كوريا الجنوبية: الأسعار تواصل ارتفاعها.. وتقفز بنسبة 4% في العاصمة سيول

بعد التدخل الحكومي لدعم الاقتصاد بـ130 مليار دولار

TT

فيما تعاني كثير من الدول الغربية وتحاول الخروج من الركود الاقتصادي وخصوصا العقاري، فإن بعض الدول الأخرى في أنحاء المعمورة، خصوصا في القارة الآسيوية، تجد نفسها أكثر حظا ومتانة من الناحية الاقتصادية من بعض الدول الصناعية الكبرى، وأكثر تحملا للصدمات المالية الدولية. ومن هذه الدول أو المناطق العقارية سنغافورة وكوريا الجنوبية، اللتان تعرفان عادة بوجود قبضة حكومية قوية. وفي الوقت الذي تتزايد المخاوف من طفرة عقارية في سنغافورة هذه الأيام، تنمو الأسعار وترتفع ببطء في كوريا الجنوبية لكن بقوة، خصوصا في العاصمة سيول. ويؤكد كثير من التقارير الكورية والدولية أن أسعار العقارات حسب أرقام بنك كومين، الذي يعتبر أكبر وأهم البنوك الكورية الجنوبية، ارتفعت على المستوى الوطني بنسبة لا تقل عن 2.1 في المائة، أما في العاصمة سيول فكانت النسبة لا تقل عن 3.5 في المائة منذ أبريل (نيسان) إلى أكتوبر (تشرين الأول) 2009. وكانت الأسعار قبل ثلاث سنوات، أي عام 2006، قد شهدت ارتفاعا بنسبة لا تقل عن 19 في المائة في العاصمة سيول وحدها، لكن الأسعار قد هدأت نسبيا مع مجيء أزمة الائتمان الدولية في العام التالي 2007، وتراجعت ليتوقف نموها وارتفاعها عند 3.1 على المستوى الوطني، و5.4 في المائة في العاصمة. وحافظت نسبة الارتفاع على المستوى الوطني على مستواها في العام التالي 2008، وتراجعت نسبيا في العاصمة لتصل إلى 5 في المائة. ومن الواضح أن التحسن الاقتصادي وعودة ارتفاع معدل الصادرات الكورية إلى الخارج والمشروعات الكبرى التي بدأت تتعهدها كوريا الجنوبية في الخليج العربي على صعيد الطاقة النووية المخصصة للإنتاج الكهربائي والتفاؤل العام بالوضع الاقتصادي على المستوى الوطني بالإضافة إلى التدخل الحكومي وتخفيف بعض الضرائب المتعلقة بالتعاملات العقارية والأهم من ذلك مواصلة تأمين السيولة المطلوبة لتحريك الأسواق والقطاعات ومنها قطاع العقارات، إضافة إلى معدلات الفائدة المنخفضة، ساهمت بشكل كبير في نمو الأسعار في البلاد والعاصمة على حد سواء، والتعافي من التراجع الذي حصل عقب أزمة الائتمان الدولية والركود الذي تبعها. وقد تراجع معدل الفائدة على القروض من 5.2 في المائة عام 2008 إلى 2 في المائة عام 2009. وكانت هذه النسب أعلى في السنوات السابقة، ووصلت إلى أكثر من 7 في المائة عام 2007. لكن كما هو متوقع، وفي الكثير من الحالات في الماضي، كانت الحكومة بالمرصاد للنمو الحاصل في الأسعار في هذه الفترة، فهي لا تتدخل فقط لحماية الأسواق ودعمها وخصوصا القطاع المالي، بل تتدخل أيضا في كبح جماحها، خصوصا أسعار العقارات، ولأنها تتخوف من طفرة جديدة، فقد شددت في يوليو (تموز) الماضي من شروط الحصول على القروض، وأصبح من المهم جدا التمتع بمعاش جيد قبل الحصول على أي قرض، كما تغيرت نسبة الدين أو القرض العقاري التي تسمح بها الحكومة إلى سعر العقار. على أي حال فإن الحكومة تحاول كبح جماح السوق، والسيطرة على نمو الأسعار تخوفا من طفرة عقارية مؤذية ومتسارعة تضر بالاقتصاد العام ومحاولات خروجه من الركود. وتقول «غلوبال غايد» في هذا الإطار، إن تاريخ كوريا الجنوبية الحكومي في التدخل في الأسواق حافل سلبا وإيجابا، على الرغم من أنها تعتبر أن نتائجه حتى الآن كانت مدمرة للأسواق العقارية ونموها. وعادة ما تتدخل الحكومة لتخفيف حدة التكهنات حول أسعار العقارات الصغيرة، أو عقارات الدرجة الثالثة إذا صح التعبير. فقد حاولت الحكومة الكورية أيام كيم دي يونغ أيضا وقف نمو أسعار العقارات بين عامي 1998 و2003 عبر التخفيضات الضريبية، لبناء ما لا يقل عن 5 ملايين وحدة سكنية رخيصة لمساعدة العاجزين عن دخول الأسواق العقارية والطبقات الدنيا. وتقرر آنذاك بناء 500 ألف وحدة كل عام لمدة عشر سنوات. وبعد ذلك وحتى عام 2008، كان من الصعب على أي كوري الحصول على شقة سكنية مؤلفة من ثلاث غرف نوم في العاصمة بأقل من مليوني دولار، أي مائة مرة مثل معدل الأجور العام. ولذا، فقد واصلت الحكومة تدخلها لكبح جماح الأسعار من جديد في تلك الفترة عبر رفع الضرائب العقارية، وفرض شروط على البنوك بعدم قبول أي عقد تكون دفعته الشهرية أكثر من أربعين في المائة من معاش الفرد الشهري. ولهذا السبب، فربما تعتبر تكاليف الصفقات العقارية هي الأغلى في القارة الآسيوية، خصوصا بين الدول المتطورة والمتقدمة. لكن التدخل الحكومي قد ساهم أيضا في استعادة الاقتصاد العام عافيته نسبيا، وأصبح أفضل من بعض الدول المجاورة ودول العالم، إذ نما الاقتصاد بنسبة 0.6 في المائة في الربع الثالث من عام 2009 نتيجة هذا التدخل الكبير. وعلى الرغم من أنه يتوقع أن يعود الاقتصاد إلى الانكماش نهاية عام 2009 وبداية عام 2010 وبنسبة لا تقل عن 1 في المائة، فإنه يتوقع للناتج المحلي الإجمالي أن ينمو بنسبة لا تقل عن 4.4 في المائة بقية هذا العام. وعوضا عن تخفيض معدلات الفائدة العامة إلى معدلات تاريخية وتخفيف بعض الضرائب العام الماضي، فإن الحكومة رصدت بداية هذا العام 38 مليار دولار لتنفيذ مشروعات لتطوير البنى التحتية والمشروعات البيئية الخاصة بحماية الطبيعة، ومن شأن ذلك توفير ما لا يقل عن مليون فرصة عمل خلال أربع سنوات. كما رصدت الحكومة مبلغا مماثلا لدعم الشركات والتخفيف الضريبي على أصحاب العقارات والعائلات، أي القطاع العقاري بشكل عام. إضافة إلى ذلك، فقد ضخت الحكومة العام الماضي ما لا يقل عن 30 مليار دولار لدعم المصارف والبنوك، وتأمين السيولة لها خلال الركود. وقامت أيضا بمساعدة القطاع المالي ودعم أسواق الصرف والعملة المحلية بما لا يقل عن 23 مليار دولار. وعلى ذلك، يكون ما صرفته الحكومة العام الماضي لتحفيز الاقتصاد وعودته إلى نشاطه السابق تقريبا 130 مليار دولار. وتبدو نتائج هذا التدخل واضحة على النمو الحاصل في الأسعار، على الرغم من العدد الكبير في العقارات الشاغرة غالية الثمن. الأخبار الجيدة في كوريا الجنوبية على الصعيد العقاري لا تتوقف على الأسعار في العاصمة، بل تتعداها إلى نمو أسواق القروض العقارية هذا العام على الأقل حتى أكتوبر كما تؤكد الأرقام، بنسبة لا تقل عن 10 في المائة سنويا، بالنسبة إلى ما كانت عليه عام 2008. وعلى الرغم من ضغوط هذه السوق على البنوك وحجم مدخراتها، فإن نسبة قيمة القروض العقارية من الناتج المحلي الإجمالي ارتفعت من عام 2003 إلى عام 2008 من 20 في المائة تقريبا إلى 24 في المائة وهي نسبة كبيرة على بلد مثل كوريا الجنوبية. وعلى هذه الخلفية، لا بد من وضع مسألة عودة الأسعار إلى الارتفاع في كوريا الجنوبية وعاصمتها سيول في إطارها الصحيح، إذ ترافقت عوضا عن التدخل الحكومي أيضا مع تراجع في عدد الصفقات العقارية في العاصمة بنسبة لا تقل عن 16 في المائة في أكتوبر الماضي نسبة إلى ما كانت عليه في سبتمبر (أيلول) من العام ذاته. وحتى المناطق غالية الثمن والفاخرة والمهمة شهدت تراجعا كبيرا في عدد الصفقات العقارية الوطنية وصلت نسبته إلى 50 في المائة في بعض المناطق مثل سونغبا وغانغنام في الفترة نفسها، وهي أكبر نسبة تراجع منذ بداية عام 2009. كما أن عدد العقارات التي لم يتم تصريفها أو بيعها قد ارتفع بشكل كبير لم يشهد له مثيل منذ سنوات طويلة وبالتحديد منذ عام 1998، حيث بدأت الطفرات العقارية الأخيرة. وقد سجل وجود أكثر من 130 ألف عقار شاغر وكان ذلك في أغسطس (آب) عام 2009 حسب أرقام هيئة تسجيل الأراضي الحكومية. وحذر كثير من الهيئات الحكومية والخاصة في العاصمة سيول من مغبة ارتفاع هذا العدد خلال السنة الحالية والسنوات المقبلة بشكل قد يعيق نمو أسواق العقارات وتطورها. ويتوقع أن تتأجج هذه المشكلة خلال السنوات الخمس المقبلة.

وحول أسواق العقار عام 2009 بشكل عام في كوريا الجنوبية، أكدت «مؤسسة كوليارز الدولية» في تقريرها الأخير أن رد فعل أسواق العقارات في البلاد تجاه الركود وأزمة الائتمان قبل ذلك كان سيئا، خصوصا نهاية عام 2008. لكن عودة التوازن إلى الأسواق بدأ في يناير (كانون الثاني) عام 2009. وعادت الأسعار في الربع الأول إلى ما كانت عليه العام السابق بسبب التدخل الحمائي الحكومي. إلا أن التعافي، كما تؤكد «كوليارز»، لم يشمل المناطق والمدن جميعها، وبقيت مدينة غانغباك تعاني التراجع النسبي في نمو الأسعار. وحول المبيعات العقارية، يؤكد التقرير أيضا أنها ارتفعت أيضا بنسبة لا تقل عن 3 في المائة عام 2008 وعام 2009، وخصوصا في الربع الأول ارتفعت بنسبة 1.74 في المائة. ووصل عدد الصفقات العقارية عام 2008 إلى 1.2 مليون صفقة أيضا. لكن هذا قد شكل تراجعا بنسبة 15 في المائة عما كانت عليه الصفقات بين 2003 و2008. ولا يزال عدد الصفقات حاليا متدنيا جدا، ولم يتعد الـ10 آلاف صفقة بداية العام الماضي أي بتراجع بنسبة 70 في المائة عما كان عليه في الوقت نفسه من العام السابق. ويعود ارتفاع الأسعار في منطقة غانغنام في سيول، كما يبدو، إلى المشروعات الكثيرة الحاصلة فيها وعلى أطرافها، وأهمها خط الترام أو السكة الحديد المزمع إنشاؤه في جنوب العاصمة. وقد ساعدت التكهنات الكثيرة بارتفاع الأسعار في المنطقة على ارتفاعها فعلا العام الماضي بنسبة لا تقل عن 3 في المائة كما سبق وأشرنا، وجاء هذا الارتفاع على خلفية تزايد عدد المشروعات بعد تخفيف التنظيمات والتشريعات الخاصة بشتى أنواع المشروعات التطويرية والتنموية. وحول قطاع الضيافة أو الفنادق بشكل خاص تؤكد الأرقام التي نشرتها منظمة السياحة الكورية (KTO)، أن عدد الخارجين من البلاد بين يناير ومايو (أيار) العام الماضي تراجع بنسبة لا تقل عن 32 في المائة، ووصل العدد إلى 3.7 مليون شخص. أما عدد الزوار فقد ارتفع بنسبة 20 في المائة تقريبا عن الفترة نفسها. والتراجع الحاصل في عدد الخارجين يعود إلى الركود الاقتصادي العالمي بالدرجة الأولى. ووصل عدد الفنادق الكورية الجنوبية الممتازة إلى 129 فندقا تضم حوالي 33 ألف غرفة. وفي العاصمة وحدها هناك ما لا يقل عن 17 فندقا فاخرا وممتازا بسعة 9 آلاف غرفة تقريبا. أي ما نسبته 40 في المائة تقريبا من السعة العامة في البلاد، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار وجود أكثر من 23 فندقا آخر من الفنادق الممتازة - ولو بدرجات أقل - التي تشمل نحو 6 آلاف غرفة. وتتركز الفنادق الممتازة والفاخرة في العاصمة سيول في الوسط التجاري ومنطقة غانغنام على ما يبدو، وهما منطقتان تضمان وحدهما 28 فندقا ممتازا وخاصا بالأجانب.