الفقع يقود السعوديين وأبناء الخليج للهجرة من مناطقهم

البعض يستمتع بالبحث عنه.. وآخرون يعدونه مصدر دخل.. وقسم ثالث يعتبره علاجا

الزبيدي الأغلى والأكبر حجما من أنواع الفقع («الشرق الأوسط»)
TT

إن كتبت لك زيارة أي من المناطق السعودية، خصوصا تلك التي تمتلك مواقع صحراوية شاسعة، فستلمس بالتأكيد خلوها في بعض الأحيان من ساكنيها، والنقص الشديد في الازدحامات في المناطق الكُبرى.

ففي السعودية ومنطقة الخليج، وفي هذه الأيام من كل عام، توشك المدن أن تعيش خاويةً لتسبب الأمطار خروج الأسر في منطقة الخليج خارج مدنهم للاستمتاع في الأجواء الصحراوية عقب هطول أمطار على مدى الأسبوعين الماضيين على عدد من المناطق السعودية منها.

ظهور بعض النباتات الصحراوية بعد هطول الأمطار أحد الأسباب الرئيسية أيضا في خروج تلك الأسر من المدن، وعلى وجه التحديد ما يُسمى في الخليج بـ«الكمأ»، أو الفقع.

الفقع قاد عددا من هواة عمليات البحث عنه ميدانيا للسفر مسافات طويلة فقط للاستمتاع في البحث عنه، وبالتالي تقديمه كهدايا لأسرته أو لمن يحب، أو لبيعة من جانبٍ آخر، لندرته في الأسواق المحلية وبالتالي ارتفاع أسعاره لتبلغ أرقاما خياليةً لكميات لا تكاد تُصدق في بعض الأحيان.

والكمأة فطر من النباتات الفطرية التي تنمو تحت سطح الأرض على أعماق متفاوتة تصل ما بين 2 سم إلى 50 سم، ولا تظهر لها أجزاء فوق سطح الأرض على الإطلاق، فلا ورق لها ولا زهر ولا جذر، بالإضافة إلى ارتباط ظهورها بفطريات أخرى تُعطي دليلا على ظهورها وبالتالي تكون مُسهلةً لعمليات البحث عنها، كنبات الـ«جرّيد» وهي نبتة تدل على ظهور الكمأ، في حين يُعرف ظهور الفقع بتشقق سطح الأرض التي تأتي فوقها كدليل آخر على وجودها.

وعُرفت الكمأة (الفقع) على أنها من المنّ، حيث روى الطبري عن ابن الذكور عن جابر قال، كثرت الكمأة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، فامتنع قومٌ عن أكلها وقالوا إنها جدري الأرض، فبلغ الرسول عليه الصلاة والسلام فقال «إن الكمأة ليست من جدري الأرض إلا أن الكمأة من المن»، وفي روايةٍ أخرى، قال عليه الصلاة والسلام «الكمأة من المن، وماؤها شفاءٌ للعين».

ويتفق الخليجيون بشكلٍ عام على عدة أنواع من الفقع، فـ«الزبيدي» الذي يميل لونه للأبيض ويأتي أكبر من حجم غيره من الأنواع، هو الأغلى في الأسواق المحلية، وألذ طعما من جانبٍ آخر، ليأتي الـ«الخلاسي أو الغلاسي» ذو اللون الأحمر بالمرتبة الثانية من حيث الحجم والسعر والطعم، يليهما الـ«الجبي» ذو اللون الأسود، يتلوه الـ«هوبر» كنوعٍ رابع أكثر رواجا لكثرة تداوله في الأسواق لتدني أسعاره عن الأنواع الأخرى. وسميت الـ«كمأة» بهذه التسمية، لاستتارها، وهو مصطلحٌ مأخوذ من الستر أو الإخفاء. طبيا قال الغافقي، ماء الكمأة أصلح الأدوية للعين إذا عجن به الأثمد واكتحل به، ويزيد أجفانها قوة ويزيد الروح الباصرة قوة، بل ويدفع عنها نزول النوازل.

ومن تحليل الكمأة كيمائيا، تبين احتواؤها على البروتين بنسبة 9 في المائة، وعلى المواد النشوية والتربة بنسبة 13 بالمائة، والدهون بـ 1 في المائة، بالإضافة إلى احتوائها على معادن مشابهة لتلك التي يحتويها جسم الإنسان، مثل الفوسفور والصوديوم والكالسيوم والبوتاسيوم، وفيتامين (ب)، وعلى النيتروجين والأوكسجين والهيدروجين، وهو ما يجعل تركيبها قريبا لتركيب اللحوم. ويُعرف في الخليج خلال موسم ظهور الفقع، أن تقديم النبتة مع الطعام للضيوف نوع من أنواع الكرم، خصوصا مع الوجبة الخليجية الرئيسية (الكبسة).