الإسكان الفاخر يتوسع في الهند ويجذب الاستثمار الأجنبي

مع توسع الطبقة الوسطى.. وتزايد أعداد المهاجرين من الأرياف إلى المدن

قطاع العقار الهندي يوفر فرص استثمار جيدة على المدى المتوسط («الشرق الأوسط»)
TT

لا تقل معاناة الهند من توابع الأزمة المالية التي عصفت بأسواق العالم عن غيرها، فالاقتصاد الهندي تراجع بنسبة ثلاثة في المائة في العام المنصرم وكاد نشاط الإقراض المصرفي، وخصوصا العقاري، يتجمد فيه تماما. كما تراجع نشاط البناء العقاري بنسب كبيرة. ومع ذلك توجد بعض النقاط العقارية الساخنة في الهند التي يمكن اعتبارها ملاذا آمنا للمستثمرين الذين يفضلون الابتعاد عن الأسواق الغربية والأميركية ويفضلون مواقع شرقية قريبة من الخليج، يمكن بسهولة الوصول إليها.

من هذه المواقع ميناء كوشين البحري في مقاطعة كيرالا، وهي تقع في جنوب غربي الهند وتطل على البحر العربي. فالميناء الذي كان مستعمرة برتغالية وبريطانية في الماضي يقع على ممر تجاري مهم بين آسيا والخليج العربي، وكان موقعا تجاريا تاريخيا على طريق التوابل القديم. ويحافظ الميناء على موقعه التاريخي لأنه يعد الآن العاصمة الاقتصادية لإقليم كيرالا.

وينظر خبراء العقار الدوليون إلى المدينة على أنها فرصة ذهبية في المستقبل لسوق عقاري متألق ودائم التوسع. والسبب الأساسي في هذا الانتعاش هو أن الهند تتوسع في تعمير المدن مع انتقال أعداد متزايدة فيها من الأرياف إلى المدن. كما أن الطبقة الوسطى فيها تتوسع أيضا بمعدلات دخل متزايدة سواء في مجال الأعمال الإدارية والإلكترونية، أو عن طريق العمل خارج الحدود. وتقول شركة «ماكنزي» للاستشارات العقارية إن تعداد الطبقة الوسطى في الهند يصل إلى 50 مليون نسمة. ومن المتوقع أن يزيد هذا التعداد عشرة أضعاف بين الآن وعام 2025. وهذه الفئة متوسطة العمر هي التي تدفع انتعاش سوق العقار الهندي حاليا سواء في مجال شراء منازل للسكن أو عقارات إضافية للاستثمار.

وعلى الرغم من أن معدل أسعار العقارات في كيرالا تراجع بنسبة 15 - 20 في المائة في العام الماضي، فإن هذا التراجع جاء بعد نسب زيادة سنوية منذ عام 2002 كانت ما بين 20 و25 في المائة سنويا.

وتمثل كيرالا أفضل نموذج للطبقة الوسطى في الهند لأنها تعتمد على نظم تعليم جيدة. فنسبة الأمية في المقاطعة لا تزيد على تسعة في المائة، وبها مراكز متقدمة لدراسة الإلكترونيات وبرمجة الكومبيوتر وتقنيات المعلومات. كما أن قطاع الصرف والتمويل فيها متوسع ويتعامل بالمستويات العالمية وبه فروع للعديد من الشركات الدولية مثل «إيرنست آند يونغ» و«سيتي بنك» وبنك «إتش إس بي سي» وغيرها. وهناك أيضا العديد من منشآت البنية التحتية الحديثة والجسور التي تربط الجزر الخمس التي يتكون منها ميناء كوشين. كما يضم الميناء أيضا منطقة اقتصادية حرة وميناء للحاويات، وكل مجالات الحياة الاقتصادية في الميناء تبدو نشيطة ومنتعشة على خلاف الخمول الذي يعم بعض الموانئ الأوروبية.

وتعتمد معظم مناطق الإسكان الجديدة الفاخرة على المستثمرين الهنود من غير المقيمين، لأن مستويات الأجور المحلية ما زالت متدنية. وكان أحد أسباب تراجع الشراء في المشروعات الجديدة هو أن الفئة المشترية، ومنها نسبة كبيرة تعمل في منطقة الخليج، تعاني من انعدام الثقة في استمرار الوظائف ولذلك تؤجل قرارات الاستثمار العقاري.

ولهذه الأسباب تراجعت الأسعار كثيرا في العديد من المناطق مع توقعات بتراجع إضافي في المبيعات وصل إلى 40 في المائة وهبوط في الأسعار بنسبة 10 في المائة خلال العام الجديد. كما تعترف بعض شركات العقار الهندية بأن المبيعات تراجعت في العام الأخير، إلى درجة أن تدشين أي مشروعات جديدة الآن غير وارد لانعدام الطلب.

من المشروعات المرموقة أيضا، التي لن تكون متاحة قبل عام 2011، القرية الأولمبية التي يجري بناؤها حاليا في العاصمة نيودلهي. وتتسابق شركات البناء حاليا لاستكمال البناء في مساكن الرياضيين الأولمبيين قبل نهاية العام. وترتفع مجمعات القرية الأولمبية كأحد معالم المدينة حاليا التي سينزل بها 8500 لاعب ومدرب أولمبي في شهر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.

وتعرض هذه الوحدات للبيع في عام 2011، ولكن حملات تسويقها بدأت من الآن تحت شعارات أنها سوف تلهم الجيل الجديد من الرياضيين. وتشرف على المشروع شركة مشتركة بين «إعمار» الإماراتية وشركة هندية اسمها «إم جي إف لاند»، وهي تقول إن المشروع يروق أيضا للمستثمرين الأجانب والهنود المغتربين الذين يبحثون عن «موطئ قدم» في العاصمة الهندية. وباعت الشركة بالفعل نسبة 80 في المائة من الوحدات العقارية من على الخريطة ولا يتبقى للبيع حاليا سوى نحو مائة شقة. وينتمي المشروع إلى فئة العقار الفاخر بالمعايير الهندية ويقع في مركز المدينة.

من أهم المزايا التي يتمتع بها مشروع القرية الأولمبية، موقعه القريب من الحي المالي ومنطقة التسوق والمناطق الأثرية في العاصمة بالإضافة إلى حي صناعة السينما «فيلم سيتي».

وإلى من يبحث عن العقار الفاخر في الهند لا بد من تفقد المشروعات الخاصة ذات الأسوار والحراسة الأمنية، وهي مشروعات بدأت في الانتشار في السنوات الأخيرة في المدن الهندية للحفاظ على الأمن والخصوصية. وتذهب بعض المشروعات إلى حدود تكوين مجتمعات متكاملة بها كافة الخدمات الرياضية والترفيهية والتسويقية، إلى درجة أن سكانها لا يحتاجون إلى الخروج منها إلا للعمل. وتلجأ المشروعات الحديثة أيضا إلى الاهتمام بالمساحات الخضراء، وهي نادرة في المدن الهندية، وبعضها يوفر مولدات خاصة للتيار الكهربائي للتغلب على مشكلة مزمنة لانقطاع التيار.

وتعتمد أسعار الشقق في الهند على الموقع والمشاهد من نوافذها. وفي مشروع المدينة الأولمبية تتراوح الأسعار بين نصف مليون دولار لشقة من ثلاث غرف وحمامين، إلى ثلاثة أضعاف هذا السعر لشقة مكونة من خمس غرف وثلاث حمامات وملحق للخدم. وترى مصادر شركة «إعمار» أن الوضع في الهند يكاد يعاكس الأحوال في دبي حيث لا توجد عقارات كافية في قمة السوق لتلبية الطلب في الهند، بينما قمة السوق مليئة بعقارات فائضة عن الحاجة في دبي، مع أسعار متراجعة. وتعوض «إعمار» تراجع النشاط في دبي بمشاريع في 16 دولة أخرى.

وتعتزم «إعمار» الدخول في مشروعات أكبر حجما مع الشريك الهندي لبناء أكبر مركز تسوق في الهند وسلسلة فنادق تحمل اسم «ماريوت إنترناشيونال».

وتنتشر مشروعات الشركة في العديد من المدن الهندية ولكنها تركز بوجه خاص على العاصمة نيودلهي التي تدخل في مرحلة توسع وتجديد شاملين كعاصمة لأحد أكبر اقتصادات آسيا. وتبني نيودلهي مطارا جديدا وشبكة طرق دائرية تستبدل بها الشبكة القديمة المتهالكة. وتقبل الهند أيضا على موجة انتعاش سياحي يعتمد على توجه السياح إلى جهات جديدة خصوصا في آسيا. وتلقى المشروعات السياحية إقبالا متزايدا من المستثمرين ومن السياح على السواء. كما أسهم أحدث تقرير من شركة «إيرنست آند يونغ» في استعادة بعض الثقة في الاقتصاد الهندي وبالتالي في قطاعه العقاري. ويقول التقرير إن أسعار الفائدة الهندية تشهد تراجعا طفيفا مع زيادة في السيولة النقدية في الأسواق، الأمر الذي يعزز الاعتقاد أن الهند تخرج رويدا من براثن الأزمة المالية. وكان انعكاس ذلك في ارتفاع الطلب العقاري المحلي بعد انخفاض الأسعار. وتعتمد الشركات المحلية حاليا على التمويل الذاتي للمشروعات الجديدة بعيدا عن الاقتراض، وهو ما يعزز ثقة المستثمرين في الشراء.

ولاحظ التقرير أن التوجهات الآن بين المشروعات الجديدة تتحول من الإسكان الفاخر الموجه للأجانب والمغتربين إلى الإسكان الشعبي للطبقات الوسطى المحلية. كما تحاول الشركات إنجاز المشروعات في أقل فترة ممكنة لتخفيض المخاطر على الشركة وعلى المستثمرين أيضا.

وما زالت نيودلهي هي أكثر المدن جذبا للمستثمرين والشركات، بفضل مشروعات البنية التحتية، وتأتي مومباي في المركز الثاني بسبب تراجع بنيتها التحتية. وتبدو مؤشرات العام الجديد مشجعة وإن كان خبراء يحذرون من موجة ارتفاعات كبيرة في الأسعار من شأنها أن تهدد الانتعاش الوليد.

وترى شركات محلية أن معدلات الأسعار حاليا بلغت حدود ما كانت عليه عام 2007 في ذروة الانتعاش، كما يرتفع الطلب بشدة في الفئة الفاخرة التي تزيد في أسعارها على مليون دولار للعقار. وتقول شركة «جونز لانغ لاسال» إن الطلب الاستثماري يأتي بهدف التأجير أو الإقامة، وإن معظم المشترين هم من الهنود المغتربين. وتخشى مصادر السوق من ذروة غير محتملة في الأسعار من شأنها أن تعود بالأسواق الهندية إلى التراجع مرة أخرى خلال هذا العام 2010.

ويزداد الطلب أيضا على المشاريع غير المكتملة التي كانت البنوك ترفض الإقراض لها في السابق، ولكنها الآن مستعدة للإقراض للمشترين بضمانات وضعهم المالي. ومع هذه التطورات لجأت شركات العقار إلى رفع أسعارها للاستفادة من موجة الانتعاش المفاجئة.

ويقول بانكاج كابور، رئيس شركة أبحاث عقارية هندية في نيودلهي، إن الأسعار في القطاع السكني ترتفع بمعدلات لا يمكن المحافظة عليها وتهدد بعودة السوق إلى ما كانت عليه في نهاية عام 2008 عندما وقع الانهيار. ويوافقه في الرأي معلقون آخرون يرون أن نسبة ارتفاع الطلب الحالية لا تبرر صعود الأسعار بهذه النسب. وهم يصفون الوضع بأنه ليس موجة انتعاش جديدة وإنما هو طلب متراكم يستفيد من الركود العقاري الذي كان سائدا بالإضافة إلى الأسعار المنخفضة. ويحذر هؤلاء من أن المشترين قد يجدون بعد عدة سنوات أنهم دفعوا أكثر من معدلات السوق المعقولة.

ولكن شركات العقار تستغل هذه الموجة لأقصى درجة وتحاول دفع الأسعار إلى معدلاتها السابقة، ربما لأن بعضها بدأ مشروعاته بناء على معدلات أسعار أكبر مما هي عليه الآن. وتسود زيادات الأسعار على قطاعات معينة خصوصا في الفئتين المتوسطة والفاخرة.

وسوف يعتمد الأمر هذا العام على ظروف المشترين في هذا القطاع، بحيث يمكن أن تتراجع موجة ارتفاع الأسعار فجأة لدى ظهور أي علامات للتردد أو التخوف من معدلات الأسعار السائدة. أما عن موعد الانتعاش الحقيقي، فهو في تقدير معظم الخبراء سوف يكون في نهاية العام الجاري ومع عودة الانتعاش إلى شركاء الهند التجاريين بحيث تستقر الوظائف ويزداد الطلب على الصادرات ويعاود الاقتصاد الهندي نموه بمعدلاته المعتادة ما بين خمسة إلى سبعة في المائة سنويا.

وتحاول الحكومة الهندية من جهتها مساندة القطاع، ليس عن طريق تشجيع الاستثمار الأجنبي أو المغترب وإنما بالمشاركة في مشروعات الإسكان الشعبي في المدن، وهو قطاع تعاني فيه الهند نقصا مزمنا.

وهناك عدة مشاريع تجري على مساحات شاسعة من الأراضي، تبلغ 1400 فدان، لبناء 70 ألف وحدة سكنية شعبية في ولاية هاريانا، وهو أيضا مشروع تشارك فيه شركة «إعمار» الإماراتية مع بلدية الولاية. ويتوجه هذا المشروع إلى السكان المحليين ويقدم وحدات سكنية بأسعار في متناول معدلات الأجور المحلية.

ولكن تقرير «إيرنست آند يونغ» يرسم ملامح مشرقة لقطاع العقار الإسكاني في الهند خصوصا في المدى المتوسط، وينصح التقرير عملاء الشركة بالنظر إلى الأسواق الهندية كبديل لأسواق أخرى قد تكون باهظة الأسعار أو راكدة في توقعات النمو. فحتى مع مستوى الأسعار السائدة اليوم في الهند، وهي باهظة بالمعدلات المحلية، فإنها بالمقارنة مع أسواق أخرى توفر فرصا جيدة للنمو وعوائد إيجارية شبه مضمونة بسبب الطلب المرتفع. ولكن هذه المزايا تكون بشرط اختيار الموقع الجيد والمشروعات ذات المواصفات المتميزة.

وهناك العديد من التشريعات الهندية في الطريق لتحرير أسواق العقار وزيادة شفافيتها للمستثمر الأجنبي من أجل المنافسة مع الدول الأكثر نشاطا في هذا المجال في منطقة جنوب آسيا، ولكن البيروقراطية الهندية من شأنها أن تجعل صدور هذه القوانين بعد عدة سنوات وليس خلال العام الجديد الحالي.