«صناعة البشوت».. العلامة الفارقة في تراث الأحساء

صناعة تواجه العقبات ومبيعاتها في انخفاض

أحد صناع المشالح في الأحساء يعمل على خياطة مشلح أحسائي («الشرق الأوسط»)
TT

«إذا مررت بالأحساء فعليك بالتمر الخلاص وفخار جبل القارة والبشت الحساوي».. مقولة تختصر أشهر ما عرفت به محافظة الأحساء شرق السعودية، وإن تأخر البشت «المشلح» في الترتيب، إلا أنه يكاد يكون الأول والأشهر والأكثر ارتباطا بالمحافظة التي تميزت بحياكته منذ العصور الأولى لظهور الإسلام، كما أكدت ذلك كتب التاريخ.

وقد أظهر أهل الأحساء براعة جعلتها الأولى في تصدير البشوت لمختلف المناطق السعودية ودول الخليج، وأكسبت «البشت الحساوي» شهرة لجودة صناعته يدويا وحرفية حياكته ودقتها.

وفي ذلك يقول المهندس عبد الله الشايب في كتابه مقالات في تراث الأحساء: «البشت مسمى فارسي لقطعة اللباس فوق الثوب ويصنع من الصوف أو الوبر»، والصناعة المحلية مشهورة على نطاق واسع، والبشت قطعة من القماش تكسو الجسم من الأكتاف إلى الأقدام ومفتوحة من عند الرقبة إلى الأسفل، وفتحتا الأكمام ضيقتان وتطرز حواشي الفتحات بخيوط الزري «كما أشار الشايب إلى استعمالات المشلح (البشت)»، فهو لباس رسمي يرتديه رجال الدولة والأعيان وكبار شخصيات البلاد كما يلبسه العرسان في حفل الزواج.

وتعود شهرة البشت الحساوي بالدرجة الأولى إلى جودة صناعته وحياكته بطرق يدوية تحتاج لمهارة عالية وحرفية تامة ودقة متناهية، حيث يستخدم لحياكته التي تستغرق 10 إلى 15 يوما للبشت الواحد قماش يختلف لونه بحسب فصول السنة الأربعة، فلكل فصل لونه وسماكته تبعا لتقلب درجات الحرارة، إضافة لخيوط الزري، وهي خيوط حريرية تتخذ عادة اللونين الذهبي والفضي ويتم استيرادها من ألمانيا وفرنسا وأحيانا تستخدم خيوط البريسم الحريرية، في حين تبدأ الحياكة بعملية الترسيم بحسب المقاسات، بعد ذلك تتم عملية السراجة وتوضع البطانة وهي قطعة قماش أقرب إلى لون الزري للتقوية، ثم السموط أي الفراش، وبعد ذلك التركيب الفوقي للطوق، ثم تأتي مرحلة الهيلة وهي حشو الزخرفة، بعد ذلك يتم التركيب التحتي للداير ثم البروج وعندها يتم تركيب الزري كنقشة أخيرة، والزري عبارة عن خيوط حريرية مستوردة تتخذ عادة لوني الذهب والفضة وأحيانا يقوم البريسم الحريري مقام الزري، وتأتي «البردخة» في المرحلة الأخيرة، حيث يوضع الزري المخاط على قطعة خشب ويتم طرقه بمطارق خاصة لصقله، وتنقسم أسعار البشوت إلى قسمين، فهناك الأسعار الشعبية وهي التي تراوح بين 1500 و3500 ريال وأسعار التوصية التي تبدأ بـ7000 وتصل لـ25 ألف ريال.

وبالعودة إلى عبد الله الشايب فقد ذكر لـ«الشرق الأوسط» أن الأحساء هي مهد صناعة البشوت ومنها انتقلت عبر هجرات الأسر لدول الخليج والشام والعراق، لذلك لا يزال البشت الحساوي الأجود والأكثر طلبا في المناسبات الرسمية والإهداءات، مؤكدا أن ذلك مما يعزز مكانة البشت وإضافته للسياحة في الأحساء من خلال تقديمه هدية للسياح، الأمر الذي يساعد على تسويقه على مستوى العالم كمنتج راق، كما اقترح الشايب أن تستبدل الدروع والهدايا في التكريمات والمناسبات الرسمية التي تقام في الأحساء بالمنتجات الحرفية والبشت تحديدا، موضحا أنه يمكن أن يهدى جزء منه أو ما يسمى «مسطرة»، وهي القطعة من البشت التي تشتمل على الزخرفة لتوضح إبداع التطريز الذي تميزت به الأحساء.

ورغم مكانة «المشلح الحساوي» فإن صناعته تواجه الكثير من العقبات والتحديات التي أصبحت تشكل خطرا يهدد تلك المكانة، ويظهر هذا التهديد جليا في انخفاض مبيعات المشالح، فبعد أن كانت بمعدل 40 مشلحا في الأسبوع فقد وصلت إلى 15 مشلحا في الشهر. وعلل مختصون في صناعة المشالح هذا الانخفاض في سوق المشالح بمنافسة المشالح المصنعة المستوردة والتي تكون عادة بأسعار زهيدة تجذب المستهلك، الأمر الذي حفز العمالة الأجنبية على خوض عالم المشالح وتصنيعها لتحقيق الأرباح على حساب الجودة الحرفية، مؤكدين أن ذلك سيكون له أثر سلبي على وجود وجودة هذه الحرفة التراثية التي تميزت بها الأحساء على مدى قرون.

في حين يختلف المهندس الشايب مع ما يشاع من انخفاض مبيعات البشوت الحساوية في مقابل الزيادة السكانية في المملكة والخليج، مشيرا إلى أن هناك لبْسا في مسألة المبيعات والإنتاج، فإحصائية انخفاض المبيعات أعلنت قياسا على كبار الخياطين أو ما أطلق عليهم «المصدر التقليدي» الذي انهزم أمام تعدد المصادر وكثرة الخياطين؛ لذلك لا يمكن التسليم بصحة هذه الإحصائيات ودقتها، مجددا ما طلبه الكثير من المهتمين بهذه الصناعة بإنشاء لجنة تابعة لغرفة الأحساء تكون مظلة لمزاولي المهنة.

من جهته، أكد مدير فرع الهيئة العامة للسياحة والآثار في الأحساء أن الهيئة في رعايتها لصناعة البشوت تنطلق من كونها نشاطا حرفيا وإرثا وطنيا ومصدرا لتنمية الموارد الاقتصادية، مشيرا إلى أهميتها في إنعاش الحركة التجارية والسياحية، لذلك اتجهت الهيئة لدعم مركز النخلة للصناعات الحرفية في الأحساء الذي قدم خلال فترات مختلفة خمسة برامج تدريبية لحياكة البشوت لما مجموعه 60 متدربا من الشباب الذين تراوح أعمارهم بين 15 و23 سنة، وتستهدف البرامج التدريبية تنمية الكوادر البشرية في القطاع السياحي لتوعيتهم بأهمية الحرف اليدوية كمنتج يمكن تسويقه للسياح.