«فوضى» الأمن.. في المطارات

طرق تفتيش المسافرين الجديدة تستغرق وقتا طويلا وقد لا تؤدي الغرض المطلوب

امرأة تجرب جهاز التفتيش الجديد في مطار رونالد ريغان في واشنطن (نيويورك تايمز)
TT

بدءا من يوم الاثنين الماضي، وحسب أوامر إدارة أمن المواصلات «تي إس إيه» التابعة لوزارة أمن الوطن «دي إتش إس»، يتعرض المسافرون والمسافرات إلى الولايات المتحدة من أربع عشرة دولة إلى «تفتيش تصويري كامل للجسم». تنقسم هذه الدول إلى قسمين «قائمة دعم الإرهاب»، وهي: إيران، سورية، السودان، كوبا.. و«قائمة الاهتمام الخاص»، وهي: نيجيريا، اليمن، باكستان، أفغانستان، السعودية، الجزائر، العراق، لبنان، ليبيا، الصومال. (من بين الدول الشرق أوسطية التي لا توجد في القائمة: الأردن، مصر، المغرب، تونس، الكويت، الإمارات، قطر، البحرين).

وصفت وزارة الأمن الدول التي في القائمة بأنها إما في قائمة «دعم الإرهاب» أو قائمة «الاهتمام الخاص». لم تفسر الوزارة ذلك، لكن صار واضحا.. أولا: كل الدول، ما عدا كوبا، مسلمة. ثانيا: الدول ذات «الاهتمام الخاص» ليست بالضرورة «إرهابية». هي دول ذات أكثرية مسلمة. ثالثا: استثنيت دول عربية وإسلامية دون غيرها. رابعا: لا توجد خطوط طيران مباشرة بين أميركا وأغلبية هذه الدول، لكن يتعرض للتفتيش المصور الكامل كل من كان في أي من هذه الدول أو مر بها. خامسا: لم تفرق الوزارة بين «مواطن» و«مسافر»، لكنها استعملت «من»، مما يعني أن أي شخص من هذه الدول، أو مر بواحدة منها في طريقه إلى الولايات المتحدة. سادسا: لم تشر الوزارة إلى الاسم الرسمي «التفتيش الكامل المصور»، واستعملت وصف «تفتيش أمني إضافي».

مباشرة بعد محاولة النيجيري عمر الفاروق عبد المطلب تفجير الطائرة الأميركية التي سافر فيها من أمستردام إلى ديترويت، أمرت وزارة الأمن بتطبيق نوعين من التفتيش على كل مسافر بكل طائرة إلى كل مطار أميركي.. أولا: المرور عبر البوابة الإلكترونية (لكشف أي مادة معدنية) والذي صار واجبا على كل مسافر. وثانيا: المسح باليدين فوق الملابس (والذي كان اختياريا، كما يقرر المسؤول عن التفتيش).

لكن، بعد ثلاثة أيام، صار واضحا أن طريقتي التفتيش، خاصة المسح باليدين على الملابس، تستغرقان وقتا طويلا، وتعطلان كثيرا من الرحلات الجوية. لهذا، قررت الوزارة التركيز على الأربع عشرة دولة (مواطنيها، والقادمين منها، والمارين على مطاراتها). لكن منذ اليوم الأول، واجهت الوزارة حملة انتقادات أميركية وغير أميركية. فمنظمات حقوق الإنسان والحقوق الخاصة قالت إن التفتيش المصور الكامل للجسم يتعدي الحرية الخاصة للإنسان. كما أن شركات طيران قالت إن الإجراءات معقدة وتستغرق وقتا طويلا وتكلف أموالا كثيرة. وردت الوزارة ببيان جاء فيه «لأن الإجراءات الأمنية الفعالة في مجال السفر بالطائرات يجب أن تبدأ خارج حدود الولايات المتحدة، فإن كل مسافر من الدول التي تدعم الإرهاب، أو الدول ذات الأهمية الخاصة، يجب أن يمر بتفتيش متطور». وبررت الوزارة هذه الإجراءات بأنها «تمت بعد التشاور مع رجال القانون ومع شركائنا المحليين والعالميين»، أي أن الوزارة حرصت على التأكيد أن الإجراءات الجديدة «قانونية» و«دولية». لكن طبعا، سيكون هذا موضوع مناقشات وقضايا ستنظر فيها المحاكم لسنوات وسنوات.

ومن الآن، بدأت المناقشات. وكان أول طرف فيها مايكل شيرتوف، الوزير السابق لوزارة الأمن. في البداية، دافع عن التصوير الأمني الكامل في تصريح إلى صحيفة «نيويورك تايمز». ثم دافع عن نفسه بعد تقرير في صحيفة «واشنطن بوست» بأنه، بعد أن ترك الوزارة، صار عضوا في مجلس إدارة واحدة من الشركات التي تنتج أجهزة التصوير الأمني. أي أنه ربما لا يؤيد استعمال الجهاز بسبب حرصه على الأمن الأميركي، ولكن بسب حرصه على مصالحه الخاصة.

ما هي هذه الأجهزة؟ اهم اثنين «ميليميتر ويف» (موجات دقيقة تدور حول الجسم)، وهو الجهاز الأكثر استعمالا، و«باكسكاتر» (موجات على طريقة أشعة «إكس»). تدور موجات «ميليميتر» حول المسافر أو المسافرة. ولا تصور أي ملابس أو أوراق أو حجارة أو زجاج أو ماء صاف أو خضراوات أو لحوم أو فاكهة أو بذور. تصور فقط المعادن والمواد الكيماوية وهي تظهر على الجسد. ويعتمد التصوير على ذبذبات عالية جدا، تصل إلى 300 غيغاهيرتز (مليار ذبذبة. هيرتز هو وحدة ذبذبة، والذبذبة هي دورة واحدة كل ثانية. ويوجد كيلوهيرتز، وميغاهيرتز. وأعلاها هو تيراهيرتز).

هذه كلها شحنات كهربائية مغناطيسية، ويقاس بها الضوء والصوت. وطبعا، الضوء هو الذي يصور، ويصور حسب ذبذبات عالية. تحسب بالعشرات (مثل «الأشعة تحت الحمراء»)، أو بالآلاف (مثل «الأشعة فوق البنفسجية») وأعلاها هي أشعة «غاما» التي تحسب بوحدة «إكساهيرتز». ولهذه الأخيرة خطر إضافي لأنها تنبعث من إشعاع ذري. وتستعمل في الطب النووي. وتستعمل الذبذبات الضوئية والصوتية في مجالات أخرى، مثل: الفلك، والاستشعار البعيد، وسفن الفضاء، الاتصالات اللاسلكية، مدنية وعسكرية. وطبعا، تتطور سريعا مع تطور التكنولوجيا السريع. وأخيرا، أعلن السلاح الجوي الأميركي اختراع سلاح «آي دي إس» (شحنة إشعاع لا تقتل، لكنها تجعل الإنسان يحس وكأن جمسه يحترق).

في الأسبوع الماضي، قالت دورية «أميركان ساينتست» (العالم الأميركي) إن «النجاح ربما يكون سبب الفشل»، في إشارة إلى نجاح «موجات ميليميتر» في تصوير المسافر والمسافرة. أي إنها نجحت في تصوير كل شيء، غير أنه لا يجب أن يصور كل شيء. لكن، دافعت شركة «إل ثري» التي تنتج الجهاز عن الجهاز، وقالت إنها وضعت احتياطات «كافية»، منها أنها خفضت درجة الذبذبة لتخفيض التفاصيل، ومسحت الوجه حتى لا يعرف من هو المسافر أو المسافرة، كما منعت نقل أو تصوير أو تخزين صور المسافرين والمسافرات.

وبسبب حملة الهجوم والنقد ضدها، دافعت وزارة الأمن عن الجهاز، وقالت إنها حريصة على أن يدير شخصان كل جهاز: الأول فني (يجلس بعيدا عن الجهاز حتى لا يرى المسافر أو المسافرة)، ويلتقط الصورة، ويراقب أي سلاح أو متفجرات. والثاني أمني (يجلس بالقرب من المسافر أو المسافرة)، لا يشاهد الصورة، لكنه يتلقى معلومات من الفني إذا كان المسافر أو المسافرة يحمل سلاحا أو متفجرات.

بالإضافة إلى دفاع وزارة الأمن، دافعت شركة «إل ثري» التي تنتج «ميليميتر ويف». وقالت إن الجهاز يوفر الوقت، وإنه يفتش أكثر من أربعمائة مسافر ومسافرة كل ساعة (بالمقارنة مع مائة كل ساعة حسب النظام التقليدي)، وإنه أقل «أذى نفسيا وخدشا للحياء» من التفتيش بالمسح باليدين فوق الملابس، وإنه «يوضح المكان الحقيقي لكل شيء». وقالت أيضا إن «حركة واحدة لا تتكرر» (أي لا يطلب ضابط الأمن من المسافر أو المسافرة أن يعود مرة ثانية للتفتيش)، وإنه لا يستغرق أكثر من ثانيتين، وإن المواد المشعة التي تصدر منه أقل من التي تصدر من التليفون الجوال بعشرة آلاف مرة، وإنه يمكن أن يطور لينتج صور فيديو، أو صور «بايوميتريك» (قياس ملامح الوجه).

وبحسب تقرير كتبه علماء في ولس الاموس (ولاية بنيومكسيكو) حيث مركز أبحاث الأسلحة والطاقة النووية، وغير النقد الخاص بحقوق الإنسان والحقوق الخاصة، يوجد نقد عن الجانب الصحي. والسبب هو أن الصور تستعمل ذبذبات «تيراهيرتز» القوية. رغم أن الكثير من الخبراء والعلماء قالوا إنها لا تؤذي الجسم أذى مباشرا، لكنها مثل أشعة «إكس»، تثير القلق، وتستدعي احتياطات كافية وفعالة. هذه نقطة. والنقطة الثانية هي أن «تيراهيرتز» يتفاعل مع «دي إن إيه» (الحمض النووي). وكما قال التقرير «يمكن أن يفصل نوايات الحامض عن بعضها البعض» (أي يؤثر على الجينات).

أول مرة استعملت فيها أجهزة التصوير الأمني الكامل للجسم بصورة مستمرة وفعالة كانت في سنة 2007، في مطارات أميركية قليلة، منها فينكس (ولاية أريزونا). في ذلك الوقت، نقل تلفزيون «سي إن إن» أن تسعين في المائة من الذين تعرضوا للتصوير قالوا إنهم يفضلون المسح (مسح الجسم خارج الثياب). ثم في مطار أمستردام، سنة 2008، ثم في مطار مانشستر في بريطانيا.

في السنة الماضية، عندما استعمل لأول مرة في مطار في كندا، قال تلفزيون «سي بي سي»: «يكشف هذا الجهاز أكثر مما يجب. نعم، يكشفه للفني، وليس لزميله الأمني. لكنه يكشف ربما ما لا يجب كشفه. يرفع المسافر أو المسافر يديه إلى أعلى ويقف تحت رحمة موجات تتذبذب في سرعات خيالية». ونقل التلفزيون آراء مسافرين ومسافرات. من الموافقين، قالت دينا كاموزي «أريد حماية نفسي وعائلتي. كل شيء يهون في سبيل ذلك، صوروني أو لم يصوروني». من الناقدين، قال هنري توماسون «أفهم الجانب الأمني، لكننا مثل الرعاع، نقف ونرفع أيدينا فوق رؤوسنا، ولا نقدر على أن نسأل لماذا نفعل ذلك». وقال التلفزيون إن كل جهاز يكلف ربع مليون دولار.

لكن، لا يقتصر استعمال التصوير الأمني للجسم الكامل على المطارات. تستعمله محاكم في ولايات فرجينيا وكولورادو وكاليفورنيا. ويستعلم لأغراض أمنية أخرى في بريطانيا والمكسيك وتايلاند وهولندا. ويستعمل في نقاط الجمارك والجوازات في بعض المدن الحدودية، خاصة للكشف عن مخدرات. ورغم أن جهاز المطارات يستعمل للكشف عن أسلحة أو متفجرات، فإنه يمكن أن يعدل ليكشف مخدرات، أو سوائل كيماوية، أو مواد كيماوية معينة.

وانتقد الجهاز في بريطانيا عندما استعمل هناك لأول مرة سنة 2008. قالت صحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية «لا يكشف هذا الجهاز أسلحة أو متفجرات فقط. إنه يكشف الكرامة الشخصية للمسافر أو المسافرة». ونقلت صحيفة «تايمز» البريطانية على لسان سارة لادفزر، مسافرة، قولها «يستطيع هذا الجهاز أن يكشف الأعضاء الحميمة. وأنا أرى أن من حقي كمسافرة أن أرفض، وأن أطلب أن أفتش باللمس. نعم، أفضل اللمس على التصوير العاري». وأضافت «طبعا، سيقول البيروقراطيون إنهم اتخذوا كل الإجراءات الممكنة لضمان سلامة المسافرين والمسافرات. إنهم دائما يقولون ذلك. يعدون ولا ينفذون».

ومن الذين انتقدوا جهاز «ميليميتر ويف» دورية «تكنولوجي ريفيو» التي يصدرها «إم تي آي» (معهد ماساشوستس للتكنولوجيا). ومثل النقد السابق، قالت الدورية إن موجات تيراهيرتز «تمزق الحامض النووي» لأنها «تقع في منطقة وسط بين الأشعة تحت الحمراء وأشعة المايكروويف». لكن أضافت الدورية خطرا آخر، وهو أنه إذا تطورت التكنولوجيا في المستقبل، يمكن أن يوضع «ميليمتر ويف» في جهاز محمول (مثل تليفون جوال). يعني هذا أن الناس، مثلما يستعملون الآن كاميرات صور وكاميرات فيديو، سيقدرون على «التصوير العاري». ليس فقط عن قرب، ولكن عبر ملابس وأخشاب وطوب، وجدران وغرف.

ويوم الاثنين الماضي، حذر الاتحاد من «ريشيال بروفايل» (وصف الشخص وصفا عرقيا أو عنصريا) بسبب إجبار مواطني دول إسلامية وشرق أوسطية على التفتيش المصور الكامل للجسم. وقال «تستهدف هذه الإجراءات الحقوق المدنية، وليس بالضرورة الإرهاب». وحذر «ايبيك» (المركز الإلكتروني لحقوق الإنسان) «نحن نصور الناس بتعريتهم». كما حذر «برايفسي كوليشن» (تحالف الحقوق الخاصة) «أوقفوا تصويرنا بتعريتنا».

وأرسلت ثلاثون منظمة خطاب نقد إلى الرئيس أوباما، منها بالإضافة إلى المنظمات والمراكز سابقة الذكر «الحقوق الخاصة»، «تحالف الحقوق الخاصة»، «مؤسسة حقوق الإنسان»، «المنبر الخاص»، «المشروع الدستوري»، «تحالف المسافرين»، «التفرقة والأمن الأميركي»، «نساء ضد التفتيش الشخصي».

من بين أعضاء الكونغرس الذين يقودون الحملة ضد «ميليميتر ويف»، جاسون شافيتز (جمهوري من ولاية يوتا). قال «لا أعتقد أن أي إنسان يريد أن يرى ابني، وعمره ثماني سنوات، عاريا قبل أن يدخل طائرة». وأضاف «أنا أسافر كل ثلاثة أو أربعة ايام. لهذا، نعم، أريد أن يكون السفر آمنا. لكن، ابني...؟» قدم النائب مشروع قانون أجازه مجلس النواب، وينتظر إجازة مجلس الشيوخ (لكن، كان ذلك قبل محاولة عبد المطلب، مما يعني أن مشروع القانون ربما لن يصبح قانونا). رقم القانون هو 2027، واسمه «قانون حدود للتصوير الكامل للمسافر بطائرة». ويشترط الآتي لاستعمال هذه الأجهزة: أولا: أن تستعمل تحت إشراف مباشر من وزير الأمن. ثانيا: لا تحل محل طرق أخرى للتفتيش. ثالثا: يقدر المسافر على وسيلة أخرى غيرها. رابعا: يقدر المسافر على طلب التفتيش بالمسح باليدين. خامسا: لا تخزن، ولا تحول، ولا تشارك، ولا تنسخ. سادسا: يقدم الوزير تقريرا بعد سنة عن عدد الذين فتشوا بهذه الطريقة الجديدة، وعن نسبتهم بالمقارنة مع غيرهم، وعن آراء النوعين في الجهاز الجديد.

وعن محاسن ومساوئ مثل هذه الاختراعات، في الشهر الماضي كتبت دورية «نيوساينتست» عن تكنولوجيا «سكان» (تصوير الجسم لمختلف الأهداف الطبية والأمنية). وقالت «إذا كان الهدف هو كشف السرطان، فإن التكنولوجيا الجديدة تكشفه وهو في مراحله الأولية، وهذا شيء لم يكن ممكنا في الماضي. نعم، يوجد أذى، لكن في هذه الحالة، الأذى أقل من الفائدة». وأضافت «طبعا، يقدر إنسان أن يقول: وماذا عن كشف شخص لا يعاني من السرطان؟ لماذا يعرض لإشعاع بدون ذنب؟ في هذه الحالة تكون الإجابة: ربما لا بد من ثغرة في كل اختراع ناجح».

ولتقريب الصورة بالنسبة لجهاز «ميليميتر ويف» للمسافرين والمسافرات، هناك «إم آر آي» (جهاز التصوير المغناطيسي للمخ وغير المخ)، واخترع سنة 1973، وهناك «كات سكان» (تصوير كمبيوتري لا يختلف كثيرا عن الأول)، واخترع قبل ذلك بسنوات قليلة. وهناك أشعة «أكس» (تصوير العظام»، واخترع سنة 1895.

لكنها كلها تخترق الجسم، ولا صلة لها بالأسلحة والمتفجرات. وهذا يعني أن «ميليميتر ويف» أقل تعقيدا (وأقل خطرا) من هذه الأجهزة الطبية. ولا بد من الإشارة إلى «مايكروويف» (ذبذبات الاتصال اللاسلكية، أي صوت وليس صورة)، وإلى فرن «مايكروويف (ذبذبات حرارية لتسخين الماء والأشياء).

في الأسبوع الماضي، ناقشت دورية «نيو أميركان» (الأميركي الجديد) العلمية ما إذا كان جهاز «ميليميتر ويف» سيستطيع كشف النيجيري عبد المطلب، إذا كان فتش به. وعلى عكس ما قال مايكل شيرتوف، وزير الأمن السابق (وصاحب أسهم في شركة «ميليميتر ويف»)، قالت الدورية إن الجهاز ما كان سيكشف عبد المطلب. وقالت «هذه مواد كيماوية ذات كثافة منخفضة». وقالت إن الجهاز أيضا لا يقدر على كشف سوائل، وسوائل كيماوية، ومواد بلاستيكية. فقط معادن وأسلحة. كان عبد المطلب استعمل مادة «بي آي تي إن» (ثمانين غراما فقط). وضعها في ملابسه الداخلية، وحمل حقنة بلاستيكية (حتى لا تكشفها بوابة التفتيش الإلكترونية) فيها سائل كيماوي، ليخلط الاثنين معا، ويسبب الانفجار. لكنه تباطأ وارتبك وهو يحاول أن يفعل ذلك في مقعده داخل الطائرة. وقيل إنه لم ينفذ الأوامر التي أعطيت له بأن يفعل ذلك في حمام الطائرة. كما لم يكن يعرف منع المسافرين والمسافرات من الانتقال داخل الطائرة خلال نصف الساعة الأخير قبل الهبوط.

بعد حادث عبد المطلب، تحمست وزارة الأمن، وأعلنت رصد 165 مليون دولار لشراء مزيد من «ميليميتر ويف» من شركة «إل ثري». وتحمس أوباما، وأعلن أنه سيبذل «كل ما هو ممكن»، وسيرصد «كل ميزانية ممكنة» لضمان سلامة الأميركيين. في الأسبوع الماضي، علق على هذا ايوجين روبنسون، كاتب عمود في صحيفة «واشنطن بوست»، وهو ليبرالي وأسود، في البداية، أيد أوباما، لكنه لاحقا قال إن أوباما تنكر لوعوده الانتخابية. سال روبنسون «لماذا يفعل أوباما هذا؟».. وأجاب «ليقنع الأميركيين بأنه حريص على سلامتهم، وليزيد أرصدته، من الآن، للفوز في انتخابات رئاسة الجمهورية بعد ثلاث سنوات». وسأل، وهو سليل سود عانوا من تفرقة عنصرية، عن وجود تفرقة عنصرية ودينية في استثناء مواطني ثلاث عشرة دولة شرق أوسطية، وإجبارهم، دون غيرهم، على التعرض لجهاز «ميليميتر ويف». وسأل، وهو أب أولاد وبنات، عن تصوير هؤلاء، وقال ربما يجب استثناء كل من يقل عمره عن ثماني عشرة سنة.

ماذا عن المستقبل، من جانبيه: إجراءات الحكومة الأميركية، وخطط الإرهابيين؟.. في جانب الحكومة الأميركية، ستنتظر وهي مترددة قبل تنفيذ إجراءات أمنية جديدة. وحسب النظام الأميركي، بالإضافة إلى النقد في الصحف وفي الكونغرس، سترفع منظمات حقوق الإنسان والحقوق الخاصة قضايا ضد وزارة الأمن. ومثلما حدث عندما أرسلت الحكومة الأميركية متهمين بالإرهاب إلى سجن غوانتانامو العسكري في كوبا، ستمر سنوات وسنوات، قبل أن تحسم المحاكم هذا الموضوع، خاصة حتى يصل إلى المحكمة العليا. وفي جانب الإرهابيين، لا بد أن يخططوا لخدع أخرى. وربما كما قالت صحيفة «نيويورك تايمز» في سيناريو مثير، سيخططون لوضع قنبلة في مؤخرة جسم الإنسان، يخرجها، ويبول عليها، لتنفجر.

وعن هذه النقطة، كتب بروس شنايار، وهو خبير في شؤون الأمن والإرهاب، ومؤلف كتابي «ما بعد الخوف» و«أسرار وأكاذيب»، وهما عن موجة الرعب والخوف التي اجتاحت الأميركيين بعد هجوم 11 سبتمبر (أيلول) سنة 2001. قال «لو كانت هناك مائة طريقة يستعملها الإرهابيون، ونحن اكتشفنا اثنتين، فلا بد أنهم سينتقلون إلى ثالثة، ناهيك عن مائة». وسأل «ما ضرر كشف خطتين وأنا عندي مائة خطة؟».