88% من سكان السعودية يقطنون المدن بحلول 2025

«الاستراتيجية العمرانية الوطنية» توقعت ارتفاع عددهم إلى 39 مليون نسمة في 2020

مشهد عام لمدينة الرياض التي تشهد أكبر تكدس سكاني في السعودية («الشرق الأوسط»)
TT

على الرغم من أن مساحة السعودية تزيد على 2.2 مليون كيلومتر مربع، فإن التوزيع السكاني فيها يتركز في 3 مناطق رئيسة تشمل الرياض والغربية والشرقية، وذلك لأن العقود الثلاثة الماضية شهدت هجرة عدد كبير من السعوديين من الأرياف إلى المدن الكبرى التي تكثر فيها المشاريع وفرص العمل والخدمات المتميزة، كما أن غالبية الوافدين، الذين يقدر عددهم بنحو 10 ملايين، مقيم يعملون في المدن الكبرى، أيضا بحكم أن غالبية الشركات تنشط في الأماكن الحضرية.

وتتوقع وزارة الشؤون البلدية والقروية أن تزداد نسبة السكان في الأماكن الحضرية إلى 88 في المائة بحلول عام 2025، الأمر الذي قد يكون له أثر سلبي عمرانيا واجتماعيا واقتصاديا. ودفع هذا الواقع جهات حكومية، على رأسها وزارة الشؤون البلدية والقروية، إلى إطلاق «الاستراتيجية العمرانية الوطنية»، التي تتضمن تشخيصا لواقع التوزيع السكاني في المملكة، وخطة وطنية على مدار 20 عاما للوصول إلى أفضل الحلول للتوزيع السكاني، وتنمية الأرياف والمدن الصغيرة للحد من الهجرة إلى المدن، وتوفير الاحتياجات الحالية والمستقبلية لتعزيز التكامل بين المدن والمناطق الريفية المجاورة لها.

وأكدت الاستراتيجية أن التحركات السكانية والنزوح إلى المدن الكبرى هو نتيجة طبيعية للتباين بين المدن والمناطق، ليس فقط في فرص الكسب المادي فحسب، ولكن في مستوى الخدمات ومدى سهولة الحصول عليها، وعليه فإن تحقيق نمط مكاني متوازن للاستيطان سيتطلب تعديلا في التوزيع الجغرافي للإنفاق العام على المرافق والخدمات المقدمة.

وتتوقع «الاستراتيجية» أن يرتفع عدد ساكني السعودية من نحو 29.8 مليون نسمة حاليا، إلى 39 مليون نسمة بحلول عام 2020، وتضع حلولا للتعامل مع الزيادات السكانية المتوقعة.

إلى ذلك، ذكر المدير العام للتخطيط العمراني في وزارة الشؤون البلدية والقروية المهندس سامي العبود لـ«الشرق الأوسط»، أن الهجرة من القرى إلى المدن مستمرة وأن 3 مناطق رئيسة هي الأكثر استقبالا للسكان، تبدأ من الوسطى تليها المنطقة الغربية فالشرقية، مشيرا إلى أن نسبة النمو في المدن الرئيسة وصلت إلى 2.9 في المائة.

وأوضح أن هناك هجرة على نطاق آخر، تتمثل بالهجرة من القرى إلى مراكز المحافظات والمدن الكبيرة المجاورة لها، مثل هجرة ساكني الأرياف في الطائف إلى مدينة الطائف ومحافظات منطقة حائل إلى مدينة حائل نفسها وهكذا، معتبرا أن دراسة طبيعة الهجرة علم قائم بذاته يعمل عليه أناس أصحاب خبرة في المجال الإحصائي، وتحديد أسباب التنقل والبقاء، متطلعا إلى أن تتحسن الأحوال المعيشية في القرى والمدن المتوسطة، عبر توفير فرص التعليم والجامعات والقطاعات الصحية والفرص الوظيفية التي تعمل عليها الدولة، وهذه أهم العوامل للحد من الهجرات المتتابعة على مستوى المناطق.

وأضاف المهندس العبود أن عدد السكان وصل بداية عام 2013 إلى 29.8 مليون نسمة، ثلثهم أجانب، يمثلون 10 ملايين وافد، وذلك بحسب مصلحة الإحصاءات العامة في السعودية، لافتا إلى أن وزارة الشؤون البلدية والقروية تعمل من خلال استراتيجيتها العمرانية الوطنية، على تحقيق التوزيع المتوازن للسكان على الرقعة الجغرافية للسعودية، وبحث النتائج السلبية للنمو المتوازن في حجم المدن الكبيرة، والاستغلال الأمثل للتجهيزات الأساسية والمرافق العامة، ودعم التنمية في المجالات العمرانية والاجتماعية والاقتصادية للمدن الصغيرة والمتوسطة، إضافة إلى تنمية الأنشطة التي تحقق التكامل بين المناطق الحضرية والريفية على جميع المستويات.

وأشار إلى أن نسبة التحضر في السعودية ارتفعت من 48 في المائة في السبعينات الميلادية إلى 80 في المائة عام 2000، متوقعا في الوقت نفسه أن تسجل تلك النسبة زيادة تقارب 88 في المائة بحلول عام 2025، الأمر الذي قد يسبب مشكلة للمجتمع في حال استمراره بهذه المعدلات، عازيا ذلك إلى توجه الدولة في السابق نحو تركيز الأنشطة والاستثمارات الإنتاجية في مواقع توطين الموارد ومراكز الاستيطان ذات الميزة النسبية، إضافة إلى ما كان لهذه المدن الكبيرة من نصيب أوفر مقارنة بغيرها، الأمر الذي شجع على ارتفاع وتيرة الهجرة من الريف إلى الحضر.

وتطرق إلى أن استمرار هذه الظاهرة قد يؤدي إلى ظهور مشكلات عمرانية واقتصادية واجتماعية، مبينا أنه من الممكن اختصار تلك المشكلات في تهميش المناطق الريفية والمدن الصغيرة، والتوسع في حجم المدن الكبيرة، الأمر الذي يفسح المجال للتوسعات العشوائية، وتدهور البيئة العمرانية للمدن الكبيرة، وزيادة تكاليف المرافق والخدمات وتكاليف الصيانة والتشغيل، والإخلال بمنظومة التوزيع السكاني على الرقعة الجغرافية للسعودية، إلى جانب التباين الكبير في معدلات التنمية بين المناطق الريفية والحضرية.

وقال العبود: «الدولة تعمل من خلال قطاعاتها المختلفة على معالجة هذه المشكلة بطريقة سلسة، وذلك ضمن إطار خطط التنمية الوطنية، في محاولة لتقليص تلك التباينات والسيطرة عليها، وتحقيق التنمية المتوازنة، عن طريق توفير المساواة في توزيع الفرص الاقتصادية والإنتاجية على كامل مناطق السعودية، عوضا عن تمركزها في عدد محدود من المدن الكبرى في المناطق الرئيسة بالسعودية».

وأشار إلى أن هذه الجهود أثمرت بشكل ملحوظ تقليص معدلات الهجرة الداخلية عن سابقها، إضافة إلى بدء استقرار تنموي واجتماعي لبعض المدن الصغيرة والمتوسطة، مضيفا أن انخفاض معدلات الهجرة، ستؤدي إلى تغير المنظومة الاجتماعية والاقتصادية للمدن والقرى، وتباعا يتم تقويم الخطط التنموية والسياسات، وتعديلها بشكل يتوافق والمتغيرات، مع ملاحظة أن بعض تلك الخطط قصيرة المدى ويظهر تأثيرها أسرع من الأخرى، فيما تتضح التأثيرات البعيدة المدى بعد فترة زمنية أطول.

وتطرق إلى أن مؤشرات انخفاض معدلات الهجرة إلى المدن الكبرى، كانت نتيجة لخطط الدولة في مجالات التنمية وتحقيق العدالة في توزيع الأنشطة الخدمية والاقتصادية، مشيرا إلى أن هذه الجهود أسهمت بشكل ملحوظ خلال الأعوام القليلة الماضية في تقليص معدلات الهجرة الداخلية عمّا كانت سابقا، من خلال الاستقرار التنموي والاجتماعي لبعض المدن الصغيرة والمتوسطة في جميع المناطق.

وشدد على أن ظاهرة الهجرة الداخلية تمثل مشكلة كبيرة في معظم دول العالم وليس في السعودية فقط، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى زيادة سكان المدن والمناطق الحضرية بشكل مستمر، عازيا ذلك إلى الزيادات الطبيعية في أعداد السكان، والهجرات الدائمة من الريف للحضر. وتابع العبود: «تركز معظم الخدمات في المدن الرئيسة، كالخدمات التعليمية والصحية والجامعات ومعظم الإدارات الحكومية يعد من أهم أسباب زيادة الهجرة للمدن، ولا ينبغي إغفال الاعتبارات الأخرى الجاذبة لسكان الريف والمدن الصغيرة من وسائل الترفيه والتسلية والاستمتاع بالبيئة العمرانية التي تميز المدن الكبرى، وهذه العوامل من شأنها إفراغ المجتمعات الريفية والمدن الصغيرة من سكانها، وبالتالي زيادة أعداد السكان في المدن الكبيرة وتضخيمها وتعقيد مشكلاتها، مما يؤدي إلى ما يطلق عليه ظاهرة التحضر، وتحول المجتمعات من زراعية أو ريفية إلى مجتمعات حضرية مدنية، ووزارة الشؤون البلدية والقروية أسهمت بدورها بمجموعة من الدراسات والخطط الشاملة التي ترمي أهدافها لتحقيق التنمية المتوازنة بين الريف والحضر، باعتبار ذلك من مفاتيح معالجة مشكلة الهجرات، ومن أهم تلك الدراسات الفاعلة الاستراتيجية العمرانية الوطنية التي تم إعدادها في وقت سابق بعد اعتمادها من قبل مجلس الوزراء منذ نحو 10 أعوام».

وذكر أن من أهم أهداف هذه الاستراتيجية تحقيق التوزيع المتوازن للسكان على الرقعة الجغرافية للسعودية، وبحث النتائج السلبية للنمو المتوازن في حجم المدن الكبيرة، والاستغلال الأمثل للتجهيزات الأساسية والمرافق العامة، ودعم التنمية في المجالات العمرانية والاجتماعية والاقتصادية للمدن الصغيرة والمتوسطة، وتنويع القاعدة الاقتصادية لمختلف المناطق وفقا لإمكانات وموارد كل منطقة، وتدعيم الأنشطة التي تحقق التكامل بين المناطق الحضرية والريفية، لافتا إلى أن الاستراتيجية العمرانية الوطنية حددت الإطار التنفيذي لهذه الأهداف من خلال مجموعة من المتطلبات والفعاليات تتمثل في تفعيل دور التخطيط الإقليمي، وتحسين نمط النسيج العمراني للمدن بدرجاتها، ووضع البرامج التنفيذية، وتعديل أولويات التوزيع المكاني للإنفاق من قبل الدولة، واستخدام مواقع الأنشطة الحكومية في تحقيق التنمية المتوازنة، إضافة إلى إعداد مجموعة من الدراسات العمرانية وتحليل إمكانات التنمية في كل منطقة أو مدينة، والوصول إلى أحسن السبل لاستغلال هذه المقومات، ودعمها وتحقيق دفعة تنمية مناسبة ونشر التنمية على الحيز المكاني لكل منطقة.

وأوضح المهندس سامي العبود أن مشروع إعداد المخططات الإقليمية لمناطق السعودية، تم بالتعاون مع المكاتب الاستشارية المتخصصة، إضافة إلى مشروع إعداد المخططات الهيكلية للمدن والقرى على مستوى جميع المناطق، الذي يتم من خلاله درس وتحليل أوضاع المدن والقرى والتعرف على مشكلاتها، ثم مستقبل التنمية في كل مدينة في إطار المعوقات الإقليمية والمحلية المؤثرة عليها، الأمر الذي سيدعم التنمية لكامل مدن وقرى السعودية، والمساعدة على تقليص نسبة الهجرات.

وأشار إلى أن دراسات النطاق العمراني التي أعدت للمدن السعودية بعد اعتمادها بقرار مجلس الوزراء منذ نحو 3 أعوام، ساعدت بشكل كبير في الحد من توسعات المدن العشوائية وإعطاء الفرصة لتنمية المدن الصغيرة والمتوسطة واستقرارها اجتماعيا واقتصاديا، معتبرا أن الاستمرار في إجراء هذه الدراسات وتحديث بياناتها وتقويمها بشكل مستمر، سيسهم بشكل كبير في مراجعة الخطط والسياسات، ورسم دور ووظيفة المدن والقرى ودعم التنمية بها، ثم توجيه معدلات الهجرة والسيطرة عليها، وفق منهجية علمية واضحة.

* دراسة: انخفاض عدد المهاجرين إلى «الرياض»

* كشفت دراسة حديثة صادرة عن الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض عن انخفاض معدل الهجرة السنوي إلى مدينة الرياض، مشيرة إلى أن معدل الهجرة السنوي يبلغ 33 ألف مهاجر حاليا، في حين كان يصل إلى 75 ألف مهاجر في الأعوام السابقة، وهو ما أدى إلى انخفاض نسبة النمو السكاني من 8 في المائة إلى 4.2 في المائة.

وذكرت الدراسة أن 73 في المائة من المهاجرين إلى الرياض، يأتون بغرض البحث عن فرص عمل، متوقعة أن يصل عدد سكان مدينة الرياض بحلول عام 2030 إلى 8.2 مليون نسمة، تبلغ نسبة السعوديين منهم 75 في المائة، فيما قدرت أعداد الوظائف الواجب توافرها حتى العام نفسه بنحو 6.8 ألف وظيفة، أي بمعدل 34.450 وظيفة سنويا، فيما قدرت احتياجات المدينة من المساكن حينها بـ606 آلاف وحدة سكنية، ما معدله 30.3 ألف وحدة سنويا.

وذكرت الدراسة أن هذا دعا «هيئة تطوير الرياض» إلى مراجعة الأعداد المتوقعة للسكان بناء على المعطيات الجديدة لنسبة النمو السنوي بشكل دوري، وما يستجد من معطيات تفرزها ظروف التنمية السكانية المختلفة، التي على ضوئها، سيتم استخلاص الحقائق والأرقام التي يمكن أن تبنى عليها الاستراتيجيات التخطيطية لكل القطاعات.

وأكدت أن «تطوير الرياض»، عملت على توزيع المشاريع التنموية على أرجاء المنطقة كافة، والحد من التركيز على مدينة الرياض وحدها، التي أصبحت مكتظة بالسكان وتعاني من اختناقات مرورية وصعوبة في توفير الخدمات والمرافق، بسبب التوسع الكبير والهجرة إليها، ليس من داخل منطقة الرياض فقط، بل من جميع المناطق.