السياحة والآثار لـ «الشرق الأوسط»: مشروع لتطوير نحو 12 سوقا شعبية في جازان

توقف تطوير سوق الخوبة الشعبية الشهيرة إثر الحرب على الحدود الجنوبية

بسطة لبيع البن والهيل («الشرق الأوسط»)
TT

تعكف الهيئة العليا للسياحة والآثار على مشروع لتطوير نحو 12 سوقا شعبية في منطقة جازان جنوب غربي البلاد، تتوزع على جميع محافظاتها، وتعد من أقدم الأسواق الشعبية في السعودية وأكثرها تنوعا.

وتتوزع الأسواق في منطقة جازان على أيام الأسبوع، حتى عرف بعضها بأسماء الأيام التي تقام فيها أو تنشط فيها، ويتوافد لها السكان المحليون، وأحيانا يأتون من خارج المنطقة لشراء بعض المنتجات التي تكاد لا توجد إلا هناك.

وأوضح رستم كبيسي، مدير جهاز الهيئة العليا للسياحة في جازان، لـ«الشرق الأوسط»، أن في الهيئة العليا للسياحة برنامج «القرى التراثية والأسواق الشعبية في وسط المدن، وكل منطقة حسب ما تتميز به»، موضحا أن الهيئة العليا للسياحة تركز في منطقة جازان على الأسواق الشعبية.

وأضاف كبيسي أن بدءهم في مشروع تطوير الأسواق الشعبية سيكون بسوق الخوبة، حيث طرح المشروع من قبل أمانة المنطقة، «ووضعت ميزانية تقدر بنحو 10 ملايين ريال لتطوير السوق»، مبينا أنه مع الأحداث التي حدثت على الحدود الجنوبية القريبة جدا من سوق الخوبة تأجل المشروع إلى أجل غير معلوم.

وأضاف مدير جهاز السياحة أنه ما زال هناك توجه في محافظات أخرى في المنطقة إلى تطوير الأسواق التي تقام في المحافظات. مؤكدا أن «الأسواق الشعبية نعتبرها من المواقع السياحية التي تجذب عددا كبيرا من الزوار والسياح لاقتناء الحرف اليدوية والتعرف على تراث المنطقة».

وتابع رستم أن «برنامج تطوير الأسواق الشعبية في المنطقة يهدف لجعلها منظمة للزوار، وأن توجد فيها مراكز تحتوي على بعض المعروضات لتراث المنطقة وساحات للعروض الشعبية، ليس فقط للشراء، بل لقضاء وقت كامل في تلك الأسواق والاستمتاع بالأكل الشعبي ومشاهدة كل تراث المنطقة».

يأتي ذلك في وقت تزخر فيه الأسواق الشعبية في جازان بمختلف المنتجات القديمة والحديثة التي تستقطب الكثير من سكان المنطقة أو خارج المنطقة، وتمتاز كل سوق عن غيرها بمعروضات مختلفة، إضافة إلى كل المستلزمات خاصة التراثية، حيث يتم عرض السلع والمنتجات المحلية والحيوانات والطيور المألوفة والنادرة، وكذلك الصناعات التقليدية والأدوات الزراعية بأنواعها، إضافة إلى توارث الأجيال من هذا النوع في الأسواق بأيامها المخصصة للتبادل التجاري العام.

وهنا يتحدث علا الله شيبان، ذو العقد السادس من العمر، أحد البائعين الذين يتجولون كل يوم في سوق من أسواق المنطقة، لـ«الشرق الأوسط» ويقول «عملي هو البيع في الأسواق الشعبية، ويتلخص في صناعة مظلة تلبس فوق الرأس تستخدم للوقاية من حرارة الشمس ومهجنة، وهي أكبر من المفتة ويوضع فيها الحب (يهبب) بعد غسله ليجف بعد تعرضه لأشعة الشمس، ويؤخذ منخل ويستخدم لتنظيف الحبوب من التراب (ميضفة)، وزنبيل كبير الحجم لوضع الحبوب والفل وغيرها مما يصنع من نبات الطفي وشل». وأضاف العم علا الله «لا أستطيع أن أتخلى عن إحدى هذه الأسواق، ففي كل يوم أتجول في كل المحافظات لعرض مبيعاتي الشعبية».

من جهة، قال مهند غروي، وهو طالب ثانوي، خلال حديثه مع «الشرق الأوسط»: «أنا أتغيب من المدرسة بعض الأيام بسبب الذهاب مع أبي ومساعدته في إحدى الأسواق، في بيع جميع الحبوب بأنواعها المتعددة، البن، والقشر، والهيل، والزعفران، السنوت، وغيرها كثير، مما أعجبني».

والحديث عن أسواق جازان الـ12 حديث طويل، خاصة مع قدم عمرها وتنوع مبيعاتها، لكن الطريف أنها موزعة على أيام الأسبوع من السبت وحتى الجمعة، وأصبحت تعرف بسوق السبت وسوق الأحد وهكذا، فسوق السبت الشعبية تقع في محافظة بيش، وتعتبر من أشهر الأسواق في المنطقة وتشتهر بمعروضاتها المتعددة التي من أهمها الأدوات الزراعية التقليدية والأواني الفخارية والأدوات المصنوعة من الخوص وغيرها، وتشتهر هذه السوق ببيع المنتجات الزراعية في المنطقة كالحبوب وأنواعها والسمسم والخضراوات والفاكهة وكذلك الماشية.

في حين تأتي سوق الأحد الشعبية وتقام في محافظة أحد المسارحة، وتعد من أشهر الأسواق في المنطقة، في بيع الماشية والأبقار والإبل، وتشهد إقبالا من خارج المنطقة بشكل لافت للنظر، خاصة من منطقة عسير والباحة ومحافظة القنفذة.

وفي اليوم نفسه (الأحد) تقام أيضا سوق الشقيق الشعبية، التي تشتهر بتنوع معروضاتها، لكن أهمها سوق الماشية، وتشهد إقبالا من سكان عسير والباحة والقرى القريبة.

وتأتي سوق الاثنين الشعبية الواقعة في محافظة صامطة، ويعرض فيها كل شيء، ولكن ما يميزها هو بيع الأواني الفخارية والأدوات المصنوعة من الطفي (صناعة الخوص).

وهناك أيضا سوق الاثنين الشعبية الأخرى في محافظة ضمد، وهي سوق تشتهر بمعروضاتها المتنوعة التي لا تختلف عن الأسواق الشعبية الأخرى في المنطقة، ولكن أهم ما يميزها هو كثرة المحاصيل الزراعية التي يتم بيعها في السوق خاصة الخضراوات والحبوب، وذلك لشهرة المحافظة زراعيا.

وتتزامن معها في يوم الاثنين سوق فيفا الشعبية، والتي تشتهر ببيع الماشية والنباتات العطرية، وكذلك سوق الحقو الشعبية، وتقام كل يوم اثنين، وتشتهر بتنوع معروضاته، ولكن أهم ما يميزها الماشية التي تباع فيه خاصة الأغنام، وهذه السوق هي نقطة ملتقى بين سكان الجبال وسكان تهامة.

وتأتي سوق الثلاثاء، وسوق صبيا الشعبية في محافظة صبيا، والتي تعد من أكبر المحافظات في المنطقة، وتتميز هذه السوق بتنوع جميع معروضاتها التي يتم عرضها بكميات هائلة، وذلك لكثرة مرتاديها.

وفي يوم الأربعاء سوق أبو عريش الأسبوعية، وتقام في محافظة أبو عريش، وتعتبر من الأسواق المشهورة بالمنطقة، وتتميز بتنوع معروضاتها وكثرة الإقبال عليها.

وتأتي أشهر الأسواق وأكبرها وأقدمها لتنطلق يوم الخميس، وتعرف بهذا الاسم، وهي سوق الخوبة الشهيرة التي تقع في أقصى الحدود باتجاه اليوم، وتتميز بتنوع المعروضات وغرابتها وكثرة الزائرين لها من داخل المملكة أو من الجمهورية اليمنية، وذلك لقربها من الحدود اليمنية، وتتميز هذه السوق بتنوع معروضاتها التقليدية، وكذلك بيع الحيوانات الأليفة وغير الأليفة والطيور المتنوعة.

وفي محافظة أخرى وفي اليوم نفسه تنطلق سوق الدرب الأسبوعية كل يوم خميس، ومن أهم ما يميزها كثرة الماشية المباعة فيها، ومأكولاتها الشعبية المتنوعة، ونباتاتها العطرية، وتشهد إقبالا كبيرا من سكان منطقة عسير والباحة والقرى القريبة، وأيضا هناك سوق الريث الشعبية، وتقام كل خميس، وتتميز بكثرة الأغنام والبقر المعروض والنباتات العطرية وكذلك تنوع معروضاتها. وبالحديث عن الأسواق وأعمارها وقدمها، لا يمكن المرور دون الحديث عن توقف سوق الخوبة، إثر الأحداث التي شهدتها الحدود الجنوبية أخيرا. فسوق الخوبة الواقعة في محافظة الحرث التابعة لمنطقة جازان جنوب غربي السعودية، وتبعد نحو 5 كيلومترات شمال غربي جبل دخان، وكان الناس يتجولون فيها بعد شروق شمس كل يوم الخميس من الرجال والنساء السعوديين واليمنيين، ويتبادل فيها الجميع بضائعهم المتنوعة من الموارد الاقتصادية، وتسمع فيه تمتمة المتسوقين والبائعين وأصوات الحيوانات المعروضة، تحولت إلى منطقة عسكرية خطرة، تتجول فيه الدبابات والمدرعات والمدافع وسيارات الجنود، إضافة إلى أصوت الأعيرة النارية والطائرات ومدافع، ويحذر الاقتراب من المنطقة. وهنا أوضح يحيى مقنع الأمير، عضو مجلس منطقة جازان سابقا، لـ«الشرق الأوسط»، أن جذور تاريخ زمن نشأة سوق الخوبة ضاربة، ولن يعرف تاريخ نشأتها، ومن المؤكد أنها نشأت قبل العهد السعودي الثالث، وكانت تسمى بسوق «البوشمي»، وتقام في موعدها. وأضاف الأمير أن «موقع السوق كان شرقا عن موقعه الحالي بكيلومتر واحد، وهي تعتبر سوقا دولية وليست بسوق شعبية، واستمرت السوق في حالها وبقوتها وازدحامها، وتُجلب إلى السوق جميع أنواع الطيور والحيوانات الأليفة والمفترسة، مثل النمر العربي، وأشياء لا تتوقعها ولا تتصورها تجدها في السوق». وقال يحيى مقنع «قبل 20 عاما بدأت السوق بعمليات تهريب من السعودية إلى اليمن، وكانت المهربات تشمل مواد بترولية، ومواد غذائية كالدقيق والحليب والماء الصحي والمشروبات، وغيرها كثير، وقد قضت الحكومة السعودية على عمليات التهريب تلك، وأوقفتها».

وبين الأمير أن «سوق الخوبة الأسبوعية تعتبر خامس الأسواق الشعبية في المنطقة، وتقام كل خميس، وهي الأقوى ما بين 7 أسواق قوية في المنطقة من أصل 22 سوقا، ولا تماثلها أي سوق شعبية في السعودية، بل تماثلها سوق شعبية في الجمهورية اليمنية تدعى سوق الطلح».

وأشار يحيى إلى أنه لو فتحت السوق مرة أخرى فسوف تستعيد قوتها، ولن تتأثر من المجهولين اليمنيين الذين كانوا يأتون من اليمن بطريقة غير شرعية للتسوق، لأن السوق تعتمد على القرى المجاورة.. مشيرا إلى أن البضائع التي تأتي من الجمهورية اليمنية منحصرة، وهي الموز البلدي والبن الخولاني والقشر فقط، ولن تتضرر بوجود يمنيين يتسوقون فيها.

وكشف الأمير أن «هناك آراء وأفكارا طرحت، ولم تتبلور هذه الأفكار، عن نقل موقع السوق الحالي، الذي يبعد عن جبل دخان نحو 5 كيلومترات شمال غربي الجبل، إلى موقع جديد يبعد عن موقعه الحالي 3 كيلومترات».

وألمح يحيى مقنع إلى أن «الأسواق الشعبية في السعودية بدأت تنهار وتتناقص أعدادها، فمنطقة الأحساء ومنطقة عسير وقلة من المحافظات على الشريط الساحلي ومنطقة جازان التي يقام فيها أسواق شعبية».