عبد الله بلخير.. مترجم دخل الإعلام بعد نجاة الملك المؤسس من محاولة الاغتيال

تولى الإشراف على المديرية العامة للإذاعة والصحافة وأصبح رجل الإعلام الأول للملك سعود

بلخير مع الملك سعود حيث عرف بأنه رجل الإعلام الأول في عهد ثاني ملوك الدولة السعودية
TT

أعاد قرار مجلس الوزراء السعودي بتحويل الإذاعة والتلفزيون إلى هيئة عامة تسمى «هيئة الإذاعة والتلفزيون» وتحويل وكالة الأنباء السعودية إلى هيئة عامة تسمى «وكالة الأنباء السعودية» ترتبطان إداريا بوزير الثقافة والإعلام، الحديث عن واقع القطاع الإعلامي بشكل عام ومن كان لهم حضور في هذا القطاع في البدايات الصعبة للدولة الناشئة في عهد الملك المؤسس؛ فقبل 80 عاما من اليوم دخل الطالب في مدرسة «الفلاح» عبد الله عمر بلخير مطبعة «أم القرى»، وكانت تطبع بيانا طارئا صادرا من الديوان الملكي السعودي، يطمئن المواطنين والحجاج على نجاة الملك عبد العزيز من محاولة الاعتداء عليه في الحرم الشريف في ضحى يوم عيد الأضحى من عام 1353هـ، وكان مدير المطبعة (محمد سعيد عبد المقصود خوجه) يقوم بطباعته، فطلب من الطالب بلخير الذي جاء إلى المطبعة مصادفة إيصال البيان المطبوع إلى منى، حيث كان الملك يواصل تأدية مناسك الحج.. ومع هذه القصة بدأت صلة عبد الله بلخير مع العمل الإعلامي ومشواره التعليمي والوظيفي في عهد الملك المؤسس ثم في عهود الملوك اللاحقين ليسجل حضورا في مجال الإعلام وقبله مع الشعر العروبي الذي شاركه فيه جيله وتميز بأنه كان في طليعة شعراء الجزيرة العربية مما أهله إلى أن يلقب في المجتمع الثقافي بألقاب تنبئ من مكانته الشعرية مثل: شاعر الأمير فيصل، وشاعر الأمة، وشاعر الشباب. ولعب دورا سياسيا وإعلاميا في عهود ملوك الدولة السعودية الحديثة سكرتيرا ومترجما ثم مديرا عاما للإذاعة والصحافة التي أنشئت عام 1955م.

وقدم الدكتور عبد الرحمن الشبيلي قراءة في مسيرة عبد الله عمر بلخير الإعلامية من خلال كتاب ضم محاضرة ألقاها في منتدى «ثلوثية عمر بامحسون» الثقافي هذا العام، وقال الشبيلي إنه بصدد الحديث عن شخصية إعلامية ثقافية نالت كثيرا من الشهرة والجدل على مدى عقدين ونيف 1360 - 1382 هـ (1940 - 1963م)، من حيث طفولته في غيلة بلخير بوادي دوعن في حضرموت، وهجرته إلى موطنه الثاني (المملكة العربية السعودية) الذي شب فيه وترعرع، ومدرسة «الفلاح» في مكة المكرمة التي درس فيها، و«وحي الصحراء»، ذلك الكتاب الرائد الذي ألفه محمد سعيد عبد المقصود خوجه واشترك معه بلخير وهو في العشرين، فصدر أول ما صدر عام 1355هـ - 1936م، وهو من تقديم الدكتور محمد حسين هيكل صاحب كتابي «في منزل الوحي» و«حياة محمد» وجريدة «السياسية» المصرية، وانتهاء بشعره العروبي الذي شارك فيه شعراء جيله للتعبير عن آمالهم القومية، وتضمنت كتب المناهج المدرسية شيئا منه، وفي مقدمتها كتاب: «مجموعة الأناشيد العربية» (المطبوع سنة 1354هـ في مطبعة «أم القرى»)؛ قصائد عرضت مضامينها على مديرية المعارف ومجلس الشورى (وثيقة المجلس رقم 122 بتاريخ 7/6/1354هـ التي حددت المقبول منها والمحذوف).

وأضاف الشبيلي: «معلوماتي عن شاعرية عبد الله بلخير لا تبلغ حدا يؤهلني لتقويمها، ويكفي أن يشهد الكثيرون على أن بلخير كان في طليعة شعراء شبه الجزيرة العربية الملحميين في القرن الماضي، من أمثال خير الدين الزركلي ومحمد بن عبد الله بن عثيمين وأحمد بن إبراهيم الغزاوي وحمزة شحاتة وخالد الفرج ومحمد حسن فقي وعلي أحمد باكثير، وقد لقب في المجتمع الثقافي بألقاب تنبئ عن مكانته الشعرية مثل: شاعر الأمير فيصل، وشاعر الأمة وشاعر الشباب، وإن كان البعض قد اعترض عليها.

وكان بدأ مساجلات شعرية مدرسية، أورد حمد الجاسر طرفا منها، بين طلاب مدرسة الفلاح ومنهم بلخير، وطلبة المعهد السعودي ومنهم الجاسر، أججت بين الاثنين منافسة علقت آثارها في الذهن في ما بعد إلى مرحلة شبابهما، لكن الجاسر يذعن لشاعرية الثاني، وقد روى قصيدة بلخير في مدح الأمير فيصل في أثر عودته من حرب اليمن عام 1353هـ - 1934م، والتي قال في مطلعها:

تحيرت فيما أستهل به شعري وقد راعني هول المقام فلم أدر فنافسها الجاسر بقصيدة قال في مطلعها:

بمن حفل الأقوام فازدان محفل وأضحت بلاد الله بالبشر ترفل».

لقد كان من طريف ما تضمنته ذكريات بلخير المتصلة بالإعلام، قصة دخوله مصادفة، وهو لا يزال طالبا في مدرسة «الفلاح»، مطبعة «أم القرى» في يوم عيد الأضحى من عام 1353هـ، وكانت تطبع بيانا طارئا صادرا من الديوان الملكي، يطمئن المواطنين والحجاج على نجاة الملك عبد العزيز من محاولة الاعتداء عليه في الحرم الشريف ضحى ذلك اليوم، وكان مدير المطبعة (محمد سعيد عبد المقصود خوجه) يقوم بطباعته، فطلب منه أن يقوم بإيصال البيان المطبوع إلى منى، حيث كان الملك يواصل تأدية مناسك الحج، فكانت تلك القصة، كما قال، أول صلة له بالعمل الإعلامي، وقد قام في اليوم التالي بإلقاء قصيدة بهذه المناسبة أمام الملك في اللقاء السنوي برؤساء بعثات الحج، كان مطلعها:

ألا إنها من أعظم النعم الكبرى سلامة رب التاج والراية الخضراء وقد كانت تلك القصيدة مفتاح ترشيحه للبعثة إلى لبنان من قبل فؤاد حمزة وكيل وزارة الخارجية آنذاك، ومن المعروف أن عبد الله بلخير كان من مواليد منتصف العقد الثاني من القرن الميلادي الماضي، وأنه هاجر إلى الديار المقدسة وعمره في حدود الخامسة عشرة، والتحق بالبعثة السعودية عام 1935م بالكلية الثانوية في الجامعة الأميركية في بيروت وعاد قبل إكمال دراسته بسبب ظروف الحرب العالمية الثانية في حدود عام 1940م، حيث بدأ في تلك السنة مشواره الوظيفي.

* وزارة الخارجية

* كانت وزارة الخارجية في مكة المكرمة - أول وزارة في الدولة، وقد تولاها الأمير فيصل آنذاك - تأسست عام 1349هـ (1930م) لتكون ذراع الملك في علاقاته الخارجية، بينما كانت الشعبة السياسية التي تأسست في العام نفسه في الرياض ذراعه الأخرى خارجيا، وداخليا أحيانا، حيث كانت أهم إدارة تشكلت واتسمت بالتنظيم الفائق في الديوان الملكي، بوصفها «مجمع الخبرات ومطبع التوجيهات المهمة الصادرة عن الملك»، وبالإضافة إلى أرشيفها المنظم، انضوى تحتها مجلس للمستشارين السياسيين العرب والمحليين الذين اختارهم الملك في فترات مختلفة، من أمثال الأمير عبد الله بن عبد الرحمن، ويوسف ياسين، ورشدي ملحس، وفؤاد حمزة، وحافظ وهبة، وحمزة غوث، وخالد السديري، ورشيد عالي الكيلاني.

وبالإضافة إلى مجلس المستشارين، تكونت في الشعبة السياسية مع منتصف الخمسينات الهجرية (منتصف الثلاثينات الميلادية) «وحدة للإذاعة» كما كان يطلق عليها، تقوم برصد الأخبار وتتبع مصادرها من إذاعات «باري» الإيطالية و«لندن» و«القاهرة» و«فيشي» الفرنسية و«بغداد» و«برلين».. وغيرها، وذلك قبل خمسة أعوام من التحاق عبد الله بلخير بها، وكان ممن عمل فيها مبكرا، وفي فترات مختلفة، علي النفيسي وأحمد عبد الجبار وعبد العزيز إبراهيم المعمر وعبد الله عبد المحسن البسام وعبد العزيز ماجد وعبد الله السلطان، مع اختلاف في المراحل الزمنية التي التحقوا بها في وظائفهم، أو تركوها، وقد توسع بلخير في ذكرياته في وصف كيفية التقاط الأخبار والتحليلات ورصدها، وفي إعطاء نبذة عن كل إذاعة، وعن زملائه في هذا العمل، حيث كانوا يسجلون الأخبار ويتلونها أمام الملك في أوقات جلوسه ثلاث مرات في اليوم.

وتدل ذكرياته على أن رحلة الملك عبد العزيز إلى مصر للقاء تشرشل وروزفلت عام 1945م، ورحلتي الأمير فيصل إلى أميركا عامي 1943م و1946م، وزيارات بعض الساسة، كانت من أبرز ما قام بها في مهمة الترجمة في عهد الملك عبد العزيز، مع غيره من المترجمين الرسميين، من أمثال عبد العزيز ماجد ومحمد المانع، وقد مر نحو ثلاثة أعوام، انتقلت فيها خدمات بلخير للعمل رئيسا لديوان إمارة الرياض في عهد الأمير سلطان بن عبد العزيز (1367هـ - 1947م)، وتشير جريدة «أم القرى» إلى عبد الله بلخير في الأعوام الأخيرة من عهد الملك عبد العزيز على أنه مساعد رئيس ديوان ولي العهد (الأمير سعود) وسكرتيره الخاص.

* دور بلخير السياسي

* أما الدور السياسي والإعلامي للشيخ بلخير، فقد تركز معظمه في جزء كبير من عهد الملك سعود الذي حكم أحد عشر عاما، فلقد استمر سكرتيرا ومترجما للملك، ثم اختاره بعد نحو عام ونصف من اعتلائه سدة الحكم مديرا عاما للإذاعة والصحافة والنشر، على أنه لا بد أن تستثنى فترتان من بقية عهد الملك سعود حل فيهما جميل الحجيلان محله في هذا العمل، كانت الأولى عام (1380 هـ - 1960م) ولمدة قاربت ثمانية أشهر، وكانت الثانية في عام (1382هـ - 1963م)، عندما عين الحجيلان بشكل نهائي وزيرا للإعلام قبل نهاية عهد الملك سعود بنحو عامين، ولذلك، فإن سرد مسيرته الإعلامية يتطلب الدقة لعدم الوقوع في خلط تلك العهود الإدارية والسياسية، وذلك على النحو التالي:

أولا: ظل بلخير مع بداية عهد الملك سعود في ربيع الأول عام 1373هـ (نوفمبر/ تشرين الثاني 1953م) سكرتيرا ومترجما في شعبة الصحافة والأنباء في الديوان الملكي ومقربا من الملك، كما يشير خبر نشر في جريدة «أم القرى» بتاريخ 16 – 3 - 1374هـ (12 – 11 - 1954م) إلى أنه رأس التشريفات الملكية، وكان في هذه الأثناء يرافق الملك سعود في رحلاته سكرتيرا ومترجما.

ثانيا: صدر مرسوم ملكي بعد أكثر من عام من بداية عهد الملك سعود بإنشاء مديرية للإذاعة والصحافة والنشر مرتبطة برئيس مجلس الوزراء، وتعيين عبد الله بلخير مديرا عاما لها (1374هـ - 1955م)، وقد جمعت تلك المديرية كلا من قلم المطبوعات (الذي كان قائما منذ عام 1345هـ - 1926م) ومديرية الإذاعة (التي كانت قد تأسست عام 1368هـ - 1949م)، كما صدر في الوقت نفسه مرسوم آخر يقضي بتعيينه وزيرا مفوضا تقديرا لعمله بوصفه سكرتيرا للملك.

* الحجيلان أول وزير للإعلام

* وإذا كان إنشاء إدارة (قلم) للمطبوعات في عام (1345هـ - 1926م) بعيد إصدار جريدة «أم القرى»، قد شكل النواة الأولى للإعلام الرسمي السعودي، فإن إنشاء تلك المديرية عام (1374هـ - 1955م) كان بداية توحيد المسؤولية الإعلامية في جهة مركزية واحدة، مهدت السبيل لقيام وزارة الإعلام في ما بعد، وقد اتخذت تلك المديرية - مع الإذاعة - من جدة مقرا لها، في حين كان بلخير يوجد في معظم أوقاته في الرياض، بحكم التزاماته الأخرى في الديوان الملكي.

كان السبب في إنشاء تلك المديرية - كما ذكر للباحث بلخير - رغبة الملك سعود في توفير تغطيات أفضل لنشاط الوفود الرسمية، بعد أن لاحظ أن وفد المملكة إلى مؤتمر باندونغ لعدم الانحياز (أبريل/ نيسان 1955م) برئاسة ولي العهد الأمير فيصل لم يحظ بالتغطية الصحافية الخارجية المناسبة قياسا بالوفد المصري، وهو ما يفسر تركيز المديرية بعد إحداثها على إنشاء إدارة للصحافة تعنى بالإعلام الخارجي، ويستفاد من كلامه أنه كان صاحب الاقتراح هذا.

بدأت تلك المديرية في إصدار النشرات والمطبوعات الإعلامية، وفي تنظيم دعوات الصحافيين العرب والأجانب، وفي إرسال الوفود الصحافية السعودية، وسجلت تلك السنوات تأسيس مكتبة الإذاعة (1377هـ - 1957م) وكانت تتخذ من صالات مبنى المديرية المجاور لمؤسسة النقد مقرا لها على شارع المطار القديم، قريبا من فندق «الكندرة».

وكان ممن عمل معه في المديرية، مع اختلاف في البدايات والنهايات والاستمرار، كل من إبراهيم الشورى وحمزة بوقري وعبد الرحمن الشيباني وعبد المقصود خوجه وغالب أبو الفرج وحسن أشعري وعباس غزاوي ومحمد علي حافظ وفؤاد عنقاوي وطاهر زمخشري وعبد الله المنيعي وبكر يونس وحسن خزندار وعبد الله راجح ومحمد صبيحي ومحمد مشيخ وبدر كريم وخميس سويدان وحسن الطوخي ويوسف دمنهوري وعبد الله دمنهوري وحسين العسكري وحسن قرشي وناصر العبدلي ومحمد علي موسى وعبد الله الحصين ونبيه الأنصاري وإسماعيل مهلهل وسليمان قاضي وأبو تراب الظاهري وسعدي بصبوص وسعيد الخنبشي وأحمد باشماخ، هذا عدا طواقم الفنيين والإداريين، ومنسوبي الإذاعات الشرقية ومنهم عباس شطا.

ثالثا: في أواخر عام (1380هـ - 1960م)، عين الحجيلان محله - كما سلف - مديرا عاما للإذاعة والصحافة والنشر، وبعد ستة أشهر صدر أمر ملكي يقضي بارتباط المديرية برئيس الديوان الملكي (الأمير نواف بن عبد العزيز آنذاك)، ثم ما لبث ارتباطها أن عاد بعد أيام برئيس مجلس الوزراء (الأمير فيصل حينئذ)، وبعد فترة وجيزة، عاد بلخير إليها برتبة وزير دولة لشؤون الإذاعة والصحافة والنشر، مع إشرافه في الوقت نفسه على شعبة الأنباء والنشر في الديوان الملكي.

رابعا: في عام (1382هـ - 1963م)، عاد الحجيلان إلى الساحة الإعلامية، ليصبح أول مسؤول يحمل لقب وزير الإعلام، فبموجب الأمر الملكي القاضي بتعيينه، تحولت المديرية إلى وزارة، ولعل هذه المعلومة هي أكثر ما يقع فيه من كتب عن سيرة بلخير، حيث لم يكن وزيرا للإعلام، وربما التبس عليهم كونه عين وزير دولة لشؤون الإذاعة والصحافة والنشر.

والواقع أن الدولة كانت تتجه إلى تحويل المديرية إلى وزارة منذ أن كان بلخير على سدتها، بدليل ما تضمنه الخطاب رقم «458» وتاريخ «25 صفر 1381هـ - أغسطس/ آب 1961م»، الصادر من الديوان الملكي موجها لوزارة المالية، والقاضي بإدراج الاعتمادات المالية اللازمة لرفع المديرية إلى وزارة في الميزانية المقبلة.

بالعودة إلى تلك السنوات، يلحظ الباحث أنها كانت مرحلة مخاضات سياسية، بدأت بمشكلة البريمي، مرورا بالعلاقات السعودية - المصرية المتوترة أحيانا، وانتهاء بثورة اليمن، كما كانت فترة تجاذبات داخلية مؤسفة مرت على هذه البلاد، وكان الإعلام أحد ميادين انعكاساتها، وقد دعته الظروف في ذروتها للهجرة إلى لبنان مدة قاربت عشر سنوات كان يتردد خلالها على المملكة، ليعود بعد نشوب الحرب الأهلية اللبنانية (1975م) إلى المملكة ملتزما الصمت الإعلامي فترة من الزمن.

* وضوح دور الصحافة

* ولفت الشبيلي إلى أن المسيرة الإعلامية التي تولى توجيهها عبد الله بلخير مدة سبع سنوات أو أكثر بقليل، شهدت متغيرات أفقية ورأسية، ونالت الصحافة فيها أوضح العلامات، فبينما بلغت الصحف عدديا إحدى عشرة مطبوعة حتى بداية فترته، ظهر في المملكة أكثر من خمس عشرة مجلة وصحيفة أهلية وحكومية، وذلك قبل انتقال الصحافة السعودية بعد انتهاء فترته، مما كان يعرف بـ«صحافة الأفراد» إلى ما أصبح يسمى «صحافة المؤسسات» في آخر سنة من حكم الملك سعود.

فمن أمثلة المطبوعات الصحافية الأهلية والحكومية التي صدرت تباعا بعد تعيينه: مجلة «الإذاعة» بجدة، ومجلة «الإشعاع» بالخبر، ومجلة وزارة الزراعة، ومجلة «هجر» بالأحساء (عدد واحد فقط)، وجريدة «حراء» في مكة المكرمة، وصحيفة «الأضواء» في جدة، وجريدة «الندوة» في مكة المكرمة، ومجلة «الروضة» (للأطفال) في مكة المكرمة مطبوعة في جدة، وصحيفة «قافلة الزيت» الأسبوعية من «أرامكو» بالظهران (وهي غير مجلة «القافلة» التي صدرت في عهد الملك عبد العزيز)، وصحيفة «الجزيرة» بالرياض، وصحيفة «عكاظ» في الطائف مطبوعة في جدة، ومجلتا «الرائد» و«قريش» في مكة المكرمة، وجريدة «القصيم» مطبوعة في الرياض، ومجلة «المعرفة» من وزارة المعارف.

وصدرت في عهده ثالث صيغة مطورة من نظام المطبوعات (1378هـ - 1958م)، كرست مرجعية المديرية الجديدة، واتسمت تلك الحقبة بكثير من أوجه الانفتاح الصحافي في النقد الاجتماعي، وكانت الصحف المحلية منذ بداياتها تخضع للرقابة المسبقة، وذلك إلى أن أعلن ولي العهد الأمير فيصل إلغاءها في عام (1379هـ - 1960م)، في لقاء مع الصحافيين حضره إبراهيم الشورى نيابة عنه.

أما بالنسبة للإذاعة، التي كانت قد تأسست أواخر الأربعينات الميلادية (أي قبل تعيينه مديرا عاما للإذاعة والصحافة والنشر بنحو ست سنوات)، فقد ظلت في عهده محدودة الانتشار، تقتصر تغطيتها على منطقة مكة المكرمة، وقد عادت برغبته من مكة المكرمة إلى حيث كانت توجد من قبل في جدة عند بدايتها.

* إذاعة «صوت الإسلام»

* وفي عام (1382هـ - 1962م) استحدث «برنامج صوت الإسلام» (نداء الإسلام حاليا) بكلمة من الملك سعود، وبدأت الإذاعة السعودية تدريجيا تنويع برنامجها العام، وكان من أبرز ما أنجز في تلك الحقبة تركيب مرسلة إذاعية بقوة عشرة كيلووات في جدة عام (1376هـ - 1956م)، ثم مرسلة أخرى بقوة أربعين كيلووات (أطلق عليها اسم «مشروع الإذاعة الكبرى») في جدة أيضا (1377هـ - 1957م) كان المفترض فيها أن تغطي أنحاء المملكة، وكانت الصحافة في ذلك الحين تتندر لأن معدات المرسلة المخصصة للرياض قد صدئت في صناديقها، وعندما نفد صبر الحكومة كلفت وزارة المالية بجلب مرسلة جديدة خاصة للرياض شحنت جوا من أميركا، وافتتحها الأمير فيصل عام 1963م (في عهد الملك سعود)، وكانت في البداية تعيد بث برامج الإذاعة من جدة، ثم صارت تبث برامج إذاعة الرياض بعد افتتاحها بداية شهر رمضان المبارك (1384هـ - 1965م) في عهد الملك فيصل، وكانت وزارة الإعلام بعد إحداثها وضعت افتتاح إذاعة في العاصمة في مقدمة اهتماماتها، وفي تقدير الباحث أن تأخر المديرية في خدمة مناطق المملكة إذاعيا، كان يعد من أبرز المآخذ على عهد عبد الله بلخير.

ومن الطريف ذكره في هذا الصدد، أن مدينة الرياض قد شهدت في أواخر عهده (مطلع الستينات الميلادية) ظهور إذاعة خاصة اشتهرت بإذاعة «طامي»، ومع أنها كانت بدائية، إلا أنها أحرجت المسؤولين، لأنها جذبت اهتمام المستمعين لتوقهم لأي بث إذاعي محلي، وقد استمر بثها قرابة عامين حتى بدأ المرسلة التقوية السابقة الذكر.

يذكر أن الإذاعة السعودية كانت استحدثت استوديو للمونتاج في مكتب بلخير في شارع الخزان في الرياض، يستخدمه المكلفون بتغطية أخبار الحكومة وتنقلات الملك.

وكانت مجلة الإعلام والاتصال (في عددها الأول الذي صدر في شهر أكتوبر/ تشرين الأول 1998م أي قبل وفاته بنحو ثلاث سنوات) أجرت لقاء معه، وكانت صعوبة التذكر وضبط التواريخ باديتين على حالته، فأشار إلى أنه حاول في عهده إنشاء معهد للموسيقى لكنه جوبه برفض أرباب المهنة قبل غيرهم، وذلك لعدم اقتناعهم بفكرة تطوير الألحان التراثية التي اعتادوا عليها.

وعندما ألحت عليه المجلة في أن يتطرق في الحوار إلى قصة نشأة الإذاعة، خلطت ذاكرته الضعيفة، رحمه الله، بين فترتها المبكرة التي لم يشارك هو فيها والفترة اللاحقة التي رافقت عهده، وبدا الخلط واضحا عنده في رواية تسلسل إنشاء المرسلات الإذاعية، وفي إغفال المرحلة الأولى التي كانت فيها الإذاعة في جدة ودامت نحو عامين قبل أن تنتقل إلى مكة المكرمة ويفتتحها الأمير فيصل.

وزاد الشبيلي قائلا إنه وما دام الحديث عن مسيرته الإعلامية، فلا بد من ذكر موقف يتعلق بصحيفة «اليمامة»، أول صحيفة صدرت في الرياض في آخر عام من حياة الملك عبد العزيز، وظل صاحبها (حمد الجاسر) يستعيد هذا الموقف في مذكراته، وهو اتهامه لعبد الله بلخير بالقفز على اختيار اسم «الرياض» لصالح المجلة المصورة التي كان أحمد عبيد يعتزم إصدارها من جدة في العام اللاحق (1954م)، وكان الجاسر قد سبق في الحصول على الترخيص بهذا الاسم لمطبوعته هو، فاضطر لتغيير ترويسة عددها الأول من «الرياض» إلى «اليمامة» بعد أن كان طبعه خارج المملكة، وقد تدخل فيها بلخير من خلال موقعه في الديوان الملكي، وبقيت غصة في خاطر الجاسر تلقي بظلالها على العلاقة اللاحقة بينهما بعد صدور الصحيفة، حيث ذكر الجاسر أن المديرية تسببت في مواقف عدة في مضايقته في التحرير لدرجة أدت في نهاية المطاف، إلى سحب ترخيص الجريدة منه، وفي مرحلة لاحقة اضطر الجاسر إلى الهجرة إلى لبنان حتى منتصف الستينات، في قصة طويلة سردها الجاسر في كتاب من «سوانح الذكريات» الصادر عام 2006م، و«لا أتذكر أن بلخير تطرق إليها - توضيحا أو دفاعا - فيما صدر عنه في ما بعد من ذكريات أو مقابلات».

ومن المناسب أن يذكر هنا أن فكرة كانت قد قدمت ولم يؤخذ بها في تلك الحقبة من أجل إدخال التلفزيون، تقدمت بها «أرامكو» من خلال وزارة المالية، عندما كان الأمير طلال بن عبد العزيز وزيرا لها، وهناك فكرة أخرى مماثلة طرحت لاستخدام التلفزيون ذي الدوائر المغلقة لتعليم النساء، ويغلب على الظن أنه لم يكن لبلخير دور في طرح تلك الأفكار، خاصة أنها لم ترد فيما اطلعت عليه من وثائق أو في ذكرياته، ولعل الكشف في يوم من الأيام عن وثائق الديوان الملكي، والشعبة السياسية خاصة، يميط اللثام عن المزيد من تلك المعلومات.

كما تجدر الإشارة إلى معلومة حدثت في تلك الأعوام التي كان فيها بلخير في أوج نشاطه السياسي والإعلامي، وهي قيام بعثة التدريب الأميركية في قاعدة الظهران عام 1955م ببث برامج إذاعية وتلفزيونية بالإنجليزية لأفرادها وللقاطنين في المنطقة الشرقية، وكذلك افتتاح تلفزيون «أرامكو» باللغة العربية مع برامج إذاعية عام 1957م في المنطقة أيضا، لكن الباحث لم يجد أي قرينة تدل على دور لعبد الله بلخير في بدء هذا النشاط الإعلامي المتنوع التابع لتلك الجهتين.

* جرأة في الطرح

* من هنا يمكن القول بوجه عام، إن «أداء الإعلام في عهد بلخير - باستثناء الصحافة - يتواضع مقارنة بالحظوة البالغة التي كان يتمتع بها من قبل الملك سعود، وبرغبة الملك المعروفة في التحديث والاستعداد للإنفاق، وربما كان لانشغال بلخير بالسياسة وانغماسه في الأحداث الداخلية، ولبعد مركز المديرية عنه في جدة، دور فيما عددته إنجازا إعلاميا محدودا لعهده أمام كفاياته الفكرية».

وقد يقول قائل: كيف يمتدح أداء الصحافة في تلك الحقبة، مع أن الحكومة أقدمت بمجرد إنشاء وزارة الإعلام على إعادة هيكلتها في صورة مؤسسات أهلية منهية بذلك ملكية الأفراد؟ والواقع أن الصحافة كانت في السبعينات الهجرية (الخمسينات الميلادية) تمر بمرحلة تجريبية إيجابية، خاصة في ما يتصل بحرية التعبير.. مرحلة ظهر فيها العديد من الكفايات الصحافية والكثير من الصحف الأهلية التي انتشرت في المناطق الرئيسية من البلاد، لكن القليل منها كان يصمد لمواجهة الأعباء المالية وتكاليف الطباعة، ولذلك اختفى بعضها سريعا، واتجه البعض الآخر نحو الاندماج، وكان لا بد من التفكير في تنظيم مؤسسي يكفل لها البقاء والملاءة المالية وتوسيع دائرة مشاركة النخب.. و«على العموم، لقد آن الأوان للقيام بدراسة نقدية منصفة للمقارنة بين الحقبتين الصحافيتين، ولو أن هناك انطباعا سائدا يقول إن الجرأة في الطرح كانت تتفوق في صحافة الأفراد عنها في بداية عهد المؤسسات».

ويشدد الشبيلي بالقول: «ولا يغيب عن الذهن أن عبد الله بلخير الذي بدأ نجمه في الظهور في العقد الأخير من عهد الملك عبد العزيز في مجال الترجمة واستماع الأنباء ومتابعة ما ينشر ضمن قائمة راصدي الأخبار والمترجمين، ومن خلال الاقتراب تدريجيا من ولي العهد الأمير سعود، قد أصبح - بلا منازع - رجل الإعلام الأول للملك سعود، واقترن عطاؤه بعهده، وكان الناطق باسمه أحيانا، وربما عقد بعض المؤتمرات الصحافية عندما يكون مرافقا له في رحلاته الخارجية، أما عندما كانت الكفة الإدارية تميل إلى ولي العهد الأمير فيصل، فإنه كان يميل إلى جميل الحجيلان.

وذلك على الرغم من تقديره للكفاية الفكرية لعبد الله بلخير، لدرجة أننا نجد أن الأمرين الملكيين الصادرين تباعا في يوم واحد برقمي «56» و«57» وتاريخ 4 – 11 - 1382هـ، بإعفاء وزير الدولة المشرف على المديرية العامة للإذاعة والصحافة والنشر عبد الله بلخير من منصبه، وبتعيين جميل الحجيلان وزيرا للإعلام وعضوا في مجلس الوزراء، قد صدرا بتوقيع الأمير فيصل نيابة عن الملك سعود عندما كان يتولى سلطات الملك الدستورية في تلك الفترة، وقد جاء ذلك الأمر بعد نحو عام ونصف من تعيين بلخير وزير دولة مشرفا على المديرية (25 – 4 - 1381هـ).