كلية إيتون.. خرجت ملوكا وأمراء وفنانين و18 رئيس حكومة بريطانيا

إحدى أرقى مدارس العالم الخاصة

أسست كلية إيتون وهي فعليا مدرسة داخلية خاصة للبنين تتبع الكنيسة الإنغليكانية (كنيسة إنجلترا) عام 1440
TT

تقرر خلال الأسبوع إغلاق كلية إيتون، إحدى أرقى المدارس الخاصة في بريطانيا والعالم، وأكبرها وأغناها لمدة أسبوع بعد اكتشاف حالة إصابة بأنفلونزا الخنازير عند أحد طلبتها. حدث من هذا النوع نادر الحدوث، وهو وإن كان يؤكد سرعة انتشار الوباء، فهو يؤكد أيضا أن لا أحد في مأمن منه، حتى في بيئة مدرسة داخلية مثل «إيتون» التي تقع في قرية إيتون، التي يفصلها فقط نهر التيمز عن بلدة ويندسور حيث «قلعة ويندسور» أهم القصور الملكية البريطانية، وتقع على مساقة 32 كلم من العاصمة البريطانية لندن في مقاطعة باركشير.

أسست كلية إيتون، وهي فعليا مدرسة داخلية خاصة للبنين تتبع الكنيسة الإنغليكانية (كنيسة إنجلترا) عام 1440، بأمر من الملك هنري السادس، ومن ثم أعدها لتأهيل الطلبة لدخول «كلية الملك» (كينغز كولدج) في جامعة كمبريدج التي أسسها في العام التالي. وكان هنري السادس بذا يقتفي أثر الأسقف الكاثوليكي البارز وليم ويكهام الذي كان قد شق طريق التكامل بين التعليم المتوسط والثانوي والتعليم الجامعي بتأسيسه عام 1379 «الكلية الجديدة» (نيو كولدج) في جامعة أكسفورد ثم عام 1382 كلية وينشستر. وبالفعل ينم عن العلاقة الوثيقة بين كلية «إيتون» و«كينغز كولدج» في كمبريدج التشابه الكبير في درعي المعهدين. كما أن ثمة علاقة تنافس تقليدي بين كليتي إيتون ووينشستر اللتين تنافستا تاريخيا ـ ومعهما مدرسة «هارو» ـ على قمة هرم التعليم الخاص ما قبل الجامعي في بريطانيا، وكذلك بين كليتي «كينغز كولدج» بجامعة كمبريدج و«نيو كولدج» بجامعة أكسفورد اللتين تعتبران كليتين شقيقتين. اليوم يبلغ عدد طلبة كلية إيتون 1309 طلاب، كلهم من الذكور، تتراوح أعمارهم بين 13 و18 سنة، أما عدد أفراد الهيئة التعليمية، فيقدر بنحو 135، مما يعني أن نسبة الطلبة إلى المدرسين هي 10 إلى 1. ويقيم الطلبة في 25 من «البيوت» الطلابية التي تتوزع في حرم الكلية الفخم المعمار الواقع في الجزء الشمالي من قرية إيتون تحف به الحدائق والبساتين، وبعضها يمتد على ضفاف التيمز. أما أروع مباني الكلية فالكنيسة القوطية الطراز التي يعد صحنها الأطول من نوعه في أوروبا. وكانت فكرة هنري بالنسبة لكل من «إيتون» وكليته الجامعية في كمبريدج غاية في الطموح لجهة الفخامة المعمارية، غير أنه عندنا أزيح عن العرش عام 1461 أوقف الملك الجديد إدوارد الرابع كل الهبات المرصودة لمشروعات سلفه. ويقال إن شفاعة جاين شور عشيقة إدوارد الرابع نفعت في التخفيف من حرمان «إيتون» والسماح لها ببعض المال. غير أن الهبات من الأفراد والأعيان الأثرياء تمكنت من إقالة عثرة الكلية وتوسيع مرافقها ومباني حرمها، واليوم يحمل عدد من مباني «إيتون» و«بيوتها» أسماء هؤلاء المحسنين الذين أسهموا في جعلها إحدى أعظم مدارس العالم. وعلى صعيد المناهج والتعليم، تقسم السنة الدراسية في «إيتون» إلى ثلاثة فصول («الفصل» يسمى في إيتون «نصف») هي: «نصف» ميكلماس ـ أو عيد القديس ميخائيل ـ من منتصف سبتمبر (أيلول) إلى منتصف ديسمبر (كانون الأول)، و«نصف» لنت» ـ أو الصوم الكبير عند المسيحيين ـ من منتصف يناير (كانون الثاني) إلى أواخر مارس (آذار)، و«نصف» الصيف بين أواخر أبريل (نيسان) إلى أواخر يونيو (حزيران) أو مطلع يوليو (تموز). وتشمل مواد التدريس تشكيلة واسعة من العلوم والمعارف والآداب، بما فيها التاريخ القديم واللاهوت، واللغتان اليونانية واللاتينية، والرياضيات والعلوم. وقد اقتحم الكومبيوتر ومعه كل أشكال التكنولوجيا الحديثة حياة «إيتون»، ولكل طالب كومبيوتره المحمول ووصلات الألياف البصرية بين غرف الطلبة وغرف التدريس، كذلك لكل طالب مشرف خاص يقدم له المساعدة والتعليم خارج قاعات الدراسة. وكانت انطلاقة الكلية قد بدأت مع 70 «دارسا» مقيما إلى جانب 20 «طالبا» يعيشون في منازل خارج المبنى الرئيسي المعروف بـ«الكلية». ومَن يُطلق عليهم مسمى «الدارسون» (السكولارز) Scholars من التلامذة يتلقون منحا دراسية بموجب امتحانات، وتحمل المنح اسم «المنح الدراسية الملكية» وبالتالي يعرفون بـ«الكينغز سكولارز». ومع نمو «إيتون» تكاثر عدد «الطلبة» الآخرين الذين عرفوا بـ«الأوبيديون» Oppedians ـ وجاءت الكلمة من كلمة «أوبيدوم» اللاتينية التي تعني «البلد» أو «المدينة» ـ وكانوا من أبناء الأسر الغنية، وبالتالي، يدفعون مصروفات سكنهم وإعاشتهم، خارج المبنى الرئيسي. وفي ما بعد، أسست «البيوت» لتوفير حياة جماعية منظمة ومريحة للطلبة، وهي تضم نحو خمسين طالبا لكل بيت. ولكل بيت، حيث يمضي الطالب فترة طويلة من اليوم، اسمه والمشرف عليه وعلى طلبته وعلى النشاط الرياضي فيه. أما على صعيد الزي، فيرتدي تلامذة «إيتون» المعاطف السوداء والسراويل المقلمة والقمصان البيضاء وربطات العنق البيضاء، أما اللون الرسمي للكلية فهو اللون الأزرق. وتشتهر «إيتون» بطول باعها في مجال الرياضة، ومما يذكر أن المباراة التقليدية بينها وبين غريمتها مدرسة «هارو» (حيث تخرج ونستون تشرتشل وجواهرلال نهرو والملك حسين عاهل الأردن السابق) في لعبة الكريكيت على ملعب لوردز الشهير في لندن هي أقدم مباراة موسمية على روزنامة اللعبة، إذ انطلقت عام 1805. كما يعتقد أن أول مباراة استعين فيها بحكم في لعبة كرة القدم لعبت في «إيتون». كذلك تتمتع الكلية بتقاليد عريقة في مجالات الفن المختلفة ولا سيما الموسيقى والدراما.

من حيث الحجم، تعد «إيتون» من أكبر المدارس الخاصة البريطانية الراقية ـ المعروفة باسم «المدارس العامة» Public Schools وأغناها. وعبر القرون، كانت ـ ولا تزال ـ قبلة أنظار النبلاء والأعيان وكبار الأثرياء الطامحين أن يؤمنوا لأبنائهم أفضل مستويات التعليم مهما كان الثمن. وبالفعل، درس أو تخرج في هذه المدرسة العريقة ما لا يقل عن 18 من رؤساء الحكومات البريطانية بينهم: المركيز سولزبري ووليم غلادستون وروبرت وولبول ودوق ويلنغتون وجورج غرينفيل ووليم غرينفيل وجون ستيوارت والإيرل غيلفورد والإيرل غراي والفايكونت ملبورن وهارولد مكميلان. ومن مشاهير الخريجين أيضا، الأميران وليم وهاري ابنا ولي العهد الأمير تشارلز، ومن العائلات المالكة خارج بريطانيا: الملك ليوبولد ملك بلجيكا، وملك تايلاند راما السابع ـ أو براجاديبوك ـ (1893 ـ 1941) الذي وهب الكلية حديقة تحمل اسمه في حرمها، وولي العهد الأردني السابق الأمير الحسن بن طلال. وعالم الفلك والرياضيات السير جون هيرشل.

وفي مجال الأدب والفكر الشاعر والأديب الشهير شيللي وألدوس هكسلي وجورج أورويل وإيان فليمنغ والفيلسوف هنري مور والمؤرخ ستيفن رنسيمان، والعديد من كبار الصحافيين منهم ديفيد أستور وإدوارد مورتيمر.

ومن الممثلين هيو لوري وباتريك ماكني وإيان أوغيلفي ودميان ويست ودومينيك ويست.

* «إيتون» والآثار

* أعادت كلية «إيتون» أخيرا أكثر من 450 قطعة أثرية إلى مصر، وذلك بعد اكتشافها أن عددا منها ربما كان قد أخرج من مصر بطرق غير مشروعة.

كانت صحيفة «ذي آرت نيوز بايبر» قد نشرت أخيرا أن الجزء الأساسي من مجموعة الكلية الذي كانت قد تلقته كهبة من الميجور وليم مايرز عام 1899 سيعار لفترة طويلة إلى جامعة برمنغهام البريطانية وجامعة جونز هوبكنز الأميركية. أما القطع المعادة إلى مصر فكانت قد أهدتها إلى «إيتون» عام 2006 عائلة عالم المصريات الراحل رون ديفي، وكان ديفي بدوره قد تلقى معظمها من صديقه الراحل بيتر ويب الذي توفي عام 1992.