جنة خضراء وسط مدينة الجزائر العاصمة

حديقة التجارب بالحامة

تعد حديقة التجارب في الجزائر ثالث حديقة في العالم من حيث النباتات النادرة (أ.ف.ب)
TT

فتحت «حديقة التجارب» بالعاصمة الجزائرية أبوابها من جديد، بعد أشغال ترميم واسعة دامت أكثر من خمس سنوات. وتوقف الرئيس عبد العزيز بوتفليقة مطلع الشهر الحالي، عند آخر لمسات إعادة تهيئة هذا الفضاء الطبيعي النادر في كامل منطقة شمال أفريقيا والمغرب العربي.

وعاد للحديقة، التي تقع في حي بلكور الشعبي العتيق، جمهورها العريض المتمثل في الباحثين في مجال الزراعة والنباتات، وطلبة علوم الطبيعة بالجامعة وتلاميذ المدارس وكل الذين يبحثون عن الجمال للاستمتاع به.

ونشأت الحديقة، الفريدة من نوعها في الجزائر، في عام 1830، على يدي المهندس المعماري الفرنسي رينييه الذي أعد تصميماتها، وتم ذلك بعد عامين من احتلال فرنسا الجزائر. وتضم حاليا أكثر من 3 آلاف نوع نبات ومئات أنواع الحيوان والسمك والحشرات وتتجاوز مساحتها 32 هكتارا. ومنذ تأسيسها كانت أرضا للتجارب العلمية أجراها باحثون فرنسيون، حيث أحضروا عددا كبيرا ومتنوعا من النباتات من مستعمرات أفريقيا آنذاك، لزراعتها فوق أرض الحديقة للتكيف مع مناخ البحر الأبيض المتوسط الذي تبعد عنه الحديقة بحوالي 200 متر فقط. وخلال فترة الاحتلال نقلت الإدارة الاستعمارية أصنافا كثيرة من النباتات إلى فرنسا.

ويقول عيسى جودي وهو أستاذ بـ«المعهد الوطني للفلاحة» لـ«الشرق الأوسط»، إن الحديقة التي تستمد اسمها من حي الحامة ببلكور، هي ثالث حديقة في العالم من حيث النباتات النادرة ولا يوجد ـ حسب رأيه ـ نظير لها إلا ببريطانيا والولايات المتحدة الأميريكية، ووصفها بـ«الجنة الخضراء وسط مدنية الجزائر».. ومن أهم ميزاتها اعتدال مناخها، فدرجة الحرارة لا تصل 15 درجة في عز الشتاء إلا نادرا، عندما تكون 5 درجات في الأحياء المجاورة. وفي فصل الصيف لا تتجاوز 25 درجة عندما تكون 35 خارج الحديقة، لهذه الأسباب فهي مصدر إقبال عدد كبير من سكان العاصمة خاصة في شهر أغسطس (آب).

وأسهمت هذه الميزة المناخية في تنوع النباتات والأشجار، ودفعت بالقائمين على الحديقة إلى إنشاء مربعات لزراعة الأزهار التجريبية والمشاتل وبيوت البلاستيك والحصى المكسيكية. وفي الحديقة يوجد فضاء للزراعة المخبرية، يقصده الباحثون وطلبة معهد الزراعة. وأفرزت عملية إعادة تهيئة الفضاء، هياكل جديدة أهمها مدرسة لتكوين البستانيين ومنشآت قاعدية أخرى.

ويقول مدير الحديقة، عبد الرزاق زرياط، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن «هذه الحديقة تشكل متحفا حقيقيا للطبيعة، إذ تحوي أشجارا يفوق عمرها 150 سنة ونبتات نادرة وفريدة أتت من مختلف أرجاء العالم». كما تضم الحديقة 2500 نوع من النباتات وأشجار عمرها مئات السنين وأكثر من 25 نوعا من أشجار النخيل، فضلا عن حديقة على الطراز الفرنسي الكلاسيكي وأخرى بالطابع البريطاني.

ويوضح زرياط أن الحديقة تضم أنواعا عديدة، كشجرة ورد يبلغ ارتفاعها ثلاثين مترا وتعود إلى مائة سنة تقريبا، وأشجار نخيل من نوع البلميط، وأشجار البيلسان العريقة التي قد ترتفع 30 مترا، إضافة إلى نبتة الكافور وشجر البامبو، فضلا عن شجرة الجنكة (شجرة الكزبرة أو عشبة الذكاء) وهي أحد أنواع الأشجار التي تتحمل التقلبات المناخية القاسية قرونا عدة.

وتم خلال أشغال الترميم غرس أشجار طولها 15 مترا في ممر أشجار الدلب الذي يعود تاريخ النباتات المغروسة به إلى منتصف القرن التاسع عشر. وقامت الإدارة بترميم ممر الخيزران بغرب الحديقة، وممر التنين أيضا ووضعت أكثر من 6 آلاف هكتار بالعشب الاصطناعي بـ«الجانب الفرنسي» من الحديقة.

ويؤكد زرياط في حديثه لوكالة الصحافة الفرنسية أن حديقة الحامة كانت إحدى أجمل حدائق العالم، إلا أن معظم أشجارها يفوق عمرها المائة عام، إذ زرعت أولاها في العام 1848. ويجب العمل اليوم على تجديد نباتات الحديقة، والسماح بالتخصص بالنباتات المحلية، وهو دور الحدائق النباتية.

وأضاف «الآن وقد انتهت عملية التأهيل لهذه الحديقة، علينا العمل لكي تستعيد مكانتها العالمية التي كانت تحتلها قبل خمسين عاما». ويقصد الحديقة يوميا، منذ إعادة افتتاحها أمام العامة، آلاف الزوار في العاصمة التي ترزح تحت ثقل التوسع العشوائي وتعاني من نقص في الأماكن المخصصة للترفيه والراحة.

ويأتي زوار الحديقة، وفي معظمهم عائلات، يوميا، بهدف التنزه في الممرات التي تظللها أشجار الدلب والبامبو، أو ليتأملوا في أشجار النخيل الضخمة من كل أنحاء العالم.

ولم يكن سهلا ضبط الأمور في الأيام الأولى لإعادة افتتاح الحديقة. فرغم انتشار مائة عنصر تقريبا من رجال الأمن والشرطة لمراقبة الموقع، سجل زرياط عدم انضباط من قبل بعض الزوار.

وقال «لا يميز الناس بين حديقة عامة وأخرى نباتية. فبعضهم يتسلق الأشجار وآخرون يمشون على العشب الأخضر والنبتات».

ويتابع «في حديقة نباتية يجب الحفاظ على النباتات وحمايتها ويجب ألا يتلف أي منها أو دوسها». وعلى مسافة قريبة يجهد زوجان لجعل أطفالهما يلتزمون بما كتب على اللافتات التي تمنع المشي على العشب الأخضر أو تسلق الأشجار.

إلا أن مدير حديقة الحامة ينوي إنشاء مدرسة في وسط الحديقة تعنى بتعليم الأطفال كيفية الحفاظ على الطبيعة وتنظيم زيارات موجهة لتلاميذ المدارس.