تعد المذكرات الشخصية واحدة من أساليب التدوين المهمة لتوثيق الأحداث، ومع أن غالبية هذه المذكرات تعبر عن الرؤية الشخصية لكاتبها، فإنها تجسد الواقع الذي نقله الكاتب عبر مشاهدات، كما تكمن أهمية المذكرات الشخصية في اتصافها في الغالب بالدقة وصدق المضمون؛ بل إن هذا الفن الكتابي الذي يتصل بالتاريخ يعد مصدرا مهما يعضد المصادر الأخرى وأوعية التاريخ المختلفة.
وقد أولت دارة الملك عبد العزيز، التي تعد حاضنة التاريخ عنايتها بتاريخ السعودية من خلال أوعيته المختلفة من كتب ودراسات ومقالات وغيرها، وامتدت هذه العناية لتشمل المذكرات والذكريات التي لها صلة وثيقة بتاريخ المملكة والجزيرة العربية، حيث إن المتأمل في حقيقة المذكرات الشخصية يجدها سجلا حافلا لما حققه كاتبها من منجزات، وما عاصره من أحداث وما قابله من شخصيات، ومن هنا تمتد رابطة الرحم لتصل هذا الفن الكتابي بالتاريخ، بل تجعله مصدرا مهما يعضد المصادر الأخرى ويفسر جوانب غامضة منها، ويسلط الضوء على أحداث وشخصيات لم تلق اهتماما كبيرا.
ومع أن المكتبة التاريخية تشهد قلة في غناها بالمذكرات الشخصية مع اختلاف قيمتها العلمية من مؤلف إلى آخر، إلا أن الالتفات إلى هذا الموروث التاريخي أصبح لزاما على الجهات المعنية بحفظ مصادر التاريخ ونشره بعد دراسته وتقويمه بهدف إبراز الحقبة التاريخية التي عاشها كاتب المذكرات أو الذكريات، وتوجيه ذلك على نحو يخدم القضايا التاريخية، ويضيف رصيدا ثريا للمكتبة العربية.
ونجحت دارة الملك عبد العزيز في تعزيز المكتبة التاريخية وإثراء دراساتها المتنوعة بمؤلف يضم مذكرات وذكريات ناصر بن عبد العزيز بن فهد الحميدي المولود في عام 1906م في بريدة حاضرة منطقة القصيم وسط السعودية، تطرقت لجوانب من الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي عاصرها في السعودية والكويت، واصفا التقاليد والعادات في ذلك الوقت، ومسجلا الأحداث التاريخية التي عاصرها بلغة شعبية عامية، وعرج صاحب المذكرات على ذكر بعض من تاريخ الملك عبد العزيز ذاكرا نماذج حية من شمائله الطيبة وخصاله الحميدة، كما وثق بدء علاقة حافظ وهبة بالملك المؤسس الذي استعان به في الشؤون الداخلية والخارجية للدولة الناشئة وأصبح من أكثر الرجال المخلصين له بعد أن كان ينتقد الملك في خطب من مسجد بالكويت حيث كان يعمل هناك في محل للأدوات الطبية ومنها لصقة عرفت بـ«لصقة حافظ»، وقد عمل الحميدي معه في هذا المحل دون أن يمنحه مكافأة بل تعلم منه الرجولة، وحصل على هذه المكافأة من الملك عبد العزيز.
وأوضح الدكتور ناصر بن محمد الجهيمي نائب الأمين العام لدارة الملك عبد العزيز الذي أنجز دراسة المذكرات وعلق عليها وشرح الكلمات الدارجة الواردة فيها حيث كتبت المذكرات باللهجة الخليجية، أنه أصبح من المتعارف عليه أن يكتب المذكرات الشخصية المفكرون أو الأدباء والمسؤولون، لما يملكونه من تجارب متعددة، وأقلام فصيحة، وشهرة واسعة، مكنت لهم السبل لتسجيل ما تراكم من تجاربهم، وعرض خبراتهم، وتقديم آرائهم.
أما صاحب هذه المذكرات فلم يكن مسؤولا، ولا كاتبا، وإنما كان شخصا مهتما بالتجارة والرعي، وغيرها من الأعمال الأخرى التي أتاحت له الفرصة للحصول على تجارب متنوعة تستحق الوقوف عندها؛ قراءة ودراسة وتأملا؛ فقد عاصر حياة الفقر والبؤس وضنك العيش، لكن وهبه الله قلبا واعيا وعقلا ناضجا فكان يلاحظ الأحداث الاجتماعية والاقتصادية ويرصدها، كما ترك لقلمه المجال ليرصد مواقف من تلك الأيام القاسية، وليصف بعفوية وصدق قطرات من مرارة المعاناة التي كانت سائدة في عصره.
ولد ناصر بن عبد العزيز بن فهد الحميدي في بريدة عام 1324هـ/1906م، ووالدته رقية بنت حمد التويجري من الطرفية في القصيم، انتقل والده عبد العزيز الحميدي إلى الكويت - كعادة أهل نجد في ارتحالهم إلى الكويت والزبير - للتجارة، لكنه استقر في الكويت وكان مهتما بتعليم أبنائه.
ابتدأ ناصر الحميدي حياته بالدراسة في مدرسة المباركية في الكويت سنة 1334هـ/1915م، واستمر فيها إلى أن أكمل الصف الرابع، ثم تركها للعمل معاونا في دكان يملكه حافظ وهبة. وعندما انتقل حافظ وهبة إلى الرياض للعمل مستشارا لدى الملك عبد العزيز - رحمه الله - أخذه معه. ثم عمل لدى الملك عبد العزيز سنة 1343هـ/1924م، ثم انتقل مع والده في العام نفسه إلى بريدة للعمل في مزرعتهم بالدعيسة، ثم اشتغلا معا في التجارة والرعي ونقل الحجاج، واستقر في الكويت حتى توفي عام 1402هـ/1981م.
وله من الأبناء سبعة؛ أربعة من الذكور، وثلاث من الإناث، والذكور هم: بدر عضو مجلس بلدي سابق وزير الأشغال وزير الدولة لشؤون الإسكان سابقا، وبندر رجل أعمال، وسليمان مهندس، وبسام ضابط إطفاء متقاعد.
لقد نطقت صفحات هذه المذكرات بوصف صادق لشظف الحياة، ومشقة الكدح من أجل الحصول على لقمة العيش، حيث أشار إلى صعوبة التعامل مع حافظ وهبة الذي عمل معه سنوات عدة، وكانت آخر كلمات وجهها إليه: «عملت معك لآخذ درسا للرجولة من دون مقابل، أما المكافأة فأتسلمها من الملك عبد العزيز».
وقد وصفت هذه المذكرات أشكالا من مخاطر الصحراء، وفقدان الطريق، واشتداد الجوع، وتسلط العطش، وقلة المال، كل ذلك حدث أثناء التنقل بين البلدان عبر مفاوز قاحلة، وصحراء محرقة، صورها لنا وكأننا نعيشها حية مع كاتبها، عبر تسلسل ممتع، وسرد مشوق.
وقد زخرت مذكراته هذه بمعلومات وفيرة عن الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لما حوته من وصف صادق لواقع اجتماعي انطوت صفحاته، وعرض مفصل لتقاليد وعادات أوشكت شمسها على المغيب، وتسجيل معاصر لأحداث تاريخية حية، إلى جانب أنها تضم رصيدا زاخرا من الكلمات التراثية والمصطلحات الشعبية التي كانت سائدة في ذلك العصر، وانقرض استخدامها في العصر الحديث، وقد تم إيضاح ما غمض منها في حواشي الكتاب.
أما الجانب الأهم في هذه المذكرات فهو تناولها لبعض من جوانب تاريخ الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، فعلى الرغم من كل الكتابات والمؤلفات والبحوث الواسعة التي كتبت عن تاريخه، فإننا حينما نجد مذكرات أو ذكريات أو كتبا لمعاصرين للملك عبد العزيز نعثر في طياتها على جديد يضفي المزيد على ملامح شخصيته الفذة، ويوضح جوانب من حياته.
ومن خلال ناصر الحميدي نجد مساحات واسعة من الحديث عن شخصية الملك عبد العزيز، على الرغم من أنه لم يعمل معه عن قرب، وإنما كانت له لقاءات يسيرة انطبعت آثارها بكل صدق على وجدان الكاتب.
وقد انفرد الحميدي في مذكراته هذه بتوثيق بدء علاقة حافظ وهبة بالملك عبد العزيز، فقد أشار الكاتب إلى أن حافظ وهبة كان ينتقد الملك عبد العزيز في خطبه التي كان يلقيها في جامع الفهد في الكويت، وعندما طلبه الملك عبد العزيز للعمل لديه عن طريق وكيله في الكويت عبد العزيز النفيسي، اعتذر حافظ وهبة؛ لأن لديه محلا مليئا بالبضائع، فأبلغه النفيسي بأنه سيدفع له قيمة المحل كاملة، فوافق على الذهاب إلى العمل مع الملك عبد العزيز، حيث أصبح أحد الرجال المخلصين له، وهنا يبرز جانب من عبقرية الملك عبد العزيز في اختيار الأشخاص دون النظر إلى مواقفهم منه، وإلى حسن اختياره وكلاءه الذين يعتمد عليهم في إنجاز المهام الموكلة إليهم.
كما ورد في هذه المذكرات نماذج من الشمائل الطيبة والخصال الحميدة للملك عبد العزيز حيث برز منها الجانب الإنساني في شخصيته عندما سأل الحميدي عن اسمه، ثم أثنى على أسرته، ووجه بصرف مبلغ شهري له، كل ذلك يجسد جانبا إنسانيا مشرقا من صفات الملك عبد العزيز، رصدها عن قرب كاتب هذه المذكرات، وأوضح ما اشتملت عليه من عطف ومحبة للخير وتواضع حميد، كل ذلك كان له أكبر الأثر في شخصية الكاتب الذي كان يعاني من قسوة حافظ وهبة في تعامله معه.
ومن أبرز ما أشارت إليه هذه المذكرات انتشار الأمن وسيادة الطمأنينة، الأمر الذي جعل أميرا من أمراء الملك عبد العزيز - وهو عبد الله بن جلوي أميره على الأحساء - يرسل رجاله على اثنتي عشرة ناقة لتتبع رجل سرق ناقة من الأحساء، ثم يعيدها إلى صاحبها، ويؤدب السارق، ويعاقب مرافقيه الذين لم يأخذوا على يده، ويردوه عن ظلمه. وقد صورت هذه المواقف وغيرها حرص الملك عبد العزيز ومن خلفه رجاله الأفذاذ على نشر الأمن؛ لكونه الركن الأساسي الذي سيقوم عليه بناء الأمة الناهضة، وتتلهف إليه القلوب الخائفة الوجلة.
لقد قدم لنا ناصر الحميدي في مذكراته هذه معلومات جمة، وذكريات طيبة، وتجارب جديرة بالدراسة صور لنا من خلالها يوميات المجتمع وكيف كان الشخص العادي يقضي يومه، كما صور لنا نماذج لنزوح العائلات النجدية إلى الكويت مع استمرار الهجرة والهجرة العكسية خير ما يكون التصوير، كما أضاف لنا معلومات تاريخية جديدة لا تتوفر في المصادر المعاصرة.
ونتيجة لما تبذله دارة الملك عبد العزيز - بتوجيه من الأمير سلمان بن عبد العزيز رئيس مجلس إدارتها - من جهود علمية في الاتصال بالأسر الذين كان لآبائهم شرف الاتصال أو العلاقة بالملك عبد العزيز، بادر الأستاذ بسام بن ناصر الحميدي خلال زيارة قام بها إلى الرياض بأن قدم إلى الأمير سلمان بن عبد العزيز أصل هذه المذكرات التي وجه الأمير بحفظها في الدارة.
* منتقد الملك مستشارا له
* بداية يتحدث صاحب المذكرات عن بدء علاقته مع حافظ وهبه الذي كان مقيما في الكويت وعمل معه في محل لبيع الأدوات والمواد الطبية، ثم أصبح مستشار الملك ومن أخلص رجاله. يقول الحميدي:
«والدي كلف أحمد الغيث يبني الجاخور (حظيرة المواشي) الذي هو الحوطة التي كانت لنا بيت، لأن والدي يغرب إلى الشام ما يقعد، بنينا بيت الصيهد سنة 1340هـ/1921م في شارع الجهراء، أما أنا فقال والدي للشيخ يوسف بن عيسى القناعي: شوف للولد ناصر معزب (صاحب العمل) في دكان بلاش، من دون مقابل، ومصرفه وأكله علينا، نبي له معزب يحفظه عن اللعب، قال: خله يجينا بالدكان الصبح، ونخليه عند حافظ وهبه؛ لأن عنده صبي؛ محمد الخلفي ويبي يطلع، وقال لي الوالد: روح إلى السيد علي سيد سليمان (تاجر كويتي) لأنه صديق للوالد الذي وداني (ذهب بي) إلى حافظ وهبه، وقعدت عنده بالدكان نبيع فيه لزقة التي يسمونها (لزقة - لصقة توضع على مكان الألم – حافظ) وأدوية حبوب الصحة وكينالر فنش (دواء يستخدم قديما) ودهن السمك وأشياء غير ذلك مواد (صنع مصر).
استقمت بالدكان لمدة شهرين من بعد راح إلى الطواشة (تجارة اللؤلؤ)، مع عيسى القطامي ورجع من الطواشة والطواشة هي مشترى اللؤلؤ من الغواصين الذي يغوصون الهيرات.
وحين رجع من الطواشة وصار رمضان قام يحدث في مسجد الفهد وينتقد الملك عبد العزيز. كان الملك بحاجة إلى وزراء قام وطلبه أن يكون مستشار له والواسطة النفيسي عبد العزيز وكيل الملك بالكويت.
وقال له النفيسي: إن الملك عبد العزيز يبيك تسافر إلى الرياض، قال حافظ وهبة: عندي محل فيه تجارة لي، قال عبد العزيز النفيسي: البضاعة التي عندك خلها في صناديق وقيدها على الملك بالسعر الذي ترضاه، وفعلا شديناها (وضعناها) بصناديق، وسلمناها إلى محل النفيسي.
من بعد النفيسي أجر لنا بعارين للعجمان وهم سعود بن شلاش العجمي ومسفر، ومحمد بن صباح. مشينا من الكويت في 10 رمضان 1342هـ/1923م، وصلنا الرياض في 25 رمضان وقابلنا الملك. نزلنا بالقصر في محل قريب من المختصر، بيننا وبينه باب ندخل عليه من عند المقهوي محمد بن مهيزع، فيه حجرتان وحمام.
كان الملك عبد العزيز يتعشى عقب صلاة العصر مع حاشيته والخدم جميع، وأما حافظ وهبة تطبخ له عبده (مضايفي بن مسلم) ويتعشى المغرب عيش ومرق.
واعطانا ابن جميعة إبراهيم ثلاثين ربية مصرف للميوه (الفواكة)، كل يوم ربية، والربية نصرفها 21 جديدة، والجديدة ست بيزات برغش - سكت سلطان مسقط.
ومن بعد صار عيد رمضان وعطا الوزراء عيادي كل وزير ألفين ربية، حافظ وهبة لما أخذها قال: مقبولة وموقورة الآن هذا ما هو وقتها، من بعد عقب العيد في أسبوع واحد صام حافظ وهبة قضاء وجاب الفطور المضايفي بن مسلم المغرب على العادة عيش ومرق. قال حافظ وهبه إيش هذا، قلنا له الفطور، قال رجعه وروح إلى عبد الله السليمان وجيب لي حليب ناقة. جبت له. من بعد أرسلني على ابن جميعة قال روح أخبره يحضر لي بعارين أبي أحدر إلى الكويت.
قال ابن جميعة: خير، علامة قلت: زعل على الفطور، وراح ابن جميعة وأخبر الملك عبد العزيز، قال الملك: السبب، قال ابن جميعة: يقول الكاتب ماله زعلان على الفطور قال أرسلوا على الكاتب، ورحت له بالقصر وإذا عنده زوجته اسمها الفهدة. قال علام حافظ زعلان؟ قلت: زعلان على الفطور، قال فطوركم غير الذي عندنا، قلت له فطورنا بالكويت هريس ولقيمات ومحلبي وعيش جريش - مشكل. قال الملك هانت المسألة.
عقب العشا بالليل يجتمعون الوزراء بالسطح، قال الملك لحافظ: أنت صايم اليوم؟ قال صمت وبعد ما أصوم. قال له الملك لا تصوم، نصوم أنا وأنت جميع، وانتهت المسألة.
كان الملك عنده كتب كثيرة في حجر ولا هي منظمة، طلبنا نجارين من الأحساء وخلو فيها رفوف من جام، وأخذنا الكتب الموجودة ورقمناها ووضعناها بالترتيب والذي يبي كتاب يقرأ الرقم وعنوان الكتاب ويأخذه.
كان الملك عبد العزيز يجتمع مع الوزراء وكبار البدو مثل مشاري بن بصيص وابن بجاد. من بعد رمضان كان الملك يأخذ رأي الوزراء عن غزو الحجاز. كل أبدى رأيه، لكن الملك رأيه هو الصواب، وافقوا عليه. قال انخلي خالد بن لؤي يتوجه إلى الطائف مع ابن بجاد وإذا استجبر الشريف يوجه قومه إلى الطائف لأن مكة المكرمة ما فيها قتال، وتصير المعركة بالطائف، والدويش مع مطير يروحون إلى المدينة.
وفي شهر ربيع الثاني جهز لنا الملك ركايب وخدم نبي نسافر إلى الأحساء والقطيف ودارين لأجل التفتيش على القمارك (الجمارك). حافظ وهبة وعبد الله أفندي مال (صاحب) الأحساء وسيد حمزة أبو غوث وأشوام اثنين كان الملك مهدي عليهما كل واحد عبده مُلْك. كان في وداعنا الملك عبد العزيز؛ ودعنا في البطحاء.
كان عنده سيارة (أبيوك) ولا يوجد بالرياض ولا سيارة. من بعد سأل الملك حافظ وهبة، قال له: الولد هذا منين؟ قال حافظ وهبة: هذا أصله من نجد ساكن الكويت، قلت: أنا ولد عبد العزيز الفهد الحميدي، قال الملك لحافظ وهبة: فهد الحميدي من كبار أهل نجد ومعروف لدينا.
ومشينا من الرياض نبي الأحساء لما وصلنا الدهناء ونحن على الإبل لاقانا أربع سيارات «فورد لوري» هذا أول دفعة تصل إلى الرياض. من بعد قبل أن نصل إلى الأحساء بيوم لاقتنا مركوبة مكونة من اثنا عشر ذلول، سألناهم قلنا لهم وين ذاهبين؟ قال نحن خدم ابن جلوي لاحقين لنا جمالة نبي انرجعهم مع حملتهم، قلنا لهم: السبب، قال فيه واحد منهم مر على صفاة الأحساء وإذا فيه واحد عنده بعير قاضب ارسنه للبيع ومر عليه الشخص من أهل الحملة وقال يا حافظ يا عقايل الله هذا بعيري ولاد وتلاد. قال صاحب البعير أنا شاريه، والبلد محكوم؛ حاكمه ابن جلوي، وأخذ البعير غصب ولحق فيه الحملة وأخبر ربعه، قال لهم: هذا بعير لقيته عند قصيمي (رجل من القصيم) يبيعه وأخذته بالقوة.
قام راعي البعير واشتكى عند ابن جلوي، وابن جلوي اركب مركوبه ورجعهم كلهم؛ البعير والحملة مع الكيل الذي على ظهورها، الكيل دخله بيت المال، والبعارين (الجمال) وسمهم، ورجالهم حبسهم، وقال لهم: إذا هل هي إذا أم لو؟ تذكرون إن عبد الله بن جلوي وراكم كان جبتو البعير لصاحبه.
من بعد استقمنا بالأحساء خمسة أيام نأكل مع عبد الله بن جلوي على سفرة واحدة وعبد الله بن جلوي يقطع من اللحم ويحط لنا. من بعد يقلطون معه أخوياه ويأكل معهم، لكن فيه واحد ضيف عند ابن جلوي يقطع من اللحم ويحط له. من بعد ثلاثة أيام فقدنا الشخص غاب أثره ولا ندري عنه، نحن ساكنين في بيت لابن جلوي كل يوم يجيب لنا الخادم حليب إبل. قالي حافظ وهبة عط الخادم ربيتين، وقمت وسلمت للخادم الربيتين وحذفهم ما أخذهم، قلت ليش؟ قال وراي ابن جلوي، لو آخذهم يقطع راسي. من بعد مشينا من الأحساء إلى العجير (ميناء العقير) على حمير، ورحنا القطيف ودارين. كان في ذاك التاريخ؛ آخر سنة 1343هـ، الدواسر يبنون بنيان عروق الدمام ولا فيها ولا بيت واحد، واستقمنا بالقطيف خمس أيام ورجعنا إلى الرياض.
من بعد وصلنا إلى الرياض. عقب بخمسة أيام وإذا بالبشرى تصل الرياض على الركايب، معهم كتاب من خالد بن لؤي يذكر فيه؛ استولينا على الطائف ودخلنا مكة دون أي مقاومة، والشريف مع عائلته راح إلى جدة ونحن وراه، لكن وزيره ابن معتك راح مع الشريف جدة ورجع علينا والآن هو معتقل عندنا. قال الملك عبد العزيز ليش ينحاش؟ لأن ابن معتك راعي فضل على الشيوخ لأننا نقترض منه مبلغ ومن بعد مدة يرسل لنا ولده محمد وندفع له ما أخذناه منه.
* تعليمات ملكية بتجنب القتل
* من بعد الملك جهز الجيش والخيل نبي نمشي إلى مكة، يخاف الملك إن الإخوان يذهبون إلى جدة ويدخلونها بالقوة ويفتكون في أهل جدة مثل ما فتكوا بالطائف. ونمشي من الرياض تاريخ 13 ربيع الثاني 1343هـ الموافق 9 نوفمبر 1924م، وكان إخوياه ما يقارب 600 هجان، وكان ذلوله اسمها سمحة تمشي مشي والركايب التي معها بعضها يدرهم.
من بعد ما مشينا من الرياض كان معه الحاشية الأمراء والوزراء هم يوسف ياسين وحافظ وهبة، وعبدالله أفندي مال الأحساء، وحمزة غوث، والدكتور عبد الله الدملوجي؛ كان معنا إبراهيم بن جميعة، وعبد الله بن عبد الرحمن والمقهوي محمد بن مهيزع وسالم بن عتيق من أهل حايل، وابن دخيل، وابن صاهود عجمي.
من بعد عشرة أيام أرسل الملك مركوبة اقلوط من سجا حافظ وهبة وحمزة غوث وعبد الله أفندي مال الأحساء، وصلنا مكة، وسعينا وطفنا وقابلنا خالد بن لؤي في قصر الشريف حسين والقصر على حاله مع فرشه، وسلم له مكتوب من الملك عبد العزيز؛ من ضمن الكلام من طرف بن معتك لا يجري عليه شيء وأطلق سبيله لأن سياسته معنا على ما يرام.
لما قرأ الرسالة خالد بن لؤي قال لو أدري قتلته الآن هو في القبو (حبيس السرداب) وإلا ابن لؤي ضاربه ضرب مبرح، ورحت أنا مع واحد من أهل الزلفي من الخويا ونزلنا له في القبو الذي في القصر وأخبرناه إن الملك استخبر وأفرج عنك.
وفي وصول الملك مكة المكرمة خلا (أبقى) مع ابن معتك خدم اثنين يرافقونه عن أي أحد يعتدي عليه.
من بعد وصل ابنه محمد وصار في صحبة والده مع من وصل الملك من حاشيته مكة المكرمة 8 جمادى الأول 1343هـ الموافق 4 ديسمبر (كانون الأول) 1924م. أما الوزراء حافظ وحمزة وعبد الله أفندي فإننا نزلنا في بيت للشريف في جرول بتاريخ يوم السبت 7 جماد الآخر 1343هـ الموافق 2 يناير (كانون الثاني) 1925م. مشينا من مكة المكرمة قاصدين جدة نزلنا بالوزيرية (حي من أحياء جدة) ربوع (يوم الاربعاء) ثم إلى الرغامة.
ونزلنا بالرغامة نشرف على جدة؛ جبل أبيرق شماله جبل وجنوبه رمل الذي نحن مخيمين فيه، وحاصرنا جدة من شرقها إلى غربها. في شرقي جدة قرية تسمى قرية بني مالك، هاذي مخربة مهدمة.
أما الملك مع جيشه مكون من أهل الرياض وتوابعها وأهل حايل والقصيم وسدير والزلفي، وشمالي من عندنا أهل الغطغط أميرهم سلطان بن بجاد، ومحيطين على جدة أهل ساجر ودخنة وبيشة ورنية.
كان الملك استولى على مدافع من الشريف وفيها مدافعيه من جيش الشريف النظامي، وفيه أرض سهلة بين الرغامة وجدة خلينا المدافع فيها عدد ستة، كان معهم عبيد للملك ورئيس عليهم واحد اسمه الذعيت؛ شجاع أصله من أهل حائل خادم أمراء.
أما الشريف علي عنده مدافع ثمانية وطائرتين ومصفحتين (الصواب طائرتان ومصفحتان) إذا صار الصبح ضربناهم بالمدافع، أما الشريف علي إذا صار العصر ضربنا؛ عنده مدفع يسمونه سري عطش يضرب أهل الغطغط ثلاث قذائف ومخيمنا واحدة ونحن متذرين بالأبرق، لكن مدافعيهم ينزلها علينا وتنزل بالرمل ولا تأثر على أحد.
أذكر أن فيه سيارة مالت القنصل البريطاني بيقابل الملك والسيارة مالها طريق إلا على أهل الغطغط. الملك أرسل رجاله حد الشبك، وأخذوا القنصل وألبسوه غترة وعقال وأركبوه على الخيل حتى لا يشوفونه الإخوان، وأما السيارة ما لها طريق إلا تمر على أهل الغطغط - لما شافوها - هذي أول مرة يشوفون السيارة - وفيها خدم الملك مع السائق قاموا رموها بالبنادق. من بعد زعل الملك على ابن بجاد، واعتذر ابن بجاد قال: يا طويل العمر، ما أقدر عليهم جهله، وهم ملوا من الحصار؛ آمرنا ندخل جدة، ما يردنا لا الشبك ولا السور.
قال الملك: أنا ما مشيت من الرياض إلا أني ما ودي تدخلونها بالقوة ويكثر القتل، نحن نفاوض على أن الشريف يسحب منها دون أي شرط ولا يأخذ معه أي شيء ما عدا اليخت، ويصير مناوشات. كان الشريف جيشه فلسطيني وسوري ويماني وصومالي وعنده خياله من الدروز ما يقارب أربعين نفر.
بالليل يتقاربون كل طرف يسمع صوت الطرف الثاني. فيه واحد من عبيد ابن رشيد، عند الشريف علي، سمع صوت الذعيت. كان بينهم خصامة لما كانوا عند ابن رشيد، العبد سمع صوت الذعيت بالليل، والذعيت هو آمر المدافع الذي موقعها بالسهلة بين جدة وبين الرغامة، العبد راح إلى الشريف علي وأخبره، قال له: أنا لي خصم لما كنا عند ابن رشيد والآن سمعت صوته عند مدافع ابن سعود وإذا تبي احتل المدافع وأجيبهم لك أسرا (أسرى).
الذي أبي منك اتخلي المنور الحربي يستعد على ضرب المدافع، أبي أربعين خيال الذي هم الدروز، نبي نمشي على المدافع وتأمر المنور الحربي يضرب موقع المدافع حتى ينخشو بالخنادق، وراعي المنور إذا شاف الخيل قريب تاصل يرفع الرمي حتى ما يطلعون من الخندق إلا حنا على رؤوسهم.
أما من طرف الذعيت سمع خصمه صالح سعد الله بالليل وجانا بالمخيم وقابل الملك، وقال البارحة إنه سمع صوت فلان (صالح سعد الله) الذي هو عبد ابن رشيد وعرف أني عند المدفع، وهو لازم ياصلني لو أنا عندك بالخيمة. قام الملك، وزوده بست خدم للحراسة. كان علينا رمضان ولا نصوم وأنا أودي ماي حق الرجيبة العجمي بن صاهود، والرجيبة على الجبل والدربيل ما يطيح من عينه. وفي الطريق إلى الجبل وإذا بصوت المدافع تضرب من المنور على مدفعية الملك.
صاح الرجيبة: الخيل ويا أهل الخيل، أركضت الزماميل على الخيل واركبوا عليها؛ أهلها من ضمنهم الرباعي، أما الملك؛ أنا معه، والرجيبة على الجبل يفرك في إيديه يقول يالله مقسوم خير راحت آلة المدافع، لكن فزعوا الإخوان من كل جانب وطوقوا الدروز.
أخبرنا واحد من المدافعية، قال: لما سكت الرمي ظهرنا من الخنادق وإلا بالخيالة يربطون خيلهم بدرايش الخندق، وتصير المعركة، والعبد يذبح الذعيت، ويأخذ معه أسيرين وينهزم، وإلا بخيل الإخوان مطوقة الدروز الغزاة، وتذبحهم كلهم مع العبد ويندم الملك على الذعيت، ونجيبه عندنا بالرغامة نصلي عليه وندفنه.
من بعد القناصل الذين في جدة قالوا للشريف علي: ابن سعود ينشاف بالعين ومحاصرك مدة طويلة (تقدر بشهر) ويجيه الإمداد من كل مكان، إما إنك تطلع وتحاربه وإلا تمشي من جدة. قام الشريف وجهز ما يقارب ثمانمائة نفر مشكلة من فلسطيني وسوري ويماني وصومالي غصب (إجباري) يضربونهم بالسياط. لما تقابلوا مع الإخوان قتلوهم الإخوان وجابوا أسلحتهم كلها ثمانمائة بندق.
* درس في الرجولة والمكافأة من الملك
* من بعد صار وقت الحج، ونحن محاصرين جدة؛ صار بدل غيرنا ونحن جينا إلى مكة للحج ورجعنا للبيت الذي في جرول. قام حافظ وهبة وإذا بيده بطل (زجاجة) اسفنيك (مادة مطهرة) قال خذ هذا البطل وكبه في بيت الخلا والحمامات.
قلت: أنا ماني خادم عندك إلى هذه الدرجة، أنا آخذ درس للرجولة وبلاش دون مقابل، والخرجية من عند الملك من عرض الحاشية، وحولوها لنا بالرياض وأنا وكلت صالح بن جميعة يقبضها.
ومن حسن الحظ كان والدي جاي للحج، وقابلته، وأخبرته بما صار، وقام واشترا لي ذلول عمانية بمائتي ليرة عصملي اعمانية، ورجعت مع والدي يقولي الوالد الله يرحمه: عندنا النخل بالدعيسة والهواء الطيب.
لما وصلنا بريدة ونحن ساكنين بالنخل وإذا عندنا حمير قلاني ينقلون عليهم رمل؛ ونشيله إلى الخارج لأجل يوسع المحل حتى يزرع فيه عشر نخلات، وأنا في اليوم الذي وصلت فيه أنقل على الحمير رمل وإذا أذن الظهر أو العصر فرحت حتى أصلي، ما هو ديانة، لكن على شان استريح من التعب.
من بعد شهر انحدرنا إلى الكويت، وإذا الأهل متحولين من البيت الذي في براحة عثمان الراشد قبلى النخلة الموجودة الآن عند غرفة التجارة إلى البيت الذي بالصيهد؛ شارع الجهراء شمالي الإشارة.
أما البيت القديم سنة هدامة طاح وبنيناه وباعه الوالد على الزاحم بمبلغ 800 ربية. واستقمنا بالكويت مدة شهرين وإذا بالوالد يشتري أميركن أفراد وشماغ وقهوة وهيل. صار عندنا 15 حمل، وعندنا جمال ما يقارب ثلاثين – ناوي الوالد يطلع إلى نجد بجملة الحجاج.
واشترينا خلفتين وفاطر أعمانية من عقب المرحوم سالم المضف، واستعدينا إلى الرحيل، وإذا فلاح الخرافي يدخل علينا بالديوانية؛ هذا أول مرة ييجي عندنا فلاح، قال له الوالد خير إن شاء الله، الجيه غريبة، قال نعم غريبة، قال الوالد اطلب الذي تبي.
قال له عندي ضيوف قاصدين الحج وأنا خالص مع سليمان المجيدل لكن سليمان راح يشتري بعارين وإلى الآن ما وصل، والحج قريب ويفوتهم الحج. قال للوالد نحن خالصين مع سليمان المجيدل النفر ألفين ربية منها شايب وزوجته عجوز مع ولدهم وجارهم لازم يسوي لهم كوايج الأربعة.
لكن الوالد شرط عليه على البعارين التي اشتراها سليمان المجيدل – الذي يعجبني منهم آخذه بقيمته والذي ما يعجبني أخليه. وافق فلاح الخرافي ومشينا مع الحجاج، أول ما ناصل بريدة. في أثناء الطريق كل يوم تقول العجوز هذا البعير يهز كثير، قال الوالد بدّلوه لها، لكن أنا متأذي منهم من الشيل والحط والسهر.
الحمول التي معنا دخلناهم بريدة مع الحجاج، ومشينا من بريدة إلى مكة المكرمة. قبل (أن) نصل مكة بيومين أنا قلطت قبلهم لأن عندنا ريال فرنسي، قصدي نصرفه عند الصراف قبل وصول الحجاج حتى نحصل على سعر أكثر. وساومت الصراف على السعر. قال لي وين الأريل؟ قلت له مع الحملة، قال: ما فيه بيع وشراء حتى ما تجيبهم معك حاظر. من بعد أنا مكة عندي منها خبر لأن من قبل مستقيم فيها سنة وستة أشهر وأعرفها. رحت أفتش على بيت استأجره؛ البيت 80 جنيها وعشرة غالي. قلت ليش ما أوديهم جرول، فيه حوطة لحجاج المصري والشامي؟ خلنا نطق الخيام ونسكنهم ولا هي بعيدة عن الحرم.
استقبلت الوالد مع أخوياه واعبر فيهم مع الريع الذي قبل الحرم على جرول ونضرب الخيام، ويروحون يسعون ويطوفون وأخذ الريالات واصرفهم. من بعد الحجاج الذين معنا قالوا للوالد: لازم تشوف لنا بيت، ما نقعد بالخيام، قلت لهم: أنا ما حصلت على بيت لكن خلو خلف (الولد) يروح معي ونسأل أهل مكة عن بيت للأجرة.
وأخذته معي وديته محل ما فيه بيوت للأجار، كل ما سأل أحد أجابوا يتطنزون (يستهزؤون وهم العيارون بالعربية) عليه، ومل، ورجعنا إلى أخويانا، من بعد تزاعلنا معهم وراحوا لحد دار راعي حملة وخلصنا معه يشيلهم إلى المدينة من بعد الكويت بنصف الأجرة، وتدخل البعارين مع التايه بثمن ونفتك من غثاهم (إزعاجهم).
بعد مشينا من مكة إلى بريدة. قبل (أن) نصل بريدة نفرق من البدايع نبي النخل الذي لنا بالدعيسة، قال لي الوالد: روح اسأل راعي البعير هذا يبي عنيزة وقول له طريق الزريب من أي جهة، لأن فيه راعي لنا حتى إذا وصلنا النخل نرجع البعارين ونودعهم عنده.
من بعد سألت الرجال، وقالي حدر مغيب الشمس، وأخبرت الوالد، قلت له: يقول حدر مغيب الشمس كان يأخذ العصى ويضربني، قال حدر عن الذلول والحقه مشي، وتأكد من الجواب، لكن الشخص يبي عنيزة ويدرهم وين ألحق به. قمت وشربت ماي من الجربة (القربة) ولذت (اختبأت) تحت الشجرة أرطا وقعدت والشمس باقي عليها ربع ساعة وتغيب، والوالد ترك الطريق على يمناه وفرق يسار على الخبوب الذي فيه نخلنا بالدعيسة، والطريق وعر كله نفود. أما أنا لما غابت الشمس رحت وراهم لكن ليل ولا اهتديت عليهم، ورجعت على الجادة التي تروح إلى عنيزة، ومشيت طول الليل حافي ما علي من اللبس إلا دشداشه أميركن.
لما صار آخر الليل وأقبلت على سواد مظلم قلت في خاطري هذا النخل عنيزة، لما وصلته صار أثل وتياسرت عن الأثل وأمشي قدر ساعة وصلت النخل وشربت ماي من الساقي وأكلت خلال أخضر على كبر الكنار، وانسدحت يمكن ربع ساعة، وإذا بالصوت يصيح علي يا ولد قم صل أذن الفجر، قمت وغسلت وصليت معهم جماعة، وقلت لهم درب بريدة من أي جهة، قال شف هذاك النخل ملك الخضر جادة بريدة تاطاه، وهن ثلاث جواد اقضب الوسطى توصلك بريدة.
ومشيت لما صار الضحى الكبير، وإلا أهل مركوبة تتكون من عشر ركاب لحقوني بالطريق، قالوا لي: اركب يا ولد أردف، ما قبلت أن أركب، عالجو يبون أركب، ما قبلت، قال واحد منهم: هذا متعلم على الجمالة كلهم يمشون، ولما صار وقت العصر قبل المغرب بساعة وصلت بريدة.
رحت إلى بيت لنا عند عماتي، وأكلت تمر، وشربت ماي، ومشيت إلى النخل. لما صرت على النفود أشوف والدي بالنخل عند الجت ومريت من عنده، وسلمت عليه، وأنا فايت إلى البيت وصار المغرب، وتعشينا ولا سألني ما قالي وين رحت إلى اليوم؟.
من بكرة قال لنا بكرتين «بقرتين» في قرية قبله تحت مغيب الشمس. صار عقب الظهر وأخذت من المزرعة بصل أخضر، ولفيت فيه خبزه، ومشيت رجلي، وصلت القرية أذان العشاء وإذا الناس بالمسجد توضيت وتجددت وصليت معهم، لما سلم الإمام قام الذي على يسراي ندحني بكوعه، قال: من أكل بصل أو ثوم لم يدخل مسجدنا وسكت، وشفت الرجل الذي أنا مرسل إليه وعطيته المكتوب وأعطاني بكرتين وقرنتهم وتقفيتهم إلى أن وصلت المسافة ثلاث ساعات.
من بعد يوم قال الوالد لي لنا جمل عند أمير القوارة - هي قرية على طريق حائل - قلت له: أنا ما أدل، قال: أوصف لك الطريق وتدل، وصف لي، ومشيت الفجر على ذلول فاطر اعمانية مشتراها المرحوم سالم المضف، لما صار المغرب غابت الشمس ما شفت القرية وإذا أسمع صوت راعي غنم، سألته عن القرية قال لي انظر تحتك لأني على مرتفع. وصلت القرية لكن الذلول ما تدخل مع باب الدروازة إلا لما نزلت الشداد من على ظهر الذلول، وسألت عن بيت الأمير وصلت عنده، وسلمت عليه، وقلت له: الوالد مرسلني عليك، معي الساعة صلحناها، وقهوة لك، والآن نبي البعير الذي عندك، قال البعير خالفك بالطريق.
من بعد تعشيت عنده، لما صليت الفجر تريقت عصيد على ذرة ومشيت من عنده على الذلول الفاطر ادرهم، وصلت النخل عند الوالد العصر، وأخبرته، قال لي: متى رحت ورجعت بهذا السرعة ذبحت الذلول، وأنا ساكت، قال: شد على الحمارة، وانقل رمل وذبه بالخارج.
كان عند الوالد رجل اسمه عبد الله الكويتي، هو من قبيلة مطير، كنا نودع عنده البعارين، وهو ساكن قبلي بريدة في محل اسمه قضي، قال له الوالد: أبي أعطيك بضاعة أنت مع الولد ناصر تروحون إلى حرب واعتيبة تشترون منهم غنم لأن الإخوان مدينين يبون يبيعون بعض أغنامهم ويسكنون في قرى.
من بعد عطانا ألفين ريال وأخذنا الفاطر وقعود اعمانية وأخذنا بعيرين وديناهم معنا ومشينا من النخل نحن مع البعارين نبي نروح نشتري. مشينا عقب صلاة الظهر. لما صار المغرب نزلنا في آخر النفود معنا راعي؛ أنا أطبخ العشا وعبد الله المطيري يسوي القهوة. الراعي سارح بالبعارين. من بعد سمعنا واحد يصيح قال ترى الراعي قرص، قلت له شلون عرفت إنه قرص؟ قال سمعت البعارين تحن من صوب آخر، وقام وراح وراء الصوت، وإذا بالراعي يصيح وإلا عاضه داب وذابح الداب أو رابط رجله في بريم اقطعه من بطنه لأن عادة البدو يأخذ له جلد ويعجفه طوله ثلاثة أمتار من بعد يربطه في بطنه وإذا بالداب الراعي لابس انعال لكن عظه بين الشراك مال انعال.
من بعد جبناه عندنا وهو يصيح ويتلوى؛ يقول أعطوني السكين أبي اقطع رجلي. من بعد مشينا، قال خويي انت يا ناصر ارجع إلى والدك وأنا أبي أودي الأطرم إلى أهله، قلت أنا ما أقدر أرجع معي ألفين ريال وبعارين ولا أقدر أرجع، قال لي أنا أبي أدرهم، قلت أمشي معك، من بعد ردف أخوه الأطرم على الذلول.
مشينا بعد نصف ساعة علينا عقب العشاء. قلت لصاحبي هذا قدامنا سواده، قال المحل هذا ما تنزل فيه البدو إلا إذا كان الذي تشوفونه بعارين مجاهيم. بعد ربع ساعة وصلنا عندهم وإلا هي غنم كلها نجد، ونزلنا عندهم، لكن الأطرم يصيح ويفرك بروحه، وقام أخوه وراح إلى راعي الغنم، وقال له: أبي طلي معنا قريص، قال له راعي الغنم أنا عندي غنم اكبار كلها رباع وثني، لكن فيه واحد دس غنمه عندي مع غنمي وهي كلها طليان. رحت يمه وأخذ منه، وإذا ما عطاك تعال وخذ من غنمي. وراح يمه وإذا هو نائم أيقظه وقال له عندنا أخوي مقروص نبي له طلي، قال أخذ واحد، وقام وأخذ الطلي وذبحه وحالا شق بطنه وطلع الكرشه، وحط رجله بالكرشه، وعقب ثواني وإذا بالمقروص يضحك ويأشر بيده يقول تندح، وبعد نصف انتفخت الكرشه خطر إن تنبط، وبعد نسم عليها وخليناها إلى الصبح لكن ما انتفخت مثل أول لكن القريص ما عنده ألم. ومشينا من عندهم وضحينا وطبخنا اللحم وأكلنا، والمقروص أكل أكثر منا.
ومشينا بعد ساعتين وصلنا عند أهلهم وخلينا القريص عندهم وذبحوا ذبيحة وخلوا الكرشه برجله كالعادة لكن لم تنتفخ أبدا، وبعد خلينا القريص عندهم ومشينا أنا مع عبد الله المطيري الملقب بالكويتي».