيات هي من أساسيات عمله، وفي المقابل لا بد من استخلاص السلبيات ودراسة أسبابها ومعالجتها سواء كانت متعلقة بالتدريب أو التأهيل في مجال معين أو الحاجة إلى كوادر وآليات، وهناك لجنة مشكلة لرصد السلبيات، التي سنبدأ في معالجتها فور تهدئة الأوضاع والوصول إلى مرحلة معينة للتعامل مع تلك الأحداث بغض النظر عن تغير الأشخاص في جهات أخرى، لا سيما أن النظام والمهام والواجبات لا تتغير، وهذا ما نسعى للوصول إليه.

في أحداث مثل كارثة جدة ليس الدفاع المدني الوحيد الذي يتعامل معها، وكثيرون يقولون إنه لا توجد لدينا هيئة للطوارئ، إلا أنها موجودة في مجلس الدفاع المدني الذي يرأسه الأمير نايف بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، ويضم جميع الجهات الحكومية، بالتالي لن نتحدث في تلك الأمور إلا بعد انتهاء الوضع وعقد ورش عمل بمشاركة جميع الجهات للعمل مع بعضنا بعضا، إذ إن الهدف ليس اصطياد أخطاء الآخرين بقدر ما هو معالجة السلبيات والوصول إلى خطة موحدة ننجح من خلالها في مواجهة أحداث أخرى.

* أدت الكارثة إلى تفعيل دور غرفة العمليات المشتركة التي تجمع بين الدفاع المدني والجهات الأخرى، فهل سيستمر وجودها بشكل دائم؟

- ترددت أقاويل حول عدم وجود أي استعدادات للطوارئ، إلا أن حضور مندوبي الجهات الحكومية إلى غرفة عمليات الدفاع المدني منذ الساعات الأولى من الحدث كان خير دليل على إثبات عكس تلك الأقاويل، وقد سهلت غرفة العمليات المشتركة الكثير فيما يخص التنسيق مع الجهات. وبالنسبة لوجودها بشكل دائم فإنها لا تعقد إلا في حالات الطوارئ، وعلى سبيل المثال، إذا كانت كمية الأمطار التي تهطل على مدينة جدة أقل من 30 ملليمتر فإننا نجتمع في غرفة العمليات بأمانة محافظة جدة، وما زاد عن ذلك من كميات يجعلنا نحوّل الاجتماع إلى غرفة الدفاع المدني.

* منذ تشكيل لجنة تقصي الحقائق، تم اختيار الفريق سعد التويجري مدير عام الدفاع المدني في السعودية كأحد أعضاء اللجنة، فما دور الدفاع المدني في أعمال لجنة تقصي الحقائق، وهل هو دور فردي أم جماعي؟

- أنا لست مخولا الحديث حول هذا الموضوع.

* ترددت معلومات حول إمكانية استدعاء الدفاع المدني من ضمن جهات حكومية لاستجوابه من قبل لجنة تقصي الحقائق، فما مدى صحة تلك المعلومات؟

- لا تعليق.

* شهد جهاز الدفاع المدني مرحلتين متمثلتين في جانب الإنقاذ ومن ثم التنظيم، فكيف يتم التعامل مع ذلك التحول؟

- ما زالت أعمال البحث مستمرة حتى الآن في المسطحات من الأراضي أو حتى التنقيب للعثور على جثث قد تكون مطمورة في البحيرات الموجودة، إلى جانب أعمال التنظيم سواء صرف الإعاشات أو الإسكان أو غيرها، بخلاف الأعمال التنظيمية والإدارية وإعادة صياغة وجمع الخطط وتفريغ المعلومات التي تستغرق وقتا لإنجازها.

* وماذا عن معالجة الجانب النفسي لأفراد الدفاع المدني على خلفية ما واجهوه أثناء عملهم في الكارثة؟

- نحن استعنا بالله وعملنا على الحدث، ويعد الدفاع المدني جزءا من شريحة المجتمع الذي تأثر بالكارثة وتفاعل معها، ومن هذا المنطلق تم التحدث مع جهات أخرى من أجل الاهتمام بهذا الأمر بعد تهدئة الأوضاع، لا سيما أننا رأينا أشياء كثيرة لم نرها من قبل.

* هل ترون أن وسائل الإعلام استطاعت إبراز جهود الدفاع المدني بالشكل المطلوب؟

- على الرغم من كل شيء نحن راضون بما تم تناوله عبر وسائل الإعلام، ولا نكابر عند التطرق للسلبيات، غير أنه من المفترض أن يتطرق لانتقادنا الأشخاص المتفهمون لخلفيات الوضع، الذين يعون تماما مهام الدفاع المدني وواجباته ليتم انتقادنا في المكان السليم، خاصة أن مهامنا كبيرة جدا وليست مقتصرة على إطفاء الحرائق فحسب.