الطبقة المتوسطة والمتقاعدون ضحايا الارتفاع الجديد في أسعار المواد الاستهلاكية

مؤشر التضخم يعاود الصعود تحت وقع ارتفاع أسعار المواد الأساسية

الارتفاع المستمر في أسعار المواد الأساسية بات يمثل هاجسا للأسر المتوسطة («الشرق الأوسط»)
TT

يشهد قطاع المواد الاستهلاكية في السعودية نموا مضطردا في الأسعار، حيث تتصاعد أسعار بعض السلع المصنفة كسلع استهلاكية أساسية، مثل السكر والأرز، التي شهدت ارتفاعات طوال الأعوام الماضية، مما ينذر بمستويات سعرية جديدة لهذه المواد.

يقول الدكتور فهد العنزي، اقتصادي، لـ«الشرق الأوسط» بأن المواطن السعودي أصبح في الفترة الأخيرة يخصص جزءا كبيرا من دخله للمواد الاستهلاكية، مما يؤدي إلى تآكل الدخل، حيث أصبحت المواد الأساسية تمثل هاجسا لرب الأسرة في السعودية، مما يؤثر في مستقبل الأفراد والأسر، نتيجة تخصيص حصص كبيرة من الدخل للمواد الأساسية.

في حين يقول الدكتور جون إسفيكياناكيس، مدير عام وكبير الاقتصاديين في «البنك السعودي الفرنسي»، لـ«الشرق الأوسط»، إن ارتفاع تكلفة المعيشة غالبا يصيب الطبقة المتوسطة، حيث يتقاضى أفرادها مرتبات ثابتة، ومن هم على رواتب التقاعد، وذلك هو السبب الذي جعل الحكومة السعودية تأخذ تدابير وقرارات في الفترة الأخيرة لدعم المتقاعدين، ولكن يبقى الأثر الكبر عندما لا تتطابق تلك الرواتب مع حجم تكلفة المعيشة.

ويضيف إسفيكياناكيس أنه منذ نهاية الصيف في العام الماضي لوحظ أن نسبة التضخم في ارتفاع شهري، إلا أن ارتفاع نسب التضخم وتكلفة المعيشة سيكون له دور سلبي جدا، ويجب الحد من هذه الارتفاعات، لأنها تأكل جزءا كبيرا من دخل الفرد، وتشوه صورة الاقتصاد الكلي.

وفي حين تعذر الحصول على تعليق من مسؤولين في وزارة التجارة السعودية، يعود العنزي ليوضح أن «المؤشرات في الفترة الحالية للمواد الاستهلاكية تنبئ بمزيد من الارتفاع، حيث إن المواد الأساسية في طريقها إلى رفع الأسعار مرة أخرى، وهو ارتفاع غير مبرر، فمادة مثل السكر ارتفعت بمعدل 50 في المائة تقريبا، كما أن مادة أخرى في طريقها إلى الارتفاع، وهي الأرز، وهاتان المادتان أساسيتان لدى المواطن السعودي، حيث سيضطر إلى شرائهما بالأسعار الجديدة».

وأشار إسفيكياناكيس إلى أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية على وجه الخصوص، تنامى بعد صيف في العام الماضي، مضيفا أن لهذا الارتفاع علاقة بالزيادات العالمية للمواد الغذائية في أنحاء العالم، ويأتي في مقدمة تلك المواد الأرز والسكر، والسبب هو ارتفاع تكلفة إنتاج هذه المواد وزراعتها، وبخاصة السكر، الذي شهد ارتفاعا حادا.

وبين إسفيكياناكيس أن أسعار السكر التي شهدت ارتفاعا حادا، وهو الأكثر منذ تسعة وعشرين عاما، وذلك في منتصف العام الماضي، الذي شهد تضاعفا في الأسعار.

ويضيف أن الإيجارات في السعودية قد ارتفعت منذ دخول الصيف في العام الماضي، وذلك لوجود الطلب الهائل على المساكن ومحدودية العرض في قطاع الإسكان، حيث ارتفعت نسبة الإيجارات بحوالي اثنين وخمسين في المائة في السنوات الأربع الأخيرة.

وبالعودة إلى الدكتور فهد العنزي، نجده قد أرجع تصاعد الأسعار إلى ضعف الرقابة، وعدم وجود مؤسسات مؤهلة لمتابعة الأسعار ومقارنة الأسعار المحلية بالعالمية، حيث يستغل التجار والشركات هذا الضعف في عقد اتفاقات على توحيد الأسعار ورفعها، حتى تكون الخيارات محدودة أمام المواطنين، مشيرا إلى أن الأسعار العالمية تتناقص.

ودلل العنزي على ذلك بارتفاع أسعار المشروبات الغازية خلال الفترة الماضية، حيث فرضت الشركات التسعيرة الجديدة مع انتفاء المبرر لرفع الأسعار، ويتابع قائلا: «المواطن لا يملك خيارات كثيرة لمقاومة ارتفاع الأسعار سوى مقارنة الأسعار، والبحث عن منتج أقل سعرا».

ويعتبر العنزي أن فكرة مؤشرات الأسعار كانت ذات فائدة محدودة في ضبط الأسعار في الماضي عندما تم تطبيقها في بعض المدن السعودية، لكن قد تكون لها فائدة في تسهيل مقارنة أسعار المواد الأساسية بالنسبة إلى المواطن.

وتوقع العنزي أن يعكس مؤشر التضخم اتجاهه النازل، حيث تراجع معدل التضخم عام 2009، ليعود إلى الصعود مرة أخرى بسبب ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية.

ووفقا لتقديرات تقرير اقتصادي صدر عن «البنك السعودي الفرنسي»، فإن التوقعات تشير إلى نمو الناتج الإجمالي لقطاع البيع بالجملة وبالتجزئة في العام الحالي بمعدل 3.6 في المائة، مقارنة بنحو 1.97 في المائة عام 2009.

ويرى التقرير أن المستهلك السعودي هو الأكثر حساسية إزاء ارتفاع أسعار السلع مقارنة بمستهلكي معظم دول الخليج العربية الأخرى، إلا أن عدد سكان السعودية الكبير كفيل بموازنة هذا العامل، كما أن معدلات النمو السكاني المرتفعة وشريحة الشباب الواسعة، سيدعمان استمرارية الطلب على السلع الاستهلاكية المستوردة.

ومن المحتمل أن تؤدي رسائل الاعتماد المصرفي التي تغطي الكثير من السلع المستوردة، كالمواد الغذائية والسيارات والمكائن، إلى تحسين أداء القطاع الخاص ومعدل استهلاك الفرد. ومن المتوقع أن ترتفع القيمة الكلية لواردات المملكة إلى 94.7 مليار دولار عام 2010، بعدما انخفضت بنسبة 21 في المائة ووصلت إلى 80.3 مليار دولار عام 2009.

من جانب آخر، انحسرت الضغوط التضخمية عام 2009، نتيجة لتراجع الطلب المحلي وانخفاض الأسعار العالمية للسلع، بما فيها أسعار المواد الغذائية.

في حين يتوقع التقرير معدل تضخم للعام الحالي في السعودية بنحو 4.3 في المائة، مقارنة مع 5.1 في المائة عام 2009. إلا أن ارتفاع أسعار الإيجارات والمواد الغذائية وعنصر التضخم المستورد، هي عوامل من شأنها أن تفرض ضغوطا تضخمية متزايدة، بحسب التقرير.