برتران كانتا المغني الفرنسي قتل امرأتين من الحب

الحبيبة ماتت بصفعة منه والزوجة انتحرت شنقا في بيتهما

المغني برتران كانتا وماري ترنتينيان العشيقة القتيلة وكريستينا رادي أثناء محاكمة زوجها في ليتوانيا
TT

هل هي لعنة المخرجة الفرنسية نادين ترنتينيان التي تلاحق المغني الشاب برتران كانتا، رئيس فرقة «نوار ديزير»، الذي يبدو وكأنه منذور للصدمات؟ لقد خرج كانتا من السجن بعد أن أدانه القضاء في حادثة مقتل صديقته السابقة الممثلة ماري ترنتينيان، ابنة نادين والنجم جان لوي ترنتينيان، وعاد إلى كريستينا، شريكة حياته ووالدة طفليه. لكن هذه الأخيرة التي وقفت إلى جانبه طوال سنوات حبسه لم تحتمل الحياة معه وهو مطلق السراح، فأنهت حياتها، قبل أيام، في بيتهما في مدينة بوردو، غرب فرنسا.

في السجن حاول كانتا الانتحار، وطاردته هواجس الموت بعد خروجه من الزنزانة، وكانت كريستينا رادي، زوجته المجرية الأصل ووالدة طفليه، هي المرأة القوية والصابرة التي غفرت له الخيانة وحاولت أن تعيد إليه لذة العيش قائلة له إن ما فات مات ومن حقهما أن يتمتعا، مجددا، بشبابهما الذي ضاعت سنوات ثمينة منه. لكن من انتحر كان هي، بخلاف كل التوقعات.

وكريستينا ليست امرأة ضعيفة، ولهذا فإن لغز مصرعها، قبل أُسبوعين، ما زال يحير الكثيرين من عائلتها وأصدقائها. فالمرأة التي رفضت طلب الطلاق من زوجها، وهو في السجن، رغم أن القانون يتيح لها ذلك، والزوجة التي غفرت الخيانة وجاهدت لكي تخفف الحكم عن الزوج الذي هجرها ليلحق بامرأة أُخرى، انهارت فجأة، بعد أن أرسلت طفليها إلى المدرسة، وبعد أن أرسلت إلى ناشرها في باريس مخطوطة آخر نص انتهت من ترجمته، صعدت إلى الطابق العلوي من بيتها في مدينة بوردو، غرب فرنسا، وشنقت نفسها في نهار شديد البرودة، تاركة رسالة تعتذر فيها لوالديها ولطفليها.

قبل هذا الحادث بخمس سنوات، وفي نهار صيفي قائظ، كانت الممثلة الفرنسية ماري ترنتينيان قد دخلت في الغيبوبة إثر صفعة، أو ضربة على الرأس، من صديقها المغني برتران كانتا وهو تحت تأثير المخدر. ولم يصدق المعجبون الكثيرون بهذا الفنان الذي اشتهر بوقوفه مع القضايا العادلة في العالم وبطباعه الهادئة، أنه يمكن أن يضرب امرأة كان يعشقها إلى حد الجنون. وقد وقع الحادث في العاصمة الليتوانية فيلنيوس، حيث كانت ماري تصور فيلما عن حياة الكاتبة الفرنسية كوليت وتقوم بدور البطولة فيه. ولم تكن مخرجة الفيلم سوى والدتها نادين. ومثلما أن الجاني كان متزوجا من كريستينا التي تنتظر طفلا منه، وحامل في الشهر السابع، فإن الضحية كانت متزوجة من قبل ولها أربعة أبناء.

المخرجة نادين ترنتينيان، الوالدة المفجوعة التي عايشت المأساة منذ بدايتها وفقدت بطلتها وابنتها في الليلة ذاتها التي أعقبت احتفال فريق الفيلم بانتهاء التصوير، قررت أن تخوض معركة شرسة لملاحقة قاتل ابنتها وإيقاع أقصى العقوبات عليه، رغم أنه كان يعاني من حالة من تأنيب الضمير ويمر بفترة من الانهيار العصبي المترافق مع الحزن الشديد والكآبة. وظل المغني العاشق يؤكد، في التحقيق، أنه لم يكن يقصد أن يوقع ضررا بصديقته التي كان يعيش معها علاقة حب جارف. بل إن شجارا قام بينهما لأسباب تتعلق بالغيرة، كما يحدث بين كل المحبين، تطور إلى قيامه بصفعها صفعة لم يتصور أنها ستؤدي إلى حرمانه منها إلى الأبد.

ومهما كانت أنياب الندم قاسية وهي تنهش قلب برتران كانتا، فإن والدة الضحية كانت أكثر الناس بؤسا وفجيعة، فهي التي دعت ابنتها للتمثيل في الفيلم، وأخذتها مع فريق التصوير إلى ليتوانيا، وتم كل شيء على ما يرام، واحتفل الجميع بانتهاء التصوير وذهبوا للنوم على أمل العودة، في اليوم التالي، إلى أرض الوطن. لكن الابنة كانت تتعرض للضرب في تلك الليلة، بينما كانت الأم تغط في النوم، منهكة من العمل الذي استغرق الإعداد له وتنفيذه شهورا.

عرف الوسط الفني بالنبأ الحزين عندما أعلن جراح الأعصاب الفرنسي ستيفان دولاغو للصحافيين أن الممثلة ماري ترنتينيان ستخضع لعملية جراحية في «محاولة أخيرة» لإنقاذ حياتها. وأضاف الجراح الذي كان قد سافر إلى فيلنيوس بناء على طلب الحكومة الفرنسية للإشراف على الفريق الطبي الذي سيجري العملية «سننجز الجراحة هنا في ليتوانيا، بناء على طلب أهل المريضة، لأن حالتها شديدة الخطورة».

وبالفعل، أجريت لماري ترنتينيان جراحة دقيقة أولى، وكان إلى جانبها أبوها وشقيقها فنسان الذي كان يعمل مساعدا للإخراج في الفيلم. ثم تم نقل الممثلة إلى باريس وإدخالها أحد المستشفيات الشهيرة، وتولى الطبيب نفسه إجراء عملية ثانية لها. لكن النجاة لم تكن مقدرة لها، وتوفيت إثر إصابتها بنزيف في الدماغ.

من جهة أخرى، تم نقل برتران إلى المستشفى نفسه الذي نقلت إليه الضحية في ليتوانيا. وكان ثملا بشكل مفرط، إلا أنه غادر المستشفى بعد يومين، حيث اعتقلته الشرطة وتم التحقيق معه بتهمة القتل غير العمد. وحال إعلان وفاة ماري، بدأت عائلة ترنتينيان بإجراءات قضائية ضده. وتولى الملف محققون فرنسيون خرجوا بنتيجة مفادها أن الضحية تعرضت لصدمات بسبب الضربات المتكررة على وجهها، مما سبب لها رضوضا في الجمجمة وكدمات في مناطق أُخرى من جسدها، مما يؤكد ما خلص إليه الأطباء الليتوانيون من قبل.

ونقل كانتا إلى مستشفى السجن بسبب حالته النفسية المتردية. وطالبت فرنسا بتسليمه إليها لمحاكمته على أرضها. لكن القضاء الليتواني رفض الطلب، وقرر أن تجرى المحاكمة على أرض البلد الذي وقع فيه الحادث. وهكذا كان، وأصدرت محكمة ليتوانية حكما بالسجن لثماني سنوات على المغني. وقال كانتا في شهادته أمام المحكمة إنه صفع صديقته أربع مرات في غرفتهما في الفندق. وأظهر تقرير الطبيب العدلي أنها توفيت تأثرا بتلك الصفعات. أما المدعي العام الذي طالب بعقوبة أثقل فقد ارتأى أن كانتا كان مدركا لأفعاله، وأنه من غير الممكن أنه لم يكن واعيا لخطورة الوضع، خصوصا أنه لم يستدع الإسعاف بعد خمود جسم الضحية، قائلا إنه تصورها نائمة. ولما فشل في إيقاظها، بعد ذلك بساعات، اكتفى بمهاتفة شقيقها لكي يأتي ويرى ماذا يمكن فعله. وهنا، كان لشهادة كريستينا، زوجة برتران كانتا، دور حاسم في تخفيف الحكم عليه، فهي قد طارت إلى ليتوانيا حالما سمعت بالخبر، وحضرت المحكمة كشاهدة ذكرت في إفادتها أن زوجها ليس بالرجل العنيف، وهو لم يضربها مطلقا من قبل.

لم يطلب برتران كانتا سيارة الإسعاف لحبيبته، بل كان شقيقها هو الذي سارع لطلب النجدة. وكان المتهم يرد عشرات المرات على المحققين بأن الضرر وقع نتيجة حادث مؤسف، أي قضاء وقدرا، وأنه لا يصدق كيف ماتت حبيبته ماري على يديه، وهل يمكن للكحول الذي أفرطا في احتسائه معا، تلك الليلة، أن يدفع البشر إلى ارتكاب الجرائم؟ وتشاء الصدف أن أهم دور سينمائي للممثلة الشابة الراحلة هو ذاك الذي قامت به مع المخرج كلود شابرول في فيلم «بوتي» عام 1992، وجسدت فيه شخصية امرأة مدمنة على الكحول. وبعد الحكم، تم تسليم المغني إلى بلده فرنسا لكي يقضي عقوبته في سجونها. وبعد أربع سنوات قرر قاضي التنفيذ الإفراج عنه. ووجدت ماري ترنتينيان، والدة الممثلة القتيلة، أن العدالة خذلتها مرتين، الأولى عندما أصدرت حكما مخففا على المتهم. والثانية عندما أطلقت سراحه بعد انقضاء نصف مدة العقوبة.

يوم الإفراج، انشغلت الصحافة الفرنسية والرأي العام بالقضية إلى حد أنها تصدرت نشرات أخبار التلفزيون على مدى ثلاثة أيام. وقد تركز الاهتمام، هذه المرة، على كيفية تلقي والد ماري الممثل العجوز جان لوي ترنتينيان الخبر. فمن المعروف أن هناك علاقة استثنائية كانت تجمع بين الأب والابنة، وأنه كان يصرح في أكثر من مناسبة بأن «ابنتي رائعة ولا توجد ابنة في مثلها».

ورغم طلاق والديها إلا أن ماري استمرت بعلاقة جيدة مع أبيها، بل ازداد الرابط بينهما. وقد مرت الممثلة في مراهقتها بفترة من الصمت والخرس، ثم كان عليها أن تتعلم النطق من جديد، وأن تتمرن على تبادل الحوارات، من دون أن تتخلص حبالها الصوتية من تلك النبرة النحاسية التي تجعل النقاد يصفون صوت ماري بأنه «صوت مكسور». وعلى الرغم من موهبتها وجمالها وشهرة أبيها، فإن ماري لم تعثر على الحب المثالي الذي تستند إليه في حياتها. لقد ارتبطت برجلين من قبل، وأنجبت أطفالا، لكن كل شيء انتهى إلى الانفصال. وعندما تعرفت على المغني برتران كانتا، الذي يصغرها في السن، تصورت أنها وجدت الإنسان الدافئ، المخلص، والعاشق المتيم الذي ستمضي معه ما تبقى من سنوات حياتها، بل إنها في ذلك الحفل الصغير الذي أُقيم بمناسبة انتهاء تصوير فيلم «كوليت»، قالت لزملائها وهي تنسحب باكرا من الحفل «سأذهب لملاقاة حبيبي». وكان اللقاء الذي لا رجعة منه. لقد تصادف أن طلبها زوجها السابق على هاتفها النقال وترك لها رسالة صوتية رقيقة، وكان ذلك كافيا لإشعال نار الغيرة في قلب العاشق الشاب فتشاجرا وكان ما كان.

خرج كانتا من السجن وعاد إلى زوجته الوفية التي ساندته في محنته وربت طفليهما في انتظار الإفراج عنه. وكانت كريستينا، التي تجيد ست لغات وتحمل شهادة عالية في الأدبين الفرنسي والبرتغالي، قد تركت عملها في المعهد الثقافي المجري في باريس، وتفرغت لترجمة الأعمال الأدبية من بيتها في بوردو، ولتعريف القراء الفرنسيين بكبار كتاب بلدها. كما أنها ترجمت عن الفرنسية مسرحية للكاتب اللبناني وجدي معوض، وأنهت نصا للكاتبة الإيرانية مرجان سترابي، وكان كل شيء يبدو في طريقه إلى التحسن بعد تلك الأزمة التي كادت تعصف بعقلها. لكن الألم الدفين طفا على السطح، لسبب سيبقى سرا من أسرار البيوت والصدور المقفلة على همومها، وغابت كريستينا رادي عن الحياة، تاركة رسالة ذكرت فيها كل أحبائها عدا زوجها برتران، نجم فريق «الرغبة السوداء» (نوار ديزير) الذي ماتت في حبه امرأتان موهوبتان في غضون خمس سنوات.