«يمتنع الوسطاء».. ظاهرة جديدة تلقي بظلالها على سوق العقار السعودية

خبراء: استبعاد الوسيط من الصفقات العقارية سيؤثر في التعاملات على المدى الطويل

تزايد مؤخرا منع دخول الوسطاء في السوق العقارية السعودية مما قد يتسبب في اندثار هذه المهنة (تصوير: غازي مهدي)
TT

«يمتنع الوسطاء».. عبارة غزت سوق العقار السعودية مؤخرا، وأصبحت شرطا أساسيا لكثير من المتعاملين في السوق، على الرغم من الدور المؤثر الذي يلعبه الوسطاء عادة، والخدمات الكثيرة التي يتيحها تدخلهم، بدءا بالتسويق وإيجاد المشتري في وقت قصير، وبالسعر الذي يرضي الأطراف كلها في معظم الأحيان.

خالد أسعد جمجوم، رئيس اللجنة العقارية بغرفة التجارة والصناعة في جدة، وصاحب مكتب عقاري، يقول بأن «هذه الظاهرة التي بدأت بالانتشار مؤخرا ستلقي بظلالها بشكل كبير على تعاملات السوق العقارية، وستؤثر فيها على المدى الطويل من نواحٍ مختلفة، قد لا تكون إيجابية في مجملها».

ويضيف جمجوم أن «ما أسهم في انتشار هذه الظاهرة مؤخرا، على الرغم من عراقة دور الوسطاء، أو (الدلالين) كما يطلق عليهم في لغة السوق الدارجة، هو رغبة صاحب العقار بالحصول على السعر الأعلى عن طريق توفير العمولة المتعارف عليها في السوق للوسطاء، على الرغم من محدوديتها حيث لا تتجاوز 2.5 في المائة، إلى جانب الخوف - بناء على تجارب كثيرة - من أن يسهم الوسيط في خفض سعر العقار المعروض بشكل غير مباشر عن طريق نشره للمعلومة لعدد كبير، الأمر الذي قد يجعل العقار يبدو كأنه غير مرغوب، إضافة إلى استغلال بعض الوسطاء علاقاتهم الشخصية في الصفقات، وبالتالي خفض السعر أو رفعه لمصلحة أحد الطرفين».

ويعتبر جمجوم أن العوامل والمسببات السابقة يمكن تلخيصها في أن الثقة في دور الوسيط شابتها شوائب، وهذا ليس في مصلحة الصفقات العقارية «فلو كان لدى الوسطاء وعي عام ومعرفة جيدة، فهو مجال عمل مربح وجيد للوسطاء، والوسطاء لهم دور ممتاز في نقل المعلومة، إلى جانب أن أهمية الوسيط تكمن في أنه يسوق للعرض العقاري، وهو لا يزال إلى الآن أفضل الطرق في السوق العقارية المحلية، وبخاصة للأفراد، لأن سياسة اللجوء إلى الشركات المختصة كما يحدث في أسواق عقارية أخرى لا تزال غير ذات جذور في وعي المجتمع».

أما بالنسبة إلى انحسار رغبة الشركات العقارية الكبرى في التعامل مع الوسطاء، يشير جمجوم إلى أن ذلك ينجم عادة عن أن الشركة العقارية لا ترغب التعامل مع الوسيط، لأنه قد يسيء إلى المعلومات التي ترغب الشركة في نشرها بشكل أو بآخر، لكن في الطرف الآخر من المعادلة الأفراد أصحاب العقارات يحتاجون إلى الوسطاء، وهم أقرب وأفضل من يمكنهم مساعدتهم.

وتوقع جمجوم أن يقل دور الوسطاء مع الوقت، لأن هناك توجها عاما لدى الجميع، سواء كانوا أفرادا أو شركات، باستخدام الأساليب العلمية لجمع المعلومات، وتركيز أكبر على دور المثمنين العقاريين، بحيث لا يقتصر عمله على الوساطة أو البحث عن السعر الأعلى، ولكن قد يقدم أيضا معلومات دقيقة ومفصلة حول قيمة العقار نفسه وإمكانات تطويره، والجهات الأفضل لعرضها عليهم. ويؤكد جمجوم أنه في حال عدم تطور الوسطاء للوصول إلى هذا المستوى، فسوف ينقرض عملهم مع الوقت، وتقل الحاجة إليهم.

وفي الوقت نفسه، يشير جمجوم إلى أن الوساطة في المجالات العقارية تؤمن ربحا معتبرا، ولا تحتاج إلى أكثر من العلاقات الشخصية القوية ومعرفة الكثير من الأشخاص وحضور مناسبات كثيرة، وبالتالي فهي مجال مناسب لكثير من الراغبين في تحسين دخلهم، إلا أنه يجب الأخذ في الاعتبار متطلبات السوق الجديدة، وتطوير الأداء ليتسنى للأطراف المشاركة كافة في الصفقة العقارية الاستفادة بشكل متساو.

من جانبه، قال عبد الله بن سعد الأحمري، رئيس لجنة التثمين العقاري ونائب رئيس اللجنة العقارية بالغرفة التجارية في جدة، بأن «الوسطاء كانوا منذ الأزل طرفا في الصفقات العقارية، وكانوا يعملون وفق نظام الطوائف التجارية، إلا أنه بعد التطورات التي شهدتها سوق العقار، صدر قرار يحظر على الوسطاء وغيرهم العمل في التعاملات العقارية ما لم يكن الوسيط صاحب سجل تجاري بحيث لا تكون (مهنة من لا مهنة له) كما يقال».

وأضاف: «التنظيم الذي شهدته السوق العقارية والإشكالات التي وقعت لعبت دورها في الحد من تجاوزات، كان الوسطاء دائما مسؤولين عنها، مثل عدم المصداقية في العروض، والأسعار، والمضاربات العقارية، وبالتالي اكتسبت مهنة (الدلالة)، أو الوساطة، سمعة سيئة من بعض المتعاملين في السوق العقارية. وبعضهم كان يلجأ إلى إضافة مبالغ زائدة لضمان خط رجعة، وهو أمر غير احترافي وغير ملائم. إلا أن المتعاملين حاليا في العقار أصبحوا أكثر فهما وثقافة، وأصبحت الوسائل للتسويق العقاري متاحة، فهناك وسائل إعلامية وإلكترونية. وبالتالي قرر الكثير من الأشخاص الاستغناء عن الوسطاء لتوافر بدائل تسويقية وحلول أخرى».

ويرى الأحمري أن الاستغناء عن الوسطاء أمر إيجابي، لأنه «عند اللجوء إلى المكاتب ذات الصفة المستقلة والمحترفة يمكننا أن نحاسب الجهة المسؤولة عن الخطأ في حال حدوثه عندما يحصر التعامل في الصفقات العقارية في المكاتب المرخص لها بالتعاملات التجارية والمحترفة. وبالتالي، فإن الإشكالات في التعاملات العقارية ستكون أقل، ويمكن للوسطاء التعاون مع المكاتب العقارية وأن يتحركوا تحت مظلتها لكي يصبح عملهم أكثر إقناعا وأقل إثارة للإشكالات المستقبلية».