لبنان وأكبر عملية استنهاض لـ«هيئات المجتمع المدني» في تاريخه الحديث

ثلاثة أشهر وتسلم بيروت راية «العاصمة العالمية للكتاب» إلى لوبيانا

TT

تتسارع وتيرة الأنشطة الثقافية في بيروت بشكل يرهق المنظمين لأنشطة «بيروت عاصمة عالمية للكتاب»، وتقول الدكتورة ليلى بركات، المنسقة العامة للمشاريع: «إنه مع اقتراب انتهاء الاحتفالية في 22 من أبريل (نيسان) المقبل، يشعر الناس بأن الوقت ينفد وعليهم أن يستفيدوا من المناسبة. وثمة طلبات كثيرة وأفكار جميلة، نسعى لتنفيذها».

وتضيف بركات: «لم يشعر الناس في البداية، ربما، بأن الأمر يستحق اهتمامهم، لكن مع تقدم الوقت ورؤيتهم لما يتحقق على الأرض، يتحمسون للمشاركة ولأن يكونوا فعّالين معنا».

وكانت الاحتفاليات باختيار «اليونسكو» لبيروت «عاصمة عالمية للكتاب» قد بدأت في 21 من أبريل عام 2009 وتستمر لمدة سنة، على أن تصبح مدينة لوبيانا في سلوفاكيا هي العاصمة العالمية للكتاب بعد بيروت عام 2010، وكانت المنسقية العامة لبيروت عاصمة عالمية للكتاب، قد طلبت من كل من لديه فكرة لمشروع أن يتقدم بطلبه عبر موقع على الإنترنت، حيث تدرس الطلبات وتمول، على مدار العام، وهو ما وصف بأنه «أكبر عملية استنهاض لمؤسسات وهيئات المجتمع المدني في تاريخ لبنان الحديث الثقافي والتربوي»، بحسب ما جاء على غلاف كتاب من 368 صفحة عرض لبرنامج السنة، والأهداف المرتجى تحقيقها، والمتصفح للكتاب يكتشف أن الجمعيات كما المؤسسات التجارية والهيئات الثقافية ومحلات السوبر ماركت والمكتبات والمدارس ودور النشر والصحف والمعاهد الثقافية الغربية والسفارات الأجنبية شاركت جميعها في جعل هذه السنة متميزة عن غيرها، ومن طريف المشاركات مبادرة شركة «طيران الشرق الأوسط»، أي الخطوط الجوية اللبنانية لأن تحمل طائراتها شعار «بيروت عاصمة عالمية للكتاب» بحجم بارز طوال فترة الاحتفالية.

ومن طريف ما ترويه ليلى بركات لـ«الشرق الأوسط» أن البعض بات يحتفل بمبادرة شخصية، ويستعمل الشعار دون أي تنسيق مع وزارة الثقافة أو المنسقية العامة، وإذ احتج الكثير من البيروتيين على منحوتات انتشرت في عاصمتهم مؤخرا احتفاء ببيروت عاصمة عالمية للكتاب بمبادرة من إحدى الجمعيات، قال المعترضون إنها بشعة ولا تليق بمدينة تتذوق الفنون، وترد ليلى بركات بأن المنحوتات وزعت على الطرقات بمبادرة من جهة خاصة، ولا علاقة للمنسقية بها، وأن الوزارة لا تستطيع أن تمنع أي مواطن يستعمل الشعار ويحتفل على طريقته، سواء نال ذلك إعجاب الرأي العام أم لم ينل.

وعلى الرغم من أن البعض يتحدث عن عدم جدوى صرف الميزانيات من أجل أنشطة عابرة، فإن ليلى بركات، المنسقة العامة تقول إنها تعتز بالكثير من المشاريع التي تدخل في خانة التنمية المستدامة، التي ستعطي دفعا ثقافيا للبنان على مدى سنوات كثيرة مقبلة، «والمشاريع من هذا النوع كثيرة، منها على سبيل المثال تدريب مديرين ومسؤولين تنفيذيين في دور نشر لبنانية كبيرة على يد اختصاصيين ألمان في مجال النشر، وقد تحول ناشرون معروفون كما بعض مديري الدور إلى تلامذة نشطين من الصباح إلى المساء طوال أسبوع». وتضيف بركات: «التدريب كما التأهيل لم يطل الناشرين فقط بل وصل إلى صناع كتب الناشئة، ومعلوم أن كتب الصغار باللغة العربية تعاني هزالا في الصورة كما في المضمون، وهو ما تم الالتفات إليه من خلال تدريب نحو 30 كاتبا ورساما يعملون على كتب الناشئة من خلال ورشة عمل نظمها المكتب الإقليمي لليونسكو». وبمناسبة نشاطات هذه السنة الاستثنائية، قد تكون المرة الأولى في لبنان التي تبصر فيها النور دراسة علمية شاملة عن قطاع صناعة الكتاب، ويقوم الباحث كمال حمدان بالعمل على إحصاءات، سيكتشف من خلالها اللبنانيون، الوضع الحقيقي للنشر في بلادهم، خاصة أن المقولات حول هذا القطاع كثيرة، لكن المعلومات الموثقة قليلة، ومما يشاع أن لبنان يُصدر أكبر عدد من العناوين في العالم العربي، مقابل أعداد كبيرة من النسخ عن العنوان الواحد في مصر، وستتمكن هذه الدراسة من تقديم صورة جلية عن الوضع الحقيقي للنشر والناشرين في لبنان، لتقطع الشك باليقين، ليس ذلك فحسب بل إن مهنة الطباعة هي أيضا تحت مجهر الرصد، إذ قامت «دار صادر ناشرون» بعمل بحث توثيقي حول الطباعة في لبنان والمنطقة، والمراحل التي مرت بها، وما وصلت إليه، وسيصدر البحث في كتاب يحمل اسم «الطباعة في لبنان والشرق».

ولكن هناك ما يستحق العمل عليه دون انتظار نتائج الأبحاث ومنها ضرورة الاهتمام بالمواهب الناشئة. وخلال هذه السنة مولت المنسقية العامة لبيروت عاصمة عالمية للكتاب ورشات عمل مدرسية في مناطق مختلفة من لبنان، الهدف منها اكتشاف المواهب اليانعة في المدارس واحتضانها. وتؤكد ليلى بركات: «أن هذه المشاريع ليست آنية، والمواهب ستبقى محتضنة، وسيتم تشجيعها».

«الميزانية لم تصرف هباء» تقول ليلى بركات: «وقد عمدنا إلى تمويل مشاريع سيكون لها تأثيرها على المدى الطويل، فللمرة الأولى تتم طباعة نصوص لمسرحيات من الربرتوار اللبناني، الذي سيضيع إن لم نلتفت إليه. وقد صدرت أربعة كتب ضمت نصوصا لمسرحيات ريمون جبارة، وجلال خوري، ومنير أبو دبس وأسامة العارف. كما بدأ المسرحي المعروف روجيه عساف كتابه (مسيرة المسرح أعلام وأعمال) الذي سيستغرق سبعة أجزاء، صدر منها جزآن مولتهما المنسقية، وهو عبارة عن أرشفة للمسرح اللبناني. كما تقوم الممثلة المسرحية حنان الحاج علي بدراسة نشاط (مسرح بيروت) منذ الستينات». فهذا المسرح الذي يعتبر الأقدم في العاصمة اللبنانية فتح وأغلق أبوابه عدة مرات تحت ضربات الأحداث الموجعة التي تعرضت لها المدينة، وحكايته هي حكاية لبنان مختزلة في مسرح صغير لكن رمزيته كبيرة.

«الأرشفة والتوثيق كانت أحد أهداف المنسقية» بحسب ما تشرح بركات «فهناك توثيق للزجل اللبناني عبر سلسلة عن كبار رواد هذا الفن. وهناك توثيق للتراث الغنائي اللبناني، يقوم به ناصر مخول، كما دعمنا توثيق مخطوطات غير معروفة لجبران خليل جبران».

صعوبة إرضاء المثقفين الذين كانوا جزءا أساسيا من إحياء مشاريع هذه السنة، أمر لا تنكره بركات، وهي تعتبر النقد الذي وجه للطريقة التي أديرت بها الأنشطة أمرا طبيعيا، فإن أحدا لا يستطيع أن يرضي البشر جميعا، لكنها تصر على «أن تكون الشفافية جزءا من العمل، وعلى أنها تنوي نشر أرقام الميزانية بالتفصيل، كي يعلم المواطنون - وهذا حق لهم علينا - أين ذهب كل قرش، ولماذا صرف؟».