أميركا: المزيد من أصحاب المنازل يتخلفون عن سداد قروضهم العقارية

الملايين منهم انخفضت قيمة منازلهم إلى أقل من 75% من مقدار الرهن العقاري

TT

في عام 2006، اشترى بنجامين كوليمان منزلا بميامي بيتش. ووفقا لحساباته، كان يجب عليه الانتظار حتى 2025 قبل أن يستطيع بيع منزله المتواضع والحصول على ما دفعه، أو ربما حتى يجب عليه الانتظار إلى عام 2040.

من جهته، يقول كوليمان: «يعتقد أمثالي أنهم يسهل خداعهم. فلماذا لا أتوقف عن السداد وأذهب لاستئجار مكان أفضل بمبلغ أقل؟» وبعد ثلاث سنوات من تدهور قيمة العقارات، وبعد خطة إنقاذ المصرفيين التي سمحت بحصولهم مرة أخرى على علاوات المليون دولار، وبعدما أثارت تعديلات إدارة أوباما على الإقراض آمال كثير من الناس، على الرغم من أنها لم ترض سوى عدد قليل، يتساءل قطاع كبير من أصحاب المنازل المتعثرين إذا ما كانوا سوف يلقون النوع نفسه من المساعدات. تشير دراسات صدرت مؤخرا إلى أنه عندما تنخفض قيمة المنزل إلى أقل من 75% من مقدار الرهن العقاري، يبدأ المالك في التفكير جديا في الهروب منه حتى وإن كان لديه المال الكافي للسداد.

وفي موقف ليست له سابقة في العصر الحديث، أصبح الملايين من الأميركيين في ذلك الوضع القاسي. وتعد أسئلة مثل: هل تجب مساعدتهم؟ أو كيف يمكن مساعدتهم؟ من أكبر المعضلات التي تواجه إدارة أوباما وهي تسعى لوضع سياسة لقطاع الإسكان يمكنها أن تساهم في الانتعاش الاقتصادي.

من جهة أخرى، يقول مساعد وزير المالية للاستقرار المالي هربرت أليسون: «لم نتوصل حتى الآن إلى طريقة عملية نستطيع من خلالها التعامل مع هذه المشكلة».

وكان عدد الأميركيين الذين يدينون بأكثر من قيمة منازلهم بلغ صفرا في الوقت الذي انهارت فيه سوق العقارات في منتصف عام 2006، ولكن في الربع الثالث من عام 2009 أصبح ذلك العدد يقدر بنحو 4.5 مليون من أصحاب المنازل، وهو معدل خطير، حيث انخفضت قيمة منازلهم إلى أقل من 75% من قيمة الرهن العقاري. وهم يشعرون بالتوتر والحزن. وفي ظل الأرقام التي صدرت خلال الأسبوع الماضي، التي تظهر أن سوق العقارات قد عادت للتهاوي مرة أخرى، من المتوقع أن يزداد عددهم ليبلغ 5.1 مليون بنهاية يونيو (حزيران)، أي إن نحو 10% من الأميركيين يعانون من الرهن العقاري.

من جهته، يقول سام خاتر الخبير الاقتصادي البارز بشركة «فيرست أميركان كورلوجيك» وهي الشركة التي أصدرت الدراسة الأخيرة: «نحن الآن معرضون إلى حد كبير للمخاطر. كما أن ارتباط الناس العاطفي بممتلكاتهم يتبخر في الهواء».

يذكر أن ذاكرة تخلف الناس عن سداد ديونهم قد بدأت في الظهور قبل عامين، ولكنها بدأت تتحول إلى أزمة حقيقية. وقد لاحظ المدونون مؤخرا أن أصحاب 11 ألف وحدة سكنية في أحد المجمعات السكنية بمانهاتن لم يظهروا ترددا أو خجلا في التنصل من استثماراتهم التي انخفضت قيمتها عن سعر شرائها.

فيقول ستيف والش، سمسار الرهون العقارية في سكوتسديل بأريزونا: «منذ بداية ديسمبر (كانون الأول) نصحت نحو 60 بالابتعاد. لقد فقد الجميع الأمل. فليس أمامهم فرصة للتفاوض بشأن شروط الرهن العقاري، وفي الوقت نفسه لا يستطيعون دفع قيمة مالية تفوق قيمة البناء نفسه».

ويلتزم والش بنصيحته، فأخيرا تخلف عن الدفع لأحد المنازل المستأجرة التي يمتلكها. مضيفا: «سوف تشرق الشمس مرة أخرى».

كما أن الفارق بين أن تترك منزلا يذهب لحبس الرهن لأنك لا تملك المال، وأن تتخلف عن السداد لكي توفر المال، غائم إلى حد كبير، ولكن يشير كثير من الدراسات إلى أن هناك عددا هائلا من المقترضين يرفضون الحياة تحت ما يطلق عليه البعض «قيد الإقامة الجبرية».

وبنشر بيانات مكتب الائتمان، استطاع المستشارون في «أوليفر وايمان» إحصاء عدد المقترضين الذي انتقلوا مباشرة من حالة الالتزام بالسداد إلى حالة التخلف التام عن السداد بدلا من أن يقوموا بعمليات سداد متقطعة. كما أنهم استبعدوا الملاك الذين كانت لديهم مشكلة في سداد ديون أخرى. وتشير تقديراتهم إلى أن نحو 17% من الملاك قد تخلفوا في عام 2008، كما أن هناك نحو 588 ألف شخص قد لجأوا إلى ذلك الخيار باعتباره حلا استراتيجيا.

ويقول بعض الخبراء إن التخلف عن الرهون العقارية هو موضوع تتم مناقشته أكثر من تنفيذه. حيث يكره الناس الانتقال بالإضافة إلى ارتباط أولادهم بالذهاب إلى مدارس معينة، كما أنهم لا يحبون النظر لأنفسهم باعتبارهم هاربين من سداد ديون. ولكن المشككين يستشهدون بدراسة أصدرها «الاحتياطي الفيدرالي» تعتمد على البيانات التاريخية من «ماساتشوستس» التي تشير إلى أنه لم يكن هناك سوى عدد قليل من المتخلفين عن السداد خلال الأزمة المالية التي وقعت في عام 1991.

وكانت وزارة المالية الأميركية تقف إلى جانب معسكر المتشككين. فيقول مايكل بار مساعد وزير المالية للمؤسسات المالية: «ما زال معظم الناس الذين يعانون من الديون يعيشون في منزلهم ويدفعون».

وسوف يحتاج الأمر إلى 745 مليار دولار وهو ما يزيد بقليل على حجم خطة الإنقاذ المالية الأصلية في عام 2008 لإعادة المقترضين كافة المتخلفين عن السداد إلى المرحلة التي كانت فيها منازلهم تساوي قيمة شرائها، وفقا لـ«فيرست أميركان».

من جهة أخرى، فإن استخدام الأموال الحكومية لعمل ذلك يمكن أن يكون غير عادل بالنسبة لدافعي الضرائب، وفقا لبار. من جهة ثالثة، فإن عدم اتخاذ أي إجراءات تجاه أزمة الرهون العقارية ربما يشجع على مزيد من تخلف المقترضين عن السداد، مما يؤدي إلى أزمة اقتصادية أخرى. فيقول: «ليس الأمر سهل». ويطلق على عمليات التهرب من السداد «البريد ذو الصليل» نظرا لأن أصحاب المنازل يرسلون بمفاتيح منازلهم إلى البنك لكي يبدأ إجراءات الحجز على الرهن وقد بدأ ذلك المصطلح في الظهور في الجنوب الغربي خلال أزمة البترول في الثمانينات على الرغم من أنه لم يتضح حتى الآن مدى انتشار ذلك المصطلح في ذلك الوقت.

وفي الأزمة المالية الأخيرة، لاحظ المقرضون أن هناك شيئا غريبا بعدما انخفضت أسعار العقارات بنسبة 10%؛ فيقول أحد التنفيذيين في «واشوفيا»، كبرى شركات الإقراض في البلاد خلال مكالمة هاتفية في يناير (كانون الثاني) 2008، إن البنك أصابته حالة من الارتباك بعدما امتنع العملاء الذين يستطيعون السداد عن سداد ديونهم. (انهار البنك بعد ذلك بتسعة أشهر واشتراه «ويلز فارغو»).

وبعدما انخفضت الأسعار بنسبة 30%، انقسم المقترضون إلى فئتين: بعضهم كان يمتلك منازله لسنوات كثيرة، ولكنهم واجهوا مشكلات لأنهم كانوا يستخدمون منازلهم كماكينات لتحصيل الأموال. فيما اقترف البعض الآخر مثل السيد كوليمان من «ميامي بيتش» خطأ واحدا وهو أنه اشترى منزله في الوقت الذي بلغت فيه الأسعار ذروتها.

وفي أبريل (نيسان) 2006، وهي اللحظة التي حدث فيها ارتفاع مستمر لأسعار العقارات باعتباره قانون الطبيعة، كان كوليمان، 23 عاما، استشاريا إداريا جديدا بميامي.

ولأنه يتسم بالحذر المالي، فقد قرر شراء شقة صغيرة تتكون من حجرة واحدة بمبلغ 215 ألف دولار وهو أقل مما أخبره وكيله بأنه يستطيع توفيره. وضع نحو 20% ثم تلقى معدل فائدة ثابت من «كانتريوايد فايننشيال».

وبعد ذلك بأقل من أربع سنوات، تم بيع الشقق التي تم الحجز عليها بذلك المبني في مقابل 90 ألف دولار فقط. يقول كوليمان: «لا يوجد منطق مالي يدفعني للبقاء». فمقابل مبلغ 1500 دولار الذي أدفعه شهريا مضافة إليه الضرائب والتأمين، أستطيع استئجار مكان أفضل على الشاطئ، مكان به صالة رياضية وأمن وساحة انتظار للسيارات».

وهو يدرك في الوقت نفسه أن الابتعاد ليس خاليا من المخاطر. فعلى الأقل، سوف يفسد حده الائتماني. كما أنه يحب الانضمام إلى إحدى الجامعات، وإذا ما اطلع مكتب الالتحاق بالجامعة على سجله الائتماني السيئ فسوف يرفض قطعا دخوله؟ فما بالك بحصوله على فرصة عمل جديدة؟

ولكن الأكثر أهمية هو أنه يواجه معضلة أخلاقية. فيقول: «لقد أخذت قرضا على أصل لم أكن لأرى أن سعره مبالغ فيه. وعلى الرغم من أنني أرغب في أن يتحمل البنك ثمن ذلك الخطأ، فإنني أفكر في: لم يجب عليه ذلك؟».

وترغب «وول ستريت» في تشجيع ذلك التوجه. فيقول ديفيد روسنبرغ، الخبير الاقتصادي بشركة «غلوسكين شيف» مؤخرا إن المقترضين كانوا ضحايا، قائلا: «لقد وقعوا عقودا، وباعتبارهم مسؤولين، يجب عليهم الالتزام بها».

وبالطبع، فليس ذلك بالضرورة هو ما ستقوم به «وول ستريت»، مثلما حدث في حالة «ستوفيسانت تاون» و«بيتر كوبر فيلدج». فقد تخلفت المجموعة الاستثمارية التي يقودها العملاق «تشمان سبير» عن سداد 4.4 مليار دولار كانت تستخدمها لشراء بنايتين في مانهاتن وقد أعادت تسليم الممتلكات إلى المقرضين.

بل وحتى خلال الازدهار، ساهمت البنوك في رفع الأسعار إلى مستويات غير واقعية من خلال تخفيض شروط الائتمان مما زاد نسبة المعروض في سوق للعقارات.

كما أن كوليمان ذهب خلال الخريف الماضي إلى «بنك أوف أميركا» لتعديل شروط الرهن العقاري، مؤكدا أن دخله قد انخفض. ولكن البنك عاد إليه بعد عدة أسابيع بخطة تضيف شروطا متشددة تجعل نظام الدفع مماثلا تماما لما سبق. فيقول كوليمان: «لقد كانت تلك القشة الأخيرة». من جهة أخرى، يقول جاي سيكالا، ناشر مجلة «إنسايد موتيدج فيناني» إنه لم يسمع الكثير من التعاطف من المقرضين حيال العملاء المتخلفين عن السداد، مضيفا: «فلتذهب البنوك للجحيم إذا لم تساعد».

من جهة أخرى، استمع جو فيجوليوا إلى هذه الرسالة، فقد كان اشترى منزله في إلغين في إلينوي عام 2004 ثم أعاد تمويله مرتين لكي يحصل على شروط أفضل. وكان يسحب القليل من المال في كلتا المرتين لتغطية تكاليف الإغلاق وغيرها من النفقات. ولكن سعر منزله يقل بكثير عن سعر الشراء فيما تم تخفيض مرتبه. فيقول: «لا يبدو الوضع صحيحا، فيمكنني أن استأجر مكانا بنصف ما أدفعه الآن. لقد أخبرت البنك بأنه استحوذ على جزء من المبنى. مما يسهل المال. وإلا لماذا أعطاكم الرئيس تلك الأموال كافة؟»، ولكن «بنك أوف أميركا» لم يوافق، وبالتالي لا يري فيفوليولا، 48 عاما، بديلا عن التخلف عن السداد. «لا أعتقد أن ذلك صوابا، ولكنني ليس أمامي خيار آخر».

* خدمة «نيويورك تايمز»