أسبوع إسطنبول للخريف والشتاء.. عين على المستقبل وآخرى تخاف الحسد

باهار كورسان تبهر.. وتشكيلة هاكان تلمع بدون كريستال

TT

اليوم الثالث من أسبوع إسطنبول كان يوم عرابة الموضة التركية بهار كورسان بدون منازع. كان عرضها في الساعة التاسعة مساء، بعد يوم طويل، ومع ذلك استقطب جمهورا كبيرا من نخبة المجتمع الإسطنبولي والمعجبين، إلى جانب وسائل الإعلام. ما يعرفه الحضور والمتابعون للسوق التركي، أن باهار من أهم المصممين في الساحة حاليا، وتحظى باحترام كبير، لأنها ترأس منظمة المصممين التركية من جهة، ولأن تاريخها طويل يمتد إلى نحو عشرين عاما، وهذا ما جعل حجم الترقب يوازي أهميتها ومكانتها. ما قدمته مساء يوم الجمعة كان مثيرا على كل الأصعدة، سواء من جهة الابتكار والفنية، أم من جهة الجدل. فطريقة التنسيق أو بالتحديد أشكال الإكسسوارات ونوعيتها جعلت كل واحد يقرأها ويؤولها على هواه.

في البداية ظهرت مجموعة من العارضات في قطع تجمع بين الفنون والجنون، مثل معطف رسمت على ظهره مربعا صغيرا تتوسطه قطعة زجاج قرأها البعض على أنها «عين» للوقاية من الحسد. وهي قراءة ربما تشجعها ثقافة الشارع التركي، الذي يبدو أنه مسكون بالخوف من العين وبالتالي يستعملها كمضاد واق في المجوهرات، وفي الملابس وفي الديكورات المنزلية وغيرها. بل حتى في الشوارع العامة، وعلى رأس أعمدة الضوء ترى يدا، أو خميسة، مرسومة عليها. إلى جانب هذه القراءة، رأى البعض أنها ترمز للمستقبل، بمعنى أن عينها عليه، وبالتحديد على 2023، وهو العام الذي تأمل فيه تركيا أن تحقق هدفها بأن يكون لها ما لا يقل عن 10 بيوت أزياء عالمية، ويقوي عود أسبوعها ليناطح الأربعة الكبار؛ نيويورك، وميلانو، وباريس ولندن. وإذا كان هناك مصمم يمكن أن يقوم بهذه المهمة، فهي باهار، وتشكيلتها هذه أكبر دليل على أنها واثقة ومعتزة بجذورها التركية، وفي الوقت ذاته تنفث فيها روحا عصرية. فبعد المجموعة الأولى التي تأرجحت بين الفنية والنظرة المستقبلية، قدمت مجموعة ثانية غلب فيها الأسود على قطع طويلة، بأقمشة حديثة مرسومة باليد من أسفل، فيما غطي الرأس بقبعات غريبة تستوحي خطوطها من البرقع، وبالتالي من عصر الحريم السلطاني، لتأتي الخلطة ثقافية وفنية، مثيرة للعين وللعقل.

وإذا كانت تشكيلة باهار قد أثارت آراء متباينة، فإن التشكيلة التي قدمها المصمم هاكان، قبلها بيوم وفي التوقيت نفسه، كانت بالإجماع موفقة. فهذا الشاب الذي يحلق إلى العالمية بسرعة صاروخية، قدم تشكيلة تحاكي «هوت كوتير» في تفصيلها، والأزياء الجاهزة في سلاستها وعمليتها. الأسود كان هو الغالب عليها، لكن قدرته على تقديم فساتين للكوكتيل أو المساء والسهرة، في غاية الأناقة والجمال من دون أي استعانة بأحجار الكريستال أو أي بريق يلمع، كانت هي اللافتة في هذا العرض. وهذا ما لخصته أوليفيا سايمون، وهي صاحبة محل يخاطب العارفات والنخبة في مدينة كولون الألمانية يشتهر باسم «سايمون آند رينالدي» في بضع كلمات: «يمكنني ويسعدني شراء أي قطعة من هذه التشكيلة وضمان بيعها بسهولة للسوق الألماني والأوروبي، لأنها متميزة وفي الوقت ذاته لافتة من دون استعراض أو بهرجة». تجدر الإشارة إلى أن هاكان سيشارك في أسبوع الموضة بلندن هذا العام، ويعتبر عرضه من العروض التي تتسابق محررات الموضة لحضورها، لأن الأخبار تناهت إليهن بأنه سيسطع فيها. في يوم الجمعة وقبل عرابة الموضة بهار كورسان، كان لنا موعد مع مخضرمة أخرى في مجال الموضة، ألا وهي المصممة أوزلام سوير، التي دخلت هي الأخرى، مجال التصميم منذ أكثر من عشرين عاما، وبالتالي تعرف تماما كيف تخاطب امرأة تريد التميز في المناسبات الخاصة، بدون بهرجة أيضا. تشكيلتها للخريف والشتاء المقبلين جاءت لافتة تبدو للوهلة الأولى وكأنها تستقي خطوطها من العهد الفيكتوري. فالياقات كانت عالية للغاية وبكشاكش وطيات وأشرطة، وجاءت في الغالب كقطع منفصلة يمكن تثبيتها على الفستان أو إزالتها من باب التغيير، واستعملت فيها الدانتيلا والألوان الترابية الهادئة إلى جانب الأسود والرمادي وغيرها. بيد أن المصممة، بعد العرض قالت لـ«الشرق الأوسط» إن نقطة التلاقي بين التشكيلة وبين العصر الفيكتوري لا تتعدى جانب الرومانسية فقط، مضيفة أن ملهمها الحقيقي كان لقاء مدينتين: باريس وإسطنبول. باريس بجمالها وقصورها وإسطنبول بتاريخها وترفها. وأضافت مستدركة، إن فرنسا تحتفل بالثقافة التركية هذا العام، وهذا ما جعلها تشعر بالرغبة في أن ترد التحية بأحسن منها في هذه التشكيلة.

من جهتها قدمت دار «مافي» تشكيلة تضج بالعصرية والحيوية. تشكيلة كل ما فيها يخاطب شريحة الشباب، بدءًا من بنطلونات الجينز إلى الجاكيتات ذات التصميمات الغريبة أحيانا، لكنها غرابة ستثير اهتمام هذه الشريحة، بلا شك. التنسيق أيضا كان موفقا، لأنها قدمت اقتراحات لم يكن يخطر ببال أحد أنها يمكن أن تبدو رائعة، مثل تنسيق جوارب مع صنادل مفتوحة للبنات. فمع أن هذا المظهر أطل علينا عند «برادا» وغيرها منذ بضع سنوات، فإنه لم يأخذ هذا القدر من الجاذبية قبل الآن. فالأتراك، كما برهنوا إلى الآن، لهم قدرة عجيبة على التنسيق تضفي على عروضهم الأناقة، حتى عندما لا تكون القطع جديدة من الناحية الإبداعية، مثل ما قدمته ماركة «مافي». جدير بالذكر أن هذه الماركة، التي تخاطب سوقا عالميا، من الشباب أولا وأخيرا، هي أول ماركة جينز تركية، وهي أول من خرج منها إلى الأسواق العالمية عام 1991، تاريخ تأسيسها. وطوال هذه الفترة، تعاونت مع عدة مصممين عالميين مثل رفعت أوزبك ومتخصصين في بنطلونات الجينز مثل فينوتشيا دي روسي، فيما تشمل لائحة زبائنها، لايدي غاغا، وجولييت لويس، وبيلي زاين، وزاك إيفرون وغيرهم.

ولأن التنوع كان سمة أخرى من سمات الأسبوع، فإن المصممة إيديل ترزي، قدمت عرضا مختلفا، برهنت فيه على أنها تعشق الصعب. فهذه الشابة التي درست التصميم في جامعة مرمرة للفنون الجميلة، ثم في معهد «سانت مارتنز» بلندن ثم أكاديمية دوموس بميلانو، قررت بعد التخرج أن تتخصص في الملابس المحبوكة بالصوف، مع العلم أن هذا الجانب يصعب الابتكار فيه بشكل كبير. وهذا ما انعكس على تشكيلتها للخريف والشتاء، فقد كانت أنيقة وعملية تتوفر على كل العناصر التي تتمناها أي امرأة تريد أزياء من خامات جيدة بتفصيل رائع وألوان جذابة، لكنها تفتقد عنصر الإبهار، باستثناء قطع معدودة كان من السهل تصور استعمالها في مناسبات خاصة، مثل فستان أسود بطيات متعددة على شكل طبقات متراصة فوق بعض مع وردة من اللون نفسه والخامة توسطت الظهر. إيديل لم تكتف بالصوف لإضفاء الدفء على عرضها، بل استعانت بخمس عارضات لا يتعدين الثلاث سنوات، كان حضورهن منعشا ببراءتهن وخجلهن وهن يجرين على المنصة أو يحسبن خطواتهن بأصوات مسموعة وهن يجتهدن في تنفيذ التعليمات التي تلقينها خلال البروفات.

مما لا شك فيه أن أسبوع إسطنبول في موسمه الثاني، لم يصل بعد إلى مستوى العواصم العالمية الأربعة، وإن كانت الدلائل الأولية تشير إلى أنه سيكبر بطريقة صحية، ليس لأن مصمميه قادرون على دفعه إلى الأمام، أو لأن تركيا فسيحة وتتمتع بمواهب كثيرة فحسب، بل لأن الحكومة تدعمه، وهذا وحده يكفي لأن يعطي الأمل بأنه سيثمر نتائج كبيرة. فلندن مثلا، لم تبدأ في الانتعاش واكتساب الحيوية إلا بعد أن انتبهت الحكومة إلى أن الإبداع شريان مهم في الاقتصاد، ولا بد من الاعتناء به. حقيقة انتبهت إليها إسطنبول منذ البداية، لهذا رغم المعوقات والأخطاء الأولية، تبقى القدرة على الابتكار والخروج إلى العالمية بأنفاس تركية شرقية يجتمع فيها الماضي بالحاضر والمستقبل، الذي يستهدف عام 2023، هي ما سيبقى عالقا في الذهن عن أسبوع إسطنبول لخريف وشتاء 2010.