«سوق الندى».. صباح السمك ومساء الأناقة

أقدم أسواق جدة يستقبل 3 آلاف زائر يوميا

«سوق الندى» بجدة كما بدا في مسائه مزدحما بالمتسوقين («الشرق الأوسط»)
TT

يتفرد سوق «الندى» الذي أنشئ قبل ما يزيد عن 150 عاما داخل أسوار مدينة جدة القديمة، بأنه المركز الوحيد الذي يبدأ بعرض الأكلات الشعبية، والأنواع الطازجة من الأسماك، ورؤوس المندي، وينتهي بأناقة المتسوقين من الحذاء، إلى غطاء الرأس «الشماغ» والأقمشة الرجالية.

ويضم السوق قرابة 500 منفذ تجاري مختلفة المساحة، تعرض نحو 25 سلعة أساسية، بخلاف البسطات التي تنتشر على جانبي الطريق الرئيسي للسوق، إضافة إلى أقدم محل صرافة وبيع الجنيهات الذهب، الذي يعد من أهم الركائز الرئيسية لسكان جدة القديمة، أثناء تقديم مهر العروس فيما كان يعرف بـ«البقشة»، التي تحتوي على جنيهات الذهب، والأقمشة والعطور.

ويتردد على السوق - وفقا لإحصائيات غير رسمية - قرابة الثلاثة آلاف زائر من مختلف الجنسيات يوميا، فيما تستهوي بعض الملبوسات التقليدية، العاملين في شركات الطيران من «المضيفات» اللاتي يقبلن على شرائها من سوق الندى، إضافة إلى بعض السياح الذي يبحثون بعض المشغولات اليدوية، وأنواع من الوجبات الشعبية.

ومع دخول المستهلك لـ« سوق الندى» يستنشق أنفه الروائح الزكية، لأشهى المأكولات الأكثر طلبا في عروس البحر الأحمر، في حين يتمتع ناظراه بعرض أجمل فساتين السهرة، وثياب «الدقلة» التي يرتديها الشباب في ليلة الفرح «الزفة»، ليشكل هذا المزج بين النقيضين لوحة فريدة لا تجدها إلا في منطقة البلد، في سوق الندى.

ومن أبرز ما يقدم من الوجبات الشعبية، السمك بمختلف أشكاله، مع الأرز «البني» المعروف لدى الجداوين بـ«الصيادية»، وهي أكثر الطبخات السعودية التي يستهلك فيها البصل بكميات كبيرة.

ويتنافس قرابة 6 مطاعم شهيرة وقديمة على استقطاب زوار سوق الندى، فيما تعتبر وجبة «رؤوس المندي» من أهم الوجبات الشعبية التي لا تقدم إلا بحجز مسبق من الساعات الأولى من صباح كل يوم، للحصول على هذه الوجبة.

ووجبة رؤوس المندي، وجبة تقوم على طهو رأس الماشية، تحديدا «التيوس» وبعض من الخرفان، وهذا الطهو يعتمد على وضع الرؤوس في «الميفا»، حفرة بعمق متر أو يزيد مغلقة بأحكام، يتم وضع الرؤوس في تلك الحفرة، وتغطى بالجمر لفترة زمنية يحددها الطاهي، ومن ثم يتم إخراجها وعرضها للبيع، فيما يقوم «الشيف» باستخراج اللحم الموجود على رأس الماشية بعد استوائه، والمخ ويقدم في طبق مع سلطة «الطحينة» ويؤكل بالعيش، أو الأرز، ويبلغ سعر هذه الوجبة قرابة 20 ريالا للرأس الواحد.

وبحكم تقارب الأسواق القديمة «العلوي، البدو، قابل، الندى، الخاسكية» داخل السور الذي أنشئ في عهد المماليك لحماية المدينة من الهجمات البرتغالية، وتم تحصينه في تلك الحقبة بالمدافع الثقيلة، فإن هذا التقارب لا يشعر المتسوق لمنطقة البلد التي تجمع هذه الأسواق، بأنه يتجول في الأسواق جميعها على مساحة لا تزيد عن 1.5 كيلومتر مربع، لتقاربها وتلاصق بعضها ببعض.

وما زالت هذه الأسواق بمرور السنوات تحتضن بعض اللمسات التقليدية في العرض والطلب، وإن أضيف على عدد من منافذ بيع المنتجات الغذائية والاستهلاكية شيء من أساليب العرض الحديث، مثل «المليكان» وتغير واجهة المحال التجارية، والإضاءة، إلا أن عمليات البيع والشراء لا تسير عبر ما يعرف بـ«الكاشير» فالدفع مباشرة مع أي فرد من العاملين في ذلك المحل.

وتعتبر جدة التي تقع على مساحة تقدر بنحو 748 كيلومترا مربعا، أكبر المدن المطلة على البحر الأحمر، الأمر الذي جعلها بوابة السعودية تجاريا، لسهولة حركة التجارة الدولية مع الأسواق الخارجية، وهذا الموقع على البحر الأحمر، محطة سياحية هامة على الخارطة المحلية والإقليمية، لاستقبالها سنويا أكثر من 6 ملايين حاج ومعتمر، مقبلين عبر الموانئ الرئيسية، بخلاف المقبلين بالمركبات العامة والخاصة، والتي تزيد وفقا لآخر التقديرات الرسمية ما بين 40 - 60 ألف مركبة يوميا تعبر جدة في اتجاه مكة، أو المدينة.

وفي هذا الصدد تقوم الجهات الرقابية والتفتيشية في أمانة مدينة جدة بمراقبة الأسواق الشعبية، ورصد المخالفات في أنظمة البيع للمنتجات الاستهلاكية التي يقوم بترويجها مجموعة من العمالة الوافدة بأسعار زهيدة على الأرصفة وفي الأكشاك، فيما رصدت أمانة البلد عددا من المخالفات، تمثلت في ترويج منتجات غير محلية، وأخرى تروج على أنها منتجات عالمية. وقالت مصادر لـ« الشرق الأوسط» إن سوق الندى هو من أهم الأسواق في المنطقة التاريخية والذي يشتمل على الكثير من السلع والمنتجات الغذائية التي يكثر عليها الطلب، لذا وفقا للمصدر فإن عمليات الرقابة هنا تكون على شقين رقابة للأسواق الاستهلاكية، ورقابة على الأطعمة من قبل مختصين للتأكد من سلامة المواد الغذائية التي تقدم في السوق. وتمثل جدة في الوقت الراهن أكثر من 21 في المائة من إجمالي الأسواق والمراكز التجارية في السعودية، لا احتضانها على أكثر من 320 مركزا تجاريا، فيما ينتشر على مساحتها التي تزيد عن 5460 كيلومترا مربعا، نحو 360 مجسما، ويقدر عدد السكان بنحو 3.4 مليون نسمة، ما يمثل 14 في المائة من عدد سكان في المملكة.

وهنا يقول العم، أحمد حسن، أحد مالكي المطاعم الشعبية في منطقة «سوق الندى» إن هذا السوق هو أحد أقدم الأسواق التي اشتهرت ببيع السمك المقلي الطازج، والأنواع المختلفة من الأرز، وكان مرتادوه من مختلف الأحياء في جدة خلال السنوات الماضية، إلا أنه لوحظ في السنوات الأخيرة تدني عمليات البيع الذي يقتصر على مرتادي السوق وبعض الزبائن، معللا ذلك بكبر واتساع المدينة، وقلة وجود المواقع التي تتسع للمركبات المقبلة من الأحياء القريبة والبعيدة عن سوق الندى.

ويعول عدد من المهتمين بالأسواق القديمة أن ترفع الجهات المختصة اهتمامها بهذه المواقع القديمة، من خلال عمليات الصيانة والتحديث، وإيجاد مساحات خالية لاستيعاب مركبات الزائرين من خارج المنطقة، مع رفع معدل النظافة والتنظيم للبسطات، والحد من عمليات الافتراش التي ترتفع أعدادها في الفترة المسائية.