توقعات بارتفاع أسعار العقارات في تايوان بعد التقارب مع الصين

قد تزيد بنسبة 50% خلال 5 سنوات في العاصمة تايبيه

جانب من تايبيه عاصمة تايوان («الشرق الأوسط»)
TT

لم يعد التأثير الصيني على الأسواق العالمية القريبة والبعيدة وخصوصا أسواق العقار على أنواعها، حكرا على هونغ كونغ، بل صار يتعداها إلى الكثير من الدول وخصوصا المجاورة مثل فيتنام وكمبوديا وتايلاند وسنغافورة وتايوان. ففيما أدت الهجمة الصينية الأخيرة على عقارات هونغ كونغ إلى إشعال طفرة جديدة فيها، أدى التقارب السياسي بين الصين وتايوان خلال العامين الماضيين إلى تحسين أوضاع الأسواق العقارية في تايوان وارتفاع الأسعار خلال الربع الأخير من العام الماضي (2009) بنسبة 10 في المائة على الأقل، حسب أرقام مؤسسة «سينيي» التايوانية المستقلة والمختصة بالعقار، نسبة إلى ما كانت عليه في الربع الأول من العام، حيث شهدت الأسعار تراجعا مهما بنسبة لا تقل عن 13 في المائة. ويتوقع للتحسن الحاصل على العلاقات بين البلدين أن يساعد ويسهم بطفرة عقارية في تايوان هذا العام (2010) وعلى أقل حد مواصلة الأسعار ارتفاعها. وبالطبع ساعدت التطورات الاقتصادية الإيجابية في البلاد في الربع الأخير من العالم الماضي وما سبقها من تطورات أيضا على تحسين وضع الأسواق العقارية ورفعه الأسعار ودفعها باتجاه نمو كبير. ومن هذه التطورات أو العوامل التي ساعدت الأسواق على التحسن هي معدلات الفائدة المنخفضة وانخفاض معدلات الضريبة. وكان الرئيس التايواني ما يينغ جيو عن حزب «كومينتانغ»، خلافا للرئيس السابق شين شوي - بيان، قد وعد بعد تسلم سلطاته في مايو (أيار) عام 2008 بتحسين العلاقات مع الصين وتطوير التعاون معها على جميع الصعد لدرجة أنه رفع شعار «لا للاستقلال، لا للعودة إلى الوطن الأم، لا حرب». ويعتبر جيو أقرب رئيس إلى الصين في تاريخ البلاد ولذا تسري حاليا حالة تفاؤل بالأوضاع السياسية والاقتصادية. وتبع ذلك توقيع اتفاقات اقتصادية مهمة بين البلدين في نوفمبر (تشرين الثاني) العام الماضي. ويتوقع أن يتم التوقيع على المزيد من هذه الاتفاقات المهمة بين البلدين هذا العام. ويذكر هنا أن تايوان التي لا يفصلها عن الصين سوى مضيق تايوان، قريبة جدا من إقليمي غوانغدونغ وفوجيان الصينيين المهمين من الناحية الاقتصادية في شرق البلاد - أو بكلام آخر قريبة جدا من جميع المناطق الغربية الجنوبية في الصين ومنها هونغ كونغ. ومنذ ذلك الحين بدأت الأسواق في البلاد تنفتح أمام المستثمرين والزبائن الصينيين، ويتوقع أن تنفتح الأسواق العقارية أكثر هذه السنة أمام الصينيين، وخصوصا أن قوانين التملك في البلاد تتبع مبدأ «المعاملة بالمثل» مع الدول الأخرى، وستعطي الصينيين على الأرجح أولوية من هذه الناحية. بأية حال فقد أشارت الأرقام الأخيرة إلى أن أكبر نسبة ارتفاع على الأسعار في الربع الأخير من العام الماضي (2009) نسبة إلى ما كانت عليه في بدايته، حصلت في المدينة الثالثة في البلاد، مدينة تايشنغ، أما العاصمة تايبيه فقد جاءت في المرتبة الثانية كما يبدو وحصلت على نسبة 10 في المائة تقريبا.

وعن الفترة نفسها أشارت «غلوبال برابرتي»، في تقرير خاص عن الصين وتايوان أن المدينة الثالثة في المناطق الغربية الجنوبية من البلاد كاوسيونغ لم تتمتع في الفترة نفسها إلا بارتفاع نسبته 1.6 في المائة.

وعلى هذا الأساس، وعلى خلفية الارتفاع الأخير على الأسعار تتوقع بعض المؤسسات المالية الآسيوية المهمة ارتفاع الأسعار العام المقبل (2011) بنسبة لا تقل عن 15 في المائة، وذلك عطفا على خروج البلاد من حالة الركود وتحسن الوضع الاستهلاكي ومؤشراته. وتتوقع مؤسسة أو مجموعة «فارغلوري» بدورها - وهي من المؤسسات المعروفة أيضا في البلاد، أن تتراوح نسبة الارتفاع على الأسعار خلال السنوات القليلة المقبلة أو بين ثلاث أو خمس سنوات ستكون بين 3 أو 5 في المائة على الأقل على المستوى الوطني العام.

لكن ما يلفت النظر في تقديرات «فارغلوري» أنها «تتوقع أيضا ارتفاعا هائلا على الأسعار في الفترة نفسها في العاصمة تايبيه تصل نسبته إلى خمسين في المائة، إذ إن الانتعاش العقاري الأخير يرافقه انتعاش اقتصادي مهم يَعِد بنمو ممتاز للناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات القليلة المقبلة أيضا وبنسب لا تقل عن 5 في المائة. ويأتي هذا بالطبع على خلفية الانكماش الاقتصادي الذي وصلت نسبته إلى 4 في المائة العام الماضي (2009) والنمو البطيء والفقير الدم أو الخجول قبل ذلك في العام 2008 بنسبة 0.1 في المائة. وكانت هذه أسعار العقارات السكنية في العاصمة تايبيه قد ارتفعت خلال السنوات الثلاث الماضية بنسبة مماثلة أي 50 في المائة، من دون تماثل في الارتفاع على صعيد معدل أو متوسط الأجور العام الذي لم يرتفع من العام 2006 إلى نهاية العام 2009 إلا بنسبة 2 في المائة، مما يخلق فجوة كبيرة في عالم الإسكان التايواني ويفتح المجال أمام مشاريع خاصة بالأجانب والمستثمرين الأجانب الذين يتوقع أن يكون معظمهم من الصين ومن دول جنوب شرق آسيا ومجموعة آسيان. كما من شأن هذا التفاوت بين نمو معدل الأجور ونمو أسعار العقارات تهديد الطفرة الحالية بالانهيار ما لم يتم التعامل بحذر مع سوق القروض وانفتاحه على شرائح أكبر من شرائح المجتمع. والأهم من هذا التعامل مع الإشاعات الخاصة بأسواق العقار، إذ يؤكد الكثير من الخبراء أن الأسواق العقارية في الكثير من المناطق الآسيوية كهونغ كونغ وسنغافورة وكوريا الجنوبية وتايوان، تعتمد في طفراتها وتراجعاتها على الإشاعات الاستثمارية التي تتعلق بالصينيين وموجاتهم إلى الخارج وليست لها علاقة بالواقع، ولذا لا يعتبر الخبراء أن بالإمكان المحافظة على هذا المعدل من النمو المفاجئ وفي ظل التفاوت الحاصل والضخم بينه وبين معدل الأجور العام. وفيما يحذر هؤلاء الخبراء من مغبة الاتكال على الأرقام الكثيرة في التخطيط للمستقبل، يعد البعض من المستثمرين العدة لاستثمار طويل الأمد تغذيه حاجة الصينيين الماسة خاصة الطبقتين الغنية والمتوسطة هذه الأيام، إلى الاستثمار والسكن في الخارج وخصوصا في المناطق القريبة من الوطن الأم والتي تتمتع بأنظمة مالية وتعليمية وقضائية ممتازة. وتعتبر كل من تايوان وهونغ كونغ على هذا الصعيد محطة أولى لهؤلاء الصينيين الذين يريدون فرد أجنحتهم وأجنحة نموهم الذي شهدوه خلال السنوات العشر الماضية في الخارج والمناطق التي تعتبر من الأسواق المالية الدولية. ولمعرفة قوة الإشاعات وفعاليتها في أسواق المال والعقار التايوانية وغيرها من الأسواق الآسيوية المربوطة بالصين والقريبة منها سياسيا وجغرافيا، أكد بحث لجامعة شينغشي الوطنية بهذا الصدد، أن الإشاعات مسؤولة دون غيرها، عن رفع الأسعار العقارية السكنية في البلاد بنسبة خمسين في المائة خلال السنوات الثلاث الماضية.

ولأن تايوان كانت أكثر الدول تأثرا بالركود الاقتصادي الأميركي لاعتمادها الكبير كجنوب كوريا والكثير من الدول الآسيوية على التصدير، العامين الماضيين، فإن الحكومة لجأت إلى تخفيض تاريخي كبير على معدلات الفائدة والتي وصلت أخيرا إلى 1.25 في المائة في فبراير (شباط) العام المقبل. وذلك في محاولة لدعم أسواق القروض العقارية وتمتينها خلال فترة الركود ومساعدتها على الصمود. وفد نمت هذه الأسواق بنسبة 4.7 في المائة في نوفمبر (تشرين الثاني) العام الماضي، أي قبل ثلاثة أشهر، نسبة إلى ما كانت عليه في الفترة نفسها من العام السابق (نوفمبر 2008). أي إنها ارتفعت من 146 مليار دولار أميركي في نوفمبر 2008 إلى 152 مليار دولار أميركي في نوفمبر 2009. والأهم من هذا أن حجم القروض العقارية من الناتج المحلي الإجمالي أصبح يشكل نهاية العام الماضي (2009) 41 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. ولم تتعد هذه النسبة الـ29 في المائة عام 2003، أي إنها ارتفعت منذ ست سنوات مرة ونصف المرة تقريبا، وهي نسبة ارتفاع كبيرة على دولة صغيرة في آسيا. ولان اتفاق نوفمبر الماضي بين تايوان والصين يمنح البنوك الصينية حق بيع قروضها العقارية في تايوان، فإن التوقعات بأن يلجأ المواطنون إلى استغلال الفرصة واستغلال وجود هذه البنوك في الأسواق، وبالتالي رفع حجم القروض خلال السنوات القليلة المقبلة بنسب لافتة وكبيرة. فضلا عن هذا يفتح التواجد المصرفي الصيني في الأسواق تنافسا كبيرا بين المؤسسات المالية والمصرفية في البلاد وبالتالي نمو هذا التنافس وتطوير الأسواق وتمتينها في المحصلة. ويتخوف الكثير من الخبراء كما سبق وذكرنا من هذه الطفرة التي تنتعش على الإشاعات المتعلقة بنشاط الصينيين في البلاد، وخصوصا أن تايوان كبعض الدول الآسيوية الأخرى أيضا، شهدت عدة طفرات وعدة انهيارات للأسواق العقارية في تاريخها الحديث لا تبشر بالخير. ولا تزال ذكريات الطفرة العقارية الكبيرة التي شهدتها تايوان بين عامي 1986 و1991 – على خلفية الطفرة المالية وطفرة الأسهم وأسواق المال - وانتهت بانهيار مجلجل بين عامي 1991 وعام 2002 أي قبل بدء الطفرة الأخيرة التي قضى عليها أزمة الائتمان الدولية وما تبعها من ركود اقتصادي عالمي العامين الماضيين. وكانت الأسعار قد انهارت وتراجعت عام 2002 أي قبل ثماني سنوات بنسبة 20 في المائة فقط في العاصمة تايبيه وفي بعض المناطق الأخرى المحيطة بها بنسبة لا تقل عن 30 في المائة. أما في كاوسيونغ فقد تراجعت بنسبة 50 في المائة وفي تايشونغ بنسبة لا تقل عن 40 في المائة، وهي نسب عالية جدا تشبه نسب الارتفاع غير الواقعية نفسها. ومع هذا، تشير الأرقام الأخيرة التي نشرتها مؤسستا «أليس» و«كوليارز» العقاريتان الدوليتان إلى جانب أرقام مؤشر «غلوبال برابرتي»، إلى أن أسعار العقار في تايوان لا تزال في المرتبة الخامسة في القارة الآسيوية، ويأتي في المرتبة الأولى هونغ كونغ بسعر 15.5 ألف دولار تقريبا للمتر المربع الواحد ثم اليابان بـ13 ألف دولار وسنغافورة بـ 11.3 ألف دولار ثم الهند بـ 9.5 ألف دولار التي تأتي بعدها تايوان بسعر 3.9 ألف دولار للمتر المربع الواحد، ثم الصين بـ 2.8 ألف دولار وكمبوديا بـ2.6 ألف دولار وتايلاند والفيلبين ثم ماليزيا وإندونيسيا في المرتبة الأخيرة بسعر لا يتعدى الـ 1.2 ألف دولار.

بأية حال فإن أسواق العقار في تايوان بدأت تتحرك وتستعيد أنفاسها في الفترة الأخيرة وخصوصا في الربع الأخير من العام الماضي، من الركود الاقتصادي العالمي وعلى خلفية التحسن الكبير في العلاقات السياسية والاقتصادية، مع ما يوصف أحيانا بالوطن الأم. وقد بدأ الوطن الأم - الصين - ومنذ سنوات عدة، بتغيير الخريطة الاقتصادية والعقارية لا للدول المجاورة والصغيرة بل للعالم قاطبة.