عودة سوق القيصرية بعد غياب 9 سنوات

منذ حريق التهمه عام 2001.. وعمره يقارب الـ 600 عام.. واشتهر بالحرفيين المهرة

أحد أروقة السوق التاريخي قبل الحريق («الشرق الأوسط»)
TT

تستعد أمانة محافظة الأحساء خلال الفترة المقبلة لإعادة واحد من أقدم الأسواق في منطقة الخليج والجزيرة العربية إلى الحياة مع بداية النصف الثاني من العام الجاري، بعد غياب دام قرابة التسع سنوات، حيث تستعد الأمانة لتدشين سوق القيصرية في حلته الجديدة، على مساحات تصل إلى 6552 مترا مربعا، وبتكلفة تصل إلى 16 مليون ريال، بعد الدمار الذي حدث له جراء الحريق الكبير الذي تعرض له في 19 أكتوبر (تشرين ألأول)ى من عام 2001، حيث أتى الحريق على أجنحة ومكونات السوق بأكمله.

وكانت أمانة المحافظة بالتعاون مع الهيئة العامة للسياحة، التي أشرفت على التصاميم التي وُضعت للسوق، قد أخذت على عاتقها إعادة السوق للحياة في عام 2007، فيما وضعت مواصفات خاصة لتنفيذ المشروع وهي إعادته بحسب التصميم الذي كان قبل الحريق، حيث اشترط في مكونات البناء استخدام الحجر كمكون أساسي في عملية البناء، وجذوع الدنكل لعمل العوارض الخشبية وسقف السوق حيث تم توريدها من الهند لإعادة السوق إلى أجوائه وطرازه التاريخي القديم.

ويعد سوق القيصرية أحد أبرز المعالم بمدينة الهفوف بمنطقة الأحساء وواحدا من أقدم الأسواق في الجزيرة العربية والتي أنشئت كأسواق في الأصل ويقارب عمره حوالي 600 سنة. وكان في الفترات الماضية يشكل مركزا تجاريا مهما على ساحل الخليج (منطقة هجر) أو ما يسمى بساحل الأحساء، كما كان السوق مع ميناء العقير يشكلان ثقلا اقتصاديا هيمن على المنطقة وما جاورها لسنين طويلة.

وقد ورد ذكر السوق في العديد من الكتب والمخطوطات التي وثقت تاريخ المنطقة وخصوصا من المستشرقين. ويعد سوق القيصرية أحد أهم الأسواق التي استقطبت الحرفيين المهرة خاصة في حياكة المشالح الأحسائية التي تشتهر بها محافظة الأحساء، كما استقطب السوق وطوال تاريخه أرباب المهن والحرف المختلفة وزبائنهم بجانب باعة السلع التقليدية مثل العطارين والفخارين وحائكي العبايات (المخايطة) والقفاصين والخرازين والصفارين والحدادين وباعة الثياب والنسيج وغيرها.

وفي الوقت الحاضر يشكل سوق القيصرية، بالإضافة إلى مكانته التجارية والاقتصادية، مكونا حضريا مهما لمدينة الهفوف وأحد أهم العناصر المحورية التي شكلت الوسط التاريخي للمدينة، وأحد مرافقها السياحية التي تميزها في المنطقة الشرقية والسعودية ومنطقة الخليج. يتكون السوق من حوانيت متراصة بجانب بعضها تشكل بلوكات (أسطر) متقابلة تفصل بينها ممرات مسقوفة ضيقة قد لا يتعدى عرض بعضها المتر والنصف وكل ممر كان يحوي الحوانيت التي تمارس نوعا من المهن أو الباعة، وكانت تسمى تلك الممرات محليا بـ«صكة» أي (سكة).

وكان السوق في الماضي مبنيا من الصخور (حجر الربا) والطين بلغت سماكتها حوالي 70 سم وكسيت بطبقة من الجص والذي كانت تكسى به القصور وبيوت الأثرياء في ذلك الوقت، أما الأسقف فبنيت من جذوع الدنكل والبواري والحصيرة المحلية فوقها طبقة من الطين. رصدت أمانة المحافظة 16 مليون ريال، لتنفيذ المشروع، بينما حددت مدة عامين لتنفيذه، إلا أن صعوبات واجهت المشروع كان أهمها ملكيات المحلات التجارية التي يثبتها أكثر من 200 صك ملكية ولكل منها مالك مختلف، إضافة إلى تباين الصكوك بين بعضها البعض، فبعضها تستخدم المتر كمقاسات، وبعض الصكوك قديم عمره أكثر من مائة عام استخدمت الأذرع لقياس المسافات والأبعاد، وبعض الصكوك لا يحمل أبعادا مطلقا وبعضها أوقاف وبعضها مقتطع من ملك سابق مجاور، الأمر تطلب دراسة الصكوك ومطابقتها لمرات عديدة والتعديل على المخططات عشرات المرات، كل هذه الأمور جعلت مدة التنفيذ تمتد لأكثر من عامين.

كان من أهم أهداف مشروع إعادة سوق القيصرية التاريخي الحفاظ على الطابع المعماري الأصلي للسوق وتنفيذ المشروع الجديد على نسق الطابع القديم، والذي يتألف من محلات على شكل صفوف تأخذ نفس المساحات الأصلية مع رواق في المقدمة يتألف من أقواس نصف دائرية محملة على أعمدة دائرية. يتكون السوق بعد اكتمال المشروع من 422 محلا بالإضافة إلى مسجد وبعض المرافق التي كانت تشكل هوية المكان مثل سبيل الماء في براحة المحاسنة (سبيل المحاسنة)، وبوابة شارع الحداديد (دروازة الحداديد) والتي تربط الجزء الشمالي بالجزء الجنوبي من القيصرية و(بوابة داوود) بسكة البوحليقة.