ياسر عرمان: كبش فداء.. أم ضربة معلم ؟

انضمامه لحركة تمرد جنوبية أثار ضجة.. وترشيحه للرئاسة أثار الجدل

TT

في صباه، كان مرشح الحركة الشعبية لانتخابات الرئاسة السودانية ياسر سعيد عرمان، يقلد الرؤساء، خاصة الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، وكان كبار أفراد الأسرة يطلبون منه تقليد خطابات الرؤساء، التي كان يلقيها بفصاحة تسبق عمره، هكذا قال شقيقه المقيم في لندن أسامة سعيد عرمان لـ«الشرق الأوسط»، بعد نبأ ترشيح ياسر للانتخابات.

وتلقى السودانيون هذا الخبر من زوايا مختلفة، واختلفوا حول الخطوة بين مؤيد ومعارض.. إلا أن حظوظ عرمان، تبدو كبيرة أكثر من غيره من المرشحين العشرة، ويضعه المراقبون ضمن الثلاثة الأقوى مع الرئيس عمر البشير والصادق المهدي رئيس الوزراء السابق وزعيم حزب الأمة. ياسر عرمان متزوج من ابنة ناظر قبيلة الدينكا دينق مجوك، وهي إحدى قبائل الدينكا، أكبر القبائل السودانية في الجنوب وتسكن منطقة أبيي المتنازع عليها بين الشمال والجنوب وهي غنية بالنفط. وينحدر عرمان من منطقة بوسط السودان، وينتمي عرقيا إلى قبيلة الجعليين (شمال)، وهي أيضا أكبر القبائل التي تعرف بأنها عربية في الشمال النيلي في السودان وتتجاذبه تلك الأصول العرقية التي تجعل من سؤال الهوية واحدا من قضايا السودان المعقدة. ولذلك اختار عرمان شعار «التغيير» في حملته الانتخابية، على طريقة الرئيس الأميركي باراك أوباما التي فاز بها في الانتخابات الأميركية الأخيرة، والتي أوصلته إلى سدة الحكم بشعار «التغيير».

وقد اعتبر المراقبون أن ترشيح الحركة لنائب أمينها العام ورئيس كتلتها البرلمانية ياسر عرمان «ضربة معلم وتنم عن ذكاء سياسي»، غير أن بعضا من خصومه في الحركة الإسلامية يعتقدون أن قيادة الحركة قدمت عرمان كـ«كبش فداء» باعتبار أن الجنوبيين سيصوتون للانفصال في الاستفتاء على تقرير المصير في يناير (كانون الثاني) القادم، لكن النائب الأول للرئيس السوداني رئيس حكومة الجنوب ورئيس الحركة الشعبية سلفا كير ميارديت قدم وأمام الرئيس عمر البشير ووسط حضور جماهيري ودبلوماسي كبير وعدد كبير من قادة الحركة الشعبية في الاحتفالات بالذكرى الخامسة لاتفاقية السلام الشامل التي أقيمت في مدينة يامبيو بجنوب السودان الثلاثاء الماضي، مرشح الحركة ياسر عرمان لانتخابات الرئاسة رسميا، مبتدرا بذلك الحملة الانتخابية بنفسه، وذكر كير أن ترشيح عرمان يأتي لمساهماته الكبيرة التي قدمها في مسيرة نضال الحركة الشعبية، وقال إن عرمان من أوائل الشماليين الذين انضموا إلى الحركة الشعبية في وقت مبكر منذ تأسيسها ومنهم القائد الراحل يوسف كوة مكي، والدكتور منصور خالد، ومالك عقار، وعبد العزيز آدم الحلو، وآخرون. وأضاف كير أن ترشيح عرمان يعطي فرصا جديدة، ويجدد الآمال وأن الحكم متروك للناخب السوداني. تلك الثقة، وصفها محللون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بأنها جائزة المرور لكي يصوت الجنوبيون في الانتخابات الرئاسية لمرشح الحركة ياسر عرمان، إلى جانب أنها تؤكد على أن الحركة ما زالت متمسكة بوحدة السودان على أسس جديدة.

وياسر سعيد عرمان سعيد الحسين، 49 عاما، نزحت أسرته الأصلية إلى منطقة الجزيرة في وسط السودان قبل أكثر من مائة عام، وأنشأ جده سعيد الحسين قرية عرفت باسمه (قرية سعيد)، وكما يقول شقيقه أسامة سعيد عرمان، فإن جدهم سعيد الحسين استطاع أن يمتلك أراضي وثروة من الماشية، واستقر المقام للأسرة الكبيرة، وامتلاك الأراضي صفة سودانية متوارثة، وقد سبق امتلاك الأسرة لتلك الأراضي قيام مشروع الجزيرة الشهير في وسط السودان، وواصلت الأسرة مشوار البقاء في تلك القرية إذ أنجب سعيد الحسين ابنيه عبد العال وعرمان، وزرق عرمان بولدين هما العطا، وسعيد والد ياسر.

نلك السيرة الأسرية التي يتحدث عنها أسامة لها دلالاتها في نشأة (الفتى) ياسر، ويقول أسامة: «والدنا عمل في مجال التعليم منذ عام 1957، وتنقل في مناطق كثيرة في السودان، ثم انتدب على سبيل الإعارة إلى اليمن الشمالي في عام 1983، وعاد إلى السودان في عام 1993، ولم يكن لديه اهتمام بالعمل السياسي، غير أن لديه اهتمامه بالشأن الوطني العام»، ولكن خلال وجود والده سعيد عرمان في اليمن كان ياسر قد شق طريقه في عام 1987 وانضم إلى جماعة التمرد (الحركة الشعبية/ الجيش الشعبي لتحرير السودان) التي كان يتزعمها الراحل الدكتور جون قرنق، مع أن ياسر كما يقول شقيقه «كان في نشأته طفلا وصبيا عاديا، وهو ابن الطبقة الوسطى بحكم وظيفة الوالد في التعليم، وأيضا ياسر لم يكن له اهتمام بلعب كرة القدم بل كانت له اهتمامات باكرة بالاطلاع والقراءة، حيث كان الوالد يمتلك مكتبة ضخمة فيها كتب متنوعة إسلامية وغيرها، إلى جانب المجلات المصرية التي كانت تصلنا أسبوعيا».

انضمام ياسر سعيد عرمان إلى الحركة الشعبية عام 1987 جرت حوله نقاشات طويلة، ولكن قبل تلك المغادرة كان عرمان قد التحق بالحزب الشيوعي خلال دراسته في المرحلة الثانوية، وبحسب شقيقه أسامة فإن خالهما مأمون عالم الذي كان عضوا في الحزب الشيوعي كان له تأثير على ياسر الذي كان يدلف في الإجازات إلى مكتبة خاله العامرة بالكتب الاشتراكية وقضايا التحرر الوطني التي كانت تأخذ بألباب الشباب. ويقول صديقه وزميله في جامعة القاهرة فرع الخرطوم علي العوض: «ياسر فيه شخصية الزعيم السياسي بما يمتلك من كاريزما، إلى جانب أنه ملم بالجوانب السياسية السودانية والإقليمية والدولية»، ويعد انضمام ياسر إلى الشيوعيين في أواخر سبعينات القرن الماضي علامة بارزة في حياته، كما قال شقيقه أسامة، وأن سلوكه وطريقة تعامله جعلت أهله يحترمون خياره في الانضمام للشيوعيين على الرغم من مخاطره في ذلك الوقت، حيث كانت تحكم السودان وقتها حكومة الرئيس الأسبق جعفر نميري (1969 - 1985). والعلامة البارزة الثانية كانت اعتقاله من قبل جهاز الأمن في حكم النميري في عام 1981 خلال فترة دراسته الجامعية.

في عام 1984 جرى اعتقال آخر لياسر عرمان من قبل السلطات وهو ما زال طالبا في الجامعة، لكن بعدها ظل عرمان كما يقول صديقه علي العوض «متمردا على القوالب القديمة وقاد صراعا داخل تنظيم الجبهة الديمقراطية - التنظيم الشيوعي وسط الطلاب - وداخل الحزب الشيوعي كذلك حول قضايا تتعلق بديمقراطية التنظيم والعمل القيادي»، ويعتقد العوض أن قيادة الحزب الشيوعي فيما يعرف بـ«مكتب الطلبة» فشلت في فتح نوافذ ديمقراطية للصراع، ويعتبر أن ذلك هو السبب الرئيسي الذي دفع ياسر ليغادر الخرطوم ويتجه إلى الجنوب للحاق بالحركة الشعبية في يناير (كانون الثاني) 1987م، ويقول علي عوض: «شعر ياسر أن وعاء الحزب الشيوعي لا يعبر عن طاقاته وإمكانياته الهائلة إلى جانب أن عقليته تفتقت عن قضايا التهميش والمهمشين في السودان بحكم علاقاته بالسودانيين من الجنوب. وكان علي العوض وكثير من أصدقاء ياسر منهم علي العوض وحسن نابليون وعلي أبكر ومجدي محمد أحمد، وشقيقه أسامة، في وداع الرجل في مطار الخرطوم متوجها إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا التي كانت على علاقة جيدة مع الجيش الشعبي لتحرير السودان حيث كانت تحت حكم الرئيس السابق منغيستو هيلا مريم الذي كان يحكم بالنظام الشيوعي.

لكن انضمام ياسر إلى الحركة الشعبية والجيش الشعبي وهو ابن الوسط والشمال النيلي تناوله البعض من زوايا مختلفة؛ حيث ما زالت هناك بعض النخب، خاصة التي تنتمي إلى التيار الإسلامي ترفضه، وما زالت تنظر إلى انضمام كثير من الشماليين إلى الحركة الشعبية باعتبارات عنصرية، كما يقول القيادي في الحركة لوال مادوت لـ«الشرق الأوسط» الذي كان من أوائل الذين التقوا ياسر في معهد للدراسات الثورية التابع للجيش الشعبي، لكن أسرة ياسر كانت جزعة عند انضمام ابنها إلى المتمردين الجنوبيين، وذكر شقيقه أن ياسر كان يستمع إلى إذاعة الجيش الشعبي باستمرار في عام 1984 وما تلاها، التي كانت تبث من منطقة حدودية بين السودان وإثيوبيا وأن بعض أفراد الأسرة كانوا يتجمعون حول المذياع لسماع الصوت الجديد القادم من الجنوب، وقال إن النقاش بدأ بعد ذلك في قراره بالانضمام وذلك في عام 1987، ويتابع: «أصابنا قلق شديد على حياته لأنه ذاهب إلى حركة تناضل بالسلاح ومن الجنوب الذي لم نكن نعرف عنه الكثير.. هو كان على إصراره بالذهاب والوالدة كانت جزعة كحال أي أم»، وذكر أسامة بعضا من حوار بين ياسر وأمه التي كانت ترجوه بعدم الذهاب إلى الحركة، ويذكر أنها قالت له إن (الأنظمة تتغير كما حدث الآن مع نميري، وإذا كان النظام الحالي ترفضه فيمكن أن يتم تغييره عبر الانتخابات»، لكن كان رد ياسر على والدته: «القادم سيكون هو الأسوأ من النظام الموجود وهو نظام مؤقت» (حكومة الصادق المهدي في الفترة من 1986 - 1989 التي أطاح بها عمر البشير بانقلاب عسكري في يونيو (حزيران) 1989) وبذلك غادر إلى الجيش الشعبي، ولكن الأسرة واجهت التضييق من الحكومات المختلفة طيلة أيام الحرب في الجنوب، وكان أكثرها من حكومة البشير الحالية التي كان عداؤها أكبر معه منذ أن كان ياسر طالبا، بل إن البشير رفض ترشيح الحركة لياسر لمنصب مستشار في رئاسة الجمهورية. وعلى عكس ما يقول خصومه من الإسلاميين إنه هرب إلى الجيش الشعبي لتحرير السودان بسبب أنه اتهم بارتكاب جريمة قتل أحد الطلاب الإسلاميين في معركة طلابية دارت بين التيار الإسلامي والشيوعيين وكان ذلك في فبراير (شباط) عام 1986، ويقول علي العوض: «هذا اتهام باطل لأنه لا يستند إلى أي أساس بحكم أن ياسر لم يكن وقتها في حرم الجامعة أو حولها بل اتهم شخص آخر اسمه عادل عبد العاطي الذي سلم نفسه للشرطة وبرأته المحكمة بعد عامين»، وقد كتب عبد العاطي نفسه عدة مرات في الصحف والمواقع السودانية يقول: «أجيب ومرة واحدة وإلى الأبد عن التساؤلات عن دور ياسر عرمان في أحداث العنف في جامعة القاهرة فرع الخرطوم في فبراير (شباط) من عام 1986 التي قتل فيها المرحومان بلل والأقرع، خاصة أن أعداء ياسر عرمان ما فتئوا يتهمون الرجل بكونه له دور في مقتلهما، بأنه إرجاف المقصود منه إرهاب ياسر عرمان وابتزازه»، ويضيف: «أشهد أن ياسر عرمان لم يكن موجودا ساعة الحدث في الجامعة، بل كان في مكان آخر، وأن يديه بريئتان.. وكنت أنا هو المتهم الوحيد في تلك الأحداث وسلمت نفسي طائعا إلى الشرطة، وكان ياسر عرمان في معيتي عندما ذهبت إلى قسم الشرطة، وقد قضيت عامين ونيف محتجزا في سجن (كوبر) على ذمة التحقيق والمحاكمة، وقد برأتني المحكمة من كلتا التهمتين.. ياسر عرمان لم يحقق معه لأنه لم يكن مطلوبا، وقضى أكثر من عام بعد تلك الأحداث في الخرطوم حرا طليقا».

عند وصول ياسر عرمان إلى المناطق التي يسيطر عليها الجيش الشعبي تم إلحاقه بمركز التدريب العسكري، ومن ثم في معهد الدراسات الثورية التابع للجيش الشعبي، ويقول رفيقه الذي التقى بعرمان في مركز التدريب لوال مادوت في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط»: «كنا مجموعة 61 طالبا تخرجنا من كلية الدراسات العسكرية وكان ياسر عرمان وحافظ إبراهيم من أوائل أبناء الوسط والشمال النيلي الذين التحقوا بالجيش الشعبي»، ولفت مادوت الانتباه إلى أن عرمان كان سريع الاندماج مع رفاقه من أبناء الجنوب وكان كثير المناقشات حول قضايا الأزمة السودانية والعوامل التي أدت إلى تفاقمها، ويتابع: «لم يتأثر عرمان بالظروف الصعبة في الجيش الشعبي في الأحراش وكان لديه استعداد للتضحية بحياته وقاتل في النيل الأزرق تحت قيادة القائد سلفا كير ميارديت الذي رشحه الآن لانتخابات الرئاسة»، ويضيف: «عرمان مدرك تماما وبتحليل عميق جذور الأزمة وحلولها بالتغيير الكامل في بنية السلطة في مركز الحكم بالخرطوم».

ويشير مادوت إلى أن ياسر عرمان يتعامل مع قادة الحركة الشعبية كافة باحترام، وقال: «لا يمكن أن تقول إنه يميل إلى هذا الشخص أو ذاك، وكانت أول مرة عمل فيها مع سلفا كير في تحرير الكرمك في النيل الأزرق، ثم عمل مع قادة آخرين»، والتحق عرمان بإذاعة الجيش الشعبي في القسم العربي واستطاع أن يقدم رسالته إلى الشعب السوداني في الشمال، ويقول عبد الباقي مختار القيادي في الحركة، الذي عمل لفترات طويلة مع ياسر عرمان لـ«الشرق الأوسط» إن «صوت عرمان من خلال الإذاعة ألهم كثيرين من أبناء الوسط والشمال النيلي من أمثالنا الذين كانت تدور في أذهانهم الأسئلة ذاتها حول جذور الأزمة السودانية وأسبابها وحلولها وسؤال الهوية، لكن انقسام الحركة الشعبية الشهير في عام 1990 من قبل وزير الخارجية السابق لام أكول ونائب رئيس حكومة الجنوب حاليا رياك مشار جعلت قضية تحقيق الوحدة وشعار الحركة على المحك»، ويقول مختار ويشاركه في الرأي مادوت: «عبقرية جون قرنق وإبداع ياسر عرمان خلقتا ظروفا أخرى بالانتقال من صراع الانقساميين عن الحركة وقضية استقلال الجنوب التي كانوا يرفعونها بالحديث عن لواء السودان الجديد»، ويضيف مادوت: «كان ياسر عرمان من أكبر المفكرين في برنامج لواء السودان الجديد لتحقيق السودان على أسس جديدة، والرسالة كانت موجهة إلى الشمال النيلي والوسط التي أصبحت الشيفرة في عمل الحركة».

وعرمان كما شارك في قتال الحكومات المركزية، فإنه كان من الذين شاركوا ضمن قيادات الحركة في المفاوضات المتعددة التي أفضت مؤخرا إلى تحقيق اتفاقية السلام التي أصبحت معروفة بـ«اتفاقية نيفاشا» (منتجع كيني جرت فيه المفاوضات طوال الفترة من سبتمبر (أيلول) 2003 وحتى يناير (كانون الثاني) 2005)، ويقول مادوت إن «عرمان كما كان في الحرب، كان بالفعالية ذاتها في المفاوضات، لا يتنازل عن أهداف الحركة الشعبية متجاوزا الإثنيات والعرقيات والجغرافيا، ومع ذلك وبعد الاتفاقية لم يسعَ ياسر إلى المناصب على الرغم من أن زعيم الحركة خاض معه مناقشات كثيرة، لأن ياسر في ذهنه قيادات كثيرة في حركات التحرر الوطني رفضت السلطة التي أتت إليهم بعد انتصاراتهم، وظلت أسماء أمثال الجنوب أفريقي كريس هاني وآخرين في ذهنه». ويقول لـ«الشرق الأوسط» أحد المقربين من عرمان فضل حجب اسمه: «عرمان ناقش قرنق أكثر من مرة في أنه ذاهب إلى استكمال دراسته فوق الجامعية والتفرغ للكتابة، وبالفعل غادر الخرطوم قبل رحيل جون قرنق بوقت قليل وحاول قرنق تكليفه بمهمة مركز للدراسات الاستراتيجية، إلى جانب أن آخر محادثة بينهما قبل أن يصعد قرنق الطائرة التي أودت بحياته كانت مع عرمان الذي كان وقتها في نيروبي يطلب منه جمع عبد الواحد ومنّي أركو مناوي لإجراء حوار معهما لتحقيق السلام في دارفور»، وكان مصرع قرنق هو الذي قاد عرمان للعودة مجددا للمساهمة في مشروع الحركة مع قائدها سلفا كير الذي خلف قرنق.

لكن جدد عرمان مرة أخرى بعد أن تم تكليفه بمنصب رئيس كتلة الحركة في البرلمان عزمه على مواصلة الدراسة، وغادر إلى الولايات المتحدة، غير أن المراقبين قالوا إن عرمان وعبد العزيز آدم الحلو ونيال دينق نيال أصابهم الإحباط مما اعتبروه ابتعاد الحركة عن أهدافها بصعود آخرين كانوا من المنشقين عن الحركة وهم الذين يقومون بتحويل الحركة عن مسارها، ومع أن ياسر عند مغادرته أول مرة للالتحاق بالحركة كان مصرا، فإنه كان منفتحا، حيث إن والده، كما يروي شقيقه أسامة، قال له إن الذهاب إلى العلم مهم، «لكن إذا احتاج لك رفاق في الحركة الشعبية في مهمة لا تتأخر عليهم، وتلك الوصية أثرت في ياسر كثيرا ولذلك عندما التقاه القائد سلفا كير مرة أخرى في واشنطن وأجرى معه مناقشة للعودة، استجاب)، ويقول عبد الباقي مختار إن «عرمان لا ينسى أهدافه في القضايا العامة مثل حقوق المهمشين ووحدة السودان على أسس جديدة، ولم ينسلخ عن أصوله أو كما يقولون (يتجونب - نسبة إلى الجنوب)، وهو متشدد في حقوق أهل الهامش».

اختيار عرمان الآن مرشحا لرئاسة الجمهورية يعتبره البعض «مكافأة ما بعد الخدمة للشماليين الذين التحقوا بالحركة الشعبية في الجنوب الذي سيذهب إلى الانفصال»، لكن لوال مادوت يرى غير ذلك، فيقول: «بالعكس، الحركة أثبتت أنها وحدوية وتفوقت على الآخرين، وبترشيحها لياسر لانتخابات الرئاسة أرادت أن تقول: إذا صوت الشماليون لعرمان فإنهم يرغبون في الوحدة على أسس جديدة. وحتى إذا انفصل الجنوب فإن عرمان هو الذي سيحافظ على الوصل بين الشمال والجنوب وكل أهل الهامش لتحقيق الوحدة مستقبلا وعلى أسس جديدة، لأن وقتها سيدرك السودانيون أن المساواة والعدالة والحرية هي الطريق للوحدة». فيما يعتقد عبد الباقي مختار أن «الحركة قذفت بالكرة في ملعب الشمال لأن ياسر يمكن أن يجد التأييد الكبير في الجنوب وجبال النوبة والنيل الأزرق وحتى في الشمال النيلي والوسط»، وقال إن الشماليين يمكن أن يكون غالبيتهم مقتنعين بياسر عرمان ولذلك لا يمكن أن يكون هدف الحركة التخلص من الشماليين بترشيح ياسر لأنها كان يمكن أن ترشح عبد العزيز الحلو أو مالك عقار وهم لديهم ثقلهم لكنهم ليسوا من الشمال النيلي، ويضيف: «الحركة ليس لديها تحفظ على الوحدة، لكن على أسس جديدة، وليس لديها تحفظ على من يحكم السودان ولكن كيف يحكم السودان ومن هو الشخص الذي يمكن أن يحقق ذلك، ولذلك دفعت بياسر عرمان. هو الذي يمكنه فعل ذلك».